الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
يجوز نقل الزكاة - ومنها زكاة الفطر- إلى غير البلد الذي وجبت فيه ما دام أنه يوجد مستحق لها في ذلك البلد المنقول إليه، خاصة إذا ظهرت حاجة لذلك، كأن تدفع لقريب، أو لشخص أشد حاجة، أو وقعت كارثة تقتضي تعجيل المساعدة، ونحو ذلك من الأسباب.
ودليل ذلك الأثر الوارد عن طاووس، قَالَ مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لأهْلِ اليَمَنِ: (ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ -أَوْ لَبِيسٍ- في الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ) رواه البخاري معلَّقاً. ووجه الشاهد أن فيه نقل الزكاة من اليمن إلى المدينة المنورة.
وقد اعتمد هذا القول متأخرو الشافعية وكثير من المتقدمين، فقال قليوبي في "الحاشية على شرح المنهاج": "القول الثاني: يجوز النقل وتجزئ، واختاره جماعة من أصحاب الشافعي، كابن الصلاح، وابن الفركاح، وغيرهم، قال شيخنا تبعا لشيخنا الرملي: ويجوز للشخص العمل به في حق نفسه، وكذا يجوز العمل في جميع الأحكام بقول من يثق به من الأئمة، كالأذرعي والسبكي والإسنوي على المعتمد" انتهى.
وأما الدليل الذي يستدل به من منع نقل الزكاة، وهو حديث: (تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ)، فقد أجاب ابن دقيق العيد عن هذا الاستدلال بقوله: إنه "ضعيف؛ لأن الأقرب أن المراد: يؤخذ من أغنيائهم من حيث إنهم مسلمون، لا من حيث إنهم من أهل اليمن، وكذلك الرد على فقرائهم، وإن لم يكن هذا هو الأظهر فهو محتمل احتمالاً قوياً، ويقويه أن أعيان الأشخاص المخاطبين في قواعد الشرع الكلية لا تعتبر، وقد وردت صيغة الأمر بخطابهم في الصلاة ولا يختص بهم قطعاً -أعني الحكم- وإن اختص بهم خطاب المواجهة" انتهى من "إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام".
[وأما عن تقدير زكاة الفطر فتقدر بحسب البلد الموجود فيه، وليست بمقدارها في بلده الأصلي.
قال الإمام النووي رحمه الله في كتابه "المجموع" (6/ 226): "ولو كان بعض ماله معه في بلد وبعضه في بلد آخر وجبت زكاة الفطر في البلد الذي هو فيه بلا خلاف"] (1). والله تعالى أعلم
(1) تم إضافة هذه الفقرة بتاريخ 21/7/2014م.