التصديق بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان وما قضاه الله وكتبه كائنٌ لا محالة، ونحن يحاسبنا الله على ما اخترناه من عمل صالح أو سيِّئ، وليس على ما كتبه في الأزل، قال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ) رواه مسلم.
فأنت ترى أن جزاء الاثنين واحد؛ لأن اختيارهما واحد، لكن الذي سبق في علم الله أنه يقتل صاحبه قبله، فالحساب إذاً على الاختيار سواءٌ وقع ما اخترناه أم لا.
وإلى جانب ذلك كلّفنا الله بالعمل بما في الكتاب والسنة، ولولا قدرتنا على الاختيار ما أمرنا ولا نهانا.
أما كيف يكون تأثير الدعاء مع ما سبق في علم الله، فأقرب مثل عليه الطعام والشراب والدواء، فنحن نعلم أن العمر محدود لكن نأكل ونشرب ونتداوى؛ لأن ذلك سبب للحياة؛ وإن كنا نعتقد أن ذلك لا يؤثر فيما كتبه الله، فكما نتداوى عملاً بالأسباب التي أمرنا الله بها ندعو أيضاً عملاً بما أمرنا الله به، فقد قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) البقرة/ 186، وقال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)غافر/60، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عباد الله تداووا) رواه الترمذي.
ولا ننسى أن الدواء لا يؤثّر إلا بمشيئة الله وإذا اجتمعت شروطه، وكذلك الدعاء لا يؤثر إلا إذا اجتمعت شروطه وكلّ ذلك بمشيئة الله.
فالمؤمن يدعو امتثالاً لأمر الله ويتداوى امتثالاً لأمر الله وله على ذلك الثواب، وأما النتائج فأمرها إلى الله وكل عاقل مؤمن صاحب تجربة يلمس أثر الدعاء كما يلمس أثر الدواء، بل أن المؤمنين الصادقين يتوصّلون بالدعاء إلى ما تعجز عنه الوسائل المادِّية وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
"فتاوى الشيخ نوح علي سلمان" (فتاوى العقيدة / فتوى رقم/29)