المذاهب الأربعة في الأردن عبر التاريخ الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيعتبر تنوع المذاهب الأربعة رحمة للأمة الإسلامية، وقد انبثقت هذه المذاهب من مدارس الصحابة الذين توزعوا في الأمصار، فظهر من مدرسة علي بن أبي طالب وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهم في الكوفة مذهب أبي حنيفة، وظهر من مدرسة زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم في المدينة المنورة مذهب مالك بن أنس، وظهر من مدرسة عبدالله بن عباس وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم في مكة المكرمة مذهب الشافعي، وظهر من مذهب الشافعي مذهب أحمد بن حنبل، وثمة مذاهب أخرى انبثقت من مدارس الصحابة، ولكنها لم تحظَ بالتدوين والتحقيق كالمذاهب الأربعة، ومن أشهر هذه المذاهب: مذهب الليث بن سعد والأوزاعي والثوري وغيرهم[1].
وقد انتشرت هذه المذاهب الأربعة في البلاد الإسلامية، فانتشر المذهب الحنفي في بلاد الترك والتتار والروس والشركس والصين والهند والباكستان، وانتشر المذهب المالكي في الأندلس ومصر وبلاد المغرب العربي وبلاد إفريقيا والإمارات، وانتشر المذهب الشافعي في بلاد الشام ومصر والعراق والحجاز واليمن وجنوب شرق آسيا، وانتشر المذهب الحنبلي في بلاد الخليج العربي وبعض المناطق في سورية وفلسطين.
وسيستعرض الباحث أبرز محطات مسيرة المذاهب الأربعة وتكاملها وتنوعها في الأردن عبر عصور التاريخ الإسلامي:
الأردن في العصر العباسي:
كانت الأردن في بداية العصر العباسي على مذهب الإمام الأوزاعي، وكان من أبرز القضاة الذين تولوا قضاء الأردن على مذهب الأوزاعي: محدث الشام الحافظ عبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو المعروف بـ(دحيم) (ت 245هـ)، حتى تولى القاضي أبو زرعة الدمشقي (ت 302هـ) القضاء في القرن الثالث الهجري، وقد ولاه ابن طولون أمير مصر القضاء على بلاد الشام (ومنها الأردن)، وحرص القاضي أبو زرعة على نشر المذهب وتولية القضاة والمفتين الشافعية.
وتولى بعد ذلك ابنه القاضي الحسين بن محمد بن عثمان (المعروف بابن أبي زرعة الدمشقي) (ت 327هـ) قضاء مصر والشام، وكثر نوابه في القضاء من علماء الشافعية، وبدأ المذهب الشافعي بالانتشار والاستقرار بعد ذلك في الأردن[2].
الأردن في العصر الأيوبي:
شهدت بلاد الشام في العصر الأيوبي اهتماماً خاصاً فيما يتعلق بنشر العلوم الشرعية على المذاهب الأربعة، وكان لأغلب حكام الدولة الأيوبية ميول إلى المذهب الشافعي، وخاصة السلطان البطل صلاح الدين الأيوبي الذي كان شافعي المذهب، وكان كلما فتح بلداً عيّن فيه قاضياً شافعياً[3].
وشهد الأردن في عهد الملك الأيوبي المعظم عيسى بن السلطان العادل (ت 624 هـ) والملك الناصر داود بن المعظم عيسى (ت 656هـ) انتعاشاً علمياً؛ لأنهما أحاطا أنفسهم بالكفاءات العلمية، فكان للمعظم عيسى اعتناءً بالعلوم، وكان له اعتناءً خاصاً بالمذهب الحنفي، وله شرح على (الجامع الكبير) للإمام محمد بن الحسن الشيباني.
وأما ابنه الملك الناصر داود فقد أسس إمارة الكرك، وكان حنفي المذهب، وكان له فضل في تحريك النشاط العلمي في الأردن؛ فقد أسس مكتبة في الكرك، واستقدم عدد من العلماء والأدباء إلى الكرك[4]، ومن أبرز هؤلاء العلماء الذين استقدمهم الملك الناصر:
1. الإمام المتكلم سيف الدين الآمدي الحنبلي ثم الشافعي (ت 631 هـ) صاحب كتاب (الإحكام في أصول الأحكام).
