أضيف بتاريخ : 29-08-2012


آيات الميراث في القرآن الكريم - دراسة بيانية(*)

الدكتور أحمد الرقب / جامعة العلوم التطبيقية

ملخص

تناول البحث بالدراسة مادة (ورث) في القرآن الكريم وفي لغة العرب وبين اتساع دلالات الميراث، لتشمل معان عديدة كوراثة العلم والكتاب والنبوة والجاه والمنزلة والمال والاستخلاف في الأرض ووراثة الجنة والفردوس.

وبعد بيان ما في الدلالات السابقة من سعة وشمول وتأصيل لمسؤوليات عظيمة تقع على عاتق العلماء والأمراء وأرباب المال وأولياء الأمور، توجهت الدراسة إلى سورة النساء وبينت ما فيها من موضوعات في غاية الأهمية وأظهرت ما في أكل أموال اليتامى ظلماً من الوعيد والتهديد والتنديد.

ولما لآيات المواريث الواردة في سورة النساء (11، 12)، (176) وما بعدها مما يتصل بها من تعقيب من أهمية بالغة عملت الدراسة على استخراج ما أمكن منها من جوانب الإعجاز البياني من حيث جزالة الألفاظ وغزارة المعاني ونحو ذلك.

مقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد فإن القرآن الكريم معجز كله يُشبه بعضه بعضا في الجودة والامتياز (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)[23: الزمر] وهذا الإعجاز تجده وعلى مختلف وجوهه في موضوعات القرآن المجيد كلها إن في العقيدة أو الشريعة أو في القصص... الخ وعلى درجة واحدة عالية.

أهمية البحث:

يعرض هذا البحث لمادة (ورث) في القرآن الكريم والتي يظهر من خلالها المسؤوليات الجسيمة المنوطة بالعلماء والأمراء من تحمّل لأمانة العلم والكتاب (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)[32: فاطر]. بل إن هذا التوريث الربّاني قد يكون ناموساً للمداولة بين أهل الحق والباطل: (فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ{57} وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ {58} كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ{59}) [57-59: الشعراء].

ولعمر الحق إن تلكم الأمانة الثقيلة المتصلة بالكتاب والحكم والاستخلاف... الخ هي الإطار للأمانة في سياسة الخلق وتوزيع الثروات وصيانة الحقوق لبنى آدم ذكراناً وإناثاُ، وحفظ أموال اليتامى... حتى جاء هذا العلم الشريف (علم الفرائض أو المواريث...) فكان وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، "فعن عبد الله بن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا القرآن وعلموه الناس، وتعلموا الفرائض وعلموها للناس وتعلموا العلم وعلموه الناس، فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيفيض وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة لا يجدان من يفصل بينهما"([1]).

وهذا العلم من أعظم العلوم قدراً، وأشرفها ذخراً، وأفضلها ذكراً، وهو ركن من أركان الشريعة، وفرع من فروعها في الحقيقة، اشتغل الصدر الأعظم من الصحابة بتحصيلها وتكلموا في أصولها وفروعها، ويكفي في فضلها أن الله تعالى تولّى قسمتها بنفسه وأنزلها في كتابة، مبينة في محل قدسه([2]).

نعم فالناظر في القرآن الكريم يجد أنه قد فصل في أحكام الميراث تفصيلاً يعز وجوده في أحكام أخرى من الشريعة السمحة، فالصلاة والصيام والحج لم تفصل أحكامها، بل جاءت مجملة وترك البيان والتفصيل فيها للنبي صلى الله عليه وسلم، ولتوضيح ما سبق انظر هذا التفصيل مثلاً في ميراث الأبناء والبنات. يقول الله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ...)[11: النساء] وهكذا وهذا إن دل فإنما يدل على جلالة شأن هذا العلم وشديد خطره إذ إنه متعلق بحقوق العباد من خلق الله. فنسأل الله السلامة.

ومع ذلك كله نجد سهاماً طائشة تحاول -عبثاً- النيل من أحكام الميراث الربانية، ولكنها مردودة حتماً إلى نحور أصحابها فقد قرر العلماء في كل بقاع العالم أن أعدل نظام للميراث هو نظام القرآن الكريم([3]).

الدراسات السابقة:

لا ريب أن كتب التفسير والفقه والأحكام كثر فيها الحديث عن آيات الميراث، ولكن المقصود ههنا إفرادها بدراسة تخصها وتمتاز بها عن غيرها، يبرز فيها الإعجاز البياني أو التشريعي أو كلاهما معاً.

ومن هنا وفي حدود إطلاعي وبحثي ظفرت بالدراسات والأبحاث الآتية:

1- الإعجاز البياني التشريعي في آيات المواريث([4]) للأستاذ الدكتور شحادة العمري، ويحسب لصاحبه أنه أول بحث ظهر في هذا المجال قبل غيره، بين فيه كثيراً من جوانب الإعجاز البياني والتشريعي، ودفع فيه ما ظهر من شبه الخصوم بأسلوب علمي محكم ولغة رصينة.

2- مقاصد التقديم والتأخير في آيات المواريث([5]) للدكتور نمر محمد الخليل النمر دأب الباحث فيه على إبراز المقاصد الشرعية وأسرار التشريع في تقديم وارث على آخر في الذكر أو في مقدار العطاء مع نقض الشبهات الواردة بإزاء ذلك.

3- الإعجاز التشريعي في المواريث([6]) للدكتور مازن إسماعيل هنية، بيّن كاتبه فيه ما سارت عليه أحكام المواريث من مراعاة للفطرة الإنسانية وحبها للمال ورغبتها في التملك وقدم بعد ذلك شواهد على توضيح ما في آيات المواريث وأحكامها من دقة بالغة وعدالة تامة.

4- الكلالة وميراث الأخوة لأم([7])، للدكتور محمد عبد الحليم سماره وهذا البحث وإن كان الهدف منه يختلف عما سبقه ولكنه في سرده لأقوال العلماء من لغويين ومفسرين وفقهاء في معنى الكلالة، خرج بنتائج طيبة وضحت ملامح جمّة من الإعجاز البياني والتشريعي.

وأجدني أمام الأبحاث المذكورة، والتي أفدت منها كثيراً وبخاصة أولها، في غاية التواضع، إذ ما الذي سأضيفه إلى ما سلف من جهود عظيمة مقدّرة؟

وهذا التساؤل منقوض بما للنص ومعانيه القرآني من خلود ودوام، وبما لجمله وكلماته وحروفه من وفرة لا تنقطع تحار الألباب في سبر أغوارها والوصول إلى منتهى غاياتها (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً)[109: الكهف].

أهداف البحث:

اجتهدت في تحديد الأهداف الآتية:

1- لفت الأنظار إلى ضرورة التدبر المستمر لكتاب الله تعالى.

2- بيان ما في آيات الميراث عامة من دلالات واسعة واستحقاقات هامة.

3- توضيح ما في آيات المواريث من إحكام نسج ودقة وتعبير وإيجاز لفظ وغير ذلك.

4- تعزيز ثقة المؤمنين بدينهم وكتابهم وربهم سبحانه.

منهج البحث:

أرجو أن أؤكد ابتداء أن البحث وإن كان في جانب لا بأس منه يتعلق بآيات المواريث إلا أنني حرصت ابتداء على تتبع مادة (ورث) في القرآن الكريم ولغة العرب، وذلك في مسارين:

المسار الأول:

- عرض الآيات الكريمة المتصلة بمادة ورث حسب ترتيبها في المصحف الكريم.

- دراسة السياق المتعلق بالآية حسب ما يقتضيه الحال من حيث بيان معاني مادة ورث في القرآن الكريم.

- كما أنني وضحت ما اقتضاه الأمر من معاني المفردات في الآيات المذكورة.

- اجتهدت بوضع عناوين يتناول منها مجموعة ظاهرة من الآيات.

المسار الثاني:

وقد بدأت فيه بتمهيد ضمنته تلخيصاً مهماً لموضوعات سورة النساء وما بينها من اتصال شديد سديد وربط محكم.

- ثم وضعت عنواناً من الأهمية بمكان وهو التحذير من أكل أموال اليتامى، استخرجت من خلاله الكثير من الفوائد البيانية والقيم الروحية والخلقية.

- ثم بدأت بآيات المواريث من سورة النساء (11، 12)، (176) أبحث في مكنوناتها عن مكنوناتها وما فيها من فصاحة وبيان ووفاء بحق المعنى... وذلك بحسب ما يسر المولى المنعم الكريم سبحانه.

- الخاتمة نسأل الله حسنها: عرضت فيها أهم النتائج والتوصيات والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.

خطة البحث:

الملخص.

المقدمة وتضمنت:

أهمية البحث.

الدراسات السابقة.

أهداف البحث.

منهج الدراسة والبحث.

المبحث الأول وتضمن:

مادة (ورث) في لغة العرب ولسانهم.

دراسة مادة (ورث) في سياق القرآن الكريم.

المبحث الثاني: وشمل:

التمهيد.

