السؤال:
ما يقول في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل بما يعلم وَرَّثَه الله تعالى علم ما لم يعلم)، وما العلم الذي إذا عمل به ورث، وما العلم المورث، وما صفة التوريث أبالإلهام أم غيره، فبعض الناس قال: إنما هذا مخصوص بالعالم أنه إذا عمل بعلمه، ورث علم ما لم يعلم، بأن يوفق ويُسَدَّدَ إذا نظر في الوقائع، فهل يصح هذا الكلام، أم لا؟
الجواب:
معنى الحديث: أن من عمل بما يعلمه من واجبات الشرع ومندوباته، واجتناب مكروهاته ومحرماته، أورثه الله تعالى من العلم الإلهي ما لم يعلم من ذلك، لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (العنكبوت/69، وهذا هو الظاهر من الحديث المتبادر إلى المفهوم.
ولا يجوز حمله على أهل النظر في علم الشرع؛ لأن ذلك تخصيص للحديث بغير دليل، وإذا حُمِلَ على ظاهره وعمومه دخل فيه الفقهاء وغيرهم.
قد ذكر بعض الأكابر من العارفين الذين عاملهم الله عز وجل بذلك: أن لكل طاعةٍ للهِ تعالى نوعاً من العلم الإلهامي يختص بها لا يترتب على غيرها، فللصلوات نوع من تلك الإلهامات لا يترتب على غيرها، كما أن لكل عبادة نوعاً من الثواب يختص بها، وكذلك الصوم والحج والعمرة والتسبيح والتقديس وغير ذلك؛ لأن الإلهام من جملة ما عجَّله الله تعالى من ثواب الأعمال الصالحة، فإن الله تعالى يعطي بها في الدنيا، ويجازي بها في الآخرة.
ولقد بلغني أن بعض الأكابر، إذا أخبر بشيء من العلوم الإلهامية قال لمن يخبره بذلك: أنت مواظب على العمل الفلاني. لعلمه بأن ذلك الإلهام لا يترتب إلا على ذلك العمل.
ثم يختلف ذلك باختلاف التكاليف، فمن له أهلية الجهاد فإلهامه على عمله بجهاده، وكذلك من له أهلية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والفتيا، والقضاء، والإمامة الكبرى، ومساعدة المسلمين على ما ندب إلى مساعدتهم عليه، وكذلك التعاون على أنواع البر والتقوى، فَيُلهَمُ المفتي إلهاماً يختص بالفتاوى، وكذلك كل من عمل بشيء من الأعمال الصالحة فإن إلهامه على قدر ما يختص به ذلك العمل الصالح.
والظاهر أن أفضل الإلهامات يترتب على أفضل الأعمال، لأنه من جملة ثوابها، والثواب مرتب على فضائل الأعمال، وكذلك التوفيق للطاعات وأعمال البر، يكون أيضاً مرتباً على فضائل الأعمال. والله أعلم.
"فتاوى العز بن عبد السلام" (رقم/39/40/41)