أضيف بتاريخ : 10-02-2016


القياس في الحدود والكفارات دراسة أصولية فقهية (*)

د. عبد المعز عبد العزيز حريز/ كلية الشريعة، الجامعة الأردنية

ملخص

يتناول هذا البحث مسألة القياس في الحدود والكفارات عند الأصوليين، تحريراً وتحليلاً وترجيحاً، وركز الباحث في هذا الموضوع على تحرير محل النزاع والمسائل المتعلقة به لبيان المتفق عليه من المختلف فيه من المسائل وتبع هذا بيان لآراء العلماء وأدلتهم مع بيان أثر الاختلاف والراجح من الأقوال، وكان من أبرز نتائج هذه الدراسة أن محل النزاع إنما هو في إمكان إثبات أصل الحدود والكفارات بالقياس، وكان الراجح من الأقوال عند الباحث عدم جواز إثبات أصل الحدود أو الكفارات بالقياس.

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فإن مسألة القياس في الحدود والكفارات من المسائل التي اشتهر فيها الخلاف بين الحنفية والجمهور، ولا تجد كتاباً من كُتِبِ الأصول، أو كُتبِ تخريج الفروع على الأصول، إلا وذكر المسألة على اختلاف بينهم في الإيجاز والتفصيل.

وقد اهتمت هذه الدراسة ببيـان وتحرير محـل النزاع على هيئة اتضح من خلالها محل الخلاف والأدلة المتعلقة به، وعلاقة محل النزاع بالأدلة الأصولية التي ذكرها كل مذهب من مراجعه،

وناقشت هذه الدراسة أيضا التكييف الأصولي والفقهي لبعض المسائل الفقهية الواردة في أدلة الفريقين، وعلاقتها بمحل النزاع، فضلا عن المناقشة التطبيقية التفصيلية لمثال فقهي.

أما الترجيح فكان مستخرجا من مجموع أدلة الفريقين، وفق محل النزاع المحرر، مع ما جاء في المثال الفقهي من تحليل ومناقشة.

وقد جعلت دراستي هذه في تمهيد وخمسة مطالب على النحو الآتي:

التمهيد: في معنى القياس والحدود والكفارات.

المطلب الأول: في أسباب الخلاف والمسائل المتعلقة به.

المطلب الثاني: في تحرير محل النزاع.

المطلب الثالث: في أراء العلماء.

المطلب الرابع: المناقشة.

التمهيد

قبل البدء بالمسألة، وبيان ما فيها من أمور، رأيت من المناسب أن ابدأ بعرض موجز لمعنى القياس والحدود والكفارات في اللغة والاصطلاح، وقسمت هذا التمهيد إلى فرعين:

الفرع الأول في بيان معنى القياس.

  1. القياس في اللغة:

القياس مصدر قاس، تقول: قاس الشيء يقيسه قياساً بمعنى قدّره، والمقايسة بين الشيئين: المقادرة بينهما، وقاس الأرض بالمتر، والثوب بالذراع قدره([1]). ومن أشهر المعاني إضافة للتقدير المساواة ويرى بعضهم أن التقدير يستدعي المساواة ويستلزمها([2]).

2- القياس في الاصطلاح:

ذكر علماء الأصول تعريفات عدة للقياس، وليس المراد في بحثنا هذا بيان هذه التعاريف واختلاف ألفاظها أو مضامينها، أو الراجح منها، وإنما المقصود بيان المعنى العام للقياس عند الأصوليين، وهذا يتم بإيراد واحد من هذه التعاريف المشهورة، ومن أشهر هذه التعاريف وأكثرها انتشاراً وعناية([3])، تعريفان: الأول للبيضاوي في المنهاج، والآخر لابن الحاجب في مختصره، وكلاهما استفاد ممن قبله، فالبيضاوي سار على منهج الإمام الرازي في التعريف فقال فيه:

هو إثبات مثل حكم معلوم في معلوم آخر لاشتراكهما في علة الحكم عند المثبت([4]).

أما ابن الحاجب فقد سار على منهج الآمدي فقال فيه: هو مساواة فرع الأصل في علة حكمه([5]).

والتعاريف في مجملها وإن اختلفت في ألفاظها وقيودها فإنها تعبر عن فكرة أصل من أصول التشريع، اتفقت كلمتهم([6]) على وقوعه وإن اختلفت ألفاظهم في حده ورسمه.

الفرع الثاني في بيان معنى الحدود والكفارات.

  1. معنى الحدود.

أ- الحدود لغة: الحدود جمع حد، وللحد في اللغة معنيان هما:

1- الفصل، أي الحاجز بين الشيئين لئلا يختلط أحدهما بالآخر، أو لئلا يتعدى أحدهما على الآخر([7]).

2- الدفع والمنع، تقول حددت فلاناً عن الشرّ أي منعته، ومنه تأديب المذنب بما يمنعه عن المعاودة، ويمنع أيضاً غيره عن إتيان الذنب([8]).

ب- الحدود اصطلاحاً:

عُرف الحد بعدة تعريفات، يجمعها أن الحد عقوبة مقدرة من الشرع، ثم اختلفت التعاريف في الحدود هل هي حق لله تعالى، أو أنها تعم ما كان حقاً لله تعالى وللناس؟ فذهب عامة الحنفية إلى إطلاق كلمة الحد على ما كان الحق فيها كله لله، أو ما كان حق الله فيها غالباً فقط([9])، أما عند غيرهم فلم تختص بحق الله تعالى. ومما ورد في تعريفها عند الحنفية قول صاحب الاختيار: هي عقوبة مقدرة وجبت حقاً لله تعالى([10]).

ومما ورد في تعريف الحد قول الحنابلة: هي عقوبة مقدرة تمنع من الوقوع في مثله([11]) .

وجاء في الفواكه الدواني المالكي قوله هي: ما وضع لمنع الجاني من عوده لمثل فعله وزجر غيره([12]).

وسمي هذا النوع من العقوبة حداً: من المنع، فهي تمنع من معاودة الفعل، ومن الوقوع فيه مخافة العقوبة المترتبة على الفعل. وكذلك لأن هذه العقوبات مقدرة محددة، فلا يجوز فيها الزيادة ولا النقصان([13]).

2- معنى الكفارات.

أ-الكفارات لغة: الكفارات جمع كفّارة، والكفَّارَةُ من "الكَفْرَ" بمعنى السِّتْرَ، وكفرتُ الشيءَ: سترته. والتكفير:

سِترُ الذنب وتغطيته. والكفارة مقالة للمبالغة([14]).

ب- الكفارات اصطلاحاً:

جاء في الموسوعة الفقهية الكفارة: ما كفر به من صدقة أو نحو ذلك([15]). ويبين النووي في التحرير أصل الكفارة فيقول: أصلها من الستر ثم استعملت فيما وجد فيه صورة مخالفة أو انتهاك، وإن لم يكن فيه إثم كالقتل خطأً وغيره([16]).

والكفارات فيها معنى العقوبة ومعنى العبادة، فهي عقوبة لكونها شرعت جزاء على أفعال فيها معنى الحظر، فهي لا تستحق إلا مع المأثم، فكانت كالحدود من هذا الوجه.

وهي عبادة لأن بعضها يتأدى بالصوم والصدقة وغير ذلك، ككفارة قتل الخطأ، وكفارة اليمين وغيرها. والكفارات جوابر للخلل الواقع وزواجر عن العود لمثل الذنب، فهي تشبه الحدود والتعازير، وهي تجبر الخلل وتستره كذلك([17]).

المطلب الأول

 أسباب الخلاف والمسائل المتعلقة به

عامة كتب الأصول ذكرت الخلاف في إثبات الحدود والكفارات بالقياس، وكانت طريقة العرض تظهر الخلاف في المسألة دون بيان تفصيلي، والناظر في كتب الأصول يجد أن الأصوليين يرجعون الخلاف إلى قواعد أصولية عدة، لكن ما السبب المباشر في الخلاف؟ وأين محل النزاع؟ هذا ما سيحاول الباحث أن يظهره. وهذا عرض لأسباب الخلاف التي ذكرت في كتب الأصول مع تحليلها، وقد جعلته في ثلاثة فروع:

الفرع الأول: مفهوم الموافقة وعلاقته بالمسألة.

ذكر بعض الأصوليين أن الخلاف في المسألة هو أثر للخلاف في نوع دلالة مفهوم الموافقة (دلالة النص أو دلالة الدلالة) على المعنى، هل هي دلالة لفظية أو قياسية؟ فعامة علماء الحنفية([18]) يرون أن الدلالة في هذا النوع من الدلالات لفظية وليست قياسية، وعليه فيثبت بهذا النوع من الدلالة ما يثبت بالنص، فالحدود والكفارات كلها تثبت بهذا النوع من الدلالة، ولا يطلق الحنفية عليها اسم القياس، بينما يرى جمهور العلماء أن دلالة مفهوم الموافقة دلالة قياسية([19]) ولتوضيح هذه العلاقة أقول:

لا بد من التفريق بين تقرير القاعدة الأصولية بأدلتها من جهة، والنظر في المسائل الفقهية التي اختلف الرأي الفقهي فيها بين الحنفية والشافعية خصوصاً والجمهور عموماً، ذلك أن تحرير القاعدة الأصولية المتعلقة بإثبات الحدود والكفارات بالقياس وإثباتها أو نفيها مختلف عن الخلاف الفقهي في المسائل المتعلقة بالحدود والكفارات فدلالة النص عند الحنفية دلالة لفظية لغوية، يقول الدبوسي: (باب القول في أقسام الأحكام الثابتة بظاهر النصوص دون القياس بالرأي)([20]) وهذه الأقسام أربعة: عبارة النص وإشارة النص ودلالة النص واقتضاء النص. والأحكام المستفادة عن طريق هذه الدلالات ثابتة من جهة اللغة لا بالقياس، فتعريف دلالة النص عند الحنفية "ما ثبت بمعنى النظم لغة لا استنباطاً بالرأي"([21]) وفي بيان وجه اعتبار هذا النوع من الدلالة اللغوية يقول السرخسي: (فمن حيث إن الحكم غير ثابت فيه بتناول صورة النص إياه لم يكن ثابتاً بعبارة النص، ومن حيث إنه ثابت بالمعنى المعلوم بالنص لغة كان دلالة النص ولم يكن قياساً)([22]).

أما الشافعية ومن معهم من جمهور العلماء فقد ذهب عامتهم إلى القول بأن الدلالة قياسية، وممن قال بهذا الإمام الشافعي، وتبع الإمام الشافعي عدد من العلماء. بينما ذهب فريق آخر من علماء الجمهور إلى القول بأن الدلالة لفظية ثابتة في غير محل النطق ولا مجال للقياس فيها، وممن قال بهذا ورجحه الآمدي في الإحكام([23]).

بناء على هذا الخلاف، وجدنا اختلافاً في توجيه بعض الأحكام الفقهية بين الحنفية والشافعية، وقد أورد الدبوسي والسرخسي وغيرهما من علماء الحنفية أمثلة متعددة في الحدود والكفارات بينوا فيها أن هذه الأحكام ثابتة باللغة لا بالقياس([24])، ومن هذه الأحكام وجوب الكفارة بالأكل والشرب عمداً في نهار رمضان، وحرمة الشتم والقتل المستفاد من قوله تعالى: (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ) الإسراء/23 ووجوب القضاء على من أفطر بغير عذر في رمضان، الثابت بدلالة النص الوارد في وجوب القضاء على من أفطر بعذر كالمريض والمسافر([25]).

فهذه الأمثلة وغيرها من الأحكام المتعلقة بالحدود والكفارات تثبت عند عامة الحنفية بدلالة النص، بينما عامة جمهور العلماء من شافعية وغيرهم ممن قال بأن الدلالة قياسية، يثبتون ما ثبت منها بالقياس، فلم يختلف الحكم الفقهي في كثير منها بين الفريقين، وإنما اختلف توجيه الحكم وطريق إثباته.

والحنفية يؤكدون على فكرة محددة في هذه المسائل كلها هي أن هذه الأحكام لا تثبت بالقياس، ولكنها ثابتة باللغة، وهذا التأكيد دل على أمر مهم هو أن عدم إثبات الحدود والكفارات بالقياس أمر مستقل، وقاعدة مستقلة عندهم، وإنها لا تنتقض بإثبات الحدود بدلالة النص، وكأنهم ينبهون القارئ إلى التفريق بين الأحكام الثابتة بالدلالة والأحكام الثابتة بالقياس.

ويرى الباحث أن هذا المعنى الذي نبه عليه الحنفية هو معنى قائم يجب النظر إليه، والوصول من خلاله إلى تحرير القاعدة الأصولية، وبيان محل النزاع، حتى لا يظن ظان أن الخلاف القائم بين الحنفية والجمهور في إثبات الحدود والكفارات هو خلاف لفظي، وأن الحنفية يسمون طريق الحكم استدلالاً أو دلالة النص، ويسميه الشافعية والجمهور قياساً. صحيح أن الرأي الفقهي في كثير من الأمثلة الواردة في هذا الموضوع لم يختلف من جهة النتيجة، لكن هذا لا يدل على نفي الخلاف في المسألة التي هي موضع البحث، وهي إثبات الحدود بالقياس.

وقد ورد عند بعض الأصوليين ما يشير إلى هذا الإشكال، وجعلوا الخلاف لفظياً بينما الأمر على غير ذلك([26])، فالأحكام الشرعية المتعلقة بالحدود والكفارات يصح إثباتها بدلالة النص عند الحنفية لكن إن لم يثبت الحكم فيها بدلالة النص فإنهم لا يثبتون هذه الأحكام بالقياس. وعليه فإن الأمثلة الفقهية التي ثبت حكمها بدلالة النص عند الحنفية هي تثبت عند الجمهور بالقياس. والخلاف هنا اصطلاحي لفظي، وهذا الجزء ليس من محل النزاع، وأرى أن سبب اللبس راجع إلى أن أكثر المسائل الفقهية المعترض بها على الحنفية هي من باب دلالة النص فظن أن عدم جواز إثبات الحدود والكفارات بالقياس عند الحنفية بسبب دلالة النص وأن الخلاف لفظي وليس كل مسألة أثبتها الشافعية بالقياس هي من دلالة النص، وإذا كان الأمر كذلك فإن هذا يدل على أن الخلاف القائم في المسألة لسبب آخر([27]).

