أبو هريرة من أكثر الصحابة رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يكن أكثرهم على الإطلاق، وسبب ذلك أنه انقطع بعد إسلامه لسماع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشغله ذلك عن كل شيء، حتى عن ضروريات الدنيا، فكان يكتفي بما يسر الله من الطعام واللباس، ويسكن المسجد، ويحضر مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم وغزواته، كما أنه كان يروي عن الصحابة ما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما قامت الفتنة لم يشارك فيها؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد أخبر بها وحذر من الانغماس فيها، وحياده وعدم وقوفه إلى جانب علي كرّم الله وجهه أثار عليه نقمة الشيعة فهم ينقمون على كل صحابي لم يقف إلى جانب علي، ولذا أشاعوا حوله الشائعات وشكّكوا في مروياته كما شكّكوا في غيره من كبار الصحابة، وماذا يُرجى ممن لا يعجبه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم جميعاً، ويكفر كل الصحابة إلا ثمانية منهم كانوا إلى جانب الإمام علي رضي الله عنه منذ أيام أبي بكر هكذا يزعم الشيعة، ويتناسون أن مئات الصحابة رضي الله عنهم كانوا إلى جانب الإمام علي في معركة الجمل، وفي صفِّين أيضاً، لكن هم يكفِّرون من لم يفضّل عليًّا على أبي بكر وعمر وعثمان، مع أن الإمام علياً كان صديقاً متعاوناً مع هؤلاء الخلفاء يشاورونه ويستفتونه، لكن الشيعة في نفوسهم شيء ليس هنا مكان ذكره.
وفي العصر الحديث قام المستشرقون يحاولون الطعن في الإسلام وتشكيك أبنائه فيه فوجدوا الطريق إلى القرآن مستحيلاً، ووجدوا أبواب الحديث منيعة يحرسها المحدثون الذين أفنوا أعمارهم في الدفاع عن السنة وردّ افتراء المفترين عليها، فسلك المستشرقون مسلكاً خبيثاً هو الطعن في الأشخاص الذين رووا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم أبو هريرة رضي الله عنه ثم بعض مشاهير رجال الحديث.
كما طعنوا وشوَّهوا هم وتلاميذُهم سمعةَ كل من يحمل الإسلام؛ ليصلوا إلى الطعن في الإسلام وهم في ذلك كله يزعمون الحياد والبحث العلمي المجرّد، وأحياناً يُبدون إعجابهم بالإسلام أو ببعض جوانبه؛ ليدفعوا عن أنفسهم تهمة العداء للإسلام، وهم ما قاموا إلا ليكيدوا للإسلام.
وقد وجد هؤلاء المستشرقون فيما افتراه الشيعة على أبي هريرة رضي الله عنه وغيره من الصحابة مادة لبحوثهم الخبيثة؛ فاعتمدوا عليها، واستطاعوا أيضاً إيجاد تلاميذ وعملاء لهم ينفذون رغباتهم، ويطرحون آراءهم، طلباً للدنيا أو للشهرة ولو بالسوء، ومنهم أبو رية الذي ألف الكتاب الذي أشرت إليه، فقام علماء المسلمين يفنِّدون المزاعم ويردون الشبه والأكاذيب منهم أستاذنا الدكتور الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله في كتابه (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي)، فقد ردّ على أبي ريّة مزاعمه وبيّن أنه ليس عالماً بل هو صحفي صغير.
وهناك كتاب آخر اسمه "دفاع عن أبي هريرة" ألفه عبد المنعم صالح العلي العزى، وهذه الكتب موجودة في الأسواق وحبذا لو اطلعتم عليها، والله يهدينا سواء السبيل.
"فتاوى الشيخ نوح علي سلمان" (فتاوى العقيدة / فتوى رقم/2)