مقالات

بيان دائرة الإفتاء حول المنشور السياحي المتعلق بأم الرصاص

الكاتب : سماحة الدكتور نوح علي سلمان رحمه الله

أضيف بتاريخ : 19-11-2009


Article

 

 

لا يُجمع المسلمون على شيء مثل إجماعهم على محبة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ونصرة الإسلام والمسلمين.

عندما صدرت الرسومات المسيئة للنبي محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم هب المسلمون على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم لاستنكار تلك الجريمة.

وقبل أيام لاحظ مرشد سياحي عبارة في منشور سياحي تسيء - إساءة لا تبرر - إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فما كان من ذلك المرشد السياحي - بارك الله فيه - إلا أن أبلغ الجهات المسئولة، فأُبلغت وزيرة السياحة التي استنكرت هذا الأمر، وقامت بتشكيل هيئة تحقيق لمعرفة المسئول عن الخطأ.

وكانت دائرة الإفتاء من أول من لفت نظر الوزيرة إلى هذا الأمر، لكن بأسلوبنا الخاص الذي يعتمد الإصلاح بالطرق الهادئة دون تشهير بأحد، وأبلغتنا الوزيرة قبل غيرنا بتشكيل هذه الهيئة، وأخذت التصريحات تتوالى من كل الجهات، تتبرأ من هذا المنشور ومما فيه من معلومات خاطئة، وعندما ينتهي التحقيق ويحدَّد المسئول عنه يستطيع أي مواطن أن يرفع دعوى باسم الحق العام الشرعي ضد من أساء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والقوانين النافذة في بلدنا تعاقب على هذا.

هذه الهبّة من الهيئات الرسمية والشعبية تدل على أن الإسلام يحميه الجميع، ويدافع عنه الجميع، فالإساءة إليه وإلى رموزه إساءة إلى الجميع، خاصة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي نفتديه بالمهج والأرواح، والذي يتشرف هذا البلد بقيادةٍ مِن آل بيته.

وخلاصة الإساءة التي تضمنها المنشور السياحي هي أنه عندما عرف بمنطقة أم الرصاص-قرب مدينة المفرق في الأردن - قال:"في هذا المكان التقى النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالراهب النصراني الذي علمه فضائل التوحيد أو أصول التوحيد"

أي عندما سافر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشام مع عمه أبي طالب قبل النبوة، وعمره آنذاك اثنا عشر عاما، وهذا اللقاء يشكك المؤرخون في حصوله.

والذي أغفله المتحدثون في هذا الموضوع هو أن الذي أعد المنشور سواء أكان مسلما أو غير مسلم - والراجح أنه غير مسلم؛ لأن وزارة السياحة أوضحت أن المنشور أعدته جهة خارجية-يعترف ضمنا بأن التوحيد هو الدين الذي كان عليه علماء النصارى، فمن أين جاء التثليث؟ هذه قصة أخرى.

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد سمع شيئا عن التوحيد من ذلك الراهب فإن الإسلام لم يقف عند عقيدة التوحيد، فالقرآن الكريم والسنة المطهرة يتحدثان عن كل قضايا الحياة، ويوضحان منهاج الحياة الذي أراده الله لكل الناس في العبادات والمعاملات والأخلاق والعلاقات الدولية، كما أن القرآن يتحدث عن وقائع حصلت فيما بعد، كالإسراء والمعراج والجهاد والنصر في بدر..الخ.

ومن الافتراء والاستخفاف بالعقول أن يظن أحد أن هذا كله تعلّمه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في لقاء عابر وعمره اثنا عشر عاما.

والذي تقوله الروايات -إن صحّت-أن ذلك الراهب عرف علامات النبوة في سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كما أخبرت بها الكتب التي بحوزته، فخاف عليه من اليهود، وأوصى عمه أبا طالب بالحرص على سلامته، وهذا معقول فإن الله تعالى يقول عن أهل الكتاب:(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) الأعراف/157.

وفي أكثر من آية أخبر الله تعالى أن أهل الكتاب الحافظين لعهود الله يعرفون النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم كما يعرفون أبناءهم، وقد أصدر الباحثون من المسلمين وغيرهم كتبا جمعت ما تبقَّى في كتب اليهود والنصارى من بشارات بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، منها كتاب ترجم إلى العربية بعنوان:(عيسى يبشر بمحمد)

وعلى أي حال:فإننا نشكر ذلك المرشد السياحي الذي تنبه إلى هذا الخطأ المسيء إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ونشكر كلَّ مَن هبّ ليدافع لوجه الله عن الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم، وسيبقى الإسلام عزيزاً محفوظاً بإذن الله، تحقيقاً لوعده عز وجل، فقد قال تعالى:(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة/33.

بقي أمران:

الأول:أنه لا يجوز التسرع بإصدار أحكام الكفر على الأشخاص؛ لأن التكفير أمرٌ عظيم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( من قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما )، وهنالك فرق كبير بين أن نقول هذا الكلام مكفر، وبين أن نقول هذا الشخص كافر، فالحكم على الأشخاص يصدر من قبل القاضي بعد ثبوت موجباته بالطرق الشرعية، أما رد الكلام المكفِّر فهذا مباح لكل أهل العلم.

ثانيا:لا يجوز لأحد أن يرى نفسه الحامي الوحيد للدين الإسلامي؛ لأنه بذلك يقلل عدد أنصار الإسلام، فكلنا حماة للشريعة وأهلها.

وإني اشكر إخواني الذين رأوا دائرة الإفتاء ودائرة قاضي القضاة جهة يُشكى إليها لمعالجة هذه المسائل، وليست جهة مقصرة في حماية الشعائر الدينية تحتاج من يحفزها لأداء واجبها، ونحن عند حسن ظن إخواننا بما نراه حقاً وصواباً، ولكن لكل منا أسلوبه، ونحن نُؤثِرُ معالجة الأمور بهدوء، فإن ذلك أقرب للاستجابة. والله يحفظنا جميعاً.

سماحة المفتي العام: د. نوح علي سلمان

رقم المقال [ السابق | التالي ]

اقرأ للكاتب



اقرأ أيضا

الفتاوى

   حكم العمل في مجال السياحة الوافدة من الخارج

   حكم التنقيب عن الآثار

   حكم الترخص برخص السفر في سفر النـزهة


التعليقات



تنبيه: هذه النافذة غير مخصصة للأسئلة الشرعية، وإنما للتعليق على الموضوع المنشور لتكون محل استفادة واهتمام إدارة الموقع إن شاء الله، وليست للنشر. وأما الأسئلة الشرعية فيسرنا استقبالها في قسم " أرسل سؤالك "، ولذلك نرجو المعذرة من الإخوة الزوار إذا لم يُجَب على أي سؤال شرعي يدخل من نافذة " التعليقات " وذلك لغرض تنظيم العمل. وشكرا


Captcha