التحذير من أكل أموال اليتامى ظلماً.

جوانب من الإعجاز البياني في آيات المواريث (11، 12) (176) من سورة النساء.

الخاتمة: نسأل الله حسنها وفيها أبرز النتائج والتوصيات.

المبحث الأول

المطلب الأول: مادة "ورث" في لغة العرب ولسانهم:

قال ابن فارس: "الواو والراء والثاء: كلمة واحدة، هي الورث، والميراث أصله الواو و(موراث) وهو أن يصير الشيء لقوم ثم يصير إلى آخرين بنسب أو سبب"([8]).

ووضح صاحب الصحاح بعض ما ذكره ابن فارس فقال: "الميراث أصله "موراث" انقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها، والتراث أصل التاء فيه واو([9])"، وتوسع ابن منظور في بيان مادة "ورث" فذكر معاني أخرى. قال: "وأورثه الشيء: أعقبه إياه، وأورثه المرض ضعفاً والحزن هماً". وأورث المطر النبات نعمة، وكله على الاستعارة، والتشبيه بوراثة المال والمجد([10])" ثم جاء الراغب فأجاد وجَوّد في حديثه عن مادة (ورث) قال: الوراثة والإرث: انتقال قُنية إليك من غيرك من غير عقد، ولا ما يجري مجرى العقد، وسمّي بذلك المنتقل عن الميت، يقال للقنية الموروثة: ميراث وإرث. وتراث أصله وراث فقلبت الواو ألفاً وتاءً. قال تعالى:(وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً)[19: الفجر]. ويقال لكل من حصل له شيء من غير تعب: قد ورث كذا، ويقال لمن خول شيئاً مهنئا أورث. قال تعالى: (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا..)[72: الزخرف]. ووصف الله تعالى نفسه بأنه الوارث من حيث أن الأشياء كلها صائرة إلى الله تعالى، قال الله تعالى: (وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)[180: آل عمران]، وقال (وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ)[23: الحجر]([11]).

وحاصل الأمر أن "كلمة الميراث في أصلها اللغوي مصدر فعله "ورث" وكذلك الإرث مصدر للفعل المذكور. ومعناهما واحد، ويطلق في اللغة على معنيين:

الأول: البقاء، ومنه اسم الله تعالى الوارث أي الباقي.

الثاني: الانتقال، فالشيء إذا انتقل من قوم إلى قوم آخرين يسمى ميراثاً. وقد يصدق على انتقال الأمور المعنوية، ومنه ورث فلان المجد عن أبيه".

والمستحق للمال بالإرث يُسمى وارثاً وجمعه وَرَثَة ووارثين ووُرّاث([12]).

المطلب الثاني: مادة "ورث" في القرآن الكريم:

وردت هذه اللفظة الكريمة (ورث) بتصريفاتها واشتقاقاتها بدون تكرار (23) مرة (فعل ماض، فعل مضارع، فعل مبني للمجهول، اسم فاعل، اسم، وبالإفراد والجمع).

وهذه المرات كان لآيات المواريث المتصلة بـ (الفرائض) منها (3) مرات (وورثه، يورث، ترثها) في سورة النساء.

ووردت آيات المواريث في القرآن الكريم المتعلقة بـ (الميراث) خمس آيات سواء على وجه الإجمال أم على وجه التفصيل([13]).

1- الآيات المجملة:

أ- قوله تعالى: (لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً{7} وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا {8})[7-8: النساء].

ب- قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ {74} وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{75})[74-75: الأنفال].

2- الآيات المفصلة:

أ- قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأبناؤكم لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)[11: النساء].

ب- قوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أزواجكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ)[12: النساء].

ج- قوله تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[176: النساء].

وتجدر الإشارة ابتداء أن اللفظ الكريم (ميراث) لم يرد في القرآن المجيد إلا مرتين:

الأولى في سورة (آل عمران: 180)(وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).

وكما ترى فإن الآية الكريمة جاءت في سياق النعي على اليهود أو المنافقين وما تلبسوا به من البخل والجحود وإنكار الفضل وحملت في الوقت ذاته التهديد لهم بل ذكرت صورة تشخيصية لصورة ذلك العقاب والعذاب.

الثانية: في سورة (الحديد: 10)(وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أعظم دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).

وسياق الآية قبلها يظهر فيه ما مّن الله سبحانه به على عباده من النعم المعنوية وأولها وأولاها القرآن الكريم إذ به خرجوا من الظلمات إلى النور، ثم تعطف الآية التي تليها بما أفاض الله عليهم من النعم المادية التي لا حصر لها ولا عد وبيان أن ذلك كله إنما هو فضل الكريم سبحانه فعلام التردد في البذل والإنفاق والفضل كله لله سبحانه.

وإن المتأمل لتانِكَ الآيتين الكريمتين يلفت انتباهه إلى أمور منها:

1- أن الآيتين مدنيتان سواء التي في (آل عمران) أو في سورة (الحديد) وهذه إشارة مهمة تربي الفرد المسلم من أول الأمر أن الميراث بمعناه الواسع إنما هو نعمة جزيلة يمن الله بها على من يشاء من عباده... ومن ثمَّ فإن صاحب الأمر في تفصيل ما يتعلق به وبيان أحكامه من له ميراث السماوات والأرض ويزيد هذا الأمر تأكيداً أن سورة آل عمران، وسورة الحديد تقدمتا نزولا على سورة النساء والتي فصلت في موضوع الميراث تفصيلاً([14]).

2- أن الحديث عن الميراث في الآيتين كان حديثاً عن معناه العام الدال على عظمة الله سبحانه وفضله الواسع وملكه الفسيح.

3- أن السياق جاء مختلفاً تماماً عما جاء من تفصيلات في سورة النساء فالأول أعني الذي في سورة آل عمران (وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) معناه (أن الله سبحانه له ما في السماوات والأرض وما فيهما مما يتوارثه أهلها فما بالهم يبخلون بذلك ولا ينفقونه وهو لله سبحانه لا لهم وإنما كان عندهم عارّية مُستردة! وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قوله في (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ...) قال: هم أهل الكتاب بخلوا أن يبينوه للناس وعن مجاهد قال: هم يهود([15]).

لكن ابن عاشور يرى أن الآية في سياق الحديث عن المنافقين وذلك لأن الظاهر أن هذا أنزل في شأن أحوال المنافقين فإنهم كانوا يبخلون ويأمرون الناس بالبخل بل تجرؤوا فمنعوا الزكاة، ولعل مناسبة ذكر نزول هذه الآية هنا أن بعضهم منع النفقة في سبيل الله في غزوة أحد"([16]) وعلى كل حال فما نريد أن نصل إليه أن الأمر لم يتعلق بالميراث المعهود وإنما بما هو أوسع مدى واهم دلالة.

سياق مادة (ورث) في القرآن الكريم:

لا بد من الإشارة إلى أنه قد دأب الكاتبون من قديم في حديثهم عن الميراث أن تنصرف الأذهان إلى الإرث المادي، دون الالتفات إلى الفهم الحضاري الواسع لمعاني هذه الكلمة، ودون الأخذ بالآفاق الرحبة لمدلولاتها إنْ في الدنيا وإنْ في الآخرة. وهذا ما سيظهر تالياً بعونه سبحانه.

إن المتتبع للآيات الواردة بشأن مادة (ورث)([17]) يخرج بجملة من العناوين المهمة:

أولاً: وراثة العلم والفضل والنبوة والإمامة.

1- من سورة النحل (16) (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ).

2- من سورة مريم (5-6) (... فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً{5} يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً).

في سياق تضرع زكريا عليه السلام إلى ربه ليهب له الولد، ولا ريب أن المعنى ينصرف في حق الأنبياء إلى وراثة النبوة والعلم.

قال الراغب: وقوله سبحانه: (وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)[6: مريم] فإنه يعني وراثة النبوة والعلـم والفضيلة دون المال، فالمال لا قدر له عند الأنبياء حتى يتنافسوا فيه، بل قلما يقتنون المال ويملكونه، ألا ترى أنه قال عليه الصلاة والسلام: (إنا لا نورث، ما تركناه صدقة)([18])، وقد قيل: ما تركناه هو العلم، وهو صدقة تشترك فيها الأمة، وما روي عنه عليه الصلاة والسلام من قوله: "العلماء ورثة الأنبياء"([19]) فإشارة إلى ما ورثوه من العلم. واستعمال لفظ الوراثة لكون ذلك بغير ثمن ولا منة..

ويؤكد الراغب ما سبق بقوله: إن الوراثة الحقيقية هي أن يحصل للإنسان شيء لا يكون عليه فيه تبعة، ولا عليه محاسبة، وعباد الله الصالحون لا يتناولون شيئاً من الدنيا إلا بقدر ما يجب، وفي وقت ما يجب، وعلى الوجه الذي يجب، ومن تناول الدنيا على هذا الوجه لا يحاسب عليها ولا يعاقب بل يكون ذلك له عفوا صفواً([20]).

