مسؤولية العلماء والدعاة تجاه أجيال الأمة في فهم حقيقة الإسلام
الدكتور عبد الحكيم توفيق محمد
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الدعاة وإمام العلماء محمد بن عبد الله بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد فإن الأمة الإسلامية تمر هذه الأيام بظروف حرجة على جميع المستويات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية... وإن تراثنا العربي الإسلامي قد حفل بمآثر جليلة للعلماء فكانوا نجوماً وضاءة يهتدي بهم، كيف لا وهم نتاج التربية الإسلامية المنبعثة عن مصدري الإسلام الأساسيين: القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فهما روح التربية الإسلامية والمنبع الذي تستمد منه فلسفتها، واتجاهاتها التربوية العامة في تكوين الإنسان الفرد الصالح، والمجتمع الصالح، والدولة الصالحة المصلحة.
وقد قصدت من خلال هذا البحث إلقاء أضواء على "مسؤولية العلماء والدعاة تجاه أجيال الأمة في فهم حقيقة الإسلام" وهي مسؤولية- ولا ريب- عظيمة وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم.
وقد قسمت بحثي إلى:
مبحث تمهيدي: مفهوم حقيقة الإسلام
المبحث الأول: واجبات العلماء والدعاة
المبحث الثاني: واقع العلماء وسبل النهوض
وقد سلكت في هذا البحث ذكر الإيجابيات لنأخذ منها ما يتناسب ويتلاءم مع المتغيرات التي نعيشها في عصرنا الحالي، ووفق المعيار الإسلامي الصحيح، والسلبيات التي لا يخلو منها تاريخ أمة من الأمم نتحاشاها ونبتعد عنها.
وفي الختام، إن كنت في عملي المتواضع هذا قد بذلت جهداً مضنياً فإنها محاولة لا أدعي الكمال فيها، فلاشك أنه فاتني الكثير والله وراء القصد وما توفيقي واعتمادي واعتصامي إلا بالله.
المبحث تمهيدي
مفهوم حقيقة الإسلام
المطلب الأول: معنى كلمة الإسلام
الفرع الأول الإسلام في اللغة: الخضوع والانقياد: فلان أسلم: أي خضع وانقاد [1]ومن ذلك قوله تعالى (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) آل عمران/ 83
الفرع الثاني الإسلام في الاصطلاح: يطلق لفظ الإسلام ويراد به مجموعة التعاليم التي أوحاها الله إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهي داعية إلى توحيد الله، والخضوع لأحكامه، والانقياد للأصول العامة التي جاء بها الأنبياء من قبل[2] يقول الله تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) الشورى/ 13، ومن ثم فقد أطلق لفظ مسلم على كل من اتبع هذه التعاليم فيقال: إن نوحاً مسلم وإبراهيم مسلم وموسى مسلم وعيسى مسلم، ولما كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم آخر من حمل هذه التعاليم ودعا إليها أطلق عليه اسم مسلم، وأطلق على أتباعه المسلمين، وسمي الدين الذي دعا إليه بالإسلام[3] وهذه التسمية ليست من اختراع أحد، وإنما هي من الله سبحانه يقول الله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة /3.
يقول السيد سابق[4]: " الإسلام ليس بجديد على الناس، ودعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليست بدعة من البدع وإنما الإسلام هو المنهج الذي ارتضاه الله للناس جميعا، من أول الرسل إلى خاتم الأنبياء" يقول تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) آل عمران/19
المطلب الثاني: مظاهر الإسلام وخصائصه
تتجلى خصائص الإسلام ومظاهره في النقاط الآتية[5]:
1. العالمية: لأنه يستمد روحه ومقاصده من الإسلام الذي هو رسالة للناس كافة ورحمة للعالمين.
2. الربانية: حيث مصدره الأساسي وحي الخالق العظيم، ويبتغي ربط الناس بالله رب العالمين، فهي ربانية الغاية والهدف، كما هي ربانية المصدر والمنطلق.
3. الأخلاقية: فالأخلاق الفاضلة التي تفضي إلى سلوك رشيد وعلاقات طيبة بين البشر هي أبرز ما يدعو إليه الإسلام الحضاري.
4.التسامح: وذلك من أجل مجتمع يسوده الاستقرار والسلام والتعاون والتكافل بكافة أعراقهم ومعتقداتهم، وتفهم الآخرين واحترام خياراتهم العقدية والثقافية.
5. التكامل: تتكامل فيه معارف الوحي مع علوم العصر، وتتكامل فيه الجهود من حيث تناوله لشؤون الفرد والمجتمع والدولة.
6. الوسطية: يقوم على الاعتدال في منهجه ويعتمد على التدرج واليسر في طريقة تطبيقه، ومن خلال ذلك يكون التوازن بين مصلحة الأفراد ومصلحة الجماعة، والتوازن بين متطلبات الروح والمادة، وبين المثال والواقع.
7. التنوع: من حيث مادته التي تغطي مجالات عديدة، وتهتم بمستويات مختلفة كما تستوعب المتغيرات، وتأخذ من التجارب والحكم البشرية النافعة والصالحة.
8.الإنسانية: بمعنى أنه رسالة موجهة إلى الإنسان، وتهدف إلى رعاية مصالحه الضرورية والحاجية والتحسينية، وكفالة حقوقه الأساسية، وحفظ دينه وعقله ونسله وعرضه وماله.
المطلب الثالث: الصورة الحقيقية للإسلام كما أبرزتها رسالة عمان
فيما يأتي أبرز ما ورد في رسالة عمان مما فيه تجلية لحقيقة الإسلام:
أولاً: الإسلام يقوم على مبادئ أساسها:
(أ) توحيد الله والإيمان برسالة نبيه صلى الله عليه وسلم.
(ب) الارتباط الدائم بالخالق بالصلاة.
(ج) تربية النفس وتقويمها بصوم رمضان.
(د) التكافل بالزكاة.
(هـ) وحدة الأمة بالحج إلى بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا.
(و) قواعده الناظمة للسلوك الإنساني بكل أبعاده.
ثانياً: جاء الإسلام بمبادئ وقيم سامية تحقق خير الإنسانية، قوامها:
(أ) وحدة الجنس البشري.
(ب) الناس متساوون في الحقوق والواجبات.
(ج) السلام.
(د) العدل.
(هـ) تحقيق الأمن الشامل.
(و) التكافل الاجتماعي.
(ز) حسن الجوار.
(ح) الحفاظ على الأموال والممتلكات.
(ط) الوفاء بالعهود.
ثالثاً: كرّم الإسلام الإنسان دون النظر إلى لونه، أو جنسه أو دينه قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) الإسراء/ 70.
رابعاً: أكد الإسلام أن منهج الدعوة إلى الله يقوم على الرفق واللين ويرفض الغلظة والعنف في التوجيه والتعبير.
خامساً: بيّن الإسلام هدف رسالته هو تحقيق الرحمة والخير للناس أجمعين قال تعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء/ 107
سادساً: فيما يتعلق بمعاملة الآخرين:
(أ) المعاملة بالمثل.
(ب) حث على التسامح والعفو اللذين يعبران عن سمو النفس، قال تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) الشورى / 40
(جـ) قرر مبدأ العدالة في معاملة الآخرين قال تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) المائدة /8.
(د) صيانة حقوقهم.
(هـ) عدم بخس الناس أشياءهم قال تعالى: (وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ) الأعراف / 85.
سابعاً: أوجب الإسلام احترام المواثيق والعهود، والالتزام بما نصت عليه وحرم الغدر والخيانة (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا) النحل/ 91.
ثامنا: أعطى للحياة منزلتها السامية، فلا قتال لغير المقاتلين، ولا اعتداء على المدنيين المسالمين وممتلكاتهم... فالاعتداء على حياة إنسان بالقتل أو الإيذاء، أو التهديد اعتداء على حق الحياة في كل إنسان قال تعالى: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) المائدة / 32.
تاسعاً: الدين الإسلامي الحنيف قام على التوازن والاعتدال والتوسط والتيسير قال تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) البقرة / 143، وقال صلى الله عليه وسلم: (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا)[6].
عاشراً: أسس للعلم والتدبر والتفكير ما مكّن من إيجاد تلك الحضارة الإسلامية الراسخة التي كانت حلقة مهمة انتقل بها الغرب إلى أبواب العلم الحديث.
إحدى عشرة: الإسلام دينٌ أخلاقي الغايات والوسائل يسعى لخير الناس وسعادتهم في الدنيا والآخرة.
اثنتا عشرة: الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هي السلم، فلا قتال حيث لا عدوان، وإنما المودة والعدل والإحسان (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة / 8.
ثلاثة عشر: مقاومة الظلم وإقرار العدل بوسائل مشروعة.
أربعة عشر: دعوة الأمة للأخذ بأسباب المنعة والقوة لبناء الذات والمحافظة على الحقوق.
خمسة عشر: العمل على تجديد مشروعنا الحضاري القائم على هدي الدين، وفق خطط علمية عملية محكمة يكون من أولوياتها تطوير مناهج إعداد الدعاة بهدف التأكد من إدراكهم لروح الإسلام، ومنهجه في بناء الحياة الإنسانية بالإضافة إلى اطلاعهم على الثقافات المعاصرة ليكون تعاملهم مع مجتمعاتهم عن وعي وبصيرة[7].
ذلك دين الله لا يدعو إلا إلى الخير، ولا ينهى إلا عن سوء، وقد أنصف الفيلسوف أبو العلاء المعري حين قال في لزومياته[8].
