السؤال:
إنسان مات وعليه الكثير من الديون، وكان حريصًا على الوفاء، ولكن لم يتمكن من ذلك، ولم يقم من بعده من يفي دينه، فهل يُكَفِّر الله عنه هذا الأمر ويفي عنه دَينه يوم القيامة؟
الجواب:
جواب هذا في عدة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الأول: ما رواه أبو قتادة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، أرأيتَ إنْ قُتلتُ في سبيل الله، أتُكفَّر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم، إنْ قُتلتَ في سبيل الله وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر). ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف قلت)؟ فأعاد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر إلا الدَّين، فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك) رواه مسلم.
والثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الدَّين يُقضى من صاحبه يوم القيامة إذا مات إلا من يدين في ثلاث خِلال: الرجل تضعف قوته في سبيل الله؛ فيستدين يتقوى به لعدو الله وعدوه، ورجل يموت عنده مسلم؛ فلا يجد ما يُكفنه ويواريه إلا بدَين، ورجل خاف الله على نفسه العزوبة؛ فينكح خشية على دينه، فإن الله يقضي عن هؤلاء يوم القيامة) رواه ابن ماجه.
والثالث: ما رواه البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) رواه البخاري.
فمجموع هذه الأحاديث يفيد أن من أخذ لحاجة ماسّة وبنيّة الوفاء؛ وفّى الله عنه يوم القيامة، ومن أخذ مخادعاً غادراً لا ينوي الوفاء، بل أكل أموال الناس بالباطل وبحجة الاستدانة؛ فموقفه عصيب يوم القيامة؛ إذ يؤخذ من حسناته فيُعطَى لأصحاب الحقوق، فإن لم تفِ حسناته أُخذ من سيئات غرمائه فطرحت عليه، ثم طُرح في النار، وهذا ما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم.
ومع ذلك فالخطر في الدَّين شديد جدّاً لِمَا في عدم الوفاء بسبب الفقر أو غيره من تسبُّب في امتناع الناس عن الإقراض؛ فينقطع المعروف بين الناس، وهذا فيه إساءة كبيرة للمجتمع الإسلامي كله.
"فتاوى الشيخ نوح علي سلمان" (فتاوى المعاملات/ فتوى رقم/3)