لقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم كُلاًّ من الرجل والمرأة أن يحسن اختيار شريك حياته، قال عليه الصلاة والسلام: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) متفق عليه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) رواه الترمذي وغيره.
وأمر الخاطب أن ينظر إلى خطيبته قبل أن يبتّ في أمر الخطبة، قال عليه الصلاة والسلام لمن خطب ولم ينظر لخطيبته: (اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا) رواه الترمذي وحسّنه، أي أن ذلك سبب للوفاق، وقال عليه الصلاة والسلام: (لاََ تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ) متّفق عليه، أي لا تُزوّج الثيّب إلا بإذن صريح، ولا البكر إلا بموافقة ولو كانت موافقة ضمنية، وهناك توجيهات نبوية كثيرة تأمر كُلاًّ من الزوجين أن لا يبتّ في أمر الزواج إلا عن رويّة.
بعد كل هذا إذا تم أمر الزواج فلا شك أنه سيكون موافقاً لما سبق في علم الله، وفي موضوع الزواج وغيره يأمرنا الإسلام بأن نتخذ الوسائل الكفيلة بالنجاح، وبعد ذلك إن نجحنا فالحمد لله، وإلا فلا حول لا قوة إلا بالله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) رواه مسلم.
وهكذا فإن النظر إلى موضوع القسمة والنصيب يأتي بعد بذل الجهد لاختيار الأنسب حتى لا يظل الإنسان يلوم نفسه، وكثير من الأزواج يحمّل الطرف الآخر مسؤولية عدم الوفاق في حين أنه لو أنصف لوجد أنه هو المسؤول عن ذلك.
"فتاوى الشيخ نوح علي سلمان" (فتاوى الأحوال الشخصية/ فتوى رقم/57)