دعاكم إلى خــير الأمـــور محــــمد وليس العوالي في القنا كالسوافل
حداكم على تعظيم من خلق الضـحى وشهب الدجى من طالعات وآفل
وألزمكم مـــا لـــيس بعجز حــملـه أخا الضعف من فرض له ونوافل
وحث علـى تطهير جـسـم وملبــــس وعاقب في قذف النساء الغوافل
وحرم خمراً خـلـت ألباب شـربهــــا من الطيش ألباب النعام الجوافل
فصلى عليه الله مــاذر شـــــــارق ومــا فـت مسـكاً ذكره في المحافل
المبحث الأول
واجبات العلماء والدعاة
تمهيد
لقد حددت رسالة عمان[9] الدور المنوط بعلماء أمتنا تجاه أجيال أمتنا وهذا نص ما ورد فيها "والأمل معقود على علماء أمتنا أن ينيروا بحقيقة الإسلام وقيمه العظيمة عقول أجيالنا الشابة زينة حاضرنا وعدة مستقبلنا بحيث تجنبهم مخاطر الانزلاق في مسالك الجهل والفساد والانغلاق والتبعية وتنير دروبهم بالسماحة والاعتدال والوسطية والخير، وتبعدهم عن مهاوي التطرف والتشنج المدمر للروح والجسد، كما تتطلع إلى نهوض علمائنا إلى الإسهام في تفعيل مسيرتنا وتحقيق أولوياتنا بأن يكونوا القدوة والمثل في الدين والخلق والسلوك والخطاب الراشد المستنير، يقدمون للأمة دينها السمح الميسر وقانونه العملي الذي فيه نهضتها وسعادتها ، ويبثون بين أفراد الأمة وفي أرجاء العالم الخير والسلام والمحبة ، بدقة العلم ، وبصيرة الحكمة ورشد السياسة في الأمور كلها، يجمعون ولا يفرقون، ويؤلفون القلوب ولا ينفروها ويستشرفون آفاق التلبية لمتطلبات القرن الحادي وعشرين والتصدي لتحدياته[10]".
لقد أشارت رسالة عمان إلى ملامح المسؤولية التي ينبغي أن يقوم بها العلماء وهي[11]:
1. أن ينيروا بحقيقة الإسلام عقول الأجيال الشابة.
2. أن يجنبوهم مزالق الجهل والفساد والانغلاق والتبعية.
3. أن ينيروا دروبهم بالسماحة والاعتدال والوسطية والبعد عن التطرف والتشنج.
4. أن يكونوا القدوة في الدين والخلق والخطاب الجامع لا المفرق.
يقول مأمون جرار[12]: " وهذه الملامح مهمة وأساسية في قيام العلماء بواجبهم تجاه الأجيال، لكن لابد من أن يتصف العلماء بمجموعة من الصفات تجعلهم أهلاً لأن يؤثروا في الأجيال ويكونوا في مقام القدوة لهم".
ومن خلال مطالب هذا المبحث سيتبين – بإذن الله – ما يسهم في جلاء المسؤولية العظيمة الملقاة على كاهل العلماء والدعاة تجاه أجيال الأمة في فهم حقيقة الإسلام.
المطلب الأول: ملامح الدور الإيجابي للعلماء والدعاة
إن حمل الدعوة الى الله ، ونشر العلم وتعليمه، وإنارة حياة الناس وقلوبهم بهداه، وحل المشكلات التي تطرأ في الحياة كل ذلك يبتغون به وجه الله والدار الآخرة، لم يتخذوه سلما للمطامع الدنيوية[13] من أشرف الواجبات وأعلاها شأناً، ومَن غير العلماء والدعاة بمقدوره أن يتصدى لهذه الأعباء الجسام ويؤديها على الوجه الأتم والأحسن ؟!
وحتى يتسنى للعالم أو الداعية أن يحمل شرف هذه المسؤولية باقتدار وأمانة، فإنه يتعيّن عليه ما يأتي:
أولا: أن يشعر العالم أو الداعية – من خلال دوره ومسؤوليته – بأنه ملزم بواجبات وآداب ومصدر هذا الإلزام الدين الإسلامي بكل ما يحويه من أوامر ونواهٍ وأدوات ترغيب وترهيب[14].
ثانيا: أن يتحلى بالوازع الديني والخلقي الداخلي، الذي من بين وظائفه التذكير بالواجب والمسؤولية وجعل الفرد يشعر بأن التزامه الخلقي والديني ليس نابعا من منابع خارجة عن ذاته، بل هو نابع أيضاً من كيانه الداخلي[15] يقول محمد منير[16]: "هذه المسؤوليات تنبع من ضمير الفرد واقتناعه الداخلي، لا خوفا من عقاب خارجي، ولا رغبة في مطمع مادي ".
ثالثا: أن يتحمل مسؤولياته تجاه ذاته أولاً، بأن يحافظ على حياته وعلى عقله، وصحته، وعرضه وكرامته وماله، وفي الوقت نفسه يتحمل مسؤوليات تجاه الغير، تجاه ربه، ودينه، وأسرته ومجتمعه ، وعمله، ومهنته ، وعلمه.
رابعاً: يتطلب من العالم وحامل رسالة الإسلام أن ينتفع بها أولاً، ثم عليه –أيضاً- أن ينفع بها غيره فلا يمكن أن يتصور في الإسلام عالم لايفيد غيره بعلمه ولايدرب ولايوجه ولايرشد غيره؛ لأنه إن لم يفعل هذا فإنه يخالف دينه ويعرّض نفسه للذم أو الوعيد[17] قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) البقرة / 159، ففضل العالم وتكريمه في الإسلام مرتبطان بعلمه وعمله ونيته الصافية الخالصة لوجه الله تعالى[18].
خامساً: إن من شرط المصلح درس كتاب الله وسنة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون على بصيرة من الأعمال التي يدعو الناس إليها.[19]
المطلب الثاني: ما يدعى إلى إصلاحه
إن الذي ينبغي أن يُدعى إليه، ويجب على الدعاة والعلماء أن يبينوه للناس كما بيّنه الرسل عليهم الصلاة والسلام هو الدعوة إلى صراط الله المستقيم وهو الإسلام[20] الذي هو دين الله الحق[21]، كما قال سبحانه: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ) النحل/25، فسبيل الله جل وعلا هو الإسلام ومن الأمور المهمة التي ينبغي أن يُلتفت إلى إصلاحها:
1.إصلاح العقائد الزائفة وربط قلوب الناس بالاعتقاد الصحيح كالإيمان بالله واليوم الآخر الذي ينشـأ عنه إرادة فعل الخير كإيثار ذي الحاجة دون انتظار جزاء أو شكور في هذه الحياة ، أما الجحود بعلاّم الغيوب فإنما يكون مثار الإرادات الذميمة ، ويزين لصاحبه أن يعقد نيته على ارتكاب الفحشاء والمنكر[22].
2. الدعوة إلى نبذ الأخلاق السافلة والتحلي بالأخلاق الفاضلة[23] وكان المصطفى صلوات الله عليه يرشد إلى مكارم الأخلاق بالحكمة العامة ويتولى تربية الأفراد على وجه خاص كقوله لجارية بن قدامة (لا تغضب)3 رواه البخاري.
3. وحيث كانت الأمة تفتقر في بقائها وطيب حياتها وحماية ذمارها إلى وسائل شتى كالصنائع والعلوم النظرية – من نحو الطبيعيات والرياضيات – أصبحت هذه الوسائل من قبيل ما تجب الدعوة اليه، كما صرح بذلك أبو اسحق الشاطبي وغيره من الراسخين في العلم فإن عظم مصلحتها والخطر الذي ينشأ عن إهمالها دليل واضح على أنها داخلة فيما يأمرنا به دين الله بالمسابقة اليه، حيث أرشد إليها في كثير من أوامره[24] كقوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) الانفال/60. يقول محمد الخضر حسين[25]: " من واجب دعاة الإصلاح أن يجيدوا البحث عن أحوال الأمم الأخرى لعلهم يقتبسون منها ما يليق بحياة أمتهم، كما يتعين عليهم أن يعرفوا أسباب ارتقاء الشعوب وعلل سقوطها، وليستعينوا بها في ضرب الأمثلة، ويؤيدوا بها صواب ما تهديهم إليه البصيرة الخالصة.
4. العمل على جمع الشتات وتوحيد الكلمة وتقويم الصف، والانصياع للحق، ويحملون ما صدر عن غيرهم على أحسن معانيه ما وجدوا له في الخير مذهباً، لا يجدون على أحد، ولا يضيقون به أو يحقدون عليه[26].
المطلب الثالث: عوامل نجاح العمل الدعوي
العمل الدعوي مقصد عظيم، وهدف منشود، وغاية سامية تتقاصر دونها سائر الغايات والأماني وحتى يكون هذا العمل ناجحاً ومثمراً- يؤتي أكله كل حين- بإذن ربه- فلا بد من الأخذ بأسباب نجاحه إذ أن لكل شيء سببا، ومن أهم هذه الأسباب اتصاف العالم والداعية بصفات خاصة مميزة:
الفرع الأول: منطلقات الخطاب الإسلامي المعاصر: فالخطاب الإسلامي المنشود لا بد له أن ينطلق من ركائز جامعة تحيط بالمطلوب، وتستوفي المنشود، وأهم هذه الركائز يتمثل في الآتي[27]:
1. وسطية المنهج: الخطاب الإسلامي يراعي التوازن بين العقل والوحي، وبين المادة والروح، وبين الحقوق والواجبات، بين النص والاجتهاد، بين الواقع والمثال، بين الثابت والمتحول[28].