الفرع الثاني: ابتداء حد أو كفارة بقياس وعلاقته بالمسألة.

عرض أبو بكر الجصاص سبباً للخلاف حرر به محل النزاع، ولم ينسب الجصاص الفكرة لأحد، لكن أبا الحسين البصري في المعتمد نقل عن أبي عبد الله البصري الحنفي، ما يدل على فكرة الجصاص، ثم أشار أبو الحسين البصري إلى أن جوهر الفكرة حكي عن الكرخي([28]). وقد أشار إلى فكرة الجصاص بعد ذلك عدد من علماء الحنفية، كالدبوسي والبزدوي والسرخسي([29]) لكن بطريقة غير مباشرة. أما علماء الجمهور فقد أشار بعضهم إلى الفكرة كابن السمعاني وابن السبكي والزركشي([30]) وسأناقش ما قاله الجمهور في الفرع الثالث، فما الفكرة التي قالها الجصاص، وماذا قال غيره عنها؟ وكيف يتحرر محل النزاع بها؟

    يقول الجصاص: "إنما أردنا بقولنا لا تثبت الحدود قياساً: أنا لا نبتدئ إيجاب حد بقياس في غير ما ورد فيه التوقيف، فلا نوجب حد الزنا في غير الزنا قياساً"([31]).

ثم أورد أمثلة على ذلك وقال معقباً: "وأما الاستدلال من جهة القياس على مواضع الحدود، فهو جائز عندنا، بعد ان لا يكون فيه إيجاب حد في غير ما ورد فيه التوقيف. وكذلك يجوز الاستدلال على مواضع الكفارات بالقياس"([32]) ويقول أيضاً: "أما استعمال الاجتهاد في شيء قد ورد فيه التوقيف، فيتحرى فيه معنى التوقيف، فهذا جائز عندنا"([33]). ويبين الرأي في المقادير فيقول: "إنما هي حق لله تعالى مبتدأ، كمقادير أعداد الركعات، وسائر الصلوات، لا سبيل إلى إثبات شيء من ذلك من طريق الاجتهاد والمقاييس"([34]).

هذا كلام الجصاص في المسألة، فماذا يريد الجصاص بهذا البيان؟ وما مدى انطباق محل النزاع هذا على الأمثلة المذكورة في الباب عند الفريقين؟ وما الذي يثبت بالقياس مما له علاقة بالحدود والكفارات؟

هذا ما سيحاول الباحث بيانه، لتحقيق محل النزاع وتحريره.

قول الجصاص: إنا لا نبتدئ إيجاب حد بقياس، هذا يعني كما يقول الجصاص نفسه: لا نوجب حد الزنا في غير الزنا قياساً.. ولا نثبت حد السرقة في غير السرقة من نحو المختلس والمنتهب والخائن والغاصب قياساً على السارق([35])، وكذلك الحال عنده في سائر الحدود. وهذا يعني أن علة هذه الأحكام -إن كانت معللة- لا تتعدى المنصوص إلى غيره فهي قاصرة من هذا الجانب، فلا يقاس على الزنا أو السرقة أي فعل، إذ علة حد الزنا: الزنا، وعلة حد السرقة: السرقة، إضافة لهذا فإن القياس في الأسماء لا يصح، والزنا والسرقة وغيرهما من الحدود لها أسامٍ ومعانٍ اصطلاحية في الشرع، فلا تتجاوز إلى غيرها، ولذا لا يثبت حد السرقة في المختلس وغيره، لأن كل واحد من هؤلاء، له اسم خاص به، يختلف في بعض أوصافه عن السرقة، فلا يثبت الحد في هذه الأمور، ويبقى الحد في السرقة ضمن إطار معناها الشرعي، يقول السرخسي مؤكداً هذا المعنى عند الحنفية: "لا يجوز إثبات الاسم بالقياس على أي وجه كان، وعلى هذا لا يجوز استعمال القياس في إلحاق النباش بالسارق في حكم القطع"([36]).

وما قيـل في الحـدود يقال في الكفارات ، فإنها مواضع محددة من الشارع ثبتت ابتداء، فهي حق لله تعالى، ليس للعبد فيها تقدير، فكفارة اليمين، وكفارة الظهار، وغيرهما من الكفارات، إنما هي أحكام من عند الله ابتداء وهي حق لله، فلا يصح إثبات كفارة للصائم في غير رمضان إذا أفطر متعمداً، قياساً على الإفطار في نهار رمضان، وإن كان الأمر الجامع بينهما أنهما صوم لله تعالى، لأن الكفارة شرعت لمن أفطر في نهار رمضان، فلا يصح تعديتها إلى غيرها من المواضع، ولا يقاس عليها.

هذه المواضيع لا يجوز فيها القياس، لكن هل الحنفية بناء على ذلك جعلوا المنع على إطلاقه؟ أم أنهم استعملوا القياس في بعض الأحكام المتعلقة بالحدود والكفارات؟

كلام الجصاص واضح في هذا حيث يقول: "وأما الاستدلال من جهة القياس على مواضع الحدود فهو جائز عندنا"([37]) ويقول: "أما استعمال الاجتهاد في شيء قد ورد فيه التوقيف، فيتحرى فيه معنى التوقيف، فهذا جائز عندنا"([38]) ولهذا جعل الجصاص اجتهاد السلف في حد الخمر من هذا القبيل، ذلك أن حدّ الخمر قد ثبت بالشرع، وأن الضرب لشارب الخمر ثابتٌ بالشرع بفعل النبي صلى الله عليه وسلم([39])، وأن الصحابة تحروا في اجتهادهم موافقة أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلوه ثمانين من هذا الوجه، فنقلوا ضربه بالنعال والجريد الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى السوط، كما يجتهد الجلاد في الضرب، وكما يختار السوط الذي يصلح للجلد اجتهاداً، فالاجتهاد من هذا الوجه شائع فيما وصفنا([40])، ويوضح الجصاص الأمر فيقول: "نحن متى استعملنا القياس في إيجاب حد الزنا، فإنما نستدل بالقياس على أنه ممن دخل في الآية، وأريد بها"([41])، فالقياس إذن مستعمل في الحدود والكفارات، في جوانب متعلقة بآلية الثبوت، وكيفية الاستدلال على وجود الحد، أو نفيه، وما شابه ذلك، لكنه لا يصلح مثبتاً لحدٍ جديد ابتداء، فالقياس يعمل في دائرة الحد الثابت، ولا يعمل في إثبات هذا الحد لأمر لم يرد فيه حد، (لأن نقل الحد من موضع قد ثبت فيه بالشرع إلى موضع لم يثبت فيه بشرع مثله من طريق القياس يكون جارياً مجرى إثبات العبادات المبتدأة من طريق القياس)([42]). ومن أمثلة استعمال القياس في التحري عن معنى التوقيف وفق منهج الحنفية قولهم في السرقة: "ومن له على آخر دراهم فسرق مثلها لم يقطع، لأنه استيفاء لحقه، والحالّ المؤجل في عدم القطع سواء استحساناً، لأن التأجيل لتأخير المطالبة"([43]) ثم يبين ابن الهمام في فتح القدير ذلك فيقول: "والقياس أن يقطع -إذا كان الدَيْن مؤجلاً- لأنه لا يباح له أخذه قبل الأجل، لكنه ترك استحساناً"([44]) فأجاز الحنفية القياس في دائرة الحد، مع أنهم عدلوا عنه إلى الاستحسان، فدل على صحة العمل بالقياس في الاستدلال على موضع الحد، وهذا بخلاف ابتداء حد بقياس فإنه لا يجوز عندهم.

خلاصة الرأي عند الحنفية:

1- إن الأحكام المتعلقة بالحدود والكفارات يصح إثباتها مطلقاً بدلالة النص، ولا يسمى هذا قياساً، لأن الدلالة ثابتة باللغة دون الرأي والاجتهاد.

2- يصح استعمال القياس في الأحكام المتعلقة بالحدود والكفارات في جانب الاستدلال على موضع الحكم أو ما عُبّر عنه بالتحري عن معنى التوقيف.

3- استعمال القياس في الأحكام المتعلقة بالحدود والكفارات فيما وراء الصورتين السابقتين هو محل النزاع، ويطلق الحنفية عليه ابتداء حد بقياس، أو ابتداء كفارة بقياس. وهو استعمال القياس في الحدود والكفارات سواء كان في مقدار الحد أو الكفارة، أو في وجوب الحد وإثباته، أو وجوب الكفارة وإثباتها. أما دلالة النص أو الاستدلال على موضع الحكم فهو خارج محل النزاع وفق هذا المنهج.

الفرع الثالث: علاقة أصل الحد أو الكفارة ومقدارهما بالمسألة.

بعد هذا البيان لأسباب الخلاف وفق كلام الحنفية أعرض ما قاله بعض علماء الجمهور في علاقة أصل الحد أو الكفارة ومقدارهما بالمسألة لتتجمع لدينا صورة واضحة ومكتملة، ليكون محل الخلاف ظاهراً.

يقول أبو المظفر ابن السمعاني الشافعي المتوفى 489ﻫ: "فإن قيل هل يصح إثبات حد مبتدأ بقياس، أو كفارة مبتدأة؟ قلنا: لا طريق يوصل القياس إلى إثبات حد مبتدأ، وكذلك لا طريق يوصل إلى إثبات كفارة مبتدأة بالقياس، ولو كان الطريق يصح إثباته من جهته لصح إثباته"([45]).

ويؤكد ابن السبكي في رفع الحاجب هذا المعنى فيقول: "فإن قلت هل يصح إثبات حد مبتدأ، أو كفارة مبتدأة بالقياس؟ قلت: لا يصح"([46]). ويرى الزركشي الاتفاق على هذا الأمر وعدم الاختلاف فيه، يقول الزركشي: "أما إنشاء حد بالقياس على حد فلا يجوز بالاتفاق"([47]).

والسؤال: إذا كان الأمر بين الفريقين على هذه الهيئة من الاتفاق؛ فالجصاص منع من إثبات الكفارات والحدود بالقياس لعدم جواز ابتداء حد بقياس، وابن السمعاني الشافعي وابن السبكي والزركشي يؤكدون عدم جواز ابتداء حد أو كفارة بقياس، فأين الخلاف؟

يبين ابن السبكي شيئاً من وجه العلاقة بين الموضوعين ومنبهاً القارئ إلى أن قول الحنفية: (لا يصح ابتداء حد بقياس) لا يفيد ولا يدل على منع إثبات الحدود والكفارات بالقياس يقول: "ولكن ليس لما يتوهمون من نفي القياس في الحدود والكفارات، بل لأنه لا طريق توصل هنا إلى فهم العلة، ولو صح لنا معنى في ذلك، لما تحاشينا من التعلق به"([48]).

فنفى ابن السبكي أن يكون عدم إثبات حد مبتدئ بقياس بسبب قاعدة القياس في الحدود والكفارات، وإنما مُنع القياس في موضوع الابتداء لعدم تعقل العلة، ولو كان تعقل العلة ممكناً لأُجرى القياس، وهذا التعليل كان قد ذكره أبو المظفر ابن السمعاني من قبل في قواطع الأدلة يقول ابن السمعاني: "ولو كان الطريق يصح إثباته من جهته لصح إثباته"([49]) فالقضية إذن عند ابن السمعاني ومن معه متعلقة بتعقل المعنى أو عدم تعقله، وابن السمعاني يوضح أن المسائل منها ما هو قابل للتعليل، ومنها ما هو غير قابل للتعليل ويلحق بمحض التعبد، ويبين ضابط إمكان التعليل فيقول: "كل حكم يمكن أن يستنبط منه معنى مخيل من كتاب أو نص سنة أو إجماع فإنه يعلل، وما لا يصح فيه مثل هذا فإنه لا يعلل سواء كان من الحدود أو الكفارات أو المقادير"([50]).

فالأمر متعلق بإمكان التعليل وعدمه، فما صح تعليله صح القياس فيه، وما لم يصح تعليله فلا قياس فيه سواء كان الحكم متعلقاً بحد، أو بغيره، ولذا فلا يثبت ابتداء حد بقياس لعدم معرفة العلة، لا لأن الموضوع متعلق بحد أو كفارة.

ووفق هذا المعنى الذي ظهر في كلام ابن السمعاني وغيره، فإنه لا يبقى للخلاف مجال ولا داع، إذ لا خلاف بين جميع الأصوليين في أن كل حكم غير قابل للتعليل لا يقاس عليه، سواء كان متعلقا بحد أو بغيره،لأن وجود العلة ومعرفتها ركن أساسي من أركان القياس بدونها لا يتم القياس.

وعليه فلا علاقة إذن بين إثبات الحدود والكفارات بالقياس وابتداء حد بقياس إذا كان الأمر الأخير متعلقاً بالتعليل وعدمه، لأن هذا عام في كل الأحكام، وكل الذي يستفاد من كلام الجمهور أن القياس لا يجري في جانب من مسائل الحدود والكفارات، لأن هذا الجانب غير معقول المعنى، ولو عقل معناه لصح فيه القياس. وأطلق عليه ابن السمعاني ومن معه ابتداء حد بقياس.

وهذا الجانب نراه واضحاً في الشروط المتعلقة بالأصل، يقول الغزالي: "القاعدة المستقلة المستفتحة التي لا يعقل معناها، فلا يقاس عليها غيرها لعدم العلة، فيسمى خارجاً عن القياس تجوزاً إذ معناه أنه ليس منقاساً لأنه لم يسبق عموم قياس ولا استثناء، حتى يسمى المستثنى خارجاً عن القياس بعد دخوله فيه، ومثاله في أعداد الركعات ونصب الزكوات ومقادير الحدود والكفارات، وجميع التحكمات المبتدأة التي لا ينقدح فيها معنى، فلا يقاس عليها غيرها، لأنها لا تعقل علتها"([51]). وهذا المعنى الذي صرح به الغزالي غير مختلف فيه حتى عند الحنفية إذ الكلام بتمامه في كشف الأسرار للبخاري([52]).

وبهذا نكون بحاجة إلى بيان معنى المصطلح المستخدم في هذه المواضيع عند الحنفية والجمهور، ألا وهو ابتداء حد بقياس، حتى نرى أساس الخلاف، ومحله في إثبات الحدود بالقياس.