3- من سورة القصص (5) (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)، قال ابن كثير([21]) تعقيبا على هذه الآية الكريمة، وقد فعل تعالى ذلك بهم، كما قال تعالى:

4- في سورة الأعراف (137) (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ).

5- من سورة فاطر (32) (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ).

والمعنى في توريث الكتاب (ثم أورثنا) أي أوحينا إليك القرآن ثم أورثنا من بعدك أي حكمنا بتوريثه الذين اصطفينا من عبادنا، وهم أمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة... الخ([22]).

ثانيا: وراثة الأرض في الدنيا:

6- من سورة الأعراف (128): (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).

7- من سورة الأنبياء (105): (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)، وقد مضى الحديث عن هذه الآية قبل قليل.

8- من سورة الشعراء (57-59) (فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ{57} وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ{58} كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ{59}).

وذلك في سياق الامتنان على بني إسرائيل باستنقاذهم من آل فرعون وتوريثهم أرضهم وما فيها من جنات وعيون ومقام كريم.

9- من سورة الدخان (25-28) (كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ... كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ) وكإشارة لطيفة في الطريق فقد يظهر لأول وهلة أن ثمة تكراراً بين آية سورة الدخان وآية سورة الشعراء والأمر ليس كذلك، فإن سورة الشعراء سبقت سورة الدخان في ترتيب المصحف الكريم فذكرت (وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) بينما اكتفت سورة الدخان بالإشارة إليهم (كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ) وهذا لعمري دال على جودة التنسيق وحسن الترتيب في كتاب الله تعالى، والمقام لا يتسع للمزيد.

ثالثاً: وراثة (الكتاب).

مكية 10- من سورة الأعراف (169): (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ ﻫذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا..).

مكية 11- من سورة فاطر (32):(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا..)، وقد سبق التعقيب على هذه الآية، وبيان ان المقصود بـ (الكتاب) هنا القرآن الكريم.

مكية 12-من سورة غافر (53) (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ).

 (وأورثنا) عبر عن ذلك إذ كانت طائفة من بني إسرائيل قرنا بعد قرن تصير فيهم التوراة إماماً، فكان بعضهم يرثها عن بعض وتجيء التوراة في حق الصدر الأول منهم على تجوز و(الكتاب) التوراة([23]). وهذا ظاهر والله أعلم.

مكية 13- من سورة الشورى (14) (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ).

(وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ) يريد اليهود والنصارى. (من بعدهم) أي من بعد المختلفين في الحـق (لفي شك منه) من الذي أوصى به الأنبياء، والكتاب هنا التوراة أو الإنجيل([24]).

وأود هنا أن أسجل ملحوظة مهمة تدل على فضيلة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم دون من سبقهم من اليهود والنصارى أو من تنكب طريقهم من مشركي العرب، فالقوم أعني -أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم- تلقوا هذا القرآن بكل تقدير وتوقير فجاء الخطاب لهم على وجه الامتنان والإنعام والاجتباء (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) فهم المصطفون المجتبون لوحيه وتنزيله وهم بعد جديرون بأن ينالوا شرف النسبة إليه سبحانه فقال: (مِنْ عِبَادِنَا).

رابعاً: وراثة الجنة والفردوس.

مكية 13- من سورة الأعراف (43) (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ... وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)

مكية 14- من سورة الأعراف (43) (.. وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) أي أعطيتموها بسبب أعمالكم في الدنيا، فالميراث مجازٌ عن الإعطاء، تجوز به عنه إشارة إلى ان السبب فيه ليس موجبا، وإن كان سببا بحسب الظاهر، كما أن الإرث ملك بدون كسب، وان كان النسب مثلا سبباً له([25]).

مكية 15- من سورة مريم (63) (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً)، والتوريث استعارة أي تبقى عليه الجنة كما يبقى على الوارث مال المورث، والأتقياء يلقون ربهم قد انقضت أعمالهم وثمرتها باقية وهي الجنة فقد أورثهم من تقواهم كما يورث الوارث المال من المتوفى. وقيل: أورثوا من الجنة المساكن التي كانت لأهل النار لو أطاعوا([26]).

وكما ترى فإن الآية السابقة من سورة الأعراف ذكرت سبب دخولهم الجنة على وجه الإجمال (بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) ثم جاءت وبحسب ترتيب المصحف الكريم آية سورة مريم لتذكر ان العمل الذي أدخلهم الجنة التقوى (نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً) وهذا ترتيب موضوعي جميل.

مكية 16- من سورة (المؤمنون) (10، 11) (أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ{10} الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

وإذا كانت سورة (مريم) قبلها قد ذكرت سببا مهما لدخول الجنة فإن سورة (المؤمنون) كما ترى ذكرت جملة من الأسباب من أول السورة (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ{1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ{2} وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ{3} وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ{4} وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ{5} إِلَّا عَلَى أزواجهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ{6} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ{7} وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ{8} وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ{9} أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ{10})[1-10:المؤمنون] أي بسبب ما قاموا به من الأعمال الجليلة السابقة، بل إن سورة (المؤمنون) ذكرت أمراً جديداً آخر وهو (الفردوس) وهو غاية المنى وأسنى المطالب ومطمح الطامحين؛ فقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن"([27]).

وإذا ما عدنا إلى قوله تعالى سبحانه (أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ) فإنه يسعف كثيراً ما ذكره ونقله ابن كثير في تفسيره قال: قال ابن جريج عن الليث عن مجاهد قال: ما من عبد إلا وله منزلان منزل في الجنة، ومنزلٌ في النار، فأما المؤمن فيبني بيته الذي في الجنة، ويهدم بيته الذي في النار، وأما الكافر فيهدم بيته الذي في الجنة ويبني بيته الذي في النار)([28]).

ثم قال ابن كثير (فالمؤمنون يرثون منازل الكفار؛ لأنهم خلقوا لعبادة الله وحده لا شريك له، فلما قام هؤلاء المؤمنون بما وجب عليهم من العبادة وترك أولئك ما أُمروا به مما خلقوا له أحرز هؤلاء نصيب أولئك، لو كانوا أطاعوا ربهم عز وجل. بل أبلغ من هذا أيضا. وهو ما ثبت في صحيح مسلم([29]) عن أبي بردة عن أبي موسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجيء ناس يوم القيامة من المسلمين بذنوب أمثال الجبال، فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى" وفي لفظ له قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة دفع الله لكل مسلم يهوديا أو نصرانياً فيقال: هذا فكاكك من النار"، فاستحلف عمر بن عبد العزيز أبا بردة بالله الذي لا إله هو ثلاث مرات أن أباه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك؟ قال: فحلف له. قلت (ابن كثير) وهذه الآية كقوله تعالى: (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً)[63: مريم] وكقوله: (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)[72: الزخرف]([30]).

مكية 17- من سورة الشعراء (85) (وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) وردت الآية الكريمة في سياق ابتهالات إبراهيم عليه السلام وتضرعه بين يدي ربه ومن ذلك طلبه للجنة وعبر عن ذلك بان يكون من ورثتها وذلك لأن الوراثة أقوى ما تستعمل في التملك والاستحقاق من الألفاظ من حيث إنها لا تعقب بفسخ ولا استرجاع ولا إبطال([31]) فهو يتوسل إلى الله تعالى بهذا المطمح العظيم.

مكية 18- من سورة الزمر (74) (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ).

يحمد المؤمنون ربهم على دخولهم الجنة وإن أورثهم (الأرض) أي أرض الجنة وقيل إنّها أرض الدنيا على التقديم والتأخير([32]).

غير أنّ الزمخشري كان أبعد نظراً- فيما أرى- فقد فسر (الأرض) ههنا بقوله (والأرض) عبارة عن المكان الذي أقاموا فيه واتخذوه مقراً ومتبؤاً وقد أورثوها أي ملكوها وجعلوا ملوكها، وأطلق تصرفهم فيها كما يشاءون، تشبيهاً بحال الوارث وتصرفه فيما يرثه واتساعه فيه، وذهابه في إنفاقه طولا وعرضاً. فإن قلت: ما معنى قوله: (حيث نشاء) وهل يتبؤأ أحدهم مكان غيره؟ قلت: يكون لكل واحد منهم جنة لا توصـف سعـة وزيادة على الحاجة، فيتبوأ من جنتـه حيث يشاء ولا يحتاج إلى جنة غيره([33]).

ورحم الله الإمام الزمخشري فقد أصاب المحزّ وشفى الغليل... وهكذا فإن آية سورة الزمر ذهبت بنا بعيداً عما سبق من حديث سورة (المؤمنون) عن الفردوس نسأل الله إياه.

مكية 19-من سورة الزخرف (72) (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)، والجديد ههنا ما ذكر من قبل الآية وبعدها من صور النعيم وألوان التكريم، بما لم تذكره أخواتها من الآيات السابقات وهذا مظهر من مظاهر الروعة والتكامل والتكميل بين آيات التنزيل.

