النية شرط في صحة الصيام؛ لأنه عبادة ولا بدَّ في العبادات من النية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) رواه البخاري، ومعنى النية: أن يعزم على الصيام وترك المفطرات طاعة لله تعالى، فهو لم يترك الطعام والشراب وغيرهما من المفطرات إلا عملاً بأمر الله تعالى وطاعة له.
وبما أن كل لحظة في نهار رمضان يجب صومها ابتداء من الفجر وانتهاءً بغروب الشمس فلا بد أن يكون قد عزم على الصيام قبل طلوع الفجر، وهذا معنى تبييت النية وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له) رواه النسائي. وهذا مذهب الأئمة مالك والشافعي وأحمد.
وليس الأمر بالعسير فمجرد أن يخطر ببال المسلم أنه سيصوم غداً من رمضان؛ لأن الله أوجبه، تحصل نية الصوم، بل يصعب أن نتصور مسلماً يفطر ويتسحر ولا ينوي الصيام؛ لأن النية محلها القلب.
نعم لو نام قبل غروب الشمس ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر، نقول: هذا لم ينو الصيام فعليه أن يمسك عن المفطرات طيلة يومه ويقضي، وهذا نادر الوقوع كما ترى.
أما إذا كان الصوم نفلاً فتكفي النية بعد طلوع الفجر بشرط أن لا يسبقها مفطر، وذلك لما روى مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: (يا عائشة، هل عندكم شيء) قالت: فقلت: يا رسول الله ما عندنا شيء، قال: (فإني صائم).
وهنا لا بد من الانتباه إلى ما دل عليه الحديث من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خير خلق الله لم يكن يجد طعاماً في بيته في بعض الأيام، فلو كان للدنيا شأن لأغدق الله تعالى منها على نبيه صلى الله عليه وسلم، ولكنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، ومع ذلك فمن آتاه الله منها شيئاً فليشكر ليدخل الجنة مع الشاكرين، ومن لم يُؤتَ منها فليصبر ليدخل الجنة مع الصابرين، وليطلب الرزق الحلال، وليتأسَّ بخير خلق الله عليه الصلاة والسلام.
"فتاوى الشيخ نوح علي سلمان" (فتاوى الصوم/ فتوى رقم/13)