2. إيجابية البناء: وهي نقيض السلبية التي لا ترى الدين أكثر من عقيدة في الصدور وعلم في السطور، وتمائم في النحور، وعظماء في القبور، وتقصيه عن أن يكون منهج حياة، ودافع بقاء وباعث عمارة، ومنشئ حضارة، يقول عصام أحمد البشير[29]:" إن إيجابية البناء في الخطاب الإسلامي تتبدى في عدم اكتفائه بترديد أن الإسلام هو الحل، بل تتعدى ذلك إلى النفاذ إلى تفاصيل هذا الحل وإيجاد البدائل الناجعة والحلول الشافية للمشكلات المعاصرة المتمثلة في:
أ. تحقيق التنمية المستدامة: والتي يقصد بها التنمية التي تفي باحتياجات الجيل الحالي دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على الوفاء باحتياجاتهم فمن المعلوم أن التنمية في كثير من الدول تعمل على استهلاك الموارد الاقتصادية، الأمر الذي سيلقي تبعاته الثقيلة على الأجيال القادمة.
ب. تحقيق العدالة الاجتماعية: إن الخطاب الإسلامي يكون قاصراً إن تجاهل العدالة الاجتماعية التي تحدّث عنها القرآن في بحر آياته العديدة، وأرسى قواعدها ووضح أسسها ورمى إلى تكوين المجتمع العادل فالعدل أساس في البناء السياسي والقضائي والاقتصادي، وأساس في تثبيت الحقوق والواجبات، وأصول التعامل والعلاقات بين الناس.
جــ. القضاء على البطالة: إن الناظر لزيادة معدلات البطالة في العالم يدرك –لاشك- عمق المشكلة التي تواجه المجتمعات التي تنشد الرفاهية المعيشية وتطمح إلى تحسين الأوضاع الاجتماعية، وتطبيق التنمية المستدامة، كما يدرك عظم المشاكل الاجتماعية الناجمة عنها، وعظم الدور المنوط بالخطاب الإسلامي.
3. مرحلية التدرج: غاية الخطاب الإسلامي الوصول إلى المثل الأعلى والوجه الأسنى لتطبيق الدين في واقع الناس، لكن ذلك لا يدعونا إلى أن نغمض أعيننا عن الواقع الذي نعيشه وأن نفكر في مرحلية التدرج به من حاله التي هو عليها إلى الحالة المثلى، والغاية القصوى[30].
4. شمولية الفكرة بلا اجتزاء: فرسالة الإسلام هي" الرسالة التي امتدت طولاً حتى شملت آباد الزمن وامتدت عرضاً حتى انتظمت آفاق الأمم، وامتدت عمقاً حتى استوعبت شؤون الدنيا والآخرة، والإسلام لا ينحصر- كما يرى العلمانيون- في العقيدة والعبادة فقط، بل يمتد ليشمل الحياة كلها وينبغي أن يواكب خطابنا هذا الشمول[31].
5. ارتباط بالأصل واتصال بالعصر: فالخطاب الإسلامي يبرز خصوصية الأمة وتفردها ويرتبط بأصوله، لذلك فهو ليس مبتوتاً عن تالد ماضي المسلمين، وناصع سيرة الصالحين، يبد أنه ليس رهيناً لذلك الماضي، حبيساً لنتاج أولئك العظماء الميامين، بل يدرك كم ترك الأول للآخر فالزمان غير الزمان، والبيئة غير البيئة والمشكلات غير المشكلات، ولذلك تجده يأخذ من الحضارات الأخرى مالا يتعارض مع قيم الأمة الأخلاقية وأصولها العقدية ومفاهيمها الفكرية، ومناهجها التربوية وتوجهاتها التشريعية[32].
6. تنوع بلا تضاد: بما أن الخطاب الإسلامي خطاب عام للعالمين" العالمون مختلفون في ميولهم النفسية واستعداداتهم الفطرية وطاقاتهم الذاتية، لذلك لا بد للخطاب الإسلامي أن يكون متنوعاً يروي ظمأ الروحانيين ويشفي غلة المفكرين، ويستوعب طاقة الرياضيين، ويسد حاجة الفقراء، ويرضي تطلعات الأغنياء يخاطب الروح والعقل والجوارح، يبين الحق في قالب جميل، يجتذب الشعراء والأدباء والتشكيليين بالتركيز على إظهار القيم الجمالية في الإسلام، وربطها بالعقيدة، وتبيان مظاهر الجمال والزينة في كل أرجاء الكون[33].
7. واقعية بلا تسبب: والواقعية نقيض المثالية الخيالية التي لا تتحقق في عالم الواقع، والخطاب الإسلامي خطاب واقعي لأن مصدره هو الله خالق الموجودات والعالم بالممكن والمحال والمستطاع وغير المستطاع فالخطاب الإسلامي خطاب عملي يراعي اختلاف الظرف والمكان، ويعمل على حشد طاقات الأمة وتعبئتها لا على إضعافها وتبديدها، لا يغتر لنجاح، ولا ييأس لفشل لا يثنيه واقع الاستضعاف عن العمل للتمكين، ولا طارئ الغربة عن السعي للظهور، ولا فقه الأزمة عن مستلزمات العافية، ولا الممكن الموجود عن الأمثل المنشود[34].
الفرع الثاني: دعوة على بصيرة، ومقرونة بالعمل حتى لا يكون سبباً من أسباب الصد إذ قد يقولون لو كان ما يدعو إليه هذا الشخص صحيحاً لظهر ذلك في عمله أو لبدأ بنفسه[35].
الفرع الثالث: التتابع في النصيحة: كثيرا ما يستخف الناس بالأمر تلقى له الخطبة أو تؤلف فيه المقالة فإذا تتابع الترغيب فيه، أو التحذير منه، ولو من المرشد الواحد أخذوا يعنون بشأنه ويتداعون للعمل به، أو الإقلاع عنه، إذ لعل التذكير يصادف نفوساً مستعدة للخير فتقودها إلى سواء السبيل[36].
الفرع الرابع: دعاة الإصلاح جماعة: وإنما تفيد كثرة الدعاة عند اتحادهم، وقصدهم إلى إقامة المصالح ونصرة الحقيقة في نفسها، وبذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذ ابن جبل حين بعثهما إلى اليمن قال لهما: (يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا))[37] ويشعر بهذا الشرط التعبير عن الدعاة باسم الأمة في قوله تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْر) آل عمران/ 104، "فالأمة القوم المجتمعون على الشيء الواحد يقتدي بعضهم ببعض، مأخوذ من الائتمام، فالقرآن يرشد إلى أن يكون دعاة الإصلاح جماعة، وأن يكون أدب هذه الجماعة الاتحاد والتعاضد[38] ".
الفرع الخامس إقامة جسور التواصل مع الجماهير: لا بد من إحياء مجالس العلم في المساجد والبيوت لإقامة جسور التواصل بين العلماء وجماهيرهم، وقد كانت مجالس العلم عبر تاريخنا منهلاً للواردين، ووسيلة لنشر علوم الشرع بفهم ووعي، وكان العلماء بها رموزاً اجتماعية بعلمهم الشريف الذي يحملونه وبعلو منزلتهم في قلوب الناس[39].
الفرع السادس التأدب بأدب الدعوة: لا يكفي في الدعوة أن يكون في يد القائم بها حجة، أو موعظة يلقيها في أي صورة شاء، فإن المخاطبين يختلفون ذوقا وثقافة اختلاف الزمن والبيئة، ومن اللائق أن تصاغ دعوة كل طائفة بأدب يليق بأذواقها أو ثقافتها[40].
إن تحلي الداعية أو العالم بسلاح الأخلاق، وحسن استعماله لمفردات هذا السلاح من شأنه أن يساهم في أن تتكلل الدعوة بالنجاح ويؤمنها من أن تفشل – بإذن الله – ومن الأمثلة على بعض آداب الدعوة:
1- الرفق في القول، واجتناب الكلمة الجافية فإن الخطاب اللين قد يتألف النفوس الناشزة، ويدنيها من الرشد، والإصغاء إلى الحجة أو الموعظة[41]، قال تعالى في خطاب موسى وهارون عليهما السلام: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى. فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) طه/ 34- 44، ولقن موسى عليه السلام من القول اللين أحسن ما يخاطب به جبار يقول لقومه أنا ربكم الأعلى، قال تعالى (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى. وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ) النازعات/ 18-19.
2- ويندرج في سلك هذا صرف الإنكار إلى غير معين كقوله عليه الصلاة والسلام: (ما بال أقوام يتنزهون عن الشئ أصنعه ؟ فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية) رواه البخاري
3- ومن أمثلة هذا الأدب أن يوجه الداعي الإنكار إلى نفسه، وهو يعني السامع، كقوله تعالى فيما يقصه عن رجل يدعو إلى الإيمان (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يس/22 فإنه أراد تقريع المخاطبين إذ أعرضوا عن عبادة خالقهم وعكفوا على عبادة مالا يغني عنهم شيئا، فأورد الكلام في صورة الإنكار على نفسه تلطفا في الخطاب وإظهاراً للخلوص في النصيحة حيث اختار لهم ما يختار لنفسه[42].
4- ومن لطف الدعوة أن تنادي المدعو بلقبه الشريف وتنعته بوصف شأنه أن يبعث صاحبه على قبول الموعظة، أوالإنصاف في المجادلة وهذا الأدب مقتبس من مثل قوله تعالى (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)، (يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم هرقل في كتاب دعوته الى الإسلام بعظيم الروم[43].