تأمل قوله تعالى في [سورة الزخرف- الآيات: 68-73] (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ{68} الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ{69} ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ{70} يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{71} وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{72} لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ{73}).

وهكذا كان ختام المسك ومسك الختام في سياق مادة ورث في القرآن المجيد، وقد جاء ختاما رائعا تخفق له القلوب، وتهفو له النفوس، إذ تتراءى فيه الجنة أبهى ما تكون وأحلى ما يكون فيتحقق معنى الوراثة الحقيقية:

- فلا خوف ولا حزن.

- خلود فلا موت.

- أنس مع الأزواج وحبور .

- صحاف من ذهب وأكواب.

- فاكهة كثيرة من كل لون وذوق.

- لذة عين وسرور خاطر.

لعمري إن هذه لهي الوراثة الحقيقية وإن هذا لهو الميراث الذي لا ميراث بعده.

بعد هذه الجولة الهنيئة في ظلال آيات مادة (ورث) من القرآن الكريم، لابد من لإشارة إلى جملة من الأمور المهمة:

1- أن اللفظ الكريم (ورث) خلا مادة (ميراث) جاء كله في سياق سور مكية خالصة، وجاء على معنى الميراث الواسع العام.

2- وكان لسورة الأعراف نصيب لافت من هذا اللفظ الكريم (ورثوا، يرثون، أورثنا، يورثها، أورثتموها)([34]) ولا عجب فحديث سورة الأعراف عن الخلافة والاستخلاف في الأرض ظاهر ولا ريب أن بين الاستخلاف والوراثة نسب متصل وعقد لا ينفك.

3- أن السياقات السابقة تكاد تنحصر في وراثة العلم والفضل والنبوة هذا من جانب، ومن جانب آخر في سياق النصر والظفر والتمكين والتبشير في الدنيا والاخرة.

4- تخلل الحديث عن الجانبين السابقين الحديث عن وراثة الجنة والفردوس ولا شك أن هذا -في العهد المكي- له أثر واضح في تثبيت قلوب المؤمنين والتسرية عن قلوبهم، إذ يضحون بأموالهم وديارهم، ولكن الجزاء الكريم ينتظرهم بوراثة الجنة والفردوس.

المبحث الثاني

المطلب الأول: التمهيد:

سورة النساء سورة مدنية خالصة، عالجت قضايا ذات صلة شديدة بمكونات الواقع الاجتماعي و"الثلث الأول منها كان حديثاً عن الأسرة وقضاياها، والأسرة هي المجتمع الصغير، والثلثان الباقيان حديث عن الأمة وشؤونها، والأمة هي المجتمع الكبير، فمحور السورة كلها العلاقات الاجتماعية وضرورة إحكامها وتشديدها.

والقسم الذي يتحدث عن تعليمات السورة من هذه السورة بدأ بالكلام عن حقوق اليتامى؛ لأن المسلمين أمة جهاد، فلا عجب إذا كثر القتلى وكثر الأيتام، وفي عصرنا هذا نرى الأيتام غرضاً لعصابات التبشير ولصوص العقائد، ومن هنا وجب أن يهتم المسلمون بيتاماهم ويصونوا حقوقهم، وذكرت السورة بعدئذٍ أحكام المواريث، فجعلت للمرأة نصيباً في كل تركة، وكانت من قبل محرومة، وندبت إلى إعطاء المساكين والضعفاء حظاً منها، وأباحت للرجل أن يوصي بما شاء من ماله -في حدود الثلث- كما بينت السورة".

"ومعروف أن الإسلام جعل في كثير من الصور نصيب الرجل ضعف نصيب المرأة وذلك لأن الرجل كلف بأعباء أكثر..."([35]).

هذا النسق الموضوعي لسورة النساء آية في الإيجاز والإعجاز وآية الإعجاز الإيجاز، غير أن الذي يلفت النظر الاهتمام البالغ للسورة الكريمة في حديثها عن الأيتام إذ كان مدخلاً من بعد للتفصيل في آيات المواريث، ومن هنا سأفرد الآية الواردة (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)[10: النساء]، أقول إنني سأفردها بشيء من التفصيل لشدة اتصالها بآيات المواريث.

المطلب الثاني: التحذير من أكل أموال اليتامى:

جاء النص القرآني صريحاً في النهي عن القرب من أموال اليتامى إلا بالمعروف (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ..)[152: الأنعام]، ولهذه الآية أخت شبيهة في [سورة الإسراء: 34] مع اختلاف السياق في كل منهما([36]).

هذا وقد أكد القرآن العظيم ضرورة والاهتمام باليتامى والإحسان إليهم في نحو من اثنتين وعشرين آية من القرآن الكريم([37]).

وقد كانت آية سورة النساء (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً..)[10: النساء] من أشد الآيات وقعاً وتوقيعاً وأثراً وتأثيراً كما سيظهر بعونه تعالى بعد قليل.

(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)[10: النساء]، "انطوت الآية الكريمة على تجسيد بديع يتجلّى في ضروب من فنون البيان:

1. الإسهاب في قول الحق سبحانه "في بطونهم" فقد ذكر البطون لأن الأكل لا يستقرّ إلى فيها، تجسيداً لبشاعة الجرم المقترن بأكل مال اليتيم.

2. المجاز المرسل في أكل النار، والعلاقة هي السببية: فالنار لا تؤكل- هذا على من أخذ بالمجاز- وإنما يؤكل مُسببها، والآيل إليها، وهو مال اليتيم.

3. التعريض: فقد عَرّض بذكر "البطون" لخستهم واتضاح أمرهم، وهذا مذموم عند العرب"([38]) ويزيد الأمر تشخيصاً حرف (في) أي ملء بطونهم، فقد شاع هذا في الظرفية كأن الأصل فيها أن يكون المظروف مالئأ للظرف([39]).

ورويت في معنى الآية آثار تحملها على وجه الحقيقة، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم -رأى- آكلي أموال اليتامى ظلما ليلة المعراج وقد جعل في أفواههم صخر من نار، فيقذف في أجوافهم([40]). قال صاحب المنار "وقد جعل بعض المفسرين هذا تفسيراً للآية بجعل أكل النار حقيقة لا مجازاً، وهذا إنما يصح إذا صحت الرواية، وبجعل (يأكلون) للاستقبال"([41]).

"ويعقب صاحب تفسير المنار نفسه على ما سبق بقوله "والمتبادر أنه للحال- يأكلون- بقرينة عطف الفعل المستقبل عليه وهو (وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) وهو قرينة لفظية، وحجة معنوية من حيث أن صلي السعير هو عبارة عن دخول النار، وإنما يكون آكل النار لمن يأكلها بعد دخولها أي دخول دار الجزاء التي سميت باسمها، لأن جلّ العذاب فيها يكون بها، فلو كان ما ذكروه هو معنى الآية لكان لفظها هكذا: (فسيأكلون نارا ويصلون سعيراً) فالأكل عذاب باطن البدن؛ لأن معظم اغتيال المال يكون بالأكل والصلي عذاب ظاهر، فهو جزاء اللباس وسائر التصرفات. ولكنه لما ذكر (يأكلون) غفلا عن علامة الاستقبال وعطف عليه (يصلون) مقروناً بالسين التي هي علامة الاستقبال علم أن المعنى أنهم إنما يأكلون الآن ما لا خير لهم في أكله، أو لأنه في قبحه وما يترتب عليه من العقاب كالنار، أو لأنه سبب لدخول النار، ثم يبين ما يجزون به في المستقبل الذي يشير إليه المجاز في أكل النار، فقال: (وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)([42]).

وفائدة توجيه صاحب المنار علاوة على انسجامه مع ألفاظ الآية توسيع دائرة الفهم ليشمل الوعيد لآكلي أموال اليتامى الماضي والمستقبل والدنيا والآخرة. ولعل الشيخ أبي زهرة كان أكثر توضيحاً لما سبق فقال تعقيباً على قوله: سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً ...) قال هذا تصوير لضرر الأكل عليهم؛ لأنه قد يكون أكلهم كمن يأكل النار ويضعها في بطنه، أي يملأ بطنه بها، فهو في ألم دائم حتى يهلك. وكذلك دائماً من يأكلون أموال اليتامى، لا يأكلون أكلاً هنيئاً ولا مريئاً بل هم في وسواس دائم حتى يقضي الله عليهم، وقد رأينا بيوتاً دمرت لأنها أكلت مال اليتيم، وهذا عقابهم في حاضرهم، أما العقاب الذي ينتظرهم في الآخرة، فقال: (وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)"([43]).

ما فائدة تخصيص الأكل بالذكر والتعليق بـ (ظلما)؟

قد يتجاوز معنى الأكل في قول الحق سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً...) إلى معنى الانتفاع دون تعدى الحكم على الأكل الذي هو عبارة عن قصر المضغ والابتلاع؟ وفائدة ما سبق من تخصيص الأكل دون مطلق الانتفاع، لأنه معظم منافع المال المقصودة، أو لما في التعبير بـ "الأكل من معنى الأخذ من مال اليتيم وأن يقصد به تنمية ماله كما ينمي جسمه بالأكل- ولكنها تنمية آثمة مالها البوار([44]).

