الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
السمسار: هو الذي يدخل بين البائع والمشتري لتسهيل عملية البيع. والمال الذي يأخذه يسميه الفقهاء (جعالة)، يأخذه السمسار مقابل جهده في الدلالة على البائع أو المشتري، وتخريجه من باب (الجعالة) وليس من باب (الإجارة) لجهالة العمل فيه، وجهالة العمل مغتفرة في الجعالة دون الإجارة.
وقد أصبحت السمسرة اليوم عملاً يحتاج إلى تفرغ، وخبرة، وكثير من الكلفة والمشقة التي يبذلها السمسار، فيتحقق بذلك ما اشترطه فقهاء الشافعية في الجعالة أن يكون العمل مما فيه كلفة ومشقة، فقد جاء في "حاشية الشرواني على تحفة المحتاج" (2/ 369): "لو جعل لمن أخبره بكذا جعلاً، فأخبره: لم يستحق شيئاً؛ لأنه لا يحتاج فيه إلى عمل. فإن تعب، وصدق في إخباره، وكان للمستخبر غرض في المخبر به -كما صرح به الرافعي في آخر الجعالة- استحق الجعل".
على أن فقهاء المالكية نصوا على عدم اشتراط أن يكون العمل مما فيه كلفة، وقالوا: تصح الجعالة على العمل اليسير.
ويبقى بعد ذلك شرطان لا بد من تحققهما لصحة السمسرة:
الشرط الأول: أن يتفق السمسار مع الطرف الذي ينوي أخذ المال منه قبل إنجاز العمل، فيخبره بأنه سيسعى في تحقيق الصفقة له مقابل مبلغ من المال، فإن وافق شرع ببذل الجهد والعمل.
الشرط الثاني: أن يكون المبلغ المتفق عليه محدداً، كمئة دينار، أو أقل أو أكثر، بحسب ما يتفقان عليه. وقد اشترط هذا الشرط جمهور الفقهاء، وأجاز الحنابلة الجعالة مع جهالة العوض، كما أجازوا أن يقول المالك للسمسار: بع هذا الشيء بكذا، وما زاد فهو لك، وهو ما نفتي به كما سبق في الفتوى رقم: (239).
يقول ابن قدامة رحمه الله: "يحتمل أن تجوز الجعالة مع جهالة العوض إذا كانت الجهالة لا تمنع التسليم، نحو أن يقول: من رد عبدي الآبق فله نصفه، ومن رد ضالتي فله ثلثها، فإن أحمد قال: إذا قال الأمير في الغزو: من جاء بعشرة رؤوس فله رأس جاز. وقالوا: إذا جعل جعلاً لمن يدله على قلعة أو طريق سهل وكان الجعل من مال الكفار: جاز أن يكون مجهولاً كجارية يعينها العامل، فتخرج ههنا مثله، فأما إن كانت الجهالة تمنع التسليم: لم تصح الجعالة وجهاً واحداً" انتهى "المغني" (6/ 375).
ويقول أيضاً: "إذا قال: بع هذا الثوب بعشرة فما زاد عليها فهو لك: صح، واستحق الزيادة، لأن ابن عباس كان لا يرى بذلك بأساً، ولأنه يتصرف في ماله بإذنه، فصح شرط الربح له في كالمضارب والعامل في المساقاة" انتهى "المغني" (5/ 270).
فإذا تحققت هذه الشروط جاز للسمسار أن يأخذ من طرفي العقد أو من أحدهما، ولو بغير علم الطرف الآخر، غير أنه يجب على السمسار -ليكون ما يأخذه حلالاً- الإخلاص في التوسط، والبعد عن التغرير والتدليس والكذب. والله أعلم.