ذهب جماعة من أهل السنة ومنهم الحنفية والحنابلة إلى أن كل قربة فعلها المسلم له أن يهب ثوابها لمن شاء من أموات المسلمين؛ سواء كانت صلاة أو صومًا أو حجًّا أو صدقة أو قراءة للقرآن أو ذكرًا أو أي نوع من أنواع القرب. وهذا هو القول الأرجح دليلًا، واستدلوا له بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) الحشر/10، وفي الحديث الشريف: (استغفروا لأخيكم؛ فإنه الآن يُسأل) رواه أبو داود.
وقال بعضهم: إذا قُرِئ القرآن عند الميت أو أُهدي إليه ثوابه؛ كان الثواب لقارئه، ويكون الميت كأنه حاضرها وتُرجى له الرحمة.
فالاختيار أن يقول القارئ بعد فراغه: اللهم أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان. واشترطوا لذلك ألا يأخذ القارئ على قراءته أجرًا، فإن أخذ أجرًا على قراءته حرم على المعطي والآخذ، ولا ثواب له على قراءته (انظر: "المغني" و"الشرح الكبير" 2/428).
وقال النووي: المشهور من مذهب الشافعي أنه لا يصل.
وقال الشافعيّ: ما عدا الواجب والصدقة والدعاء والاستغفار لا يُفعل عن الميت ولا يصل إليه؛ لقوله تعالى: (وأنْ ليس للإنسانِ إلا ما سَعَى) النجم/39، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، ولأن نفعه لا يتعدّى فاعله؛ فلا يتعدّى ثوابه.
فالمسألة خلافيّة كما ترى، وعلى العاقل أن يعمل لنفسه غير معتمد على من بعده من أولاد وأرحام وأصدقاء، وعلى هؤلاء أن لا ينسوا الميت وأن يدعوا له ويتصدّقوا عنه ويهبوا له من ثواب أعمالهم الصالحة، وفضل الله واسع، والأدلة على وصول ثواب القربات قوية تُراجع في كتب أهل العلم (انظر: فتح القدير 3/142، والمغني لابن قدامة 2/567).
"فتاوى الشيخ نوح علي سلمان" (فتاوى الجنائز / فتوى رقم/3)