أما بالنسبة للتقييد والتعليق بـ "ظلما" فإنه يحتمل وجوها، فقد يأكل الإنسان على وجه الاستحقاق، كأن يأخذ منه أجرة المثل أو يأكل منه بالمعروف، أو يأخذه قرضاً على نفسه، أو استحقه بالعمل.

أو قد تكون فائدة التقييد التأكيد والبيان، لأن أكل مال اليتيم لا يكون إلا ظلماً قل أم كثر إذا كان في نيته ألا يردّه إليهم([45]).

وأوجز صاحب المنار شيئاً مما سبق فعقب على قوله سبحانه: (... إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً) أي ظالمين في أكلها أو أكلا على سبيل الظلم وهضم الحق لا أكلا بالمعروف عند الحاجة أو اقتراضاً أو تقديراً لأجرة العمل"([46]).

واستخلص صاحب زهرة التفاسير معنى مؤثراً من قول الحق (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً) وذلك للكمال التشنيع على الآكل إذ هم يظلمون ضعيفاً لا يقوى على الانتصاف منهم".([47])

ولكن ما الحكمة من تسليط الضوء على التحذير من أكل أموال اليتامى دون غيرهم؟ فقد تؤكل حقوق شعوب بأكملها..

والإجابة ظاهرة -والله أعلم- فإن اليتامى مظنة أن يبخسوا في الميراث، فأكل مالهم هنا ظلماً هو بخسهم حظهم من الميراث، أو أكل الأوصياء أموالهم"([48]) قال الفخر الرازي في هذا السياق "وما أشد دلالة هذا الوعيد (إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً...) على سعة رحمته تعالى وكثرة عفوه وفضله، لأن اليتامى لما بلغوا في الضعف إلى الغاية القصوى بلغت عناية الله بهم إلى الغاية القصوى وذلك كله من رحمة الله تعالى باليتامى"([49]).

وأختم ما سبق بتعقيب ذي دلالة عظيمة للشيخ السعدي قال: و"هذا يشير إلى قوله سبحانه (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً..) أعظم وعيد ورد في الذنوب، يدل على شناعة أكل أموال اليتامى ظلماً وأنها موجبة لدخول النار، فدل ذلك على أنها من أكبر الكبائر"([50]).

المطلب الثالث: لمحات من الإعجاز البياني آيات المواريث (11، 12) (176) من سورة النساء:

التعبير بـ(يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ).

1- أول ما يلفت النظر أن هذه الصيغة الكريمة (يُوصِيكُمُ اللّهُ) لم ترد في القرآن الكريم إلا مرة واحدة في شأن توصية الآباء بالأبناء بينما جاءت توصية الأبناء بالآباء ثلاث مرات([51])؟؟ كما يأتي:

1- من سورة العنكبوت آية (8) (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً).

أ- من سورة لقمان آية (14) (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ).

ب- من سورة الأحقاف آية (15) (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً).

ولا شك أن في هذا لفتا للأبناء بمزيد من الاهتمام ببر آبائهم وأمهاتهم.

2-  (يُوصِيكُمُ اللّهُ) فمن أول الأمر يبين سبحانه أن هذا التشريع صادر منه عز وجل فهو الذي يحكم بين الوالدين وأولادهم والأقرباء وأقاربهم، والنظام كله مرده كله إلى الله سبحانه فما على المسلمين إلا التسليم والامتثال والتنفيذ بمنتهى الدقة والعدل والحذر. كما ان التعبير بـ اسم الجلالة يلقي ظلالاً من المهابة والجلال.

3- والتعبير بلفظ (يوصيكم) له ملحظ لغوي جميل، فالوصية كما يقول الراغب([52]) "التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ من قولهم أرض واصية متصلة النبات". فما أدق التعبير هنا بـ (يوصيكم) فالأمر جد خطير يتعلق بالمال وما يتصل به من حقوق قد يؤدي الجور فيها إلى تقطيع الأرحام، فناسب هذا اللفظ الممزوج بالوعظ والإرشاد. "ومن الاهتمام بهذه الأحكام تصدير تشريعها بقوله: (يوصيكم) لأن الوصاية هي الأمر بما فيه نفع المأمور وفيه اهتمام الآمر لشدة صلاحه وكذلك سمي ما يعهد به الإنسان فيما يصنع بأبنائه وبماله بعد الموت، وصية"([53]).

وهكذا فإن التعبير بـ "يوصيكم" أبلغ وأدل على الاهتمام وطلب حصوله بسرعة وهذا الشأن بالوصية من قديم فإنها لأهميتها يحرص المؤمنون على تنفيذها بأقصى سرعة.

ولا بد من التأكيد ههنا أن الميراث وصية من الله تعالى، ولكي تكون وصية الله تعالى، ولكي تكون وصية الله تعالى في مكانتها فإنه قد جعل لها الثلثين ولوصية صاحب المال الثلث. وهذا دال على كمال فضله وكرمه سبحانه، وبالغ إحسانه وإنعامه على عباده.

4- وتدل هذه الوصية (يُوصِيكُمُ اللّهُ) على أنه سبحانه أرحم وأبر وأعدل من الوالدين على أولادهم([54])، ففيها استثارة لمكامن المنّة والنعمة عند الورثة بأن هذا العطاء الذي وصلهم إنما هو وفق تشريع إلهي عادل فهو منحة منه سبحانه جاءهم دون نصب أو تعب، هذا عدا عما في (يوصيكم الله) من معنى الرحمة الربانية الواسطة فقد أوصى الوالدين مع كمال شفقتهم على أبنائهم فيا لها من رحمة تستوجب الثناء الجزيل على الرحيم الرحمن سبحانه.

5-(يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ) من المقصود بالأولاد؟ وما الحكمة من البدء بالأولاد؟ "الأولاد يطلقون على كل فروع الشخص من صلبه أي: أبناؤه وأبناء أبنائه وبنات أبنائه أما بنات بنته فلا يكن من أولاده، ثم إن قيام الابن مقام أبيه هو الوضع الطبيعي الذي عليه بناء العالم من انقراض قرن وقيام القرن الثاني مقامهم وهو الذي يرجونه، ويتوقعونه، ويحصلون الأولاد والاحفاد لأجله".

أما قيام الأب بعد ابنه فكأنه ليس بوضع طبيعي، ولا ما يطلبونه ويتوقعونه ولو أن الرجل خير في ماله لكانت مواساة ولده أملك لقلبه من مواساة والده، فكذلك كانت السنة الفاشية في طوائف الخلق تقديم الولادة على الآباء"([55]).

قال ابن العربي: "إذا اجتمع الآباء والأولاد قدم الله الأولاد لأن الأب كان يقدم ولده على نفسه ويود أنه يراه فوقه، ويكتسب له فقيل له حال حفيدك على ولدك كحالك مع ولدك"([56]) وهذا موافق للفطره الإنسانية التي فطر الله عليها الخلق.

وبدأ سبحانه بذكر الأولاد (فِي أَوْلاَدِكُمْ) سبحانه، "لأنهم أقرب الورثة إلى الميت وأكثرهم بقاء بعد الموّرث([57])". وجاء التعبير ههنا بـ (في) للظرفية المجازية، جعلت الوصية كأنها مظروفة في شأن الأولاد لشدة تعلقها به كاتصال المظروف بالظرف، ومجرورها محذوف، قام المضاف إليه مقامه، وتقديره: "في إرث أولادكم" فجعل الوصية مظروفة في هذا الشأن لشدة تعلقها به واحتوائه عليها"([58]). وبدأ بذكر الأولاد كذلك لأنهم أحق بالعطف والعون لضعفهم، أما الأصول فقد يكون لهم حق واجب على غير المتوفى، أو لهم القدرة على الكسب([59]).

ومما يسترعي الانتباه ويستجلب مزيد التعظيم لحكمة الحكيم سبحانه، أنه ذكر الأولاد في آيات المواريث أكثر من غيره من الورثه، فقد تكرر ذكرهم "الأولاد" في آيات المواريث تسع مرات، وبلفظ الأبناء مرة واحده، أما الآباء والأبوان فقد ذكرهم ثلاث مرات فقط([60]) ولا ريب أن هذا التكرار له دلاله تنسجم مع حكمة الشارع سبحانه في تقديم الأبناء على الآباء في الميراث.

غير أنه لا بد من التنبيه أن هذا التقديم لا يعني بالضرورة تفضيل الأبناء على الآباء إذ فضل الآباء مقدم عموما، ومن هنا جاء قول الحق في آيات المواريث نفسها بتقديم الآباء عند تقدير النفع (آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً)[11: النساء] ولا شك أن حق الوالدين على الإنسان أعظم من حق الولد وقد بلغ حق الوالدين إلى أن قرن الله طاعته بطاعتهما فقال جل شأنه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)[23: الإسراء]([61]).