الفرع السابع العالم القدوة: حتى يكون العلماء والدعاة أهلاً لأن يؤثروا في الأجيال يتعين عليهم أن يكونوا في مقام القدوة لهم في النواحي الآتية:
1- أن يكونوا القدوة في العلم والوعي وحسن الفهم للدين وللواقع، فإذا تحقق ذلك وتجلى في نشاطهم الفكري والدعوي احتلوا في قلوب الأجيال الناشئة منزلة التأثير وصار لكلامهم في القلوب صدى، وليس المقصود بالعلم هنا العلم الشرعي وحده بل علوم الحياة المختلفة التي تعينهم على فهم الحياة الحديثة ومشكلاتها، وتجعلهم يدركون واقع الأجيال الجديدة ليكون خطابهم لها خطاب الشاهد المدرك لا الغائب الذي يسمع عن هذه المشكلات أو يدركها من وراء حجاب[44].
2- أن يكون العلماء قدوة للناس في السلوك، فلا يجعلوا الدنيا ومناصبها ومغانمها هدفاً لهم ولا يتخذوا الدين سلما إلى الدنيا[45]، وقد ذم القرآن الكريم صنفاً من علماء أهل الكتاب فعلوا هذا قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) التوبة/ 34، والصد عن سبيل الله يكون بأمور، منها: مناقضة القول العمل، واستغلال الدين لتحقيق مكاسب دنيوية[46].
3- أن يكونوا قدوة في قول الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليكونوا صمام الأمان في المجتمع وحين يتخلى العلماء عن هذه المهمة ينتشر في المجتمع الفساد وتتيه المسيرة[47] وقد وجّه القران الكريم اللوم إلى علماء الأمم السابقة الذين تخلوا عن مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى: (وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ) المائدة / 62-63
الفرع الثامن كيفية الدعوة: أما كيفية الدعوة وأسلوبها فقد بينها الله عز وجل في كتابه الكريم، وفيما جاء في سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، ومن أوضح ذلك قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل/125، فأوضح سبحانه الكيفية التي يجب أن يتصف بها الداعية ويسلكها:
1. بدأ أولاً بالحكمة والمراد بها الأدلة المقنعة الواضحة الكاشفة للحق، والداحضة للباطل[48] يقول ابن باز[49] " الحكمة كلمة عظيمة معناها الدعوة إلى الله بالعلم وبالبصيرة والأدلة الواضحة المقنعة الكاشفة للحق والمبينة له وهي في الأصل- كما قال الشواني رحمه الله-: الأمر الذي يمنع السفه، كل كلمة وكل مقالة تردعك عن السفه وتزجرك عن الباطل فهي حكمة، وهكذا كل مقال واضح صريح صحيح في نفسه فهو حكمة، فالآيات القرآنية أولى بأن تسمى حكمة وهكذا السنة الصحيحة".
فالحكمة كلمة تمنع من سمعها من المضي بالباطل وتدعوه إلى الأخذ بالحق والتأثر به، والوقوف عند الحد الذي حده الله عز وجل، فعلى الداعية إلى الله عز وجل أن يدعو بالحكمة ويبدأ بها ويعني بها قال تعالى: (يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) البقرة /269.
2. فإذا كان المدعو عنده بعض الجفاء والاعتراض دعوته بالموعظة الحسنة، بالآيات والأحاديث التي فيها الوعظ والترغيب[50].
3. فإن كان عنده شبهة جادلته بالتي هي أحسن، ولا تغلظ عليه بل تصبر عليه ولا تعجل، ولا تعنف بل تجتهد في كشف الشبهة وإيضاح الأدلة بالأسلوب الحسن[51].
الفرع التاسع العمل بالعلم: بحيث لا يكذب قوله فعله، لأن العلم يدرك بالبصائر، والعمل يدرك بالأبصار، وأرباب الأبصار أكثر فإذا خالف العمل العلم منع الرشد، وكل من تناول شيئاً وقال للناس لا تتناولوه فإنه سم مهلك، سخر الناس به وأتهموه ووزر العالم في معاصيه أكثر من وزر الجاهل، إذ يزل بزلته عالم كثير ويقتدون به[52].
أما العمل المطلوب فهو العمل المتقن، لأن الإتقان معيار قوة الشخصية المسلمة، وعلامة صحتها ذلك لأن الإتقان ليس مهارات أداء ظاهرة بقدر ما هو تعبير عن قوة نفسية، قوة توازن وطمأنينة وثقة ولن يكون إتقان حقيقي بمهارة خارجية وحدها دون قوة داخلية تحركها وتسددها وتساندها فالشخصية المسلمة مدعوة إلى الإتقان في كافة أنشطتها في الحياة، عبادة وعملاً، تعلما وتعليما[53]ً والإحسان مطلوب من الإنسان في كل عمل يقوم به[54].
الفرع العاشر التيسير: وليس معناه أن يترخص الداعية وأن يتساهل ويداهن في إقامة حدود الله وإنما أن يستفيد من مساحات المرونة واليسر التي جاء بها الدين نفسه، فإقامة حدود الله أمر لا جدال فيه وليس هو المعني في كلامنا هذا ويكفي أن نذكر هنا بقوله صلى الله عليه وسلم (أقيموا حدود الله في القريب والبعيد لا تأخذكم في الله لومة لائم[55]) رواه ابن ماجة.
إن القاعدة النبوية في التعامل مع الآخرين، والتي يجب أن تحكم أسلوب الدعوة والداعية تبدو واضحة جلية في قوله صلى الله عليه وسلم:(يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا) رواه البخاري[56] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلّم هذا الخلق لأصحابه ويدربهم عليه عملياً فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوه وأريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) رواه البخاري[57].
الفرع الحادي عشر الدعاء لهم بالهداية: بعد كل ماسبق ذكره مما يجب على الداعية أو العالم أن يتصف به ويعمل به[58] ومع ذلك يدعو لهم بالهداية، قال النبي عليه الصلاة والسلام لما قيل عن دوس أنهم عصوا قال: (اللهم اهد دوساً وات بهم) رواه البخاري[59].
الفرع الثاني عشر التواصل بين العلماء على اختلاف مذاهبهم: إن من المهم التواصل بين علماء المسلمين من مختلف المذاهب والفرق لإزالة ما تراكم عبر العصور من حقائق أو أوهام، ومن إرث التاريخ الذي اختلط فيه الدين بالفلكلور، وولّد فرقة بين المسلمين، وجعلهم شيعاً و أحزاباً، ونحن نسمع كثيراً من الخطباء والعلماء والمتحدثين عن المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، تلك المحجة التي ترك النبي صلى الله عليه وسلم الناس عليها، فلماذا الفرقة إن كان الحق هو المطلوب[60] يقول مأمون جرار[61]" نحن في عصر من اليسير فيه الانفتاح والتواصل بين أهل العلم من الفرق والمذاهب المختلفة عبر الفضائيات والإنترنت، ومن خلال الندوات والبرامج المفتوحة في حوار صريح يسهم في حل القضايا المعلقة بين المسلمين للوصول إلى كلمة سواء تزيل العداوة والبغضاء وتمسح كثيراً من أوهام الجهل، وفي هذا إن تحقق نزعٌ لكوا من محتقنة، ومشكلات مستعصية وجدت في الماضي وما تزال آثارها حية في حاضرنا، تفرق الأمة الواحدة التي نهيت عن الفرقة في الدين والاختلاف فيه.
المطلب الرابع: من مآثر العلماء والدعاة
لقد أدى علماء الدين في تاريخنا رسالتهم في مجالات متعددة من نشر العلم وحسن الفهم لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقاموا إلى جانب ذلك بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجالي العامة والخاصة فكانوا صمام الأمان في المجتمع وكانوا قدوة للناس في الخير علماً وعملاً[62].
ولقد هيمن العالم بعلمه على سلطان الحاكم، فوجهه وقوّمه و كثيراً ما اضطر الحاكم للخضوع للحق، والاستجابة للنصح، والخشية من الانزلاق في مهاوي الخطر والزلل، وسعى إلى العالم توقيراً واحتراماً، ولقد ظهرت على العالم المسلم تلك الصلابة في الإيمان من خلال تحمّل المصاعب والمشاق بصبر وشجاعة، رغم ما يتبع ذلك من محن ومصائب حين ينطق بكلمة حق عند سلطان جائر، كيف لا وهو الحامل للواء الشريعة الإسلامية[63]
وكانوا في المراحل التي شهدت غزواً أجنبياً عامل إثارة لعزيمة الأمة لمقاومة الاحتلال، كان ذلك في زمن الغزو الفرنجي (الحروب الصليبية) وفي زمن الغزو المغولي، ونذكر في هذا المجال أمثلة منها: موقف سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام الذي وقف إلى جانب السلطان قطز، وكان لهذه الوقفة أثر في حشد الجند وانتصار المسلمين في عين جالوت، ومنها موقف ابن تيمية في معركة مرج الصفر قرب دمشق حين غزاها المغول بقيادة قازان محمود، وفي عصرنا هذا كان للعلماء دور مشهود في الجهاد ضد الاستعمار، نذكر منهم الشيخين البشير الإبراهيمي وعبد الحميد بن باديس في الجزائر، والشيخ عز الدين القسام في فلسطين[64].