2. العلامة الأديب نصر الله بن هبة الله الحنفي المعروف بـ (ابن بصاقة) (ت 650هـ).
3. الإمام المتكلم عبد الحميد المعروف بـ(الخسروشاهي) الشافعي (ت 650 هـ) من كبار طلاب الإمام فخر الدين الرازي.
4. الإمام المؤرخ شمس الدين ابن سبط الجوزي الحنبلي (ت 654هـ) صاحب كتاب (مرآة الزمان في تاريخ الأعيان).
5. العلامة المؤرخ الأديب ابن واصل الحموي الشافعي (ت 697هـ) صاحب كتاب (مفرج الكروب في أخبار بني أيوب).
ومن أبرز القضاة الذين تولوا القضاء في الأردن في العصر الأيوبي:
1. الإمام نور الدين الأميوطي الشافعي (ت 656 هـ): أقام في الكرك ثلاثين سنة قاضياً ومدرساً.
2. القاضي دانيال بن منكلي الكركي الشافعي (ت 696 هـ): تولى قضاء الكرك والشوبك.
3. القاضي محيي الدين أحمد بن عبد الرحمن الشافعي (ت 680 هـ): عُرف بـ(قاضي عجلون) لتوليه القضاء فيها.
4. الإمام شمس الدين الأصفهاني (ت 688 هـ) تولى قضاء الكرك، له (شرح المحصول في أصول الفقه) و(شرح منهاج الوصول للبيضاوي).
5. القاضي عماد الدين محمد بن بهاء الدين الشافعي (ت 699هـ) تولى قضاء عجلون وتوفي فيها.
الأردن في العصر المملوكي:
اعتمد السلطان الظاهر بيبرس والسلاطين الذين جاؤوا بعده المذاهب الأربعة في التدريس والقضاء والإفتاء، وأصبح لكل مذهب قاضي، ويعتبر العصر المملوكي هو العصر الذهبي للحياة العلمية والثقافية للأردن، وكان الغالب على الحالة العلمية للأردن اعتماد المذهب الشافعي، ومن أبرز ملامح التنوع المذهبي للأردن في ذلك العصر:
1. تأسيس المدارس العلمية: تأسس في الأردن خلال العصر المملوكي خمس مدارس، أربعة منها شافعية، وهي: (المدرسة الشافعية في الكرك، والمدرسة السيفية في السلط، والمدرسة اليقينية في عجلون، ومدرسة حسبان)، والخامسة مدرسة صرغتمش في عمان على المذهب الحنفي، وكانت تلك المدارس أشبه بالجامعات العلمية[5].
2. قضاء الكرك (جنوب الأردن): كان يتولى القضاء في الكرك قاضيان: أحدهما شافعي والآخر حنفي، وكان القاضي الشافعي يتميز عن نظيره بالنظر في القضايا الخاصة بالأوقاف وبيت المال، وظهر في الكرك في العصر المملوكي عدد من الأعلام من المذاهب الأربعة وتولوا القضاء والإفتاء على مستوى الدولة المملوكية، ومن أبرزهم[6]:
أ- القاضي علاء الدين المقيري الكركي الشافعي (ت 794هـ): تولى كتابة سر الديار المصرية وولاية نظر المدرسة الظاهرية بالقاهرة.
ب- القاضي عماد الدين المقيري الكركي الشافعي (ت 801 هـ): قاضي قضاة الدولة المصرية، وكان يُلقب بصاحب الجناب العالي في عهد الدولة المملوكية.
ت- العلامة محمد بن عمر الكركي الحنفي (ت 860هـ): قام بالتدريس في المدرسة الأبوبكرية بالقاهرة.
ث- القاضي العلاء علي الكركي المالكي (ت 885هـ) تولى القضاء في الكرك ثم قضاء غزة ثم قضاء بيت المقدس أكثر من مرة.
جـ- العلامة محمد بن حمد بن معتوق الكركي الحنبلي (ت 851 هـ) كان إماما محدثاً.
ح- الإمام إبراهيم برهان الدين الكركي الحنفي (923هـ) قاضي القضاة للدولة المملوكية.