فالمسألة إذن لا علاقة لها بالتفضيل ونحوه وإنما تتعلق بالحقوق تقديما وتأخيرا.

6- ويلحظ ان النص الكريم بدأ بالتفصيل بـ (.. لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)[11: النساء] فآثر اسمي الذكر والأنثى على ما ذكر أولاً من الرجال والنساء وذلك للتنصيص على استواء الكبار والصغار في الاستحقاق من غير دخل للبلوغ والكبر في ذلك أصلا كما هو زعم الجاهلية حيث كانوا لا يورثون الأطفال كالنساء([62]).

وههنا مسألة ينبغي مراعاتها إذ كانت مدخلا لأصحاب الأهواء والنوايا الفاسده، فما وجه تضعيف نصيب الذكر على الأنثى؟؟ أليس هذا من الحيف؟ حاشا وكلا!

فوجه الحكمة في تضعيف نصيب الذكر هو احتياجه إلى المؤنة والنفقة، ولأنه لو كمل نصيبها، مع أنها قليلة العقل كثيرة الشهوة لأتلفته في الشهوات إسرافاً.([63])

ولا يخل ما سبق من محل انتقاد قال في تفسير المنار: وما ذكره بعض المفسرين في بيان الحكمة من نقص عقولهن -النساء- وغلبة شهوتهن المفضية إلى الإنفاق في الوجوه المنكرة، فهو قول منكر شنيع، وضعف عقولهن لا يقتضي نقص نصيبهن، بل ربما يقال إنه يقتضي زيادته لضعف أبدانهن ولقلة حيلتهن في الكسب، وكذلك المر لمن يزعم من كون شهوتهن أقوى من شهوة الرجال وما بنوه عليه من إفضائه إلى كثرة إنفاق المال، فهو باطل مبني على باطل، وإننا نعلم بالاختبار أن الرجال هم الذين ينفقون الكثير من أموالهم في سبيل إرضاء شهواتهم.([64])

وعلى كل حال فإن تضعيف نصيب الذكر على الأنثى أمره ظاهر، فالرجل يتحمل كثيرا من المسؤوليات والأعباء واستحقاقات القوامة في بيته وأسرته فأن تسنح له فرصة من الميراث قد لا تتكرر، لربما أسعفته كثيرا وسدت خلته وحاجته. يقول صاحب أضواء البيان في هذا الصدد: "لم يبين هنا في هذه الآية حكمة تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث مع أنهما سواء في القرابه ولكنه سبحانه أشار إلى ذلك في موضع آخر، وهو قوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[34: النساء] لأن القائم على غيره المنفق ماله مترقب للنقص دائما والمقوم عليه المنفق عليه المال مترقب للزيادة دائما والحكمة في إيثار مترقب النقص على مترقب الزيادة جبرا لنقصه المترقب ظاهرة جدا([65]).

ما وجه التعبير بـ(لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)؟ وما فائدة التعبير بـ (حظ)؟!

-لم يقل: - للذكر ضعف نصيب الأنثى لأن الضعف يصدق على المثلين فصاعداً، فلا يكون نصاً، ولم يقل للأنثيين مثل حظ الذكر، ولا للأنثى نصف حظ الذكر، تقديماً للذكر بإظهار مزيته على الأنثى، ولم يقل، للذكر مثل نصيب الأنثى لأن المثل في المقدار لا يتعدد إلا بتعدد الأشخاص ولم يعتبر ههنا([66]).

ثم تأملوا إضافة الحظ إلى الأنثيين (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) فكأنما جعل الأنثى أصلاً يؤخذ منه وهذا ظاهر في أحكام المواريث وهذا يدعو إلى الرحمة بالإناث وتقديمهن عند توزيع التركة، وعدم الاغضاء عن حقوقهن ونصيبهن فالظلم عاقبته وخيمة إن عاجلاً أو آجلاً وأحسن صاحب المنار تعقيباً على ما ذكر في الآية الكريمة (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) فقال: "فكأنما جعل سبحانه إرث الأنثى مقرراً معروفاً وأخبر بأن للذكور مثله مرتين، أو جعله الأصل في التشريع وجعل إرث الذكر محمولاً عليه، ويؤيد هذا ما سيأتي في الآيات القادمة في بقية الفرائض من تقديم وبيان ما للإناث بالمنطوق الصحيح مطلقاً أو مقابلته بما للذكور"([67]).

ولكن أود أن أشير إلى أنه ومع رعاية الآيات للإناث وعدم التعسف في حقوقهن إلا أن آيات المواريث عموماً دلت على فضل الرجال على النساء "لأنه تعالى حيث ذكر الرجال في هذه الآية (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ..)[12: النساء] ذكرهم على سبيل المخاطبة وحيث ذكر النساء ذكرهن على سبيل المغايبة وأيضاً خاطب الله الرجال في هذه الآية سبع مرات وذكر النساء منها على سبيل الغيبة أقل من ذلك وهذا يدل على تفضيل الرجال على النساء كما فضلوا عليهن في النصيب([68]). ولكن وعلى كل حال فإن المرأة قد حازت شيئا عظيما، ولذا جاء التعبير بالحظ (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) والحظ هنا النصيب والتعبير به إشارة إلى أن إعطاء الأنثى، ولو كان نصف عطاء الرجل، قدر كبير لها فيه حظ أي عطاء فيه كرم وسخاء"([69]).

دعوى الزيادة في قوله (فَوْقَ اثْنَتَيْنِ)، وفائدة التعبير بـ (فوق)؟؟

قال ابن عطية: وقوله (فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) "معناه: اثنتين

فما فوفهما، تقتضي ذلك قوة الكلام، فثبت لهما الثلثان بالإجماع الذي مرت عليه الأعصار والأمصار".([70])

"و قيل: إن "فوق" زائدة ورد هذا النحاس وابن عطية من قبل وقالا: هو خطأ؛ لأن الظروف وجميع الأسماء لا يجوز في كلام العرب أن تزاد بغير معنى؟" ولأن قوله (فوق الأعناق) هو الفصيح، وليست (فوق) زائدة؛ بل محكمة المعنى، لأن ضربة العنق إنما يجب أن تكون فوق العظام في المفصل دون الدماع"([71]).

وأضاف القاسمي في محاسن التأويل رداً آخر فقال: "وأيضاً لو كان لفظ (فوق) زائداً كما قالوا لقال: فلهما ثلثا ما ترك، ولم يقل فلهن ثلثا ما ترك([72]).

نكته جليلة: "وللتقيد بـ(فوق اثنتين) فائدة جلية أيضا وهي رفع الفرق المتوهم بين الاثنتين وما فوقهما، متى ظهرت للتخصيص فائدة جلية سوى المخالفة وجب المصير إليها وسقط التعلق بالمفهوم، وكأنه على القول المشهور كما علم أن الاثنتين يستوجبان الثلثين بالطرق المذكورة، وكان الوهم قد يسبق إلى أن الزائد يستوجب أكثر من فرض الأثنين؛ لأن ذلك مقتضى القياس، رفع هذا الوهم بإيجاب الثلثين لما فوق الأثنتين لوجوبه لهما"([73]) والله أعلم.

واستكمالاً لما سبق من تدبر قوله سبحانه (فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) يطرأ تساؤل جديد وهو إذا كان نصيب الأكثر من اثنتين الثلثين، فما نصيب الاثنتين؟

والأمر يسير على من يسره الله تعالى عليه فإن "نصيب الاثنتين ظاهر، وهو الثلثان، وذلك بالنظر إلى قوله سبحانه في توريث الأخوة والأخوات (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ)[176: النساء].

"ففي الأخوات نص على أن نصيب الأختين الثلثان وبالأولى يكون نصيب البنتين الثلثين؛ لأن البنتين أقوى قرابة وأكثر اتصالاً، وأجدر بالرعاية، فإذا كانت الاختان تأخذان الثلثين فأولى أن تأخذ البنتان الثلثين، فما حذف في آية البنات وجد ما يدل عليه في آية الأخوات، وكذلك حذف في آية الأخوات نصيب الأكثر من اختين، وصرح به في آية البنات، ففهم بطريق الأولى أن الأكثر من اختين تأخذان الثلثين؛ لأنه إذا كان الأكثر من بنتين يأخذ الثلثين فقط، فأولى أن يأخذ الأكثر من اختين الثلثين، والمعنى أنه حذف من آية البنات ما يفهم بالأولى من آية الأخوات وحذف من آية الأخوات ما يفهم بالأولى من آية البنات وذلك من بلاغة الإيجاز، وهو سر الإعجاز"([74]).

(.. وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ ..).

ما وجه التعبير بـ (ولأبويه) دون.. (والديه).. وهل ثمة فرق بينهما؟

ورد هذا اللفظ الكريم في أثناء آيات المواريث ثلاث مرات، اثنتان منهما بالتثنية، واحدة بالجمع.

- ( وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ).

- (فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاه).

- (آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ).

