السؤال:
ما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء) [رواه مسلم]، وهل يخرج الإنسان عن الواجب عليه بقوله: ما أقول في القرآن ولا في أحاديث الصفات شيئا، بل أعتقد في ذلك ما كان يعتقده السلف الصالح، والكلام فيه بدعة وأمرّ الأمر على الظاهر، أم لا بد في الاعتقاد من جزم؟
الجواب:
معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن): أن الله مسؤول عليه بقدرته وتصريفه كيف يشاء من كفر إلى إيمان، ومن طاعة إلى عصيان أو عكس ذلك، وهو كقوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) الملك/1، وقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى) الأنفال/70، ومعلوم أنهم لم يتركوا في أيدي المسلمين التي هي جوارح، وإنما كانوا تحت استيلائهم وقهرهم، وكذلك قول الخاصة والعامة: في يد فلان العبد، والدابة في يد فلان، ومعلوم أن ذلك استيلاؤه وتصرفه، وليس في يده التي في جارحته.
وكذلك قوله: (أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) البقرة/237، ليست هي عقدة النكاح التي هي لفظ بيده التي هي جارحة، وإنما ذلك عبارة عن قدرته واستيلائه وتمكنه من التصرف فيها.
ومن يقول: إنه يعتقد في ذلك ما يعتقده السلف فقد كذب، كيف يعتقد ما لم يشعر به، ولم يقف على معناه، وليس الكلام في هذا بدعة قبيحة، وإنما الكلام فيه بدعة حسنة، واجبة لما ظهرت الشبهة، وإنما سكت السلف عن الكلام فيه، إذ لم يكن في عصرهم من يحمل كلام الله ورسوله على ما لا يجوز حمله عليه، ولو ظهرت في عصرهم شبهة لكذبوهم، وأنكروا عليهم غاية الإنكار، فقد رد الصحابة والسلف على القدرية لما أظهروا بدعتهم، ولم يكونوا قبل ظهورهم يتكلمون في ذلك، ولا يردون على ذلك، ولا يردون على قائله، ولا نقل عن أحد من الصحابة شيء من ذلك إذ لا تدعو الحاجة إليه. والله أعلم.
"فتاوى العز بن عبد السلام" (رقم/168)