يقول ابن السبكي: "واعلم أن نفس مقادير الحدود والكفارات لا يفهم فيها معنى، فكيف يصح القياس فيها؟ وهذا بخلاف أصل الحدود، فنحن إنما نمنع القياس حيث لا يعقل المعنى، وذلك في مقادير الحدود والكفارات، لا أصلها"([53]).

وهكذا يرى ابن السبكي أن مجال التعليل في الحدود والكفارات في أصل الحد، لا في ذات المقدار، فذات المقدار أو العدد غير قابل للتعليل، أما أصل الحد والكفارة فقابل للتعليل، فقوله تعالى: ]وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً[[4: النور] لا مجال للاجتهاد في العدد فهو من الخاص القطعي، وهو ثابت ابتداء بنص، فلا مجال للتعليل والقياس في مقدار الحد الثابت، لعدم تعقل معناه، لكنّ الاجتهاد في أصل الحد، فالحد ثابت للقذف بالزنا فيقاس عليه غيره، إن اشتركا في علة وجود الحكم.

فكلام ابن السمعاني وابن السبكي يفيد أننا لا ننشئ مقدار حد بالقياس، ولكننا ننشئ الحد الثابت في القذف في مواقع أخرى غير القذف. وكذلك الحال في سائر الحدود والكفارات، فوجوب الحد معلل في السرقة والقذف والزنا، والعلة إن تحقق وجودها في الفرع ثبت الحد بالقياس، أما مقدار الحد ومقدار الكفارة فغير معللة فلا يقاس عليها، ولو أمكن تعليل المقدار لجاز القياس فيه، يقول الآمدي: "إن الحكم المعدى من الأصل إلى الفرع إنما هو وجوب الحد والكفارة من حيث هو وجوب، وذلك معقول بما علم في مسائل الخلاف لا أنه مجهول"([54]).

خلاصة الرأي عند ابن السمعاني ومن معه:

1- ما كان غير معقول المعنى مما له علاقة بالحدود والكفارات- وهو مقدار الحد أو الكفارة- أطلق عليه الجمهور أنه ابتداء حد أو كفارة بقياس، وهذا ما لا خلاف فيه.

2- ما كان معقول المعنى سواء كان في الحدود أو في غيرها، لا يدخل هذا تحت مسمى ابتداء حد بقياس، وهو مما وقع فيه النزاع.

وبهذا يظهر وفق هذا المنهج أن إمكان التعليل وعدمه هو أساس القول بجواز إثبات هذه الأحكام بالقياس أو عدمه.

المطلب الثاني

تحرير محل النزاع وآراء العلماء

الفرع الأول: تحرير محل النزاع.

الناظر في نتائج فروع المطلب السابق يرى أن محل النزاع يمكن تحديده وبيانه في النقاط التالية:

1- يجوز بالاتفاق إثبات أحكام الحدود والكفارات بالقياس الجلي- مفهوم الموافقة: -(دلالة النص)- مع اختلاف الجمهور والحنفية في اسم هذه الدلالة، حيث يرى الحنفية أن هذا النوع من الدلالة هو دلالة لغوية تفهم من اللفظ دون حاجة للاستنباط والاجتهاد، وأما الجمهور فأطلق عامتهم عليه اسم القياس الجلي([55])، وعليه فقد لا نجد خلافاً بين الفريقين في الحكم الفقهي الثابت، وإنما الخلاف في اسم طريق الثبوت، ونوع هذه الدلالة، لكن لا خلاف بين الفريقين في أن الأحكام المتعلقة بالحدود والكفارات تثبت بهذا النوع من الدلالات.

2- يجري القياس بالاتفاق في المسائل التي قال عنها الحنفية إنها استدلال على موضع الحد، أو هي اجتهاد وتحر لمعنى التوقيف، بينما يرى الشافعية أن هذا النوع من المسائل من باب القياس.

3- يمتنع بالاتفاق إثبات الأحكام الشرعية المتعلقة بمقدار الحد أو الكفارة، مع اختلاف بين الفريقين في المنع، حيث يمنع الجمهور إثبات هذا النوع بالقياس لعدم القدرة على إدراك علته، ولو عقلت العلة لأثبتوها بالقياس، ويطلقون عليه اسم ابتداء حد بقياس، ويمنع الحنفية من إثبات هذا النوع بالقياس، ويرونه مندرجاً تحت قاعدة ابتداء حد بقياس، دون النظر إلى التعليل وعدمه.

  1. موضع الخلاف إذن هل يجوز إثبات أصل الحدود والكفارات بالقياس؟

الفرع الثاني: آراء العلماء.

أولا: رأي الحنفية.

إضافة لما ورد من بيان لرأي الحنفية في محل النزاع فقد نسبت عامة كتبِ الحنفية وغيرهم القولَ بعدم جواز إثبات الحدود والكفارات بالقياس إلى عامة الحنفية من المتقدمين والمتأخرين،يقول الجصاص: "ولايسوغ القياس في إثبات الحدود ولا الكفارات([56]) وأكد السرخسي هذا وجعله من أصول الحنفية المعتبرة حيث يقول: "ومن أصلنا أن إثبات الكفارات بالقياس لا يجوز"([57]). ويؤكد البخاري في كشف الأسرار هذا المعنى عند بيانه الأمثلة التطبيقية بشرط أن لا يكون الأصل في القياس معدولاً به عن القياس([58]). وعليه فإن الحنفية لا يجيزون إثبات حكم شرعي متعلق بحد أو كفارة على سبيل الابتداء بقياس، ويجعلون إثبات أصل الحد أو مقداره من باب ابتداء حد بقياس.

ثانيا: رأي الجمهور.

عامة كتب أصول الفقه عند المالكية والشافعية والحنابلة تنص بلا خلاف على جواز إثبات الحدود والكفارات بالقياس([59])، وهم مع إقرارهم بعدم جواز ابتداء حد بقياس إلا أنهم قصروا المنع على مقدار الحد أو الكفارة فقط، لعدم تعقل العلة فلا يصح القياس، أما أصل الحد أو الكفارة فإن كان معقول المعنى صح تعليله، ومن ثم تعديته بالقياس كبقية الأحكام الشرعية، ولا يكون هذا ابتداءَ حدًّ أو كفارة بقياس عندهم.

المطلب الثالث

 الأدلة والمناقشات

بعد بيان صور الاتفاق في المسألة أصولياً وفقهياً، وبيان محل الخلاف سأعرض ما ورد من أدلة واعتراضات من كتب الفريقين، ملتزماً بمنهج الاستدلال لكل فريق من كتبه، وسأعرض الأدلة والمناقشات بطريقة مقارنة مع التحليل والمناقشة بناء على ما توصلت إليه من نقاط اتفاق واختلاف، حتى يتبين القارئ موقع الدليل، أو الاعتراض من محل النزاع، لاستبعاد ما كان خارج محل النزاع. وقد جعلت هذا المطلب في فرعين الأول في بيان أدلة الجمهور والثاني في بيان أدلة الحنفية.

الفرع الأول: بيان أدلة الجمهور.

سلك الجمهور في جواز إثبات الحدود والكفارات بالقياس طريقين:

الطريق الأول: الأدلة النظرية القائمة على البرهان العقلي وفيه محاور:

المحور الأول: عموم الأدلة الدالة على حجية القياس.

إن الأدلة الدالة على حجية القياس عامة غير مختصة بنوع دون نوع([60])، فالقياس طريق لإثبات الأحكام في عامة أبواب الفقه ومسائله، وإن القياس يجري فيها جميعاً ما دامت أركان القياس وشرائطه متوافرة، والحدود والكفارات مما شملته الأدلة العامة، فلا تخرج إلا بدليل، ولا دليل([61])؛ ذلك أن العلة إذا عقلت في حكم من أحكام الشرع، فإن القياس يجري فيها كبقية الأحكام، يقول أبو المظفر ابن السمعاني في بيان هذا الأساس: "كل حكم شرعي يمكن أن يستنبط منه معنى مخيل من كتاب أو نص سنة أو إجماع فإنه يعلل، وما لا يصح فيه مثل هذا فإنه لا يعلل سواء كان من الحدود أو الكفارات"([62])، ويقول الباجي: "إذا ثبت من قولنا جميعاً وجوب القياس في الأحكام الشرعية، وجب أن يحكم به حيث صحت علته، وثبتت أمارته، وكما أنه يجب إذا ثبت أن الكتاب والسنة حجة في الأحكام، كان دليلاً حيث وجد أحدهما"([63]).

عبارات الأصوليين الدالة على هذا المحور متعلقة بالأدلة الدالة على حجية القياس من نصوص القرآن والسنة والإجماع، وهذا بيان بكل نوع:

1-الأدلة الدالة من القرآن.

عامة الأصوليين أشاروا إلى عموم الآيات الدالة على حجية القياس دون تخصيص آية معينة([64])، وبعضهم أشار إلى قوله تعالى:(فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)[2: الحشر] حيث قال: والأصل فيه قوله عز وجل (فَاعْتَبِرُوا) فأمر بالاعتبار عموماً، ولم يفرق بين الأحكام في الحدود والكفارات وغيرها، "فهو على عمومه في جميعها حتى يقوم دليل يمنع منه، ولم يقم دليل يمنع منه فهو جائز"([65]).

2-الأدلة الدالة من السنة.

ذكر الأصوليون في هذا الموضوع حديث معاذ رضي الله عنه([66])، وإقرار النبي  صلى الله عليه وسلم لمعاذ طرق الوصول إلى الحكم الشرعي، ومن هذه الطرق الاجتهاد، وإن معاذاً رضي الله عنه لم يفرق بين الأحكام، وجعل طريق الاجتهاد مطلقاً من غير تفصيل، ومن عبارات الأصوليين في هذا الموضوع قول الشيرازي في التبصرة: "لنا ما روي عن معاذ رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن "أجتهد رأيي" فصوبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولم يفرق بين هذه الأحكام وبين غيرها"([67])، ومثل هذا عند الآمدي في الإحكام حيث قال: "فتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ في قوله أجتهد رأيي مطلقاً من غير تفصيل، وهو دليل الجواز، وإلا لوجب التفصيل، لأنه في مظنة الحاجة إليه، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع"([68]).

3-الإجماع (إجماع الصحابة على حجية القياس من غير فرق)([69]).

إن الصحابة رضي الله عنه أجمعوا على حجية القياس ومشروعيته في الأحكام دون تخصيص، وذلك يقتضي عموم جوازه فيها([70]).

المحور الثاني: فعل الصحابة وإجماعهم.

روى الإمام مالك في الموطأ أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه استشار في الخمر يشربها الرجل، فقال له علي رضي الله عنه نرى أن نجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، أو كما قال، فجلد عمر في الخمر ثمانين"([71]).

دل هذا الحديث على عدة أمور:

1- استشارة عمر رضي الله عنه الصحابة في حد الخمر، وهذا يعني أن الأمر ثابت ومجمع عليه من جهة أنه حد، لكن استشارته جعلت الأمر قابلاً للاجتهاد.

2- لم ينكر الصحابة على عمر رضي الله عنه استشارته، بل استجابوا لهذا، ونقلت الروايات أقوالاً عن علي وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما.

3- استحسان عمر لهذا الاجتهاد وقبوله له والعمل بمقتضاه.

4- إن الاستشارة كانت بمحضر من الصحابة، ولم يؤثر عن أحد منهم أنه خالف أو أنكر ما سمع وما رأى ساعة الاجتهاد أو ساعة التطبيق([72]).

5- ظاهر الرواية يدل على أن علياً رضي الله عنه قاس شارب الخمر على القاذف بجامع الافتراء، ذلك أن القذف مظنة الافتراء، والسُكر إذا تحقق فهو مظنة الافتراء، فأَلحَقَ شارب الخمر بالقاذف في الحديث قياساً، وفي هذا دلالة على أن للقياس مدخلاً في الحدود بإجماع الصحابة([73]).

المحور الثالث: القياس على خبر الواحد.

تثبت الحدود والكفارات بخبر الواحد([74])وطريق خبر الواحد غلبة الظن، وكذلك القياس فهو في معنى خبر الواحد من هذا الجانب، فما جاز إثباته بخبر الواحد جاز إثباته بالقياس.

وإن الحدود تثبت بشهادة الشهود مع جواز الخطأ

عليهم، بل مع إمكان تعمد الكذب، والقياس اجتهاد يحتمل الخطأ ويفيد غلبة الظن كالشهادة وزيادة، وما جاز إثباته بشهادة الشهود جاز بالقياس.

الطريق الثاني: دليل الإلزام.

اعترض الشافعية على الحنفية إثباتهم الحدود والكفارات بالقياس في مسائل عديدة، ثم هم لا يجيزون نظرياً إثبات الحدود بالقياس، ولعل ما يروى عن الإمام الشافعي في هذا هو الأساس الذي بنى عليه علماء الشافعية هذه المسائل، فقد نقل إمام الحرمين الجويني في البرهان هذه المسائل وتبعه ابن برهان في الوصول والرازي في المحصول([75])، وتناقلها عامة الأصوليين بعد ذلك. وسأذكر أهم المسائل المعترض بها على الحنفية كما أوردها الشافعية ثم أبين حكم هذه المسائل في كتب الحنفية ورد الحنفية على الاعتراضات، مع بيان علاقة هذه المسائل بمحل النزاع.

المسألة الأولى: شهود الزنا ( شهود الزوايا).

اتحاد الشهود في الزمان والمكان من الشروط العامة لقبول الشهادة في حد الزنا([76])، لكن العلماء اختلفوا في مسألة شهود الزوايا وهي ما إذا شهد اثنان مثلا على أنهما شاهدا الزنا في مقدمة البيت أو في زاوية منه، وشهد الآخران أنهما شاهدا الزنا في مؤخرة البيت أو في الزاوية الأخرى من البيت، فهل تقبل شهادة الشهود مع اختلاف الزوايا؟

اعتراض الشافعية على الحنفية.

جاء في المحصول نقلاً عن الإمام الشافعي: "أما الحدود فقد كثرت أقيستهم فيها حتى تعدوها إلى الاستحسان، فإنهم زعموا في شهود الزوايا أن المشهود عليه يجب رجمه بالاستحسان"([77]).

آراء العلماء في المسألة:

رأي الجمهور.