وقد تصدى العلماء عبر التاريخ لدعوات الغلو والتطرف الناتجة عن سوء فهم لنصوص من الكتاب والسنة أو عن سوء تأويل، ويمكن أن نشير في هذا المجال إلى محطات مهمة منها: موقف عبد الله بن عباس رضي الله عنهما من الخارجين على علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين ذهب يجادلهم ليردهم إلى الجماعة حرصاً عليهم وعلى وحدة الأمة المسلمة ومنها: موقف الإمام أحمد بن حنبل في قضية خلق القرآن واحتماله الأذى ورفضه المساومة على مايرى أنه الحق[65] وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتـأويل الجاهلين[66]) رواه البغوي.
المبحث الثاني
واقع العلماء وسبل النهوض
لا شك أن واقع علماء الأمة ودعاتها في عصرنا الراهن، فيه بعض الإيجابيات وبعض السلبيات، وفيما يلي بيان ذلك مع ذكر بعض مالهم من حقوق، وكيفية الارتقاء بهم.
المطلب الأول: إيجابيات الواقع
أولاً: كثرة كليات الشريعة، فلا تكاد جامعة من جامعات العالم الإسلامي تخلو من كلية شريعة (تحوي تخصصات شرعية متنوعة من: تفسير، وحديث، وفقه، ودعوة، وإرشاد ونحو ذلك) أو قسم للدراسات الإسلامية، يتولى التدريس فيها نخبة كبيرة طيبة من حملة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية[67].
ثانياً: كثرة الخريجين من الجامعات والمعاهد من حملة الشهادات الشرعية في مختلف درجاتها[68].
ثالثاً: وفرة المؤلفات الدينية، ورواجها أكثر من غيرها في سوق الكتب[69].
رابعاً: وسائل الإعلام الجماهيرية من إذاعات حيث تعددت الإذاعات (وفي كثير من دول العالم الإسلامي) المتخصصة بالقرآن الكريم خاصة وبالدين عامة، وكذلك الفضائيات (حيث تخصص بعضها ببث الوعي الدين ونشر الخلق الحميد من خلال برامج مميزة على مدار الساعة) وأيضاً الصحف والمجلات الدينية والتربوية الهادفة، ونحو ذلك من وسائل الإعلام والتي فتحت المجال لعدد كبير من العلماء، والدعاة بالظهور فيها بصورة منتظمة للتواصل مع الجماهير، والتأثير فيها[70] مما أسهم بشكل جلي في توجيه الصحوة الإسلامية ورد الكثير من أجيال الإسلام إلى دينهم رداً جميلاً.
خامساً: انتشار المساجد مع الامتداد العمراني، مع توفر الأئمة والخطباء والوعاظ لمعظمها و وجود مكتبات في عدد كبير منها[71].
سادساً: العناية بالقرآن الكريم وحفظه[72]، حيث كثرت دور القرآن، ودورات تعلم القرآن وتعليمه وحفظه والتنافس في ذلك، وعقد المسابقات القرآنية وتخصيص الجوائز القيمة.
سابعاً: ظهور الكثير من المجمعات الفقهية والتي تنعقد دورياً وتضم كبار العلماء من مختلف البلاد والمذاهب وتبحث في المستجدات وتناقشها وتصدر فتاويها فيها، وكذلك الهيئات العلمية الإسلامية ومنها ما يتعلق بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم، ومنها ما هو خاص ببحوث السنة النبوية، ومنها ما يهتم بشؤون الوعظ والإرشاد ونحو ذلك حيث لها نشاطها المميز وأثرها الطيب.
ثامناً: انعقاد المؤتمرات الإسلامية الدولية في العديد من الأقطار، مثال ذلك المؤتمر الإسلامي الدولي الذي أشرفت عليه مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي والذي عقد برعاية ملكية سامية في عمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية في 27-29 من جمادى الأولى 1426هـــ الموافق 4-6 من تموز (يوليو) 2005م وكان بعنوان حقيقة الإسلام ودوره في المجتمع المعاصر" حيث حضره ما ينوف عن السبعين من علماء الأمة من مختلف البلاد ومن جميع المذاهب الإسلامية وألقيت فيه عشرات البحوث القيمة حول حقيقة الإسلام ودوره.
المطلب الثاني: من سلبيات الواقع
إن الغاية من ذكر بعض سلبيات الواقع، هو التعرف على نقاط الضعف، ووجوه الخلل والقصور وذلك من باب وضع اليد على الداء، تمهيداً للمعالجة والإصلاح حتى يتسنى بعد ذلك النهوض والارتقاء وليتحقق الدور المطلوب للعلماء تجاه المجتمع كله وتجاه الأجيال الصاعدة.
الظاهرة الأولى: إن نسبة عالية من الذين يتجهون إلى دراسة العلم الشرعي هم من ذوي الذكاء المتوسط وما دونه- إذ اعتمدنا درجات الثانوية العامة مقياساً للذكاء- يقول مأمون جرار[73]" وقد أدى تخلي كثير من الأذكياء عن التوجه إلى العلم الشرعي، إلى غياب الفحولة العلمية التي تتجلى في الرأي الثاقب، والفهم الصائب، والتميز في علم أو أكثر من علوم الشريعة، فيعرف هذا بالتفسير، وهذا بالفقه، وهذا بالحديث، وقد أدى ذلك إلى غياب المرجعيات العلمية والدعوية، أو ندرتها، وإلى تراجع منزلة العلماء في قلوب العامة.
الظاهرة الثانية: خطبة الجمعة وشكوى الناس من خطبائها، فإن من المؤسف أن تجد لدى كثيرٍ من العامة استخفافاً بأهل العلم، واستهانة بهم، وعدم تعلق بهم، أو ارتباطاً بأشخاصهم، وعلمهم لأنهم لم يروا من كثير منهم التميز الذي يجذبهم إليهم[74].
الظاهرة الثالثة: تخلي الكثير من حملة العلم الشرعي عن دورهم الرسالي، واكتفوا بالجانب الوظيفي من عملهم[75].
الظاهرة الرابعة: قلة مجالس العلم في المساجد، أو في بيوت أهل العلم تلك المجالس التي كانت عبر تاريخنا المنهل الصافي لتلقي العلم وولادة العلماء الذين يتلقون مع العلم المنهج وحسن الفهم وذلك لا يتأتى من الكتب وحدها[76].
الظاهرة الخامسة: اتخاذ العلم وسيلة إلى الدنيا، وزينة ظاهرية[77].
الظاهرة السادسة: تراجع أثر الشخصيات والهيئات الدينية، مما فسح المجال أمام نمو فكر تكفيري- أحيا فكر الخوارج في الصدر الأول من جديد- ومن آثار ذلك ما رأيناه في العقود الأخيرة في عدد من البلاد العربية من ظهور أفكار ومفكرين من المكفرين، وكان من ثمرات ذلك استباحة الدماء، مما يعطي صورة قاتمة عن الإسلام وأهله وعن صورة المجتمع الذين يدعون إليه[78].
الظاهرة السابعة سلبيات الخطاب الإسلامي: إن الخطاب الإسلامي المعاصر يبلي بلاءً حسناً في الدعوة إلى الله وإخراج الناس من ظلمات الجهالة والمعصية إلى نور الإسلام والمعرفة، غير أنه كشأن كثير من أوجه العمل الإسلامي تعتريه بعض السلبيات التي تقلل من فاعليته وتحد من أثره[79] ومن هذا السلبيات:
1. التقوقع والانغلاق: ويتمثل هذا الاتجاه في النظر إلى الواقع المعاصر بعين السابقين واجترار مناقشة أفكار انقرضت، والاعتقاد أن الكتب القديمة قد حوت حلاً لكل المستجدات في عصرنا، بل وما يليه من عصور إلى يوم الدين، والتعامي عن هموم عصرنا، وما استجدت فيه مشاكل، وما برزت فيه من تحديات، وما سادت فيه من مذاهب فكرية هدامة[80].
2. التعميم والإطلاق: ويتمثل هذا الاتجاه دعاة الإجمال وإطلاق المبالغات وعبارات التعميم فكثيراً ما نسمع عبارات معممة ليس لها من سند شرعي مثل[81]:
أ. الكفر ملة واحدة: هذه العبارة صحيحة في مآل الكفر فهو ملة واحدة من حيث العاقبة لكن ذلك لا يعني أن كفر أهل الكتاب مثل كفر الوثنيين.
ب. خذوا الإسلام جملة أو دعوه جملة: هذه العبارة صحيحة في مجال الاعتقاد والتصور فلا يجوز أخذ العقيدة تفاريق، لكن في جانب تطبيق الأحكام وتنزيلها إلى أرض الواقع لابد من المرحلية والتدرج.
ج. العولمة شر محض: هذه العبارة لا تصح لأن العولمة على كثرة ما بها من شرور لا تخلو من جوانب عظيمة الفائدة للدعوة الإسلامية.
هذه النماذج لبعض الألفاظ المعممة تكفي لإيضاح أن الإطلاق والتعميم داء عضال يعرض مصداقيتنا للزوال لذا يجب تداركه[82].
3. التبعية والانسياق: ويتمثل هذا الاتجاه في الدعاة إلى النظام العالمي الجديد، لا في وسائله وتقنياته بل في أصوله ومحكماته، لم يبقوا من الإسلام إلا اسمه ومن الشرع إلا رسمه فرطوا في الأصول وضيعوا القطعيات[83].
4. الافتخار بالمناقب والأعراق: ويتمثل هذا الاتجاه في المتحدثين عن تاريخ الإسلام وحاضره حديث المدل المختال، يسردون المحامد ويعددون المناقب، ويغفلون عن النقائص والمثالب، لا يحاسبون ذواتهم ولا يقيمون تاريخهم بل يرددون (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) ويفهمونها على هواهم، ولا يربطون الخيرية بــ(تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) آل عمران /11، يخلطون الأوراق ولا يعترفون بخطأ أو قصور[84].