وحتى تكتمل الصورة لا بد من الإشارة إلى ما اتصل من قبل بآيات المواريث إذ إنها ذكرت الوالدين مرتين دون الأبوين.

تأمل قوله الحق سبحانه: (لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ..).

إذن لا بد من البحث والدراسة لكل من (الأب) (الأم) (الوالد) (الوالدة) وللوقوف على ذلك قمت بتتبع الكلمات آنفة الذكر في القرآن الكريم([75]) وفيما أمكن من كتب اللغة واللسان فخرجت بما يلي:

1. أن ثمة فرقاً مهماً بين (الأب) و(الأم) من جهة و(الوالد) و(الوالدة) من جهة أخرى.

2. أن كلمة (أب) تدل على الأبوة المتصلة بالتربية والرعاية والتأديب وتحمل المسؤولية نحو الأبناء، وكذلك الشأن بالنسبة للأم.

3. من الممكن إطلاق (أب) على كل من:

  § كل من كان سبباً في إيجاد شيء أو إصلاحه أو ظهوره، ومن هنا سمي النبي صلى الله عليه وسلم أبا المؤمنين، قال الله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ..)[6: الأحزاب]، وفي بعض القراءات (وهو أب لهم). ولا بأس من الاستئناس بالقراءة الشاذة في التفسير، وقيل أبو الأضياف لتفقده إياهم، وأبو الحرب لمهيجها([76]).

  § العم، فيسمى العم مع الأب أبوين وكذلك الأمر بالنسبة للأم مع الأب، والجد مع الأب، قال تعالى في قصة يعقوب:(مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً)[133: البقرة]، وإسماعيل لم يكن من آبائهم وإنما كان عمهم.

  § المعلم أو العالم على معنى قوله تعالى: (وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ)[22: الزخرف]، أي علماءنا الذي ربونا بالعلم([77]).

4. أما بالنسبة لـ (الوالد) و(الوالدة) فالملحوظ فيهما معنى الوالدية والولادة على جهة التغليب للوالدة على الوالد إذ هي التي تلد وهو أمر يتساوى فيه الوالدون والوالدات؛ فكان أصلاً ثابتاً لوجوب البر والإحسان (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) [23: الإسراء]، وكان أمراً مطلوباً حتى ولو كان الوالدان مشركين، قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ) [8: العنكبوت].

ولا يتعارض هذا مع ما ورد من قوله تعالى في شأن عيسى مع أمه: (وَبَرّاً بِوَالِدَتِي)[32: مريم] إذ إنها وصفت في آية أخرى من التنزيل (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ)[75: المائدة]، فتجاوزت وصف الوالدية إلى وصف الأمومة، وإن كان وصف الوالدية بالنسبة لمريم عليها السلام له ملحظٌ خاص من حيث تفرد الخلق فيه لعيسى عليه السلام دون أب.

- وبناء على ما سبق من الممكن القول أن التعبير بالأبوة له أثر كبير في تحديد الأنصبة، وهو متصل إضافة إلى ما سلف بالدين، من حيث أثره في استحقاق الإرث والتوريث.

- يتجلى ما ذكر من تفريق في قوله الحبيب صلوات الله وسلامه عليه: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه..."([78]).

وجه الترتيب في قوله سبحانه: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) وعود الضمير في (لأبويهوفائدة البدل في (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا..)؟

أما وجه الترتيب فلما ذكر سبحانه الفروع ومقدار ما يرثون أخذ في ذكر الأصول ومقدار ما يرثون، فذكر أن الميت يرث منه أبواه كل واحد السدس إن كان للميت ولد وشمل قوله: (له ولد) الذكر والأنثى والواحد والجماعة([79]). والضمير في (لأبويه) عائد على ما عليه الضمير في (مما ترك) وهو ضمير الميت الدال عليه معنى الكلام وسياقه.

حتى تبين شيئاً من فوائد وأسرار التعبير في هذه الآية القرآنية لا بأس بإعراب ما يلزم منها:

- و/ الواو عاطفة مسوقة للشروع في إرث الأصول بعد الفروع.

- لأبوية جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم.

 (لكل واحد منهما) جار ومجرور، يوصي ظاهر الكلام أنهما بدل بإعادة الجار وهذا ما نص عليه أكثر المعربين.

وبنى الإمام الزمخشري على البدلية فائدة قيمة: قـال: "إنه لو قيل: ولأبويـه السدس، لكان ظاهـره اشتراكهما فيه، ولو قيل: ولأبويه السدسان، لأوهم قسمة السدسين عليهما على التسوية وعلى خلافها، ثم طرح رحمه الله بـ (الفنقلة) الآتية: قال: فإن قلت: فهلا قيل: ولكل واحد من أبويه السدس، وأي فائدة في ذكر الأبوية أولا ثم في الإبدال فيهما، قلت: لأن في الإبدال والتفصيل بعد الإجمال تأكيداً وتشديداً، كالذي تراه في الجمع بين المفسر والتفسير والسدس، مبتدأ وخبره، لأبويه، والبدل متوسط بينهما للبيان([80]). وهكذا جاء الكلام هنام على طريقة الإجمال والتفصيل "ليكون كالعنوان فلذلك لم يقل: ولكل من أبويه السدس([81]).

ما فائدة ذكر (الواو) في قوله الحق (و ورثه) أبواه...؟

والجواب أن ظاهر الكلام أن يقول: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ..) فجاء بحرف الواو للإخبار ولبيان أن هذا الأمر مستقر ثابت، فيخبر عن ثبوته واستقراره، فيكون حال الوالدين عند انفرادهما كحال الولدين، للذكر مثل حط الأثنين، ويجتمع للأب بذلك فرضان، السهم والتعصيب إذ يحجب الأخوه كالولد، وهذا عدل في الحكم، ظاهر في الحكمة)([82]).

ما وجه تقديم الوصية على الديّن في الآية الكريمة؟ وما فائدة التكرار في حرف (أو)؟

عند إمعان النظر في آيتي الميراث (11، 12) من سورة النساء نلحظ أن الوصية قدمت على الدين "وإن كان من المسلم إن قضاء الدين واجب، والوصية في أكثر احوالها مندوبة، والواجب مطلوب الفعل من المكلف على سبيل الجزم واللزوم، ويأثم تاركه ويعاقب، أما المندوب فهو مطلوب على سبيل الأولوية والرجحان ولا يأثم تاركه ولا يعاقب.كما انه إذا هلك من التركة شئ تأثرت به الوصية ولا يتأثر به الدين"([83]).

تأمل مرات التقديم:

1- (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ..)[11: النساء].

2- (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ..)[12: النساء].

3- (مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ..)[12: النساء].

4- (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ..)[12: النساء].

وما أجمل ما التفت إليه ابن عاشور في قول الحق سبحانه: (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) قال: "وأعقب فريضة الأزواج بذكر(مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) لئلا يتوهم متوهم أنهن ممنوعات من الايصاء ومن التداين كما كان الحال في زمان الجاهلية([84]).

قال ابن كثير([85]) رحمه الله: "أجمع العلماء من السلف والخلف على أن الدين مقدم على الوصية"، مع أن الوصية قدمت على الدين في الآية الكريمة (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ..). فما السر يا ترى؟

ذكر الإمام القرطبي في بيان ذلك خمسة وجوه: ([86])

1- إنما قصد تقديم هذين الفصلين على الميراث ولم يقصد ترتيبها في أنفسهما، فلذلك تقدمت الوصية باللفظ.

2- لما كانت الوصية أقل لزوما من الدين قدمها اهتماما بها.

3- قدمها لكثرة وجودها ووقوعها وأخر الدين لشذوذه، فإنه قد يكون وقد لا يكون، فبدأ بذكر الذي لا بد منه، وعطف بالذي قد يقع أحياناً ويقوي هذا العطف بـ(أو) ولو كان الدين راتباًً لكان العطف بالواو.

4- إنما قدمت الوصية لأنها حق مساكين وضعفاء وأخر الدين إذ له غرماء يطلبونه بقوة وسلطان.

5- لما كانت الوصية ينشئها من قبل نفسه قدمها، والدين ثابت سواء ذكره أو لم يذكره.

وما ذكره القرطبي رحمه الله من وجوه سائغ ولكن الأظهر والله أعلم ان وجه تقديم الوصية على الدين في النظم القرآني هنا هو تنبيه الناس وحثهم على تنفيذ الوصايا، خشية أن يتهاونوا في أدائها من تركة مورثهم، بوصفها نوعا من التبرعات في الأصل.

ويعضد هذا ما ذكره الجرجاني بقوله([87]): "والنكتة في تقديم الوصية على الدين أنها تشبه الميراث في كونها مأخوذة بلا عوض، فيشق إخراجها على الورثة فكانت لذلك مظنة للتفريط فيها، بخلاف الدين، فإن نفوسهم مطمئنة إلى أدائه، فقدم ذكرها حثا على أدائها معه، وتنبيها على أنها مثله في وجوب الأداء أو المسارعة إليه، ولذلك جيء بينهما بحرف التسوية" "وإيثار (أو) المفيدة للإباحة في قوله: (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ) على (الواو) للدلالة على تساويـها في الوجوب.