ذهب جمهور العلماء إلى القول بعدم قبول شهود الزوايا لاختلاف المكان([78])، وفصل الحنابلة في المسألة فقالوا إن كانت الزاويتان متباعدتين لم تقبل شهادة الشهود، أما إن كانتا متقاربتين فقد كملت شهادتهم، وحد المشهود عليه بالزنا([79]). ذلك أن حد الزنا يثبت إن شهد الشهود على زنا واحد، أما إن تعدد المكان فلم يعد الزنا المشهود عليه واحداً فلا يثبت الحد([80]).

رأي الحنفية:

انقسم الحنفية في هذه المسألة إلى فريقين:

الفريق الأول: يرى هذا الفريق أن حد الزنا لا يثبت بمثل هذا النوع من الشهادة- الزوايا المختلفة- وهو قول زفر رحمه الله، ووجهة نظرهم أن الفعل في مقدمة البيت أو في زاوية منه غير الفعل في مؤخرة البيت أو في الزاوية الأخرى، فصار بمنزلة الشهادة في بيتين([81]).

الفريق الثاني: يرى هذا الفريق أن القياس يقتضي ما قاله زفر من عدم ثبوت الزنا بشهود الزوايا لاختلاف المكان حقيقة، لكن الاستحسان أن يقام الحد على المشهود عليه لأن الشهود اجتمعوا في شهادتهم على فعل واحد([82]).

تحليل اعتراض الشافعية.

يرى الشافعية ومن معهم أن الحنفية تناقضوا عندما أوجبوا الحد في شهود الزوايا، ذلك أن اختلاف المكان يسقط الشهادة، وفي مسألتنا اختلف المكان حقيقة، فالزوايا مختلفة، فلا يثبت الزنا قياساً على مسألة الزنا في بيتين، لكن الحنفية لم يأخذوا بهذا بل تركوه إلى الاستحسان وقالوا بثبوت الحد على المشهود عليه، وإذا كانت الحدود تثبت بالاستحسان عند الحنفية فلأن تثبت بالقياس أولى([83]).

رد الحنفية على الاعتراض.

يقول السرخسي في المبسوط: "ثم هذا الاستحسان منا لتصحيح الشهادة لا لإقامة الحد، فإنما يستحسن لدرء الحد"([84]). ويقول الصيمري: "الاستحسان في قبول الشهادة، ثم الحد ثابت بالنص"([85]) ووجه الاستحسان عندهم أن ابتداء الفعل يكون في زاوية، والانتهاء في زاوية أخرى، واختلافهم في الزاويتين لا يوجب تعدد الفعل في البيت الصغير، أما في البيت الكبير فلا تقبل الشهادة إذا اختلفت الزوايا([86]).

وهذا يعني أنهم لم يستخدموا الاستحسان لإثبات الحد، وإنما الحد ثابت بالنص، واستحسانهم إنما هو في قبول الشهادة وتصحيحها أو رفضها، وهذا شيء آخر غير ابتداء حد بقياس، فالاستحسان ليس في إثبات الحد، وإنما في طريق إثبات الشهادة التي بها يثبت الحد أو ينتفي([87]).

المسألة الثانية: وجوب الكفارة على من أفطر بالأكل في نهار رمضان قياساً على الوقاع.

­­­­من أكل أو شرب أو جامع في نهار رمضان عامداً بغير عذر فقد فسد صومه بالإجماع لمنافاته ركن الصوم وهو الإمساك([88]).

واتفق العلماء على وجوب الكفارة على من أفسد صومه بجماع([89]) لحديث الأعرابي الوارد في الصحاح فقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: وقعتُ على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تجد رقبةً تعتقها؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا. قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما نحن على ذلك أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فيها تمر-والعرقُ المكتل- قال: أين السائل؟ فقال: أنا. قال: خذ هذا فتصدق به. فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها -يريد الحرتين، أهلُ بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: أطعمه أهلك"([90]).

آراء العلماء.

اختلف أهل العلم في وجوب الكفارة على من أفسد صومه بالأكل أو الشرب عامداً في نهار رمضان إلى رأيين:

الرأي الأول: عدم وجوب الكفارة.

ذهب الشافعية والحنابلة([91]) إلى القول بعدم وجوب الكفارة على من أكل أو شرب عامداً في نهار رمضان. وممن روي عنهم هذا القول سعيد بن جبير والنخعي وابن سيرين([92]) وحماد.

الرأي الثاني: وجوب الكفارة.

ذهب الحنفية والمالكية([93]) إلى القول بوجوب الكفارة على من أفسد صومه بأكل أو شرب أو جماع عامداً في نهار رمضان، لا فرق بين الأكل والشرب والجماع. وممن روي عنهم هذا القول عطاء والحسن والزهري والثوري والاوزاعي واسحق([94]).

اعتراض الشافعية على الحنفية.

جاء في البرهان وغيره نقلاً عن الإمام الشافعي قوله: "وأما الكفارات فقد قاسوا الإفطار بالأكل على الإفطار بالوقاع"([95]).

وجه الاعتراض.

إن النص ورد في وجوب الكفارة حال الوقاع، وإن الحنفية أوجبوا الكفارة في الأكل والشرب قياساً على الوقاع بجامع إفساد الصوم، فدل على أنهم أثبتوا الكفارات بالقياس، فوجب عليهم أن يقولوا بجواز ذلك في عامة المسائل.

وأما الشافعية والحنابلة فلم يوجبوا الكفارة في الأكل والشرب قياساً على الوقاع مع أنهم يقولون بجواز إثبات الكفارات بالقياس لانتفاء العلة المشتركة، يقول الشيرازي: "الأصل عدم الكفارة إلا فيما ورد به الشرع، وقد ورد الشرع بإيجاب الكفارة في الجماع، وما سواه ليس في معناه، لأن الجماع أغلظ، ولهذا يجب فيه الحد في ملك الغير"([96]).

وجهة نظر الحنفية.

يرى الحنفية أن وجوب الكفارة في الوقاع ثابت في حالة الأعرابي المستفاد من عبارة النص وأن وجوب الكفارة في الأكل والشرب ثابت بالدلالة، يقول البزدوي في أصوله: "إنا أوجبنا الكفارة على من أفطر بالأكل والشرب بدلالة النص دون القياس، وبيانه أن سؤال السائل وهو قوله واقعت امرأتي في شهر رمضان وقع عن الجناية، والمواقعة عينها ليست جناية، بل هو اسم لفعل واقع على محل مملوك إلا أن معنى هذا الاسم لغة من هذا السائل هو الفطر الذي هو جناية، وإنما أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم الجناية فكان بناء على معنى الجناية من ذلك الاسم، والمواقعة آلة الجناية فأثبتنا الحكم بذلك المعنى بعينه في الأكل... ومن حيث إنه ثابت بمعنى النص لا بظاهره لم نسمه عبارة ولا إشارة، ومن حيث إنه ثابت بمعنى النص لغة لا رأيا سميناه دلالة لا قياساً"([97]).

فالسؤال في الحادثة بناء على هذا وقع عن الجناية على الصوم لأنه قال: هلكت. ومجرد فعله مع زوجته لا هلاك فيه، لكن لما كان الوقاع مفسداً للصوم قال الأعرابي هلكت وهذا المعنى يفهم من اللغة ولا حاجة فيه للاجتهاد النظري كالقياس. مثاله قوله تعالى: ]فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ[[23:الإسراء] فإن المعنى المستفاد لغة المنع عن الإيذاء، فيكون تحريم قول أف بالعبارة وتحريم سائر صور الإيذاء بالدلالة المفهومة لغة لا قياساً، وكذلك هنا([98]).

ويضاف إلى هذا أن الحنفية قد أثبتوا وجوب الكفارة في الأكل والشرب بدليل آخر غير دلالة النص وهو ما ورد من روايات يفيد ظاهرها وجوب الكفارة على كل مفطر، قال الجصاص في الرد على الاعتراض: "ليس هذا كما ظننت -يريد أن الحكم لم يثبت بالقياس- لأنه قد ورد في إيجاب الكفارة لفظ يقتضي ظاهره وجوبها على كل مفطر، وهو ما روي أن رجلاً قال: يا رسول الله، أفطرت في رمضان، فأمره بالكفارة" ولم يسأله عن جهة الافطار، وظاهره يقتضي وجوبها على كل مفطر([99]).

الفرع الثاني: مناقشة أدلة الجمهور وتحليلها.

الناظـر في أدلة المجيزين وهم جمهور العلماء

يرى أنها قامت في معظمها على أدلة إثبات القياس بشكل عام، وأنها ذاتها أدلة إثبات القياس على منكريه، وهي ليست موضع خلاف مع الحنفية من هذه الجهة، فهي خارج محل النزاع برأي الحنفية، إذ النزاع ليس في إثبات القياس أو نفيه، وإنما في إعمال القياس في جوانب محددة، فصار الكلام في شرط من شروط العمل بالقياس بعد إثبات حجية القياس، وهذا الشرط: هل يجري القياس في الحدود والكفارات؟([100]) فاحتاجت المسألة بعد ذلك إلى أدلة خاصة تتعلق بمحل النزاع الذي ناقشه الحنفية وبعض علماء الجمهور حول إمكان إثبات الحدود بالقياس على سبيل الابتداء. وهذا بيان بمناقشة المحاور التي أوردها المجيزون:

مناقشة المحور الأول:

إضافة لما سبق حول طبيعة الأدلة التي وردت في هذا المحور، وأنها خارج محل النزاع، فقد نوقشت الأدلة ذاتها لبيان مدى ارتباطها بالمسألة، وصلاحيتها للاستدلال, ومما قيل:

أ. ما جاء في قوله تعالى (فاعتبروا) أنه أمر بالاعتبار عموماً، وهو يشمل جميع أبواب الفقه، وأن القياس يجري فيها جميعاً، يقول البدخشي: "أقول: فيه نظر إذ لا نسلم أن اعتبروا عام بالنسبة إلى جميع الاعتبارات، بل العموم في المخاطبين، وليس الكلام فيه، والإطلاق لا يقتضي وجوب العمل بجميع الأقيسة، فلا يلزم وجوب العمل بالقياس في المتنازع، اللهم إلا إذا ادعى جواز العمل به فيه([101]).

ونوقشت الأدلة العامة أيضاً من وجه آخر وهو أن الجمهور أنفسهم اختلفوا في إثبات بعض المسائل المتعلقة بالقياس كاختلافهم في القياس في الأسباب والرخص، فدل خلافهم هذا على أن عموم الأدلة لا يصلح دليلاً.

مناقشة المحور الثاني:

ذكر المجيزون دليلين في الموضوع، أحدهما استدلال بإجماع الصحابة، والآخر متعلق بخبر الواحد. أما الأول فإنهم ينسبون للصحابة جميعاً العمل والقول بجواز إثبات الحدود بالقياس، وهي مسألة مشاورة عمر رضي الله عنه الصحابة في عقوبة شارب الخمر، وجواب علي وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، والروايات الواردة في الموضوع([102]).

نوقش هذا الدليل بأكثر من وجه:

1- هذا الدليل فيه إشكال وفق أصول الشافعية والجمهور عموماً، ذلك أن دعوى الإجماع الواردة في الرواية إنما هو إجماع سكوتي في صورته، حيث تكلم علي رضي الله عنه وسكت الباقون وهذا ليس بحجة عند الجمهور، فلا يصح الاحتجاج به، اللهم إلا أن يقال يستدل به وفق مذهب الخصم لإقامة الحجة عليهم.

2- إن استعمال السلف الاجتهاد في حد الخمر، إنما هو اجتهاد في شيء قد ورد فيه التوقيف، وهم قد تحروا معنى التوقيف، فجعلوه ثمانين من هذا الوجه، وهو اجتهاد كاجتهاد الجلاد في الضرب ونوع السوط([103]).

3- إن إجماع الصحابة لم يكن على طريق ثبوت الحكم ومعرفته، حتى يقال إنهم أجمعوا على أن الحكم ثابت بالقياس، وإنما أجمعوا على الحكم ذاته، فاقترح علي وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما أن يجلد شارب الخمر ثمانين، فجلد عمر ثمانين، وكان هذا بمرأى من الصحابة فكان الإجماع على الحكم لا على طريقه([104]).

ولا يقال إن هذا الفهم غير صحيح، لأن الإجماع لو كان على الحكم لما اختلف فيه بعد ذلك الصحابة وغيرهم من الفقهاء، لأنا إذا قلنا أن الإجماع قد حصل على طريق الحكم فهو حاصل على الحكم من باب أولى.

أما الدليل الثاني المتعلق بخبر الواحد فقد نوقش من جهة أن خبر الواحد أقوى من القياس ومقدم عليه، فلا يقاس عليه([105]).

مناقشة المحور الثالث (دليل الإلزام):

هذا النوع من الأدلة والمسائل اعتمد فيه الجمهور على ما نقله بعض الشافعية من عبارات منسوبة للإمام الشافعي من أنه ألزم الحنفية القول بالقياس، لأنهم أعملوا القياس في كثير من المسائل الفقهية المتعلقة بالحدود والكفارات، ونقل الأصوليون مجموعة أمثلة يقول الجمهور فيها: إن الحنفية أعملوا القياس فيها، فكان لزاماً أن يقولوا بالقاعدة الأصولية حتى لا يتناقضوا.

وهذا المحور مناقش من وجوه:

1- هل استخراج القواعد من فروع الأئمة، وإثباتها، ونسبتها للأئمة، وإلزامهم القول بها طريق صحيح؟

إن تخريج الأصول من الفروع مختلف فيه بين أهل العلم([106])، من جهة جواز نسبة الرأي للأئمة بناء عليه، فالقاعدة المخرجة قابلة للنقاش من جهة إثباتها أو نفيها إذا لم يرد عن الإمام أو المذهب تصريح بالرأي في المسألة المتنازع فيها. وفي مسألتنا صرح علماء المذهب الحنفي بالقاعدة الأصولية المتعلقة بكل فرع معترض به، وبينوا أحكام الفروع وكيفية ارتباطها بالقاعدة التي يرونها مناسبة للفرع، ثم فرقوا بين القاعدة موضع المسألة (إثبات الحدود بالقياس) والقواعد الأخرى كدلالة النص، والاستدلال على موضع الحكم.