3. قضاء عجلون (شمال الأردن): كانت عجلون وما زالت بلد السادة الشافعية في الأردن، وتخرج منها الكثير من علماء الشافعية في العصر المملوكي، ومن أشهرهم[7]:
أ- القاضي العز بن عبد السلام العجلوني الشافعي (ت 850هـ): تولى القضاء بمصر، وتدريس الحديث بالمدرسة الجمالية، وتدريس الفقه بالمدرسة الخروبية، ثم استقر بمشيخة الصلاحية بالقدس.
وكثير من الناس يخلط بينه وبين الإمام العز بن عبد السلام السلمي صاحب (قواعد الأحكام في مصالح الأنام).
ب- الإمام تقي الدين الحصني الشافعي (ت 881هـ) كان إماماً ربانياً، وهو من كبار فقهاء الشافعية المتأخرين، من كتبه: (كفاية الأخيار) من أشهر الكتب في المذهب الشافعي، وتولى مشيخة المدرسة الصلاحية.
ت- الإمام نجم الدين ابن قاضي عجلون الشافعي (ت 896 هـ) إمام في المذهب الشافعي، من كتبه: (مغني الراغبين شرح منهاج الطالبين).
ث- شيخ الإسلام تقي الدين أبو بكر ابن قاضي عجلون الشافعي (ت 928 هـ): قال عنه العلامة نجم الدين الغزي: (انتهت إليه مشيخة الإسلام ورئاسة الشافعية ببلاد الشام بل وبغيرها من بلاد الإسلام، وحصل له من السعد في العلم والرئاسة وكثرة التلامذة، وقرة العين بهم في دمشق ما حصل لشيخ الإسلام زكريا بالقاهرة إلا أن القاضي زكريا زاد عليه في السعادة بكثرة التصانيف وتحقيقها)[8]، ومن كتبه: (أعلام النبيه مما زاد على المنهاج من الحاوي والبهجة والتنبيه).
ومن العوائل الشافعية التي خرجت من قضاء عجلون واشتهرت بالعلم وتصدرت القضاء والإفتاء على مستوى الدولة المملوكية: عائلة الباعوني، وعلى رأسهم جدهم العلامة القاضي أحمد بن ناصر بن خليفة الباعوني الشافعي (ت 816 هـ) الذي تولى منصب قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية، وكان خطيباً ببيت المقدس.
واشتهر من آل الباعوني أيضاً الشاعرة الأديبة الفقيهة عائشة الباعونية الشافعية (ت 919 هـ)، وكان لها منزلة خاصة لدى السلاطين المماليك.
ومن المذاهب الأخرى خرج من قضاء عجلون عدد من العلماء من أبرزهم:
أ- العلامة نور الدين علي بن عبد الصمد الحلاوي المالكي (782 هـ): انتهت إليه رئاسة الفقه في دمشق.
ب- العلامة محمد بن عبدالله العرجاني الحنبلي (ت 772هـ): كان محدثاً وخطيباً بدمشق.
ت- العلامة زين بن غيث العجلوني الحنبلي (ت 850هـ): كان محدثاً في دمشق.
ث- الإمام تقي الدين أبو بكر بن شمس الدين محمد العجلوني الحنبلي، المشهور بابن البيدق (ت 899هـ) من أعيان الحنابلة في دمشق.
4. قرية حبراص في شمال الأردن اشتهرت بالمذهب الحنبلي[9]، ومن أشهر الحنابلة الذين خرجوا منها:
أ- العلامة فضل بن عيسى الحبراصي الحنبلي (ت 735هـ): أقام بالمدرسة المسمارية بدمشق، وكان يزوره فيها نواب الشام.
ب- العلامة أحمد بن موسى الزرعي الحنبلي (ت 762هـ): وهو أحد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، كان قوياً في ذات الله جريئاً على الملوك والسلاطين، له قوة وشدة بأس أبطل عدة مكوس ومظالم كثيرة.
5. بلدة حسبان في وسط الأردن: خرج منها عدد من الأعلام الشافعية الذين تصدروا القضاء والإفتاء على مستوى الدولة المملوكية وعرفوا بآل الحسباني، واشتهر منهم:
أ- العلامة حجي بن موسى الحسباني الشافعي (ت 782هـ) كان يُلقب بفقيه الشام وحافظ المذهب، ويعتبر آل حجي الحسباني أسرة علمية شافعية تقلدت مناصب القضاء والإفتاء في الدولة المملوكية.