5. الاختصار والتجزئة: ودعاة التجزئة والاختصار الذين يأخذون من الإسلام الأشكال والرسوم ويستبعدون الجوهر والمضمون، ويريدون الإسلام دعوة بلا دولة، عقيدة بلا شريعة، حق بلا قوة[85].
6. الرفض والعنف: ويتمثل هذا الاتجاه في محاولة بعضهم إظهار الإسلام مشتجراً مع الجميع، محارباً للمسالمين، مروعاً للآمنين، طالباً للدم، ساعياً للهدم، باحثاً عن الزلات لنشرها، طالباً للثغرات لهتكها، لا يعرف المؤلفة قلوبهم ولا أهل الذمة، ولا الكفار غير المحاربين ونحو ذلك مما حفل به تراث الإسلام في تصنيف غير المسلمين، بل ولا يعرف المسلم العاصي أو غير الملتزم المذنب فالكل في نظره كفار، بل وربما لا يعرف المسلم الملتزم المخالف له في الرأي، إنه الاتجاه الذي لا يعرف تعدد الآراء، ولا اختلاف الفقهاء لا يؤمن بالحوار ولا يسلم بالتعددية، إنه الاتجاه الذي لا يشجع قليل الخير بغية إكثاره وإثماره بل يهاجم كثير الخير لدرجة إزهاقه وإهداره الأصل في العادات عنده الحرمة حتى يرد الدليل بالتحليل يعبد الله على حرف ولا يغضي عن المخالف الطرف، فأنى له أن يمثل الخطاب الإسلامي الحق[86].
الظاهرة الثامنة: الحسد ودوره في تأخير نمو العلم، فالحسد غير المشروع* يجعل تفكير طالب العلم في الآخرين وكيف اعتلوا عليه، وينسى أنه ينبغي عليه أن يعمل للعلم ويجعله له تعالى، ويبارك بما عند غيره، ويطلب من الله سبحانه وتعالى أن يزيدهم من فضله ويتقبله منهم حتى ينال رضاه عز وجل يقول صلى الله عليه وسلم: (من دعا لأخيه بظهر الغيب قال له الملك الموكل ولك مثله) رواه مسلم[87] أي بمثل ما حصل المدعو له لا ينقص منه شيئاً[88]، ولكن من تقلب على فؤاده وجوارحه الحسد، وعمر وشاخ بهما، وارتاض هو بذلك فلن تقدر عليه، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "العلماء أشد تغايراً من التيوس في زروبها" فقول المتنافسين لا يقبل في بعضهم كما قرره العلماء وجرى عليه المحدثون من أهل الجرح والتعديل، والمعاصرة حرمان - كما قال بعضهم- فما حرمان أخذ المتعاصرين فيما بينهم إلا المعاصرة أي أنهم في عصرٍ واحد أو مصر واحد[89].
الظاهرة التاسعة: ندرة الذين أحرزوا مزايا أهل العلم، واستحقوا بها لقب العالم المصلح فهم ليسوا بكثير فالمعاهد العلمية لا تكاد تنبت في العصر الواحد سوى الرجل أو الرجلين وعلة هذا[90]:
1. ما طرأ على أسلوب التعليم من العوج الذي يقف بالأفكار في دائرة ضيقة، ويحرمها من أن تتمتع بنعمة استقلالها.
2. ثم إن كثير من الحكومات لا توسع لدعاة الإصلاح صدرها، بل تنظر إليهم في أغلب الأوقات، نظر المزدري بهم أو الناقم عليهم، وهذا يفسد على العالم خصلة الشهامة، فينقلب إلى خمول وفرار من معترك الحياة[91].
الظاهرة العاشرة: انزواء كثير من العلماء عن الدعوة إلى الخير، عجزاً وكسلاً مما يؤدي إلى إضاعة القسم المهم من وظيفتهم، والقضاء على أعظم وسيلة لرقي الحالة الاجتماعية[92].
الظاهرة الحادية عشرة: إن كثيراً من العلماء والدعاة يبعدون غاية البعد عن السمات والخلال[93] التي ينبغي توافرها في الذين يتصدرون الدعوة إلى الله، مما عوق الإسلام عن النهوض، وقعد بالمسلمين عن السير إلى الغاية الكريمة والأمل المرجو[94].
الظاهرة الثانية عشرة: انعدام مقاييس الكفاية عند المنتسبين للإسلام، وضياع موازين الحقائق بينهم فيقدمون من يستحق التأخير، ويرفعون من هو جدير بأن يوضع، يقول عليه الصلاة والسلام (إن أخوف ما أخاف عليكم أئمة مضلون[95]) رواه أبوداود، يقول السيد سابق[96]: "وقد يرى بعض هؤلاء الاستعانة بالجهلة والسفهاء من الناس، الذين لا يحسنون الحكم على الأشياء، والذين وصفهم عليٌ كرم الله وجهه بقوله: (همج رعاع، أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح) وحينئذٍ تطوى راية العدل وتنكس أعلام الهداية، وتطمس معالم الطريق، وتُطِلُ الفتن برأسها، ويعظم شرها، ويكبر ضررها وتفشو الجهالة وتسود الضلالة، ويتسلط الباطل ويتحقق ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جُهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) رواه البخاري[97]".
الظاهرة الثالثة عشر: التشويه المتعمد في بعض وسائل الإعلام لصورة العلماء والدعاة من خلال الأفلام والمسلسلات التي قدمت العالم أو الشيخ في صورة ساخرة، وأسقطت هيبته ومنزلته من نفوس العامة[98].
الظاهرة الرابعة عشرة دعاة معسّرون: ومما ابتُلي به الإسلام في هذا العصر دعاة جبلوا على التعسير في كل شأن، وكأن اليسر ليس من الإسلام في شيء، فهم في الصلاة معسّرون، وفي الوضوء واللباس وفي بيوتهم، وفي المأكل والمشرب وفي علاقاتهم مع غيرهم، وفي البيع والشراء، في كل ذلك معسّرون وفي عمل الدعوة معسّرون وهم في كل ذلك مخالفون للنهج النبوي الصريح[99]، يقول فتحي يكن[100] عنهم:" وكأن الله قد نصبهم حكاماً على الأمة يقضون فيها بكل ما هو صعب وعسير، فيضيقون سعة الإسلام ويحجرون مرونة الشريعة، وينفرون الناس من الدين".
المطلب الثالث: سبل النهوض بواقع العلماء والدعاة
إن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ومن ثَم فإن الوسائل التي تمكن العلماء والدعاة من تحمّل مسؤولياتهم، وأداء واجباتهم تجاه الأمة هي من الأمور المهمة المطلوبة، وتتمثل بما يأتي:
أولاً: معالجة كافة السلبيات التي تعيق عمل العلماء والدعاة، بحيث تتضافر الجهود وعلى جميع المستويات في إزاحة العقبات التي تعترض طريق العلماء والدعاة وتحول بينهم وبين الاضطلاع بواجباتهم.
ثانياً: تيسير الوسائل لأجل تمكين الدعاة من الوصول إلى من يراد دعوتهم، فبعض البلاد قد لا يوجد فيها طرق جيدة يستطيع المرء معها أن يسلكها لكونها جبلية، أو وعرة بها وديان، فينبغي تأمين وسائل نقل مناسبة لتمكين الدعاة من التجول في تلك البلاد لغايات الدعوة والتعليم[101]
ثالثاً: العناية بتكوين الدعاة، وإعدادهم الإعداد المتكامل، وهو أمر بالغ الأهمية، وإلا أصيبت كل مشروعات الدعوة بالإخفاق؛ لأن شرطها الأول لم يتحقق، وهو الداعية المهيأ لحمل الرسالة[102].
رابعاً: إفشاء مجالس العلم ورفع شعار العلم للجميع، وتكثيف طلب العلم حفاظاً عليه وتأصيلاً له فقد كان أبو الدرداء يقول: "مالي أرى علماءكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون؟ تعلموا قبل أن يرفع العلم فإن رفع العلم ذهاب العلماء[103]" كذلك كان حرصهم على طلب العلم وتعليمه وتدوينه حتى لا يأتي وقت يفقدون فيه من يحمله، ويقوم بحقه[104].
)كتب عمر بن عبد العزيز في خلافته إلى أبي بكر بن حزم –واليه على المدينة- يقول له: (انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه فإني خفت دروس العلم -أي ذهابه- وذهاب العلماء، وليفشوا العلم وليجلسوا، حتى يعلم من لا يعلم فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً)[105].
خامساً: إحياء الدور الرسالي للعلماء[106]، فلا ينبغي أن يكون الدين تخصصاً علمياً يدرسه الدارس كأي تخصص آخر لينال شهادة ويجد وظيفة ويمضي بعد ذلك في تيار الحياة فدارس الدين أمين على دين الأمة ووارث علم النبوة، وهذا يقتضي أن يكون أهلاً لذلك ظاهراً وباطناً ولابد أن يعلم أنه ليس"مرتزقاً" يطلب بتخصصه رزقه فحسب، بل هو صاحب رسالة حيث ما كان موقعه: إمام مسجد، أو معلم في مدرسة، أو أستاذاً في الجامعة أو واعظاً أو كاتباً[107].