ومن روائع ما قيل في استخراج القواعد من فروع الأئمة ما قاله ابن برهان في هذا الشأن عندما ناقش رأياً منسوباً للإمامين أبي حنيفة والشافعي، والمخرج من الفروع الفقهية المروية عنهما حيث قال: "ولم ينقل عن الشافعي ولا عن أبي حنيفة رضي الله عنهما نص في ذلك، ولكن فروعهم تدل على ذلك، وهذا خطأ في نقل المذاهب، فإن الفروع تبنى على الأصول، ولا تبنى الأصول على الفروع، فلعل صاحب المقالة لم يبنِ فروع مسائله على هذا الأصل، ولكن بناها على أدلة خاصة . وهو أصل يعتمد عليـه

في كثير من المسائل"([107]).

2- إن الإلزام الوارد في المسائل الفقهية التي ذكرها الشافعية، إنما يعتمد على فهم الشافعية في مدى تحقق القياس بأركانه وشرائطه وأنواعه حسب مصطلحاتهم وهذا يعبر عن فهمهم للقياس وفق مصطلحاتهم، بينما الإمام أبو حنيفة أو المذهب الحنفي لا يرون أنه قياس من جهة طريقة الدلالة على الحكم، أو أن القياس غير موجود في المسألة بشروطه فلا يثبت.

الفرع الثالث: بيان أدلة الحنفية.

منع الحنفية من إثبات الحدود والكفارات بالقياس، ومحل المنع كما رأينا في خلاصة القول في تحرير محل النزاع، هو ما كان في أصل الحدود والكفارات، لكن الأدلة التي ساقها الحنفية والأمثلة والشواهد التابعة لها، كانت في كل ما له علاقة بالحدود، سواء كانت متعلقة بمقدار الحد والكفارة،أو في أصل الحد والكفارة، وسواء كان أصل الحد معقول المعنى أو غير معقول المعنى.

ثم إن عامة أدلة الحنفية ارتكزت على فكرة أساسية هي أن المقادير حقوق لله تعالى مبتدأة، ولا يصح فيها رأي ولا قياس، وإن الحدود والكفارات فيها معنى التقدير، فلا يصح إثباتها بالقياس، وهذه نصوص الحنفية الدالة على فكرتهم:

1- ن الحدود لا تثبت بالقياس لاعتبارات عدة.

أ- لا مدخل للقياس في إثبات المقادير لأنها حقوق لله تعالى، والقياس والاجتهاد لا يوجبان حد الزنا مئة جلدة، ولا حد القذف ثمانين جلدة، ولا يدلان على مقادير أعداد الركعات، ولا على مقادير أيام الصوم، وما جرى مجراها، لأنها كلها حقوق لله تعالى مبتدأة([108]).

والطريق الوحيد لإثبات مثل هذه الحقوق هو التوقيف أو الإجماع كما يقول الجصاص([109])، والدليل على أنه لا سبيل إلى إثبات هذه المقادير بالقياس: "أن هذه المقادير حق لله تعالى ليس على جهة إيجاب الفصل بين قليل وكثير، وصغير وكبير، فيكون موكولاً إلى الاجتهاد والرأي، وإنما هي حق لله تعالى مبتدأ"([110]).

ب-إن الحدود شرعت عقوبة وجزاء، والجزاء يتناسب مع الجرم وآثامه، ولا مدخل للرأي والقياس في تحديد مقدار الجرم والحد الزاجر، يقول عبد العزيز البخاري في الكشف: "الحدود شرعت عقوبة وجزاء على الجنايات التي هي أسبابها، وفيها معنى الطهرة بشهادة صاحب الشرع، ولا مدخل للرأي في معرفة مقادير الأجرام وآثامها، ومعرفة ما يحصل به إزالة آثامها، ومعرفة ما يصلح جزاء لها، وزاجراً عنها، ومقادير ذلك، فلا يمكن إثباتها بالقياس الذي مبناه على الرأي"([111]).

ج - إن الحدود تشتمل على تقديرات، وهذه التقديرات منها ما لا يعقل معناه، فلا يصح فيه القياس لعدم تعقل المعنى، ومنها ما يعقل معناه لكن لا يثبت بالقياس للشبهة، ذلك أن الحدود تدرأ بالشبهات، والقياس فيه شبهة مانعة من إثبات الحد به لاحتماله الخطأ، ولاختلال المعنى الذي يتعلق به الحد في نفسه لا الشبهة الواقعة في طريق دليل الثبوت، لأنها لا تمنع لاتفاق أكثر الناس على التعلق بأخبار الآحاد في الحدود والكفارات([112]).

د- الأصل في ظهر الإنسان الحظر، فلا يستباح إلا بالمقدار الذي يرد به التوقيف، أو يقوم عليه الدليل، و إلا فهو باق على أصل الحظر([113])، فلا يصح إثباته بالقياس.

2- لا مجال لإثبات الكفارات بالقياس.

إن الكفارات شرعت زجراً وجبراً، ففيها معنى العقوبة والزجر، وهي مع ذلك ماحية للآثام، ولا يجوز إثباتها بالقياس؛ لأن ما كان منها عقوبة، فلا يصح إثباته بالقياس؛ لأن الرأي لا يصلح طريقاً لمعرفة مقادير الأجرام وآثامها، فهي كالحدود من هذا الجانب، ولا يجوز إثبات الحدود بالقياس([114]). وأما ما كان منها خالياً من العقوبة فلا يثبت بالقياس أيضاً، لأنها مقدرة، ولا سبيل إلى إثباتها بالقياس([115]).

وبهذا نرى أن سبب المنع راجع إلى أن الكفارات من التقديرات، والتقديرات لا تثبت بالقياس.

الفرع الرابع: مناقشة أدلة الحنفية وتحليلها.

أدلة الحنفية السابقة ركزت على فكرة أن سبب المنع الرئيس هو أن الحدود والكفارات في نهايتها من المقادير، وهي سواء كانت معقولة المعنى، أو غير معقولة المعنى لا تثبت بالقياس، لأن حق إنشائها خالص لله تعالى، فلا يصح ابتداء شيء منها بقياس.

والحنفية بهذا الطريق من الاستدلال لم يفرقوا بين ما هو متفق عليه مع الجمهور مما له علاقة بالمقادير وهو كما قال الغزالي: "في أعداد الركعات ونصب الزكوات ومقادير الحدود والكفارات وجميع التحكمات المبتدأة التي لا ينقدح فيها معنى فلا يقاس عليها غيرها، لأنها لا تعقل علتها"([116]).

ويقول ابن السبكي: "إن نفس مقادير الحدود والكفارات لا يفهم فيها معنى، فكيف يصح القياس فيها"([117]).

وجعل الحنفية أدلتهم عامة في المنع ولم يفرقوا بين أصل الحد والحكمة من وجوده ومقدار الحد، ولم يناقشوا هذا الأمر، وإنما اعتبروا جميع الأحكام المتعلقة بالحدود والكفارات متعلقة بمقادير فلا يصح فيها قياس، وان كل حكم متعلق بهذه الأمور هو ابتداء حكم بقياس، والقياس لا يصلح لابتداء الأحكام، فلا يصح هنا.

وبهذا نرى أن الحنفية قد ساقوا أدلة لمنع شيئين أحدهما متفق على منعه، والآخر غير متفق على منعه، وما ذكره الحنفية من أدلة يمكن حمله على منع المتفق على منعه، أما أصل الحد والكفارة مما يعقل معناه فهذا مما يدخل في دائرة الاحتمال ويبقى النقاش ممكنا.

وهكذا يبقى النزاع بين الفريقين في تكييف المسألة هل هي ابتداء حد بقياس، وهي من التحكمات المبتدأة أو لا؟ فالجمهور منعوا هذا الأمر وقالوا انها ليست من التحكمات المبتدأة لقدرتنا على فهم علّة الحكم وإدراك حكمته، أما الحنفية فاعتبروا الصورتين من التحكمات التي لا يعقل معناها، فلا يصح فيها القياس، ولعل النظر في المثال الفقهي التطبيقي دراسة وتحليلا يساعد في فهم الموضوع والخروج بنتيجة.

المطلب الرابع

 أثر الاختلاف والترجيح

الفرع الأول: أثر الاختلاف.

المسائل المتعلقة بالمسألة المذكورة في كتب التخريج، أو كتب الأصول، أو الفقه، كثير منها لا يصلح مثالاً لأثر الخلاف بعد تحرير محل النزاع، وذلك لظهور علاقة هذه المسائل بقواعد أخرى غير قاعدة القياس في الحدود والكفارات، وقد ظهر هذا في المسائل التي عرضتها في الطريق الثاني من أدلة الجمهور([118]).

وإن اتفاق الحنفية مع الشافعية في بعض الأحكام لا يعد تناقضاً مع قواعد الحنفية لأنهم لم يثبتوا هذه الأحكام بالقياس وإنما لقاعدة أخرى عندهم هي دلالة النص أو الاستدلال على موضع الحكم، فتوجب بعد ذلك تحرير المسائل التي تصلح للدراسة كأثر للخلاف في المسألة، وبيان علاقة هذه القاعدة مع الفرع الفقهي، وسأعرض مسألة فقهية، انبنى الخلاف الفقهي فيها على الخلاف في هذه القاعدة بشكل واضح وجلي، ومع هذا فقد نجد من يذكر أن هذه المسألة متعلقة بغير هذه القاعدة، وهي وجهة نظر تعتمد التحليل والتخريج، والمسألة هي:

قياس اللواط على الزنا في الحكم.

اللواط من الكبائر العظام، وسماه الله تعالى فاحشة، وذم قوم لوط لفعلهم هذه الفاحشة، فقال تعالى: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ)[80-81: الأعراف]. وقال تعالى على لسان لوط عليه السلام مخاطباً قومه: (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ)[165، 166: الشعراء].

وعمل قوم لوط أصله إتيان الذكور، وفعل الفاحشة بهم، كما جاء في النص القرآني، ومع ذلك فلم يختص اسم اللواط بإتيان الذكور فقط، وإنما بإتيان النساء أيضاً في الموضع المكروه، جاء في البداية (ومن أتى امرأة في الموضع المكروه أو عمل عمل قوم لوط)([119]) وعلى هذا كانت تعاريف العلماء للواط جامعة للفعلين ولبيان المسألة ابدأ بتعريف الزنا، ثم تعريف اللواط، ثم حكم اللواط عند العلماء، وبم ثبت، وموضع الخلاف في طريق ثبوته.

تعريف الزنا.

عرف العلماء الزنا تعريفات عدة ومما قيل فيه:

  1. (هو وطء مكلف مسلم فرج آدمي لا ملك له فيه، باتفاق تعمداً) وجاء في شرح لفظ (فرج آدمي) قال: قبلاً أو دبراً([120]).
  2. هو إيلاج الذكر بفرج محرم لعينه خال عن الشبهة مشتهى([121]).
  3. هو إيلاج الذكر بفرج محرم لعينه خال عن الشبهة مشتهى، ثم قيل عقب التعريفين السابقين (ودبر ذكر أو أنثى كقبل على المذهب)([122]).
  4. هو فعل الفاحشة في قبل أو دبر([123]).

التعاريف السابقة لجمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة. وهي تجمع بين فعلين بين فعل الفاحشة في قبل المرأة وفعل الفاحشة في دبر المرأة أو الرجل، فصار الزنا عند الجمهور شاملاً لهما.

أما الحنفية فقد قصروا الزنا على فعل الفاحشة في قبل المرأة فقالوا في تعريفه:

  • الزنا هو: وطء الرجل المرأة في القبل في غير الملك وشبهة الملك([124]).

تعريف اللواط.

رأينا أن اللواط من الزنا عند الجمهور ولهذا لم يفرده كثير من العلماء بتعريف مستقل ومما ورد فيه:

  1. "إيلاج الحشفة أو قدرها في دبر ذكر ولو عبده، أو أنثى غير زوجته وأمته"([125]).
  2. "ودبر ذكر ودبر أنثى أجنبية كقبل للأنثى فيجب بالإيلاج في كل من الدبرين المسمى باللواط الحد على المذهب"([126]).

حكم اللواط.

1- رأي الجمهور.

جمهور العلماء أدخلوا اللواط تحت مسمى الزنا، ولهذا كان حكمهما واحداً عند عامتهم، وممن جعل اللواط كالزنا أيضاً محمد بن الحسن وأبو يوسف صاحبا أبي حنيفة. ولكن لوجهة نظر مختلفة عن الجمهور كما سنرى في الأدلة.

أدلة الجمهور.

ومما استدل به الجمهور على رأيهم:

أ- إن الله تعالى سمى الزنا فاحشة فقال تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً)[32: الإسراء]، وأطلق على اللواط اسم الفاحشة أيضا فقال سبحانه: (أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ)[80: الأعراف] فدل هذا على تساويهما، وأن اللواط من الزنا([127]).

ب- القياس على الزنا، بجامع الفاحشة وتساوي الفعلين، ذلك أن معنى الزنا موجود في اللواط حيث إنه إيلاج فرج في محل محرم، بل اللواط فوق الزنا من هذه الجهة، لأنه مستنكر شرعاً وعقلاً، وهو أفظع أنواع الزنا([128]).

أدلة الصاحبين.

ومما استدل به الصاحبان([129]):

أ- أن اللواط كالزنا لأنه قضاء الشهوة في محل مشتهى على وجه الكمال لمجرد سفح الماء.

ب- أن هذا الفعل – اللواط- زنا- فيتعلق به حد الزنا بالنص وذلك من جوانب:

الجانب الأول : من حيث الاسم ذلك أن الزنا فاحشة، واللواط فاحشة بنص القرآن.

الجانب الثاني : من حيث المعنى ذلك أن الزنا فعل له غرض، وهو إيلاج في فرج محرم، وهذا موجود في الدبر والقبل، إذ كل منهما فرج يجب ستره شرعاً وكل واحد منهما مشتهى طبعاً.

الجانب الثالث : وجوب الاغتسال من الإيلاج في القبل أو الدبر.

ومع كل هذا فقد نص علماء الحنفية على أن هذا الاستدلال ليس من باب القياس، وليس للقياس فيه نصيب وإنما هو دلالة نص، يقول السرخسي: "وليس هذا الكلام على سبيل القياس، فالحد بالقياس لا يثبت، ولكن هذا إيجاب الحد بالنص، وما كان اختلاف اسم المحل إلا كاختلاف اسم الفاعل -يعنى فاعل الفاحشة- فإن النص ورد بالحد في حق ماعز رضي الله عنه فإيجاب الحد على الغير بذلك الفعل لا يكون قياساً، فكذلك هنا ورد النص بإيجاب الحد على من باشر هذا الفعل في محل هو قُبُلْ، فإيجاب على المباشر في محل هو دُبُرْ بعد ثبوت المساواة في جميع المعاني لا يكون قياساً"([130]).

