مما لا خلاف فيه بين أهل السنة والجماعة أن وقت الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وذلك لقول الله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتمّوا الصيام إلى الليل) البقرة/187. والمراد بالليل هنا غروب الشمس، ويدلّ على هذا قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر النهار من ها هنا، وغربت الشمس؛ فقد أفطر الصائم) رواه البخاري. أي حان وقت الإفطار.
وإذا كان الإنسان في أرض منبسطة كالصحراء أو على رأس جبل فرأى أن الشمس قد غربت جاز له أن يفطر، سواء سمع المؤذِّن أم لا، وإن كان الانتظار حتى يؤذن المؤذن ليفطر مع بقية المسلمين الذين في منطقته في لحظة واحدة له معنى خاص يدركه الذين يقدرون حرص الإسلام على انتظام أمور المسلمين في عبادتهم وغيرها.
أما إذا كان في منخفض وغابت الشمس عنه ولا تزال على رؤوس الجبال في منطقته، فليس له أن يفطر؛ لأن الغروب هو: أن تغيب الشمس عن المنطقة كلها في عرف الناس وجبال كل أرض منها.
ثم لِمَ هذا الاستعجال والمخاطرة بصيام اليوم؛ فإنه لو تأخر عشر دقائق أو أكثر - بعد أن تأكّد من غياب الشمس - فصيامه صحيح بإجماع الفقهاء، وإن فاتته فضيلة التعجيل بالإفطار، ولو أكل أو شرب قبل مغيب الشمس بلحظة، فصيامه باطل بإجماع الفقهاء، والاحتياط في أمر الدين واجب؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (فمن اتقى الشبهات؛ فقد استبرأ لدينه وعِرضه، ومن وقع في الشبهات؛ وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه) رواه البخاري ومسلم، وما أشبه هذا الذي يتعجل بالإفطار حرصاً على فضيلة في نظره بذلك الراعي الذي يرعى حول الحمى؛ لأنه يخاطر بصوم يوم، ولا يحترز من الوقوع في المعصية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) رواه الترمذي والنسائي، والأكل والشرب في هذه اللحظات التي يقع فيها الشك بغياب الشمس هي من الأمور المريبة والانتظار حتى يؤذن المؤذن هو خروج من الشك إلى اليقين.
نعم، لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطر) متفق عليه، وقال: (لا تزال أمتي بخير ما أخَّروا السحور وعجَّلوا الفطر) رواه أحمد. لكن ليس معنى هذا أن نسابق غروب الشمس بالإفطار، والذين ينتظرون إلى أن يتأكدوا من غروب الشمس لم يؤخروا الإفطار، إنما يؤخره أولئك الذين لا يفطرون حتى يروا النجوم في الأفق؛ لأنهم لا يرون الليل قد دخل ما لم تبدُ النجوم في السماء، وأخشى على هؤلاء الذين يأكلون بعد أذان الفجر وقبل أذان المغرب - بحجة العمل بهذا الحديث - أن يكونوا من الذين قال الله عنهم: (يريد الله ألا يجعل لهم حظاً في الآخرة ولهم عذاب عظيم) آل عمران/176. ومن مآسي أمتنا في هذا الزمان أنها لم تعد تتفق على طلوع الفجر وغروب الشمس ولا حول ولا قوة إلا بالله. ومن وراء هذه المخالفات حب الظهور، وصَدَقَ القائل: حب الظهور يقصم الظهور.
"فتاوى الشيخ نوح علي سلمان" (فتاوى الصوم/ فتوى رقم/18)