ب- الإمام المؤرخ ابن حجي الحسباني الشافعي (ت 816 هـ): لقب بمؤرخ الإسلام، وانتهت إليه مشيخة الشيوخ في البلاد الشامية، من كتبه: تاريخ ابن حجي.
ت- العلامة عمر بن حجي بن موسى الحسباني الشافعي (ت 830 هـ): تولى قاضي القضاة في دمشق، وتولى كتابة السر بالقاهرة، واجتمع له من الوظائف ما لم يجتمع لغيره من قضاة دمشق.
ث- القاضي عبد الرحمن بن أحمد الحسباني الحنفي (ت 879هـ): تولى قضاء الحنفية في دمشق.
6. السلط في غرب الأردن: خرج منها عدد من الأعلام الشافعية، ومن أبرزهم:
أ- القاضي محمد بن عبد الله الهكاري السلطي الشافعي (ت 786هـ): تولى قضاء القدس ونابلس والخليل ثم قضاء حمص.
ب- القاضي محمد بن إبراهيم السلطي الشافعي (ت 784هـ): تولى القضاء بعدة أماكن في مصر.
الأردن في العصر العثماني:
اعتمدت الدولة العثمانية المذهب الحنفي رسمياً في القضاء والفتوى، واتبع كثير من القضاة والعلماء الأردنيين المذهب الحنفي، وكان يُعين أحياناً بعض القضاة أو النواب الشرعيين من المذهب الشافعي[10]، وكان لعلماء الشافعية نشاطهم العلمي في قضاء عجلون، كما كان لعلماء الحنفية نشاطهم في قضاء السلط، ومن أشهر علماء الأردن في هذا العصر:
1. العلامة عبد الله بن زين الدين العمري العجلوني الحنفي (ت 1112هـ): كان سيبويه زمانه في علم النحو وانتفع منه خلائق كثير.
2. العلامة محمد بن خليل الجعفري العجلوني الشافعي (ت 1148هـ): أزهري من علماء عين جنة، وله مؤلفات وكتب في المذهب الشافعي، ولُقب بالعجلوني الكبير تمييزاً له عن ابنه أبي الفتح.[11]
3. الحافظ إسماعيل بن محمد العجلوني الشافعي (ت 1162هـ): قال عنه العلامة أبو الفضل الحسيني: (الشيخ الامام العالم الهمام الحجة الرحلة العمدة الورع العلامة كان عالماً بارعاً صالحاً مفيداً محدثاً مبجلاً قدوة سنداً خاشعاً له يد في العلوم لا سيما الحديث والعربية)[12]، ومن أشهر كتبه: (كشف الخفاء ومزيل الالتباس فيما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس).
4. الإمام عبد الرحمن الطيبي الشافعي (ت 1180 هـ): يعد من كبار علماء عصره في الحديث واللغة والنحو، وأما في الفقه فقد لقب بالشافعي الصغير، كان إماماً للشافعية بدمشق، وعُين من السلطان العثماني عضواً في مجلس الدعاوى[13].
5. العلامة أبو الفتح محمد بن محمد بن خليل الجعفري العجلوني الشافعي (ت 1193هـ): كان مدرساً في الجامع الأموي، وله مؤلفات في المذهب الشافعي، ولُقب بالعجلوني الصغير كما لُقب والده بالعجلوني الكبير[14].
6. العلامة ابراهيم الكفيري الحنبلي (ت 1263هـ): كان يحفظ (منتهى الارادات للإمام البهوتي) عن ظهر قلب ويقرره للطلبة مع شرحه بحيث إن الطلبة كانت تصحح نسخ المنتهى من حفظه.
7. المفتي الشيخ علاء الدين المحتسب الحنفي (ت 1266هـ): عُين إماماً وخطيباً وقاضياً من قبَل الدولة العثمانية على معان.
8. المفتي الشيخ يوسف عبد الغني زيد الكيلاني الحنفي (ت 1303 هـ): كان مفتياً كبيراً لنابلس ومحافظة البلقاء، وعائلة زيد الكيلاني من أبناء الشيخ يوسف وذريته تعتبر من العوائل العلمية التي تصدرت في الفتوى والقضاء والتدريس في السلط حتى يومنا هذا.