  1. رأي الإمام أبي حنيفة.

يرى الإمام أبو حنيفة أن اللواط غير الزنا، وأن حكمه مختلف عن حكم الزنا، فلا يجب الحد في الوطء في الدبر في الذكر والأنثى سواء([131]).

ومن أظهر أدلة هذا الرأي([132]):

أ. إن الوطء لم يكن في القبل، فلم يكن زنا شرعاً، والزنا في مصطلح الحنفية لا يشمل اللواط، فاختلفا.

ب. إن هذا الفعل لا يطلق عليه "زنا" لغة، لذلك يقال: زنا وما لاط، ولاط وما زنا، فاختلفا، واختلاف الأسامي دليل اختلاف المعاني.

ج. إن فعل اللواط دون فعل الزنا في المعنى الذي لأجله وجب حد الزنا، وذلك أن حد الزنا مشروع صيانة للفراش، وهذا المعنى غير موجود في اللواط.

د. إن العقوبات ما عجلت في الدنيا إلا لنفع عائد إلى غير المرتكب، ففي باب الزنا وجبت العقوبة صوناً للعرض عن الفساد، والمياه عن الاختلاط، وفي اللواط فقد هذا المعنى([133]).

ﻫ. اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في عقوبة اللواط دليل على أن هذا الفعل ليس زنا، وإلا لاتفقوا على مقداره، ولهذا ثبت الحكم عندهم تعزيراً، فاختلف اللواط عن الزنا.

و. إطلاق اسم الفاحشة على الزنا واللـواط لا يعـني

تساويهما بدليل أن الله تعالى أطلق اسم الفاحشة أيضاً على بقية الكبائر في قوله تعالى:(وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)[[151: الأنعام].

مقارنة بين رأي الإمام أبي حنيفة وصاحبيه:

أدلة رأي الإمام أبي حنيفة رحمه الله تتلخص في أمور([134]):

1- إن القياس في الحدود لا يصح وهذا من القياس في الحدود.

2- إن الزنا واللواط قد اختص كل واحد منهما باسم، ولا قياس في الأسماء.

3- إن القول بأن حكم اللواط هو حكم الزنا نصاً ودلالة غير صحيح، وإن ما يقال في هذا الباب هو من باب المقايسة فلا يصح.

4- ادعاء اشتراك الزنا واللواط في المعنى، وأن هذا المعنى مفهوم لغة، بل إن المعنى المشترك بينهما هو في اللواط أظهر، غير مقبول لأن هذا من باب المقايسة لا من باب الفهم اللغوي.

أما أدلة الصاحبين فتلخصت في بيان المساواة بين الفعلين اسماً ومعنىً، وأن هذه المساواة في جميع المعاني ثابتة من جهة اللغة، فكان الحكم ثابتاً بدلالة النص لا بالقياس.

وعلى هذا فقد اختلف الإمام مع الصاحبين، في تكييف هذه الدلالة، فالإمام يثبت أن المساواة المدعاة هي من باب المقايسة، وأن أركان العملية القياسية تامة وكاملة، لذا فلا يثبت الحكم؛ لأن الحدود لا تثبت بالقياس.

أما الصاحبان فإنهما وافقا الجمهور من جهة الحكم، واختلفا مع الجمهور في التكييف، وجعلا الحكم ثابتاً بطريق اللغة.

بعد هذا أقول ما الراجح في الأمر؟ ما قاله الإمام وأن المساواة هذه قياس، أو ما قاله الصاحبان إن المساواة ثابتة باللغة؟

الناظر في مقومات دلالة النص عند الحنفية، وما قالوه في تعريف هذه الدلالة، وأنها تثبت باللغة لا بالاجتهاد والاستنباط؛ يرى أن ما قاله الإمام هو الراجح، ذلك أن المساواة المدعاة ما جاءت عن طريق اللغة، بل بالاجتهاد والاستنباط؛ ذلك لدقة المعاني المشتركة المذكورة في المسألة، وأن ما قاله الدبوسي والسرخسي حول رأي الصاحبين، وبيان كيفية فهم الحكم من جهة اللغة إنما هو من باب نفي التعارض والتناقض بين قواعد المذهب وما روي عن الصاحبين. والله أعلم.

الفرع الثاني: الترجيح.

محل النزاع الحقيقي الذي ظهر في هذه القاعدة، إنما هو في مدى إمكان تعليل أصل الحد والكفارة ثم القياس على هذا الأصل، وإثبات هذه الأحكام في مواقع جديدة؛ لاشتراكهما في العلة.

وأبدأ التحليل والتطبيق من الخلاف الواقع بين الإمام أبي حنيفة وصاحبيه في مسألة حكم اللواط، وأطرح التساؤل التالي: كيف نفسر قول الصاحبين، إن اللغة تدل على هذا الحكم، وإن المساواة بين اللواط والزنا في الاسم والمعنى مستفادة من اللغة لا من القياس، مع أن الإمام أبا حنيفة يرى أن هذه المساواة من باب المقايسة فلا تصح في الحدود؟

كيف نفسر هذا الاختلاف؛ ودلالة النص عند الحنفية لا تحتاج إلى اجتهاد واستنباط، والقاعدة واحدة، ولا خفاء فيها، ولا تحتاج إلى مزيد نظر واستدلال؟

أن يحصل خلاف في كيفية ثبوت الحكم بين الحنفية والجمهور، وفي طريق ثبوته، هذا أمر ممكن، وله ما يسوغه من اختلاف في القاعدة، أو في كيفية توجيهها، لكن أن يختلف أئمة المذهب في تطبيق قاعدة واضحة كل الوضوح، ولا تحتاج إلى اجتهاد حتى يقع فيها اختلاف، فهذا مشكل، وهذا الإشكال يفتح باباً واسعاً يجعل مستمسك الجمهور على الحنفية قوياً في موضوع الإلزام، وهذا يعني أن كثيراً من مسائل الدلالة سوف لا تنطبق عليها قواعد دلالة النص، لأنها لا تفهم بمجرد اللغة، وذلك لدقة المعاني المشتركة المستنبطة عن غير طريق اللغة، فتكون قياساً، ويلزم من هذا الإلزام والتوجيه، القول بجواز إثبات بقية المسائل التي تحتاج العلة المشتركة فيها إلى استنباط واجتهاد، عن طريق القياس.

ويدل هذا الأمر على أن جزءاً من المسائل التي ثبتت عند الحنفية بدلالة النص، هي ثابتة بالقياس حقيقة وفق تحليل إمام المذهب، أما بقية المسائل التي منع الحنفية فيها القول بالقياس، فيبقى النزاع فيها قائماً، وتحتاج إلى حوار مع أدلة الفريقين النظرية فأقول:

إن الناظر في كلام الحنفية، يرى أن محور الحديث في أدلتهم، حول عدم جواز ابتداء حد بقياس، وأن كل حكم متعلق بالحدود والكفارات لا يصلح أن يكون أصلاً يقاس عليه، ويبقى موضوع فكرة إثبات أحكام الحدود والكفارات في مسائل جديدة خارج دائرة الحد الثابت بنص أو إجماع، يطلق عليه الحنفية ابتداء حداً أو كفارة بقياس، وهي مسألة جديرة بالنظر، والوقوف عندها وتحليل محتواها.

فالحدود مقدرات من الله تعالى، لا يجوز تجاوزها، لكن هل يجوز أن نطلق اسم حد على غير ما ورد به النص، وأجمعت الأمة على أنه حد؟ وعندها تكون الحدود قابلة للزيادة، وأبواب الحدود في الفقه الإسلامي لا تكون محصورة في الأبواب المشتهرة المعروفة! بمعنى هل يجوز مثلاً أن نطلق اسم حد على عقوبة تعاطي المخدرات، فنقول حد المخدرات؟ أو حتى في النباش مع شهرة المسألة هل يطلق عليه اسم حد النباش، عند القائلين إن حكمه ثابت بالقياس؟

إن القائلين بجواز إثبات الحدود والكفارات بالقياس، لم يصرحوا بهذا، وغاية الأمر عندهم، أنه ما دامت حكمة الحكم وعلته قابلة للفهم والإدراك، والعقل قادر على تعقل معنى الحكم، فإن القول بجواز إثباتها عن طريق القياس، هو أمر قائم وفق قواعد القياس العامة، وأي استثناء يحتاج إلى دليل، فحقيقة هذا الأمر هو أننا نريد أن نثبت الحكم الثابت في حد من الحدود، أو كفارة من الكفارات في موقع جديد. لكن هل قياسنا هذا يثبت للفرع -الموقع الجديد- كل أحكام الحدود، أو أن الأمر قاصر على إثبات الحكم فقط؟ وهو مقدار العقوبة الواردة في الحد، فاللواط مثلاً فعل محرم بالإجماع، لكن عقوبته مختلف فيها، فالقائلون بالقياس على الزنا، يثبتون حكم الزنا للواط من جهة العقوبة المقدرة، أما بقية أحكام الزنا فهل تنطبق على اللواط؟

الظاهر من قول جمهور القائلين بالقياس في الحدود، يثبتون للفرع كل أحكام الحدود([135])، فإثبات اللواط يحتاج إلى أربعة شهود، وبدون الأربعة يثبت القذف، ولا أدل على هذا عند جمهورهم مما ورد في تعريف الزنا، إذ جعلوه شاملاً للواط، وهذا الشمول ثابت بالقياس على الزنا، وإلا فإن النص القرآني أطلق اسم الزنا على فعل الفاحشة مع المرأة فقال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي)[2: النور] وأما اللواط فقد جعل له اسماً آخر، وذكره في موقع آخر في قصة قوم لوط، فإطلاق اسم الزنا على اللواط هو محل الخلاف.

ولا يُقبل أن يقال إننا نثبت حكم الحد الثابت ولا نثبت حداً، لأن عبارتهم الفقهية دالة على أنهم أثبتوا لهذه الفروع عامة الأحكام الثابتة للحدود المقاس عليها. وإذا كان الأمر على هذه الهيئة من الإثبات، فإن تسمية اللواط مثلاً زنا هو في حقيقته ابتداء حد بقياس، ذلك أننا جعلنا هذه الأفعال حدوداً، وأثبتنا لها حكم الحدود بالقياس، وهذا يؤدي إلى زيادة عدد الحدود حداً جديداً أو حدود جديدة، وهذا مما يتعارض مع قاعدة لا حد إلا بنص([136]).

ولذا فإنا إذا أردنا أن نعمل القياس في باب الحدود والكفارات وفق رأي الجمهور ومصطلحهم دون مخالفة قاعدة الحدود العامة، فإن دائرة العمل به هي أنواع من القياس وليس كل القياس، وهذه الأنواع هي التي قال عنها الحنفية دلالة نص، أو القياس الجلي في اصطلاح الجمهور، أما بقية صور القياس، وهي ما يندرج تحت القياس الخفي، فهي أضعف من القياس الجلي من جهة قوتها ودلالتها أولاً، ثم إن إثبات الحدود في مواقع جديدة عن طريق القياس الجلي (دلالة النص) لا يكون خارجاً عن النص ودلالته، أما القياس فهو إلحاق للفرع بالأصل بني على ظن معرفة علة الحكم، وهذا بخلاف دلالة النص (مفهوم الموافقة) حيث إن المعنى المشترك بين المنطوق والمسكوت مفهوم لغة عند جمهور العلماء من الحنفية والشافعية.

فالقول بجواز إثبات الحدود والكفارات بهذا النوع من القياس هو الراجح وإن لم يسمه الحنفية قياساً، وهو أقوى دلالة، وأبعد عن الشبهات التي يمكن أن تلحق إثبات الحدود بعموم أنواع القياس.

نتائج البحث.

هدفُ الباحث في الصفحات السابقة دراسةَُ مسألة إثبات الحدود والكفارات بالقياس، وهي متعلقة بتحديد المجالات التي يجوز فيها القياس، وموضوع الدراسة من المسائل التي اختلف فيها الرأي، وهذه أهم النتائج التي خلص إليها الباحث:

1- إن النزاع بين الحنفية والجمهور ليس في إثبات القياس أو نفيه وإنما في إعمال القياس في جوانب محددة بعد ثبوت حجيته، وإن تحرير القاعدة الأصولية المتعلقة بإثبات الحدود والكفارات بالقياس أو نفي هذه القاعدة، أمر مختلف عن الخلاف الفقهي في المسائل الفقهية المتعلقة بالحدود والكفارات.

2- إن مبعث القول إن الخلاف بين الحنفية والجمهور في مسألة البحث خلاف لفظي غير دقيق ومبعث هذا القول هو الاتفاق على الحكم الجزئي بين الحنفية والجمهور في بعض المسائل الفقهية المتعلقة بالحدود والكفارات.

3- إن إثبات أحكام الحدود والكفارات بالقياس الجلي – مفهوم الموافقة: -(دلالة النص)- ثابت بالاتفاق مع اختلاف الجمهور والحنفية في اسم هذه الدلالة.

4- يجري القياس بالاتفاق في المسائل التي قال عنها الحنفية إنها استدلال على موضع الحد، أو هي اجتهاد وتحر لمعنى التوقيف، في حين يرى الشافعية أن هذا النوع من المسائل من باب القياس، وعليه فالخلاف اصطلاحي لفظي ولا نزاع معنوي في هذا الجانب.

5- يمتنع بالاتفاق إثبات الأحكام الشرعية المتعلقة بمقدار الحد أو الكفارة، مع اختلاف العلماء في سبب المنع، فالجمهور منعوا إثبات هذا النوع بالقياس لعدم القدرة على إدراك علته،، ومنع الحنفية من إثبات هذا النوع بالقياس، لأنهم يرونه مندرجاً تحت قاعدة ابتداء حد بقياس، دون النظر إلى التعليل وعدمه.