سادساً: الإفادة من وسائل الدعاية، فعندنا من المساجد والمعاهد والمدارس، والصحف والإذاعة والتلفاز والفضائيات، والإنترنت ما نستطيع به- إذا أحسنّا استعمالها- أن نكوّن جيلاً كريماً يستطيع أن يضرب بسهم وافر، وأن يسهم بنصيب كبير في بناء الأدب العالمي والخلق المتين[108] يقول السيد سابق[109]: "فهذه كلها (وسائل دعاية) لو وضعت لها سياسة مرسومة، وخطة حكيمة يمكن أن تأتي بأعظم النتائج، وأبرك الثمرات".
سابعاً: سعة صدر الحكومات في تعاملها مع الدعاة والعلماء، وتقبل نقدهم وتأخذ بنصحهم وإرشادهم، وتشجعهم على توجيه النقد البناء وتكرمهم ولا تزجرهم، يقول شيخ الجامع الأزهر السابق الإمام محمد الخضر حسين[110]:" كيف تكون حياة العلماء ومبلغ الأمة من السعادة، لو جرى جميع الرؤساء على سياسة الخليفة الناصر، حيث قام القاضي منذر بن سعيد على منبر الجامع بقرطبة وخطب منكراً عليه- وهو من الشاهدين- الإسراف في زخرفة المباني، وإنفاق أموال الرعية في غير مصلحتها وقارعاً سمعه بمثل قوله تعالى: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ، وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ، وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) الشعراء/ 128- 130، وما كان من الخليفة سوى أن قال لابنه الحكم – حين قال له اعزله- أمثل منذر بن سعيد في فضله وعلمه يُعزل لإرضاء نفس ناكبة عن الرشد سالكة غير القصد هذا مالا يكون؟!"
ثامناً: إعطاء العلماء حقوقهم، فِمن حق العلماء[111]:
1. إغناؤهم بما يكفيهم من الدخل.
2. أن يعاملوا معاملة خاصة تليق بمنزلتهم في دين الله، وتعلي منزلتهم في المجتمع حتى يكونوا شامة بين الناس.
3. رد هيبتهم، فكم نحن بحاجة إلى تقديم النماذج الطيبة للعلماء العاملين عبر تاريخنا في برامج ومسلسلات وأفلام ليكونوا القدوة للأجيال الجديدة هذا فضلاً عن النماذج الحية المعاصرة[112].
الخاتمة
1. إن الإسلام قد وضع مبادئ وأسساً للتعلم والتعليم سبق بها أفضل ما يباهي به عصرنا ومفكروه من قيم تربوية في جانب التعلم أو التعليم، مثل مبدأ استمرار التعلم أو طلب العلم من المهد إلى اللحد، ومبدأ التخصص في أحد العلوم، ومبدأ التوقير للمعلم، والرفق بالمتعلم، والتدرج في التعليم ومراعاة الفروق، والإشفاق على المخطئ وتشجيع المحسن واستخدام الوسائل المعينة، وغير ذلك[113].
2. نحن-المسلمين- نستطيع أن نخفف من الكثير من الشرور والمفاسد إذا أحسنا عرض الإسلام وأخلصنا لله، وتجردنا من كل ما يعوقنا عن السير في هذا السبيل من التماس الدنيا بعمل الآخرة فإنّ الإسلام ذاته قوي وليس فيه ما يشق على الناس فهمه أو يصعب عليهم العمل به وروحانية مهذبة، لا تغمط الفطرة حقها، ولا تميل بالإنسان ذات اليمين أو ذات الشمال، وليس فيه مادية بعض الأديان، ولا رهبانية بعضها الآخر[114] قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) الروم /30.
3. أختم بحثي برأي، قد يجد المعارضين، كما يجد بعض المؤيدين، وهو أن يعود العلماء إلى سمتهم وزيهم الذي عرفوا به عبر التاريخ، لا طلبا للتميز، بل ليكونوا شامة بين الناس، لتكون لهم الهيبة والمنزلة التي يستحقها العلم الشرعي، وأنا أعلم أن باعث التخلي عن زي العلماء هو التخفف من القيود والأعباء التي يفترضها، والهرب من تبعاته ولكن ما خسر أهل العلم بتخليهم عن هذا الزي أضعاف ما كسبوه، إن كانوا قد كسبوا شيئاً، ولننظر إلى أهل كل مهنة كيف ترتبط هيبتهم بزي تلك المهنة فماذا لو تخلى الشرطي عن لباسه، وماذا لو كان الجندي والضابط بلباس مدني[115] ؟!.
أسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعاً لحسن الدعوة إليه وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يمنحنا جميعاً الفقه في دينه والثبات عليه ويجعلنا من الهداة المهتدين والصالحين المصلحين إنه جل وعلا جوادٌ كريم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
الهوامش
[1]- ابن منظور: لسان العرب- دار صادر- بيروت م5 ج12 مادة سلم ص 293.
[2]- السيد سابق: دعوة الإسلام- دار الكتاب العربي- بيروت ص13.
[3]- دعوة الإسلام (مرجع سابق) ص13-14 حيث يقول في ص14: جاء الإسلام ليعيد لتعاليم الله صفاءها، وليخلص الدين مم علق به من رواسب وما لحق به من تحريف، فهو إصلاح عام ودعوة إلى تآلف الشعوب وتقارب الأمم وتوحيد العالم، ودعوة الناس جميعا إلى منهاج واحد في العقيدة والسلوك، ليعيشوا في سلام ومحبة وتكافل وتعاون وتآزر كي يصل المجتمع الإنساني إلى المستوى الراقي الرفيع.
[4]- المرجع نفسه ص14.
[5]- مفهوم إسلام حضاري للدكتور عبد الحميد عثمان- بحث مقدم للمؤتمر الإسلامي الدولي: حقيقة الإسلام ودوره في المجتمع المعاصر- عمان 27-29 جمادى الأولى 1426هـ ص7-8.
[6]- رواه البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، كتاب العلم، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا، حديث رقم (69).
[7]- انظر سبل النهوض بواقع العلماء والدعاة في ص (31) وما بعدها من هذا البحث.
[8]- محمد الخضر حسين: الدعوة إلى الإصلاح، جمعه وحققه على رضا التونسي.
[9]- ص 7.
[10]- المرجع نفسه.
[11]- انظر: مأمون جرار، مسؤولية العلماء تجاه أجيال الأمة – بحث مقدم للمؤتمر الإسلامي الدولي (حقيقة الإسلام ودوره)، عمان، ص6.
[12]- المرجع نفسه.
[13]- مأمون جرار: مسؤولية العلماء تجاه أجيال الأمة – مرجع سابق، ص1.
[14]- محمد منير: العلماء عند المسلمين (دار المناهل) ص18.
[15]- المرجع نفسه.
[16]- المرجع نفسه.
[17]- المرجع نفسه ص19.
[18]- العلماء عند المسلمين (مرجع سابق) ص19.
3- الدعوة الى الإصلاح (مرجع سابق) ص44.
[20]- فضل الدعوة إلى الله (مرجع سابق) ص 385.
[21]- انظر معنى حقيقة الإسلام في الفصل التمهيدي من هذا البحث.
[22]- الدعوة إلى الإصلاح (مرجع سابق) ص 43.
[23]- المرجع نفسه ص44.
[24]- المرجع السابق ص44-45.
[25]- الدعوة إلى الإصلاح (مرجع سابق) ص45.
[26]- دعوة الإسلام (مرجع سابق) ص 294.
[27]- انظر عصام أحمد البشير: (منطلقات أساسية) ص9-14.
[28]- المرجع نفسه ص10.
[29]- المرجع نفسه.
[30]- المرجع نفسه ص12 وانظر: الدعاة إلى الله (مرجع سابق) ص21 حيث ذكر أن منطقة تدعي بوغندا داخل يوغندا قد دخلها الإسلام لأول مرة عن طريق دعاة من زنجبار وهي جزيرة في بحر الزنج (المحيط الهندي في شرق أفريقيا) حين توصل الدعاة إلى أن يتصلوا بالملك وهو (الكاباكا) وشرحوا له محاسن الإسلام أراد الملك أن يدخل في الإسلام فقالوا له: أيها الملك إن من يسلم لابد له من أن يختتن وأنت لابد أن تختتن في البداية وكانت لديهم تقاليدهم في منطقة بوغندا أن دم الملك لا ينبغي أن يسقط على الأرض فإذا سفك دم الملك خربت المملكة في اعتقادهم فقال لهم: لا. وبقي هو ومن معه لم يسلموا بسبب هذا الرأي غير الصائب من داعية من الدعاة عندما قال للملك لا بد أن تختتن مع أن الاختتان ليس شرطاً للدخول في الإسلام، وإنما الاختتان سنة من سنن المسلمين.
[31]- منطلقات أساسية(مرجع سابق) ص12.
[32]- المرجع نفسه.
[33]- المرجع نفسه ص13.
[34]- المرجع نفسه.
[35]- الدعاة إلى الله (مرجع سابق) ص 14.
[36]- الدعوة إلى الإصلاح (مرجع سابق) ص14.
[37]- رواه البخاري، انظر: صحيح البخاري، كتاب الجهاد، باب ما يكره من التنازع، حديث رقم (3038).
[38]- المرجع نفسه ص16-17 وفي ص 45-46 يقول:إذا استبان لنا أن وجوه الإصلاح كثيرة، وأن الدعوة لا تنهض بالأمة إلا أن تأتي على كل علة فتصف دواءها ، أدركنا شدة الحاجة إلى أن يكون المتصدي للدعوة جماعة مؤلفة من رجال رسخوا في علوم الشريعة وألموا بالعلوم العمرانية، والشؤون المدنية، يجتمعون فيبحثون ويسيرون تحت راية الإخلاص والإنصاف ولو تقارب ما بين من درسوا علوم الإسلام، ومن درسوا العلوم الأخرى من المؤمنين وتعاونوا على الدعوة، لأقاموها على وجهها المتين وشادوا من قوة إيمان الأمة وشرف أخلاقها وسعة معارفها وشدة عزمها حصوناً تتساقط دونها مكائد عدوها خاسئة.
