العودة إلى الإسلام اصطلاح يُراد به الالتزام بالشريعة الإسلامية، وهذه العودة قد تكون فردية وقد تكون جماعية، ولا تُغني واحدة منهما عن الأخرى، وفي كلا المجالين يُعتبر الالتزام بالشريعة خيرا مهما قل، ويزداد هذا الخير كلما ازداد الالتزام، ومن هذا يتبين أنّ الهدف البعيد للعودة إلى الإسلام أن تكون كل صغيرة وكبيرة في حياة المجتمع والأفراد موافقة للشريعة الإسلامية.
صحيح أنّ هذا عسير المنال، لكن كلما كان الهدف سامياً كانت الهمم أيضا عالية، والجهود في سبيل بلوغه كبيرة، وقيل: ما لا يدرك كُله لا يترك جُلُّه.
أما معالم هذه العودة فهي كثيرة، والعجيب أن أعداء هذه الأمة - الذين يدركون بأن قوتنا متوقفة على التزامنا بالإسلام - يرصدون حركة هذه العودة ويسمونها بالصحوة الإسلامية، في حين أن بعض أبناء الأمة لا يكاد يشعر بها، وهذا من طبيعة الصحوة؛ فإن الناس يستيقظون بعد نومهم في أوقات مختلفة، ومنهم من يباشر واجباته اليومية مبكراً بنشاط وحيوية على حين يكون غيره يغط في سبات عميق، فالصحوة المبكرة فضل الله يؤتيه من يشاء.
ومن مظاهر هذه الصحوة ما نراه من إقبال الشباب على إقامة شعائر الإسلام من صلاةٍ وصومٍ وحجٍ وعمرةٍ وغيرها من الشعائر، وإقبالهم أيضا على مطالعة الكتب الإسلامية، ففي عالم الكُتب يُعد اليوم الكتاب الإسلامي أكثر الكُتب رواجاً.
ومن معالم هذه العودة التمييز الصحيح بين المعطيات المادية للحضارة العالمية وبين الفكر الذي انتقل إلينا مع هذه المعطيات المادية، فالمعطيات المادية تُقيَّم بمقدار نفعها للناس، والفكر يُقيَّم بحسب موافقته لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه فقهاء المسلمين.
لقد أصبح شبابنا يميزون بين القشر واللباب، ويدركون أن المظاهر المادية يجب أن لا تختلط بالعقائد والأفكار، وإذا كانت بعض الشعوب سبقتنا في مجال الإنتاج المادي، فلا يعني أنهم على أصولٍ فكريةٍ صحيحةٍ.
وفي موكب الصحوة رأينا من كُتَّابنا من ينتقد مبادئ الأجانب نقداً صحيحاً، ويبين ما فيها من مثالب، مع بيان ما في شريعتنا من فكر ونظام صحيحين، لا يتطرق إليهما الوهن ولا الضعف.
هذه بعض المظاهر ولا يتّسع المقام لعدِّها كلها لكن خلاصة القول: أن كل خطوة في اتجاه تطبيق أحكام الله هي خطوة صحيحة للخروج من النفق المظلم الذي نعيش فيه، ونستأنس لنجاحنا بقول الله تعالى: (وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا) الإسراء/51.
"فتاوى الشيخ نوح علي سلمان" (فتاوى الحياة العامّة / فتوى رقم/8)