6- موضع الخلاف في المسألة هو هل يجوز إثبات أصل الحدود والكفارات بالقياس؟

7- إن استخراج القواعد من فروع الأئمة، وإلزامهم القول بهذه القواعد بناء على الرأي الفقهي المنسوب إليهم أمر فيه نظر، ذلك أن الفروع تبنى على الأصول لا العكس، وذلك لاحتمال أن يكون القول الفقهي قد بناه الإمام على قاعدة أخرى أو لدليل آخر لم يخطر ببال المخرج.

8- إن إلزام الحنفية القول بجواز إثبات الحدود والكفارات بالقياس بناء على تخريج للقاعدة من الفروع الفقهية إنما يعتمد هذا الإلزام على فهم الشافعية في مدى تحقق القياس بأركانه وشرائطه، والحنفية لا يرون أنه قياس، أو لم تتوافر فيه شرائط القياس فلا إلزام.

9- إن الراجح من الآراء بعد كل ما ورد من أقوال وأدلة وتحليلات جواز إثبات الحدود والكفارات بالقياس الجلي (مفهوم الموافقة) دون غيره من الأقيسة، وهو ما يسميه الحنفية دلالة النص، لأن الحكم الثابت بهذا الطريق له قوة النص، وإثبات الحد به هو في حقيقته إعمال للنص، ولا حد إلا بنص؛ ودلالة مفهوم الموافقة (دلالة النص) على الحكم تختلف عن القياس حقيقةً، وإن أُطلق عليه اسم القياس الجلي. وإن القول بإثبات الحدود والكفارات بغير القياس الجلي يعني أننا أنشأنا حداً جديداً في موقع جديد لم يجعله الشرع حداً، وأثبتنا له ما للحدود من الأحكام. والحدود في الشريعة الإسلامية غير قابلة للزيادة أو النقصان، لا من جهة المقدار، ولا من جهة أنواع هذه الحدود، والقاعدة أنه لا حد إلا بنص.

 

(*) المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، المجلد الثالث، العدد(2)، 1428ه- 2007م.

 

 

الهوامش:

 


([1]) الزبيدي، السيد محمد مرتضى الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس، طبعة وزارة الإرشاد والأنباء في الكويت، 1970، ج16، ص411. الفيومي، أحمد ابن محمد، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، بيروت، المكتبة العلمية، ج2، ص521.

([2]) الآمدي، سيف الدين أبو الحسن علي بن محمد، الإحكام في أصول الإحكام، الطبعة الأولى، مؤسسة النور، مطبوع بتعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي، ج3، ص164. الأسنوي، جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم ابن الحسن، نهاية السول شرح منهاج الأصول إلى علم الأصول، مطبعة التوفيق الأدبية، القاهرة، ج4، ص2. منون عيسى. نبراس العقول في تحقيق القياس عند علماء الأصول، مكتبة المعارف الطائف، ج1، ص9-11. زهير، محمد أبو النور، أصول الفقه، دار الطباعة المحمدية، القاهرة، ج4، ص5.

([3]) انظر تعريفات الأصوليين للقياس ومناقشتها في: الرازي، محمد بن عمر، فخر الدين، المحصول في علم الأصول، الطبعة الأولى 1400ﻫ، تحقيق الدكتور: طه جابر، ج2، م2، ص5-24. الآمدي، الإحكام، ج3، ص183-190. منون، نبراس العقول ج1، ص13-46.

([4]) البيضاوي، ناصر الدين عبد الله بن عمر، منهاج الوصول إلى علم الأصول، مطبوع مع نهاية السول، مطبعة التوفيق الأدبية القاهرة، ج4، ص2. وانظر: الرازي، المحصول، ج2، م2، ص17.

([5]) ابن الحاجب، جمال الدين عثمان بن عمر، مختصر المنتهى الأصولي، مطبوع مع شرح القاضي عضد الملة والدين الإيجي، ومعه مجموعة حواشي، مكتبة الكليات الأزهرية، 1973م، مراجعة: شعبان محمد إسماعيل، ج2، ص204. وانظر الآمدي، الإحكام، ج3، ص190.

([6]) الاتفاق هنا اتفاق القائلين بحجية القياس.

([7]) الزبيدي، تاج العروس، ج8، ص6. الفيومي، المصباح المنير، ج1، ص124-125.

([8]) الزبيدي، تاج العروس، ج8، ص6-7، الفيومي، المصباح المنير، ج1، ص124-125، ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، بيروت. دار صادر، ج5، ص140.

([9]) الكاساني، علاء الدين أبو بكر بن مسعود، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، دار الكتاب العربي بيروت، لبنان، ج7، ص33. أبو رخية، ماجد، الوجيز في أحكام الحدود والقصاص، مكتبة الأقصى، عمان الطبعة الأولى 2001 ص13.

([10]) الموصلي، عبد الله بن محمود، الاختيار لتعليل المختار، الطبعة الثانية 1951، مطبعة البابي الحلبي، ج4، ص79.

([11]) ابن مفلح، أبو اسحق برهان الدين إبراهيم بن محمد، المبدع في شرح المقنع، المكتب الإٍسلامي، بيروت، 1980، ج9، ص43.

([12]) النفراوي، أحمد غنيم، الفواكه الدوائي على رسالة أبي محمد القيرواني، مطبعة البابي الحلبي، 1964م، ج2، ص246.

([13]) انظر: النووي، محيي الدين يحيى بن شرف، تحرير الفاظ التنبيه أو لغة الفقهاء، تحقيق: عبد الغني الدقر، الطبعة الأولى، 1988م، دار القلم دمشق، بيروت، ص323. البعلي، محمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي، المطلع، تحقيق محمد الأدلبي، المكتب الإسلامي، بيروت، ج1 ص370. ابن منظور، لسان العرب، ج5، ص140. الزبيدي، تاج العروس، ج8، ص6-7.

([14]) الزبيدي، تاج العروس، ج14، ص50-60. ابن منظور، لسان العرب، ج5، ص148-149. الفيومي. المصباح المنير، ج2، ص534-535.

([15]) الموسوعة الفقهية الكويتية، ج35، ص37.

([16]) النووي، تحرير ألفاظ التنبيه ص125.

([17]) القونوي، الشيخ قاسم، أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء، تحقيق أحمد الكبيسي، الطبعة الأولى 1986، دار الوفاء، جدة، ص174. الجصاص، أبو بكر الرازي، أصول الفقه المسمى، الفصول في الأصول، تحقيق: عجيل النشمي، ط1، وزارة الأوقاف الكويتية، ج4، ص106. الموسوعة الفقهية الكويتية، ج35، ص37-40.

([18]) الحنفية في هذه الدلالة على رأيين، المشهور منهما ما أثبته، والرأي الثاني عندهم أن الدلالة قياسية، وقد نسبه السمرقندي في ميزان الأصول لبعض الحنفية ولم يسم أحداً انظر: السمرقندي، علاء الدين أبو بكر محمد بن أحمد، ميزان الأصول في نتائج العقول، تحقيق: محمد زكي عبد البر، ط1 1984، ص389.

([19]) انظر آراء العلماء في المسألة في: الجويني، البرهان، ج2، ص783-787. الرازي، المحصول، ج2، م2، ص170-172. الآمدي، الإحكام، ج3، ص68. السبكي، الإبهاج، ص3-19. المطيعي، محمد نجيب. سلم الوصول لشرح نهاية السول، عالم الكتب، 1982، ج2، ص197-199. مطبوع مع: البناني، عبد الرحمن بن جاد الله، حاشية البناني على شرح المحلي على جمع الجوامع، مطبعة دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، ج2، ص205.

([20]) الدبوسي، أصول الدبوسي، ص292.

([21]) السرخسي، أصول السرخسي، ج1، ص241.

([22]) المرجع السابق.

([23]) انظر آراء علماء الجمهور في نوع الدلالة هذه وأدلة كل فريق في: الإمام الشافعي، الرسالة، ص512-516. السبكي، الإبهاج، ج3، ص19. ومعه نهاية السول للأسنوي نفس الصفحات، الآمدي، الإحكام، ج3، ص68 فما بعدها. منون، نبراس العقول، ص186-188. صالح محمد أديب، تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، ط2، المكتب الإسلامي بيروت، ج1، ص632-642.

([24]) انظر: الدبوسي، أصول الدبوسي، ص296-305. السرخسي، أصول السرخسي، ج1، ص241-248.

([25]) الدبوسي، أصول الدبوسي، ص296-305.

([26]) الشربيني، عبد الرحمن، تقريرات على جمع الجوامع، مطبوعة على هامش شرح جمع الجوامع، طبعة دار إحياء الكتاب العربي، القاهرة، ج2، ص205. البصري، أبو الحسين محمد بن علي، المعتمد في أصول الفقه، تحقيق: محمد حميد الهد وآخرون، المعهد العلمي الفرنسي، دمشق، 1384ﻫ، ج2، ص797. منون، نبراس العقول، ص186-188.

([27]) انظر: ص16- 18، وص24-26 من هذا البحث.

([28]) البصري أبو الحسين، محمد بن علي بن الطيب، شرح العمد، تحقيق: عبد الحميد أبو زنيد، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط1، 1410ﻫ، ج2، ص203-208.

([29]) انظر: الدبوسي، أصول الدبوسي، ص296-305. البزدوي، أصول البزدوي مع كشف الأسرار، ج2، ص220-221. ج3، ص304-305، السرخسي، أصول السرخسي، ج1، ص241-248 وج2، ص153-154.

([30]) ابن السمعاني، قواطع الأدلة، ج2، ص106-114. ابن السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي، رفع الحاجب عن ابن الحاجب، تحقيق: علي معوض وعلي عبد الموجود، ط1، 1999، عالم الكتب، ج4، ص409-410، الزركشي، بدر الدين محمد بن بهادر، البحر المحيط في أصول الفقه، تحرير: عبد الستار أبو غدة، ط1، وزارة الأوقاف، الكويت،  ج5، ص56.

([31]) الجصاص، أصول الجصاص، ج4، ص107.

([32]) الجصاص، أصول الجصاص، ج4، ص107.

([33]) الجصاص، أصول الجصاص، ج3، ص280.

([34]) الجصاص، أصول الجصاص، ج3، ص365.

([35]) الجصاص، أصول الجصاص، ج4، ص107-108.

([36]) السرخسي، أصول السرخسي، ج2، ص157-158.

([37]) الجصاص، أصول الجصاص، ج4، ص107.

([38]) الجصاص، أصول الجصاص، ج3، ص280.

([39]) البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، تحقيق: د. مصطفى البغا، دمشق، دار القلم 1981 (ط1) باب ما جاء في ضرب شارب الخمر، وباب الضرب بالجريد والنعال أحاديث رقم: 6390-6397. وانظر ما قاله ابن حجر العسقلاني في مثل هذه الأحاديث في: ابن حجر، أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، المكتبة السلفية، ج12، ص63-75.

([40]) الجصاص، أصول الجصاص، ج3، ص280 بتصرف.

([41]) الجصاص، أصول الجصاص، ج4، ص107.

([42]) البصري أبو الحسين، شرح العمد، والكلام منسوب لأبي عبد الله البصري، ج2، ص207.

([43]) ابن الهمام، كمال الدين محمد بن عبد الواحد، شرح فتح القدير على الهداية، ط1، 1970م، البابي الحلبي، القاهرة، ج5، ص377.

([44]) ابن الهمام، فتح القدير، ج5، ص377.

([45]) ابن السمعاني، قواطع الأدلة، ج2، ص110.

([46]) ابن السبكي. رفع الحاجب، ج4، ص409-410.

([47]) الزركشي، البحر المحيط، ج5، ص56.

([48]) ابن السبكي، رفع الحاجب، ج4، ص410.

([49]) ابن السمعاني، قواطع الأدلة، ج2، ص110.

([50]) ابن السمعاني، قواطع الأدلة، ج2، ص114.

([51]) الغزالي، المستصفى، ج2، ص328. وانظر: الآمدي، الإحكام، ج3، ص196-197. ابن النجار، شرح الكوكب المنير، ج4، ص20.

([52]) البخاري علاء الدين، عبد العزيز بن أحمد، كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي، دار الكتاب العربي 1974، ج3، ص304-305.

([53]) ابن السبكي، رفع الحاجب، ج4، ص410.

([54]) الآمدي، الإحكام، ج4، ص63.

([55]) اختلف الجمهور في دلالة مفهوم الموافقة هل هي قياسية أو لفظية، انظر ص4 من هذا البحث.

([56]) الجصاص، أصول الجصاص، ج4، ص105.

([57]) السرخسي، أصول السرخسي، ج2، ص163.

([58]) البخاري، كشف الأسرار، ج3، ص304-305. وانظر أيضاً رأي الحنفية في ابن الهمام، كمال الدين محمد بن عبد الواحد، التحرير في أصول الفقه، مطبعة الحلبي، القاهرة، مطبوع مع شرح تيسير التحرير، ج4، ص103. ابن نجيم، زين الدين بن إبراهيم، فتح الغفار بشـرح المنـار، مطبعة البـابي

الحلبي، 1936، ج3، ص15.

([59]) انظر: الجويني، إمام الحرمين، أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله، البرهان في أصول الفقه، تحقيق: عبد العظيم الديب، ط1، 1399ﻫ، كلية الشريعة، قطر، ج2، ص895. الشيرازي، أبو اسحق إبراهيم بن علي، اللمع في أصول الفقه، تحقيق: محيي الدين ديب ويوسف بديوي، ط2، 1997م، ص202-203. ابن برهان، أحمد بن علي البغدادي، الوصول إلى الأصول، تحقيق: عبد الحميد أبو زيند، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1984م، ج2، ص249. الرازي، المحصول، ج2، م2، ص471. ابن السمعاني، أبو المظفر منصور بن محمد قواطع الأدلة في الأصول، تحقيق: محمد حسن الشافعي، دار الكتب العلمية بيروت، 1997م، ج2، ص106. ابن القصار، القاضي أبو الحسن علي بن عمر المالكي، مقدمة في أصول الفقه، تحقيق: مصطفى مخدوم، ط1، 1999م، ص364. القرافي، شهاب الدين أحمد بن إدريس، الذخيرة، دار الغرب بيروت، ج1، ص133. ابن قدامة المقدسي، موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد، روضة الناظر وجنة المناظر، معها شرح نزهة الخاطر، مكتبة المعارف، الرياض، ج2، ص343. الطوفي، نجم الدين سليمان بن عبد القوي، شرح مختصر الروضة، تحقيق: عبد الله التركي، ط1، 1409ﻫ، الرسالة، بيروت، ج3، ص448.

