فتاوى بحثية

الموضوع : معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ)
رقم الفتوى: 3008
التاريخ : 06-11-2014
التصنيف: شروح الأحاديث
نوع الفتوى: بحثية



السؤال:

ما المقصود بالتنطع، وما معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ)؟


الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله

الأصل في التنطع: أنه التعمق في الشيء، والمتنطعون هم المتعمقون الذين يخرجون عن حد الاتزان، والدعاء عليهم في الحديث الشريف بالهلاك، دلالة على ذم ما هم فيه من حال التنطع، أو هو إخبار عن هلاكهم في الآخرة كما قال بعض العلماء.

جاء في "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير: "(هلك المتنطعون) هم المتعمقون المغالون في الكلام، المتكلمون بأقصى حلوقهم. مأخوذ من النطع، وهو الغار الأعلى من الفم، ثم استعمل في كل تعمق، قولا وفعلا".

فالتنطع استعمل في وصف كل من يتكلف الفصاحة في الكلام ويتشدق فيه، ويستخدم غريب الألفاظ في مخاطبة الناس، لكي يستميل قلوبهم، وهذا من المنهي عنه.

ثم أطلق التنطع على كل من يتعمق في الشيء، أي يتشدد فيه، سواء في الأقوال أو الأفعال، فيبتعد بذلك عن الوسطية والاعتدال، وهما روح الإسلام.

ومن أمثلة ذلك: السؤال عما لا يقع من الحوادث والمسائل، والسؤال عن تفاصيل المغيبات التي لا يعلمها إلا الله، كالروح والساعة، ومن التنطع أيضا تحريم الحلال، والابتداع في الدين، والغلو في الممارسات والعقائد والأفكار.

جاء في "فتح الباري" لابن حجر العسقلاني رحمه الله: "وعليه ينطبق حديث ابن مسعود رفعه: (هلك المتنطعون) أخرجه مسلم. فرأوا أن فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته. ومثله الإكثار من التفريع على مسألة لا أصل لها في الكتاب ولا السنة ولا الإجماع، وهي نادرة الوقوع جدا، فيصرف فيها زمانا كان صرفه في غيرها أولى، ولا سيما إن لزم من ذلك إغفال التوسع في بيان ما يكثر وقوعه. وأشد من ذلك في كثرة السؤال البحث عن أمور مغيبة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها. ومنها ما لا يكون له شاهد في عالم الحس، كالسؤال عن وقت الساعة، وعن الروح، وعن مدة هذه الأمة، إلى أمثال ذلك مما لا يعرف إلا بالنقل الصرف. والكثير منه لم يثبت فيه شيء فيجب الإيمان به من غير بحث وأشد من ذلك ما يوقع كثرة البحث عنه في الشك والحيرة".

ويدخل في التنطع أيضا المغالاة في العبادة إلى درجة تخرج عن أمر الشرع، أو التشدد في مسائل الطهارة مما يدخل في باب الوسوسة.

جاء في "فيض القدير" للمناوي رحمه الله: "قيل: الغالون في عبادتهم بحيث تخرج عن قوانين الشريعة ويسترسل مع الشيطان في الوسوسة". 

وقد حث الإسلام في كثير من الآيات والأحاديث على التيسير وعدم التشديد في أمور الدين والدنيا، قال سبحانه: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185.

وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) رواه البخاري.

ولهذا فالمسلم يلتزم في دائرة الوسطية والاعتدال، ولا يتخذ ذلك ذريعة لتمييع أحكام الدين بحجة الوسطية، إنما المقصود تبني المنهج الوسط العدل من غير إفراط ولا تفريط. والله تعالى أعلم



للاطلاع على منهج الفتوى في دار الإفتاء يرجى زيارة (هذه الصفحة)

حسب التصنيف السابق | التالي
رقم الفتوى السابق | التالي

فتاوى أخرى



التعليقات


Captcha


تنبيه: هذه النافذة غير مخصصة للأسئلة الشرعية، وإنما للتعليق على الموضوع المنشور لتكون محل استفادة واهتمام إدارة الموقع إن شاء الله، وليست للنشر. وأما الأسئلة الشرعية فيسرنا استقبالها في قسم " أرسل سؤالك "، ولذلك نرجو المعذرة من الإخوة الزوار إذا لم يُجَب على أي سؤال شرعي يدخل من نافذة " التعليقات " وذلك لغرض تنظيم العمل. وشكرا