9. المفتي الشيخ مصطفى يوسف زيد الكيلاني الحنفي ثم الشافعي (ت 1309هـ): أول من استوطن السلط من آل زيد الكيلاني، وكان حنفياً ثم أصبح شافعياً لما قدم السلط؛ لأن أهل السلط كانوا شافعية كما أفاد حفيده الدكتور زيد الكيلاني، وكان له دور كبير في الدعوة والتعليم في السلط، وكان إمام وخطيب مسجد السلط الكبير.
10. المفتي الشيخ عوض بن أحمد إلهامي الشافعي (ت1348هـ): عمل مدرساً بالحرم النبوي، ومفتياً لقضاء عجلون على المذهب الشافعي، وكان وكيل القضاء الشرعي في عهد الحكم الفيصلي[15].
11. المفتي الشيخ محمد صالح خليل مريش الحنفي (ت 1364هـ): انتدبه السلطان عبد الحميد الثاني قاضياً ومفتياً على السلط، وكان مفتياً على المذهب الحنفي كما أفاد ذلك الشيخ هاني العابد، وكان إمام وخطيب مسجد السلط الصغير[16].
12. المفتي الشيخ محمد سعيد بن عوض إلهامي الشافعي (ت 1367هـ): كان إماماً ومفتياً لقضاء عجلون على المذهب الشافعي، وكانت ترد إليه الفتاوى من المدن والقرى في شمال الأردن، وقد تخرج عليه عدد كبير من العلماء في الأردن وفلسطين[17].
الأردن في عصر الإمارة الهاشمية:
ظهر عدد من كبار العلماء المذهبيين في عصر الإمارة ممن دخلوا مع الملك المؤسس - وكان الملك المؤسس حنفي المذهب- واستلموا مناصب رسمية ومن أبرزهم:
أ- سماحة الشيخ محمد الخضر الشنقيطي المالكي (ت 1935م): مفتي المالكية في المدينة المنورة، وأول قاضٍ للقضاة في عهد الإمارة.
ب- سماحة الشيخ سعيد الكرمي الحنبلي (ت 1935م): تولى منصب قاضي القضاة بعد الشيخ محمد الخضر.
ت- سماحة الشيخ حمزة العزب الحنفي (ت 1939م): أول مفتٍ للقوات المسلحة.
ث- سماحة الشيخ عمر لطفي الشركسي الحنفي (ت 1944هـ): أول من تولى منصب المفتي العام في عهد الإمارة.
ج- سماحة الشيخ أحمد بن علوي السقاف الشافعي (ت 1947م): قاضي القضاة ورئيس الديوان الأميري.
ح- دولة الشيخ عبد الله السراج الحنفي (ت 1949م): مفتي الحنفية في مكة المكرمة، وقاضي القضاة في مملكة الحجاز، وهو أول رئيس وزراء أردني مُعمم في عصر الإمارة، وشغل منصب قاضي القضاة فيها أيضاً.
ومن العلماء غير الرسميين الذين كانوا في عصر الإمارة:
أ- الشيخ محمد صالح خليل مريش الحنفي (ت 1364هـ/ 1945م): أدرك أواخر العهد العثماني وعهد الإمارة.
ب- الشيخ محمد سعيد بن عوض إلهامي الشافعي (ت 1367هـ/ 1948م): أدرك أواخر العهد العثماني وعهد الإمارة.
ت- الشيخ أحمد الدباغ الحسني المالكي (ت 1974م) مفتي الطفيلة، وله جهود كبيرة في التدريس والدعوة في محافظات جنوب الأردن.
الأردن في العصر الحديث:
1. منصب المفتي العام: من الجدير بالذكر أن منصب المفتي العام شهد مؤسسياً مرحلتين، الأولى: مرحلة ما قبل تأسيس دائرة الإفتاء العام، وتولى المنصب عند ذاك عدد من العلماء من مختلف المذاهب، وكان أغلبهم من الحنفية، من أبرزهم:
- من الحنفية: سماحة الشيخ حمزة العربي (ت1970م)، وسماحة الشيخ عبدالله القلقيلي (ت1973م)، وسماحة الشيخ محمد عبده هاشم، وسماحة الشيخ عزالدين التميمي (ت2008م).
- من المالكية: سماحة الشيخ محمد أمين الشنقيطي (ت1990م)، وسماحة الشيخ محمد فال الشنقيطي (ت 1976م).