([60]) الإسنوي، نهاية السول، ج3، ص23. السبكي، الابهاج، ج3، ص22.

([61]) ابن السمعاني، قواطع الأدلة، ج2، ص109.

([62]) ابن السمعاني، قواطع الأدلة، ج2، ص114. وانظر العبارة كذلك في: الغزالي، أبو حامد، محمد بن محمد، المنخول من تعليقات الأصول، تحقيق: محمد حسن هينو، دار الفكر، ص38.

([63]) الباجي، إحكام الفصول، ص546.

([64]) انظر في هذا: ابن السمعاني، قواطع الأدلة، ج2، ص109. ابن برهان، الوصول، ج2، ص250. الباجي، إحكام الفصول، ص546. ابن قدامة، روضة الناظر، ج2، ص343. الإيجي، عضد الملة والدين، شرح مختصر ابن الحاجب المعروف بشرح العضد، مكتبة الكليات الأزهرية، مراجعة وتصحيح: شعبان محمد إسماعيل، ج2، ص254. ابن السبكي، رفع الحاجب، ج4، ص406. السبكي، الإبهاج، ج3، ص23. الجزري، شمس الدين محمد بن يوسف، معراج المنهاج شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول، تحقيق: شعبان محمد إسماعيل، ط1، 1993، ج2، ص137. ابن النجار، شرح الكوكب، ج2، ص220.

([65]) ابن القصار، مقدمة في أصول الفقه، ص366-367.

([66]) حديث معاذ لا نزاع فيه بين الحنفية والجمهور من جهة قبوله والاحتجاج به في إثبات القياس وإنما النزاع فيه مع الظاهرية ونفاة القياس، لذا لا طائل من الاشتغال بتخريجه في هذا الموقع ما دام هو حجة عند الفريقين ومع هذا فانظر تخرج الحديث ورواياته في: التلخيص الحبير، ج4، ص182-183. ابن القيم، إعلام الموقعين، ج1، ص202.

([67]) الشيرازي، التبصرة، ص440.

([68]) الآمدي، الإحكام، ج4، ص62. وانظر: الكلوذاني، التمهيد، ج3، ص450.

([69]) الطوفي، شرح مختصر الروضة، ج3، ص449.

([70]) المرجع السابق.

([71]) الإمام مالك بن أنس، الموطأ، إعداد: أحمد راتب عرموش، دار النفائس بيروت، حديث رقم (153)، ص607 كتاب الأشربة، باب الحد في الخمر، ج1 في طبعة القاهرة بترتيب محمد فؤاد عبد الباقي ورد بلفظ (نرى أن تجلده بدل نجلده). حديث رقم 2 من كتاب الأشربة باب الحد في الخمر، ج2، ص842.

([72]) الحديث روي بطرق متعددة بعضها أسند الكلام لعلي رضي الله عنه والأخرى أسندت القول لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وقد تتبع ابن حجر في فتح الباري الروايات الواردة وكذلك النووي في شرحه صحيح مسلم، وجمع ابن حجر فيها الأقوال الفقهية الواردة في حكم شارب الخمر انظر: ابن حجر، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، المكتبة السلفية ج12، ص66-75. وتلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، ج4، ص75 حديث رقم 1795. ابن القيم، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر، أعلام الموقعين، مراجعة وتعليق: طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت، ج1، ص221. النووي، محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف، شرح صحيح مسلم، المطبعة المصرية ومكتبتها، ج11، ص215-221. الآمدي، الإحكام، ج4، ص62.

([73]) البدخشي، محمد بن الحسن، مناهج العقول المعروف بشرح البدخشي، مطبعة محمد علي صبيح، ج3، ص32. الطوفي، شرح مختصر الروضة، ج3، ص449. الكلوذاني، التمهيد، ج3، ص450.

([74]) المسألة عند الحنفية فيها خلاف فالمروي عن أبي يوسف أنه يثبت الحدود بخبر الواحد، وبه قال الجصاص، لكن المروي عن الكرخي أنه لم يقبل خبر الواحد في الحدود. انظر: السرخسي، أصول السرخسي، ج1، ص333. ابن أمير بادشاه، تيسير التحرير، ج3، ص85. الصيمري، الحسين بن علي بن محمد، مسائل الخلاف في أصول الفقه، تحقيق: راشد بن علي الحاي، رسالة ماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، 1985م، ص263. الزركشي، البحر المحيط، ج4، ص348.

([75]) انظر: الجويني، البرهان، ج2، ص896. ابن برهان، الوصول، ج2، ص250-251. الرازي، المحصول ج2، م2، ص413.

([76]) انظر: ابن قدامة، المغني، ج8، ص205. ابن رشد، بداية المجتهد، ج4، ص439.

([77]) الرازي، المحصول، ج2، م2، ص473. وانظر النقل عن الشافعي كذلك في: الجويني، البرهان، ج2، ص896. ابن السمعاني قواطع الأدلة، ج2، ص107. ابن برهان، الوصول، ج2، ص250-251. السبكي، الإبهاج، ج3، ص21. ومعه نهاية السول، الكلوذاني، التمهيد، ج3، ص451.

([78]) انظر: ابن رشد، بداية المجتهد، ج4، ص439. الشربيني، مغني المحتاج، ج4، ص151. ابن قدامة، المغني، ج8، ص205.

([79]) انظر: ابن قدامة، المغني، ج8، ص205. البهوتي، منصور بن يونس، كشاف القناع عن متن الإقناع، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة، 1394ﻫ، ج6، ص102. المرداوي، علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: محمد حامد فقي، ط1، 1957م، ج10، ص194.

([80]) انظر: البهوتي، كشاف القناع، ج6، ص102.

([81]) السرخسي، المبسوط، ج9، ص61.

([82]) السرخسي، أصول السرخسي، ج2، ص201. السرخسي، المبسوط، ج9، ص61. ابن الهمام، فتح القدير، ج5، ص286. ابن عابدين، حاشية ابن عابدين، ج7، ص219.

([83]) الجويني، البرهان، ج2، ص896. الرازي، المحصول، ج2، م2، ص473. ابن برهان، الوصول، ج2، ص251.

([84]) السرخسي، المبسوط، ج9، ص61.

([85]) الصيمري، مسائل الخلاف ص428.

([86]) ابن الهمام، فتح القدير، ج5، ص286-287. وانظر: الصدر الشهيد، حسام الدين عمر بن عبد العزيز البخاري، شرح أدب القاضي للخصاف، تحقيق: محيي هلال السرحان، الدار العربية– بغداد، 1978م، ج4، ص476-477. السرخسي، المبسوط، ج9، ص61-62. الصيمري، مسائل الخلاف، ص428. ابن عابدين، حاشية ابن عابدين، ج7، ص219، وهذا موافق لما قاله الحنابلة انظر: ص16 من هذا البحث.

([87]) ذكر بعض العلماء بعض المسائل المشابهة لمسألة شهود الزوايا كمسألة إذا سرق شخص بقرة واختلف الشاهدان في لونها فذهب أبو حنيفة إلى إجازة الشهادة وإقامة الحد، وذهب الصاحبان إلى عدم قبول الشهادة. ووجهة نظر الإمام أن التوفيق ممكن فقبل الشهادة استحساناً مع أن القياس يقتضي أن لا تقبل لاختلاف الشهادة. انظر: ابن برهان، الوصول، ج2، ص251. ابن عابدين، الحاشية، ج7، ص219.

([88]) الشيرازي، المهذب، ج1، ص182-183. ابن الهمام، فتح القدير، ج2، ص338-339. ابن قدامة، المغني، ج3، ص115.

([89]) المراجع السابقة.

([90]) البخاري، صحيح البخاري، باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر، حديث رقم 1833-1835. والحديث رواه مسلم في باب تغليط تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم. ومالك في الموطأ باب كفارة من أفطر في رمضان، وأبو داوود باب كفارة من أتى أهله في رمضان. وانظر روايات الحديث في فتح الباري، ج4، ص160-173.

([91]) الشيرازي، المهذب، ج1، ص183. النووي، روضة الطالبين، ج2، ص377. الحصني، تقي الدين أبو بكر بن محمد الحسيني، كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، دار الخير للطباعة، ص248. ابن البخار، تقي الدين محمد بن أحمد الفتوحي، منتهى الإيرادات، تحقيق الشيخ: عبد الغني عبد الخالق، دار عالم الكتب، ج1، ص223. ابن قدامة، المغني، ج3، ص115.

([92]) ابن قدامة، المغني، ج3، ص115.

([93]) انظر: الكاساني، علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، دار الكتاب العربي بيروت، ج2، ص98-99. ابن الهمام، فتح القدير، ج2، ص338-339. البغدادي، القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر، المعونة على مذهب عالم المدينة الإمام مالك بن أنس، تحقيق: خميس عبد الحق، دار الفكر، ج1، ص476-477. الكاندهلوي، أوجز المالك إلى موطأ مالك، ج5، ص64-84.

([94]) ابن قدامة، المغني، ج3، ص115.

([95]) الجويني، البرهان، ج2، ص896. ابن السمعاني، قواطع الأدلة، ج2، ص108. الرازي، المحصول، ج2، م2، ص473. السبكي، الإبهاج، ج3، ص22.

([96]) الشيرازي، المهذب، ج1، ص183.

([97]) البزدوي، علي بن محمد بن الحسين، فخر الإسلام، كنز الوصول إلى معرفة الأصول المشهور بأصول البزدوي، مطبوع مع شرحه كشف الأسرار، دار الكتاب العربي، 1974م، ج2، ص220-221. الشاشي، أبو علي أحمد بن محمد بن اسحق، أصول الشاشي وبهامشه عمدة الحواشي، دار الكتب العربي، 1982م، ص105.

([98]) انظر: البخاري، كشف الأسرار، ج2، ص221-222.

([99]) الجصاص، أصول الجصاص، ج4، ص108. وانظر الحديث الذي رواه في صحيح مسلم باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم ووجوب الكفارة الكبرى فيه. صحيح مسلم مع شرح النووي، ج7، ص224. انظر: السرخسي، أصول السرخسي، ج2، ص163. ابن الهمام، فتح القدير، ج2، ص339.

([100]) أمير بادشاه، محمد أمين، تيسير التحرير شرح التحرير، مطبعة الحلبي، القاهرة 1351ﻫ، ج4، ص103.

([101]) البدخشي، محمد بن الحسن، مناهج العقول ومعه الأسنوي، مطبعة محمد علي صبيح، ج3، ص32.

([102]) انظر: ص14 من هذا البحث.

([103]) الجصاص، أصول الجصاص، ج3، ص280. ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير، ج3، ص241.

([104]) ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير، ج3، ص241.

([105]) الصيمري، مسائل الخلاف، ص428.

([106]) الباحسين، يعقوب بن عبد الوهاب، التخريج عند الفقهاء والأصوليين، مكتبة الرشد، 1414ﻫ، ص36-46.

([107]) ابن برهان، الوصول إلى الأصول، ج1، ص149-150.

([108]) الجصاص، أصول الجصاص، ج3، ص366.

([109]) الجصاص، أصول الجصاص، ج3، ص365، ج1، ص312.

([110]) الجصاص، أصول الجصاص، ج3، ص365.

([111]) البخاري، كشف الأسرار، ج2، ص221.

([112]) البخاري، كشف الأسرار، ج2، ص221. ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير، ج3، ص320.

([113]) الجصاص، أصول الجصاص، ج1، ص312.

([114]) البخاري، كشف الأسرار، ج2، ص221. الجصاص، أصول الجصاص، ج4، ص106.

([115]) الجصاص، أصول الجصاص، ج4، ص106.

([116]) الغزالي، المستصفى، ج2، ص328.

([117]) ابن السبكي، رفع الحاجب، ج4، ص410.

([118])انظر: ص16 من هذا البحث

([119]) المرغيناني، أبو الحسن علي بن أبي بكر، بداية المبتدى ومعه الهداية. مكتبة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الأخيرة، ج2، ص102.

([120]) الدسوقي، شمس الدين الشيخ محمد عرفة، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، دار الفكر، ج4، ص313.

([121]) الشربيني، محمد الخطيب، مغني المحتاج، دار الفكر بيروت، ج5، ص442.

([122]) النووي، يحيى بن شرف النووي، منهاج الطالبين، دار المعرفة، بيروت، ج1، ص132.

([123]) البهوتي، كشاف القناع، ج6، ص89. ابن قدامة، المغني، ج8، ص181.

([124]) المرغيناني، الهداية، ج2، ص100.

([125]) الشربيني، محمد الخطيب، الإقناع، دار الفكر، بيروت، ج2، ص524.

([126]) الشربيني، مغني المحتاج، ج1، ص144.

([127]) الرحيباني، الشيخ مصطفى السيوطي، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، المكتب الإسلامي، بيروت، ج6، ص174. وانظر: البهوتي، كشاف القناع، ج6، ص103. القرطبي، تفسير القرطبي، ج12، ص173. ابن العربي، أحكام القرآن، ج3، ص332. الشيرازي، المهذب، ج2، ص268.

([128]) الرحيباني، مطالب أولي النهى، ج6، ص174.

([129]) انظر: السرخسي، المبسوط، ج9، ص77-79. الكاساني، بدائع الصنائع، ج7، ص34. ابن الهمام، فتح القدير، ج5، ص262. الدبوسي، أصول الدبوسي، ص299.

([130]) السرخسي، المبسوط، ج9، ص78.

([131]) السرخسي، المبسوط، ج6، ص77. الكاساني، بدائع الصنائع، ج7، ص34. ابن الهمام، فتح القدير، ج5، ص262.

([132]) المراجع السابقة.

([133]) الدبوسي: أصول الدبوسي، ص300.

([134]) السرخسي، المبسوط، ج6، ص76-79. الكاساني، بدائع الصنائع، ج7، ص34. ابن الهمام، فتح القدير،

ج5، ص262.

([135]) انظر: ابن عبد البر، الكافي، ج2، ص1073. الموسوعة الفقهية، ج35، ص341.

([136]) ياسين، محمد نعيم، الوجيز في الفقه الجنائي الإسلامي، ط1، 1983م، دار الفرقان، عمان.