[39]- مسؤولية العلماء(مرجع سابق) ص8-9.
[40]- الدعوة إلى الإصلاح (مرجع سابق) ص 25 -26.
[41]- الدعوة الى الاصلاح (مرجع سابق) ص 26.
[42]- الدعوة إلى الإصلاح (مرجع سابق) ص 26-27.
[43]- رواه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب رقم 5، حديث رقم 7.
[44]- مسؤولية العلماء (مرجع سابق) ص6-7.
[45]- المرجع نفسه ص7.
[46]- المرجع نفسه.
[47]- المرجع نفسه.
[48]- ابن باز فضل الدعوة إلى الله (بحث مقدم لأبحاث ووقائع اللقاء الخامس لمنظمة الندوة العالمية للشباب الإسلامي- كينيا) ص383.
[49]- المرجع نفسه ص 384.
[50]- المرجع نفسه.
[51]- المرجع نفسه.
[52]- العلماء عند المسلمين (مرجع سابق) ص 19 نقلاً عن إحياء علوم الدين للغزالي ج1ص58.
[53]- المرجع نفسه ص 19-20 نقلاً عن سيد أحمد عثمان، المسؤولية الاجتماعية والشخصية ص53.
[54]- المرجع نفسه ص 20.
[55]- رواه ابن ماجة، انظر: سنن ابن ماجه وبهامشه حاشية السندي. دار الفكر، بيروت، 2008، كتاب المحدود باب إقامة الحدود حديث رقم (2540).
[56]- رواه البخاري، انظر تخريجه في ص (8) من هذا البحث.
[57]- رواه البخاري، (مرجع سابق)، كتاب الأدب، باب قول النبي يسّروا ولا تعسروا، حديث رقم (6128).
[58]- كأن يعمل بما يدعو إليه ويكون ذا خلق فاضل وسيرة حميدة وصبر ومصابرة ، وإخلاص في دعوته و اجتهاد فيما يوصل الخير إلى الناس وفيما يبعدهم عن الباطل، وانظر فضل الدعوة ص394.
[59]- رواه البخاري (مرجع سابق)، كتاب المغازي، باب قصة دوس، حديث رقم (4392).
[60]- مسؤولية العلماء(مرجع سابق) ص8.
[61]- المرجع نفسه.
[62]- المرجع نفسه ص 2.
[63]- العلماء عند المسلمين (مرجع سابق) ص20-21.
[64]- مسؤولية العلماء (مرجع سابق) ص3.
[65]- المرجع نفسه، حيث ذكر موقف العلماء في مصر من فكر الجماعات الإسلامية التي تراجعت عن تبني العنف واستباحة الدماء بالحوار الهادئ الذي استطاع العلماء به إعادتهم إلى الصواب وحقن الدماء المعصومة.
[66]- رواه البغوي في مشكاة المصابيح، انظر المرجع نفسه ص8.
[67]- مسؤولية العلماء (مرجع سابق) ص3.
[68]- المرجع نفسه.
[69]- المرجع نفسه.
[70]- المرجع نفسه ص4 هذا وقد أصبح للعديد من العلماء والدعاة مواقع خاصة على صفحات الإنترنت ذات فائدة قيمة.
[71]- المرجع نفسه.
[72]- المرجع نفسه.
[73]- المرجع نفسه وفي ص4-5 يقول: إن ظاهرة(الدعاة الجدد) الذين جاؤوا من خارج سرب التخصص الشرعي وحققوا تأثيراً جماهيرياً واسعاً- هذه الظاهرة مؤشر سلبي من جانب، وإيجابي من جانب آخر، فهي ظاهرة إيجابية لأنها سدت ثغرة قصر فيها حملة العلم الشرعي، بالأسلوب المؤثر المختلف عن المألوف في الخطاب الديني، وهي ظاهرة سلبية لأنها تدل على فراغ لدى الناس في مجال العلم والدعوة ناتج عن تقصير حملة العلم الشرعي.
[74]- المرجع نفسه.
[75]- المرجع نفسه ص5.
[76]- المرجع نفسه.
[77]- المرجع نفسه ص1.
[78]- المرجع نفسه ص5-6.
[79]- منطلقات أساسية (مرجع سابق) ص7-9.
[80]- المرجع نفسه ص7.
[81]- المرجع نفسه ص8.
[82]- المرجع نفسه.
[83]- المرجع نفسه.
[84]- المرجع نفسه.
[85]- المرجع نفسه ص 9.
[86]- المرجع نفسه.
*- يوجد حسد مشروع وهو الغبطة كما ورد في الحديث الذي رواه البخاري وأحمد من رواية أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل والنهار، فسمعه جاره، فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل...))انظر تشحيذ الهمم إلى العلم لمحمد بن إبراهيم الشيباني- مكتبة ابن تيمية- الكويت، ص10.
[87]- رواه مسلم، انظرصحيح مسلم، (ترقيم: محمد فؤاد عبدالباقي) مكتبة ألفا، مصر، ط1، 2008م، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب، حديث رقم (2732).
[88]- منطلقات أساسية (مرجع سابق) ص 9.
[89]- المرجع نفسه حيث يذكر- نقلاً عن مقدمة دليل مخطوطات السيوطي- أن ما جرى بين السخاوي والسيوطي خير شاهد على ما قال.
[90]- الدعوة إلى الإصلاح (مرجع سابق) ص146.
[91]- المرجع نفسه ص146-147.
[92]- المرجع نفسه ص147.
[93]- انظر صفات العلماء والدعاة ص (14) وما بعدها من هذا البحث.
[94]- انظر دعوة الإسلام (مرجع سابق) ص195 والدعوة إلى الإصلاح ص65 إذ يقول: الوعظ عملٌ جميل وله في نظر الشارع مقام رفيع، وإنما يحط من شأنه أن يتصدى له من لا يميز الأحاديث المصنوعة من الأحاديث الثابتة، ولا يفرق بين ما هو سنة وما هو بدعة، أو يلصق بالدين ما هو بريء منه.
[95]- رواه أبو داود، انظر. سنن أبي داود، دار ابن الهيثم، القاهرة، كتاب الفتن والملاحم باب ذكر الفتن، حديث رقم (4252).
[96]- دعوة الإسلام، المرجع السابق، المرجع نفسه.
[97]- رواه البخاري، مرجع سابق، كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم، حديث رقم (100).
[98]- مسؤولية العلماء (مرجع سابق) ص9.
[99]- الاستيعاب(مرجع سابق) ص39.
[100]- المرجع نفسه.
[101]- الدعاة إلى الله (مرجع سابق) ص33-34.
[102]- ثقافة الداعية (مرجع سابق) ص6 ، وانظر الدعوة إلى الله ص34-35 حيث بين أهمية إعداد الدعاة عن طريق تمرينهم على الخطابة والتبليغ في الكلام، وكذلك تمرينهم على تحمل المشاق البدنية التي قد تقابلهم في الدعوة، إذ إن الداعية المترف الذي لا يقدر على المشي الكثير، أو لايستطيع التحرك؛ لأنه لم يتمرن يكون عمله قاصراً؛ لأنه لا يستطيع أن يصل إلى من يريد أن يبلغهم و يدعوهم إلى الله، وانظر مسؤولية العلماء ص4 حيث أشار إلى أن خطبة الجمعة قضية تحتاج إلى أن تفرد لها ندوة خاصة تحولها من الفعل الآلي الّذي يؤدي لإسقاط الفريضة إلى أداة تأثير فاعلة.
[103]- الرسول والعلم (مرجع سابق) ص35-36 نقلاً عن ابن عبد البر في جامع بيان العلم- باب ما روي في قبض العلم.
[104]- المرجع نفسه ص 36.
[105]- المرجع نفسه عن البخاري ذكره معلقاً بصيغة الجزم.
[106]- مسؤولية العلماء مرجع سابق ص7.
[107]- المرجع نفسه.
[108]- دعوة الإسلام (مرجع سابق) ص289.
[109]- المرجع نفسه.
[110]- الدعوة إلى الإصلاح (مرجع سابق) ص146-147.
[111]- مسؤولية العلماء (مرجع سابق) ص7-9.
[112]- المرجع نفسه ص9.
[113]- الرسول والعلم (مرجع سابق) ص161-162.
[114]- دعوة الإسلام (مرجع سابق) ص288-289.
[115]- مسؤولية العلماء (مرجع سابق)ص9، وانظر الدعاة إلى الله لمحمد بن ناصر العبودي- محاضرة ألقيت لموظفي رابطة العالم الإسلامي بمكة 1419هــ- ص17 -18 حيث يقول: أما الدعاة إلى الله فنقول يكفيهم شرفاً أنهم يعتبرون خلفاء للأنبياء والمرسلين وهذه كلمة خلفاء ليست من عندي وإنما رأيت المسلمين في الصين والمناطق الشرقية يسمون طلبة العلم الخلفاء إنني رأيت ذلك في مدينة(خوخاخوت) عاصمة منغوليا الداخلية التابعة للصين ورأيت طلبة العلم مميزين بلباسهم، وعليهم عمائم بيض، فقالوا: هؤلاء الخلفاء فقالوا نحن نسمى طلبة العلم الخلفاء.