- من الشافعية: سماحة الشيخ محمد عادل الشريف (ت1985م).
وأما المرحلة الثانية، وهي الاستقلال المؤسسي، حيث بدأ سماحة الدكتور نوح القضاة تأسيس دائرة الإفتاء العام على المذهب الشافعي مع الاستفادة من اجتهادات المذاهب الثلاثة الأخرى في كافة الفتاوى والنوازل التي تعرض على دائرة الإفتاء العام، وتولى منصب المفتي العام بعده سماحة الشيخ عبد الكريم الخصاونة، ثم سماحة الدكتور محمد الخلايلة، ثم سماحة الدكتور أحمد الحسنات الشافعي.
2. إفتاء القوات المسلحة: تقوم منهجية الفتوى في إفتاء القوات المسلحة على المذهب الشافعي منذ عهد الدكتور نوح القضاة، وتولى منصب مفتي القوات المسلحة بعده من علماء الشافعية: الشيخ محمود الشويات، والدكتور علي الفقير.
وقد اعتمدت إدارة الإفتاء في كل من مديرية الأمن العام ومديرية الدفاع المدني في الفتوى على المذهب الشافعي أيضاً[18].
3. القضاء الشرعيّ: ما زال القضاء الشرعي في الأردن من العهد العثماني على المذهب الحنفي، وأكثر مواد قانون الأحوال الشخصية مأخوذة من المذهب الحنفي، وقد تولى منصب قاضي القضاة في الأردن عدد من العلماء المشهورين بالالتزام بمذاهب فقهية باعتبارها مناهج علمية معتبرة في الوصول إلى الحكم الشرعي، مع أن الطابع العامّ في هذا المنصب هو الالتزام بالفقه المعتمد في قانون الأحوال الشخصية الأردنية، وممن تولى هذا المنصب:
أ. من الحنفية: سماحة الشيخ محمد محيلان (ت2006م)، وسماحة الشيخ عزالدين التميمي (ت2008م).
ب. من المالكية: سماحة الشيخ محمد أمين الشنقيطي (ت 1990م).
ت. من الشافعية: سماحة الشيخ عبدالله غوشة (ت1974م)، وسماحة الدكتور نوح القضاة (ت2011م).
4. أبرز العلماء غير الرسميين: وسيقتصر الباحث على بعض أبرز الأسماء المشهورة، وهم:
أ. من أبرز علماء الحنفية:
1. الشيخ محمد أمين فهيم مصطفى زيد الكيلاني الحنفي (ت 2016م): إمام وخطيب مسجد السلط الكبير، وبقي مفتياً لمدينة السلط– بعد وفاة عمه الشيخ عبدالحليم الكيلاني – لمدة أربعين سنة على المذهب الحنفي كما أفاد ذلك تلميذه الشيخ هاني العابد، وله جهود كبيرة في التعليم والإصلاح والعمل الخيري في مدينة السلط.
2. الشيخ أحمد الخضري الحنفي: عمل إماماً وخطيباً وواعظاً في مسجد الشهيد بجبل التاج ثم المسجد الحسيني بعمان لأكثر من أربعين سنة.
3. الدكتور معاذ سعيد حوى الحنفي: عمل إماماً وخطيباً في مسجد الأوابين بصويلح لعشرين سنة، ويقوم حالياً بالتدريس في كلية الفقه الحنفي بجامعة العلوم الإسلامية العالمية.
ب- من أبرز علماء المالكية:
1. الشيخ أحمد الدباغ الحسني المالكي (ت 1974م) في الطفيلة، أدرك عهد الإمارة والمملكة.
2. الشيخ محمد السالك الحسني الشنقيطي المالكي: إمام وخطيب مسجد السالك في الهاشمي الشمالي بعمان، وكان عالماً كبيراً بالمذهب المالكي والعلوم الشرعية.
3. الشيخ محمد هليل العجارمة المالكي: إمام وخطيب مسجد الرصيفة القديم (الشركس) ومسجد الشريعة باللويبدة، كان عالماً بالفقه المالكي واللغة العربية.
