الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
أوّل ما يُبدأ به من تركة الميت تجهيزه ودفنه، فإن تبرع بذلك أحد الأقارب فلا حرج في ذلك، ثمّ يبادر إلى قضاء الدين الذي على الميت، سواء كان ديوناً أخروية كالكفارات والزكاة ونحوها، أو دنيوية للعباد، أفراداً أو جهات عامة أو مؤسسات؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (نَفْسُ المُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ) رواه الترمذي.
وقد فسّر العلماء قوله عليه الصلاة والسلام: (نفس المؤمن معلقة): "أي: محبوسة عن مقامها الكريم، وقال العراقي: أي: أمرها موقوف لا حكم لها بنجاة ولا هلاك حتى يُنظر هل يقضى ما عليها من الدين أم لا" [قوت المغتذي على جامع الترمذي 1/ 326].
وفواتير المياه التي ثبتت في ذمة الميت من الدين الواجب سداده، ولا يجوز التساهل في ذلك، بحجة أن الماء يشترك فيه الناس أو بأي حجة أخرى.
وأمّا إن لم يكن للميت تركة وأراد ورثته أو بعضهم ضمان دينه على سبيل التبرّع من مالهم الخاص، ومنها الوفاء بالالتزامات المالية المتعلقة بذمته من فواتير مياه وكهرباء وغيرها؛ فهذا أمر مستحب إبراءً لذمته، ولا يجب عليهم؛ لما ورد عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: (هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟)، قَالُوا: لاَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ: (هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟)، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: (صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ)، قَالَ: أَبُو قَتَادَةَ عَلَيَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ. رواه البخاري.
وعليه؛ فقضاء ديون المتوفى وأي فواتير وجبت عليه يكون من تركته إن كان له مال، فإن لم يكن له مال وتبرع ورثته أو بعضهم بالسداد إبراء لذمته، فلهم الأجر عند الله عز وجل، وهو من أعمال البر والخير المهدى للميت، خاصة إن كان المدين أحد الوالدين فهو من باب البرّ والوفاء بهما بعد وفاتهما. والله تعالى أعلم.