الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
القرآن الكريم كتاب الله عز وجل، وكلامه، وصفة من صفاته المقدسة. قال الله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) التوبة/6.
ولذا يجب على المسلم تعظيمه وصيانته وتنزيهه. قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب) الحج/32.
وأما تدنيس المصحف وإهانته بتمزيقه؛ فهو كفر أكبر مُخرج من الملة، لقوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) التوبة/65-66.
يقول الإمام النووي رحمه الله: "وأجمعت الأمة على وجوب تعظيم القرآن على الإطلاق وتنزيهه وصيانته، وأجمعوا على أن من استخف بالقرآن، أو بشيء منه، أو بالمصحف، أو ألقاه في قاذورة، أو كذَّب بشيء مما جاء به من حكم أو خبر، أو نفى ما أثبته، أو أثبت ما نفاه، أو شك في شيء من ذلك، وهو عالم به: كفر" "المجموع" (2/ 170).
ويقول الخطيب الشربيني رحمه الله: "الفعل المكفر ما تعمده استهزاء صريحاً بالدين، أو جحوداً له: كإلقاء مصحف بقاذورة، وسجود لصنم" "مغني المحتاج" (4/ 176).
فمن أهان المصحف؛ فقد وقع في الردة باتفاق الفقهاء.
وأما عن الاستتابة فهي واجبة قبل إقامة حد الردة، كما هو مذهب المالكية والمعتمد عند الشافعية والحنابلة.
يقول الخطيب الشربيني رحمه الله: "يجب استتابة المرتد والمرتدة قبل قتلهما؛ لأنهما كانا محترمين بالإسلام، فربما عرضت لهما شبهة، فيسعى في إزالتها؛ لأن الغالب في الردة تكون عن شبهة عرضت، وثبت وجوب الاستتابة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه" "مغني المحتاج" (4/ 180).
وأما مدة الاستتابة فاختلفوا فيها على قولين: قيل ثلاثة أيام، وقيل يستتاب حالاً، وهذا الثاني هو المعتمد في مذهبنا مذهب الشافعية، ولا تعارض بين القولين؛ إذ يطلب منه فوراً أن يتوب، فإن فعل فبها ونعمت، وإلا كرر عليه الطلب ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا أقيم عليه الحد الذي نصت عليه مجموعة من الأحاديث، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) رواه البخاري.
ودليل الاستتابة ما رواه الإمام مالك في "الموطأ" بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في رجل قتل بعد الردة من غير استتابة: "أَفَلَا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثًا وَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا وَاسْتَتَبْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ وَيُرَاجِعُ أَمْرَ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أَحْضُرْ وَلَمْ آمُرْ وَلَمْ أَرْضَ إِذْ بَلَغَنِي".
فمن تاب ورجع إلى الإسلام قُبلت منه توبته، ولم يُقتل ردة.
وعلى كل حال: حَدُّ الردة لا يُقيمه إلا الحاكم أو نائبه بعد قضاء القاضي به، وليس للأفراد الافتئات على ولي الأمر بإقامة الحدود. والله أعلم.