ت- من أبرز علماء الشافعية:
1. الشيخ عبد الحليم مصطفى زيد الكيلاني الشافعي (ت 1968م): إمام وخطيب مسجد السلط الكبير، وبقي مفتياً لمدينة السلط – بعد الشيخ صالح مريش– لمدة عشرين سنة على المذهب الشافعي كما أفاد ذلك حفيده الدكتور زيد الكيلاني، وله جهود في الدعوة والتعليم في مدينة السلط.
2. الشيخ محمد سعيد الكردي الشافعي (ت 1972م): إمام وخطيب في إربد، وله جهود في تدريس ونشر المذهب الشافعي.
3. الشيخ علي الخطيب عضيبات الشافعي (توفي عام 1985م): عمل إماما وخطيبا ومفتياً في بلدة سوف التابعة لجرش.
4. الشيخ علي سلمان القضاة الشافعي (ت 1989م): عمل إماما وخطيبا ومفتياً على المذهب الشافعي في قرية عين جنا بعجلون، وله جهود كبيرة في الدعوة في شمال الأردن، من كبار علماء الشافعية بالأردن، وكان له أثر كبير في نشر المذهب الشافعي وتدريسه وإرسال الطلاب من الأردن إلى دمشق لدراسة العلوم الشرعية.
* يعد آل القضاة من العوائل العلمية الشافعية من ذرية الشيخ علي سلمان.
5. الشيخ محمد مصطفى الصمادي الشافعي (ت 1996م): عمل مفتياً وإماماً وخطيبا لمدينة جرش.
6. الشيخ حسن رزوق الشافعي (ت 2000م): من كبار علماء الشافعية في بلاد الشام، عمل إماماً لأكثر من عشرين سنة في تدريس المذهب في مساجد عمان.
7. الشيخ عبدالله وشاح الشافعي (ت 2009): كان إماماً لمسجد السلط الصغير، وله جهود في تدريس المذهب الشافعي في السلط.
8. الشيخ يوسف العتوم الشافعي (ت 2013): عمل إماما وخطيبا ومفتياً على المذهب الشافعي في قرية سوف بجرش لمدة طويلة، وله جهود في تدريس المذهب الشافعي في عجلون.
5. على المستوى الأكاديمي: ظهر عدد من الأكاديميين ممن تمذهب بأحد المذاهب الأربعة، ومن أبرزهم:
أ- العلامة مصطفى الزرقا الحنفي (ت 1999م): من أكابر فقهاء العصر الحديث، كان أستاذاً لقسم الفقه وأصوله بالجامعة الأردنية لعشرين سنة، وهو من المؤسسين لقسم الفقه وأصوله، وكان عضواً في مجلس الإفتاء الأردني.
ب- الدكتور ياسين الدرادكة الحنفي (ت 2004م): عمل أستاذاً في قسم الفقه وأصوله لثلاثين سنة، وهو من المؤسسين لقسم الفقه وأصوله بالجامعة الأردنية، وكان عضواً في مجلس الإفتاء الأردني.
ت- الدكتور ماجد أبو رخية الحنفي (ت 2021م): عمل أستاذاً للفقه وأصوله في الجامعة الأردنية وجامعة الشارقة.
ث- العلامة الدكتور عبد الملك السعدي الحنفي: أستاذ الفقه وأصوله لأكثر من عشرين سنة في جامعة مؤتة وجامعة العلوم الإسلامية.
ج- الدكتور آدم نوح القضاة الشافعي: عميد كلية الشريعة بجامعة اليرموك سابقاً، وعضو مجلس الإفتاء الأردني.
ح- الدكتور أسامة علي الفقير الشافعي: عميد كلية الشريعة بجامعة اليرموك سابقاً، ورئيس هيئة الرقابة الشرعية لمصرف الراجحي فرع الأردن.
خ- الدكتور صلاح أبو الحاج الحنفي: عميد كلية الفقه الحنفي بجامعة العلوم الإسلامية.
د- الدكتور وليد الشاويش المالكي: عميد كلية الفقه المالكي بجامعة العلوم الإسلامية.
ذ- الدكتور أمجد رشيد الشافعي: عميد كلية الفقه الشافعي بجامعة العلوم الإسلامية، وعضو مجلس الإفتاء الأردني.
* مناهج تدريس الفقه في كليات الشريعة:
جرت العادة في كليات الشريعة أن يتم تدريس مرحلة البكالوريس مواد فقه العبادات (فقه الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج) من أحد كتب المذهب الشافعي مثل كتاب (الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي للدكتور مصطفى الخن والدكتور مصطفى البغا والشيخ علي الشربجي) أو كتاب (كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار للإمام الحصني)، وأما مواد فقه المعاملات (فقه المعاوضات والمشاركات والتبرعات والتوثيقات) فيتم تدريسها من أحد كتب المذهب الحنفي مثل كتاب (الاختيار لتعليل المختار للإمام الموصلي).
* كليات المذاهب الفقهية:
أنشأ في سنة 2016م ثلاث كليات للمذاهب الفقهية تابعة لجامعة العلوم الإسلامية وهي: كلية الفقه الحنفي، وكلية الفقه المالكي، وكلية الفقه الشافعي، وتقوم هذه الكليات بتدريس برامج الدبلوم العالي والبكالوريس والماجستير، ولها جهود كبيرة في عقد دورات متخصصة للأئمة والخطباء ومدرسي التربية الإسلامية واللغة العربية ومشرفي المراكز القرآنية في المذهب الحنفي والمالكي والشافعي، وسيتم افتتاح كلية للمذهب الحنبلي بإذن الله تعالى.
وبذلك يتبين أن المذاهب الفقهية الأربعة في الأردن قد تعايشت عبر العصور التاريخية وتكاملت في الأدوار، وما زالت المناصب والوظائف تتداول بين أتباع المذاهب الفقهية، واليوم يغلب المذهب الحنفي على القضاء الشرعي والمحاكم الشرعية، ويغلب المذهب الشافعي على مؤسستي الإفتاء المدني والعسكري، ولم يكن التنوع المذهبي عائقاً يحول دون أداء الرسالة العلمية والدعوية للعلماء والمؤسسات العلمية قديماً ولا حديثاً كما يروج خصوم التمذهب اليوم.
[1] أبو زهرة، محمد، الشافعي حياته وعصره، دار الفكر العربي، 1978م، ص44- 45، وأبو الحاج، صلاح محمد، المدخل المفصل للفقه الحنفي، دار الفاروق، عمان، 2015م، ص127- 145.
[2] ابن قاضي شهبة، طبقات الشافعية، دار عالم الكتب، بيروت، 1407هـ، ج1 ص102.
[3] الطوالبة، جهاد، المذهب الشافعي في الأردن ومظاهر التأثر به في العصر الحديث، رسالة ماجستير، قسم الفقه وأصوله، الجامعة الأردنية، 2020م، ص32.
[4] غوانمة، يوسف درويش، الحياة العلمية والثقافية في الأردن في العصر الإسلامي، وزارة الثقافة الأردنية، 2020م، ص23- 29.
[5] غوانمة، يوسف درويش، التاريخ الحضاري لشرقي الأردن، دار الفكر، عمان، 1982م، ص164- 166.
[6] غوانمة، التاريخ الحضاري لشرقي الأردن، ص37.
[7] طه الزعارير، تراجم لبعض العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء في منطقة عجلون في العصر المملوكي، موقع وزارة الثقافة، https://ich.gov.jo/node/52040.
[8] الغزي، نجم الدين، الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997م، ج1 ص116.
[9] غوانمة، التاريخ الحضاري لشرقي الأردن، ص141.
[10] أبو شعر، هند، تاريخ شرقي الأردن في العهد العثماني، مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي، 2000م، ص235.
[11] الفقير، نوح مصطفى، العلماء العجلونيون عبر القرون، بدون دار نشر، 2013م، ص154.
[12] الحسيني، أبو الفضل، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، دار البشائر، 1988م، ج1 ص259.
[13] العمري، عمر صالح، الأثر العلمي لعلماء عجلون في العهد العثماني، مجلة دراسات: العلوم الاجتماعية والإنسانية، م 44، ع3، 2017، ص148.
[14] الفقير، العلماء العجلونيون عبر القرون، ص192.
[15] العمري، الأثر العلمي لعلماء عجلون في العهد العثماني، ص151.
[16] الداود، جورج فريد، السلط وجوارها، وزارة الثقافة الأردنية، 2021م، ج2 ص335.
[17] العمري، الأثر العلمي لعلماء عجلون في العهد العثماني، ص149.
[18] الطوالبة، المذهب الشافعي في الأردن، ص82.