وتقديمها على القسمة مجموعين أو منفردين"([88]).

قال ابن جرير: "وانما قيل: "من بعد وصية توصون بها أو دين" فقدم ذكر الوصية على الدين؛ لأن معنى الكلام: إن الذي فرضت له منكم في هذه الآيات إنما هو من بعد إخراج أي هذين كان في الميت منكم، من بعد وصية أو دين فلذلك كان سواء تقديم ذكر الوصية قبل ذكر الدين، وتقديم ذكر الدين قبل ذكر الوصية، لأنه لم يرد من معنى ذلك إخراج الشيئين من الدين والوصية من ماله فيكون ذكر الدين أولى أن يبدأ به من ذكر الوصية"([89]).

وتأملوا هذا الإيجاز العجيب في إغلاق باب قد يؤدي إلى كثير من المضار (غَيْرَ مُضَآرٍّ) فجاءت هذه الجملة في هذا الموطن وبهذا القيد في وصية إرث الكلالة دون ما قبله؛ لأن القصد إلى مضارة الوالدين أو الأولاد وكذلك الأزواج نادرة جدا. وانظر ما في هذا اللفظ (غَيْرَ مُضَآرٍّ) من الوجازة والاختصار فان الضرار قد يقع على أنحاء: ([90])

أ- أن يوصي بأكثر من الثلث.

ب- أن يقر بكل ماله او ببعضه لأجنبي.

ج- أن يقر على نفسه بدين لا حقيقة له دفعاً للميراث عن الورثة وغير ذلك.

6- وأضاف ابن عاشور كعادته توجيها حسنا قال: "والقصد هنا التنبيه على أهمية الوصية وتقدمها، وأنكر الدين بعدها تتميما لما يتعين تقديمه على الميراث مع علم السامعين ان الدين مقدم على الوصية ايضا لانه حق سابق في مال الميت فموقع عطف (أو) في (أو دين) موقع الاحتراس ولأجل هذا الاهتمام، كرر الله سبحانه هذا القيد أربع مرات في هذه الآيات"([91]).

تقديم الدّين والوصية على الميراث:

تقديم الدين على الوصية في التنفيذ امر مجمع عليه نص عليه كثير من الفقهاء([92]) ولا تبرأ ذمة العبد إلا بقضائه عنه. قال ابن العربي: "وأما تقديم الدين فلان ذمته مرتهنة بدينه، وفرض الدين أولى من فعل الخير الذي يتقرب به"([93]

وهذا ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قدم الدين على الوصية، فعن سلمة ابن الأكوع رضي الله عنه قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ اتي بجنازة، فقالوا: صلي عليها. فقال: هل عليه دين؟ قالوا: لا. قال: هل ترك شيئا؟ قالو: لا. فصلى عليه، ثم اتي بجنازة اخرى فقالوا يا رسول الله صلي عليها. قال: هل عليه دين؟ قيل: نعم. قال: هل ترك شيئا؟ قالوا: ثلاثة دنانير، فصلى عليها ثم أتي بالثالثه فقالوا صلي عليها، قال: هل ترك شيئا؟ قالو: لا. قال: فهل عليه دين؟ قالو: ثلاثة دنانير. قال: صلوا على صاحبكم. قال ابو قتاده: صلي عليه يا رسول الله وعلي دينه فصلى عليه"([94]) (94) قال ابن جرير: "فلم يجعل تعالى ذكره لأحد من ورثة الميت، ولا لأحد ممن أوصى له بشئ إلا من بعد قضاء دينه من جميع تركته، وإن احاط بجميع ذلك"([95]). فما أرفق وأرحم الله بعباده أحياء وأمواتا، فالموت يأتي بغته، وقد لا يكون العبد أبرأ ذمته فأحال الامر إلى ورثته اعتاقا لرقبته وايناسا له حتى وهو في قبره، فإن حقوق العباد إذا ما اجتمعت على رجل توشك ان تهلكه الا ان يتغمده الله برحمة من عنده.

كما أن قضاء الدين قبل أي شئ آخر فيه رعاية لحقوق الخلق وتطييب لأنفسهم وإبقاء لروح البذل والتعاون بينهم، ولو أن الدين يموت مع صاحبه لانقع البذل ولما دان أحد أحدا.

واختصر ابن الجوزي الامر فقال: "اعلم أن الدين مؤخر باللفظ مقدم في المعنى، لأن الدين حق عليه، والوصية حق له، وهما جميعا مقدمان على حق الورثه، إذا كانت الوصيه في ثلث المال، و(أو) لا توجب الترتيب وإنما تدل على أن احدهما إن كان، فالميراث بعده وإن كانا([96]).

فائدة مهمة: يحسن بنا أن نذكر مسألة طرحها الفخر الرازي ههنا: ما فائدة ختم الآية الأولى بـ (فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ) وختم الآية الثانيه بـ (وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ)؟؟

والجواب: إن لفظ الفرض أقوى وآكد من لفظ الوصية فختم شرح ميراث الأولاد بذكر الفريضة، وختم شرح ميراث الكلالة بالوصية ليدل بذلك على أن الكل وإن كان واجب الرعاية إلا أن القسم الاول وهو رعاية حال الأولاد أولى.

وهذا صحيح لأن الأولاد هم فلذات الأكباد وثمرات القلوب فهم الأولى والمقدمون على كل حال.

غير أنه وإن كان التعبير بـ "الفرض" له قوته فإن ذكر الوصية مكررة ومؤكدة بأنها من الله سبحانه (وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ) بإزاء ميراث أولاد الأم من الأهمية بمكان، فإن حقوقهم -أولادكم- مظنة الضياع والإهمال ولا يزال الناس إلى الآن يكادون يهملون نصيب أولاد الأم، وإذا ذكروا به، كان بمنزلة التذكير بأمر غريب فكان التاكيد بهذا([97]) والله أعلم

وقفة مع (الكلالة):

"لما فرغ سبحانه من بيان فرائض عمود النسب في القرابة وهم الأولاد والوالدون وقدم الأهم منهما من حيث الحاجة إلى المال المتروك وهم الأولاد دون الأشرف وهم الوالدون بيّن فرائض الزوجين وهما في المرتبة الثانية لأنهما سبب في حصول الأولاد"([98]).

ولما بيّن سبحانه أحكام الأولاد والوالدين والأزواج وكل من يتصل منهم بالميت مباشرة بلا واسطة، شرع في بيان ما يتصل بالميت بالواسطة (وهم الكلالة)([99]).

وهذه الكلمة من فرائد وبدائع القرآن المجيد وهي من (كلٌ) "والكاف واللام أصول ثلاثة صحاح فالأول يدل على خلاف الحدة، والثاني يدل على إطافة شيء بشيء والثالث: عضو من الأعضاء"([100]).

"وأما الكلالة فقيل: الكلالة هم الرجال الورثة، كما قال أعرابي: "مالي كثيرٌ، ويرثني كلالةٌ متراخ نسبهم"([101]).

وهو مصدر من تكلّله النّسب؛ أي تعطف عليه، فسموا بالمصدر. والعلماء يقولون في الكلالة أقوالاً متقاربة، قالوا: الكلالة: بنو العم الأباعد، وروي أن أبا بكر قال: "من مات وليس له ولد ولا والد فورثته كلالة".

وقيل: "الكلالة، اسم لما عدا الولد والوالد من الورثة وقال ابن عباس: هو اسم لمن عدا الولد، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الكلالة فقال: من مات وليس له ولد ولا والد فجعله اسما للميت"([102]).

وكلا القولين صحيح فإن الكلالة مصدر يجمع الوارث والموروث جميعا. وتسميتها بذلك إما لأن النسب كل عن اللحوق به، أو لأنه قد لحق به بالعرض من أحد طرفيه؛ وذلك لأن الانتساب ضربان:

أحدهما: بالعمق: كنسبة الأب والإبن.

والثاني: بالعرض: كنسبة الأخ والعم والاكليل سمي بذلك لاحاطته بالرأس"([103]).

ويعقب ابن العربي على معنى الكلالة([104]) فيقول: إن الْكَلالَةَ وَإِنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً لُغَةً مُتَوَارِدَةً عَلَى مَعَانٍ مُتَمَاثِلَةٍ وَمُتَضَادَّةٍ فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَبَصَّرَ مَوَارِدَهَا فِي الشَّرِيعَةِ فَنَقُولُ: وَرَدَتْ فِي أحكام القرآن آيَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا هَذِهِ، وَالأُخْرَى الَّتِي فِي آخر سُورَةِ النِّسَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَأَمَّا هَذِهِ فَهِيَ الَّتِي لا وَلَدَ فِيهَا وَلا وَالِدَ وَفِيهَا إخْوَةٌ لأُمٍّ، وَأَمَّا الَّتِي فِي آخر سُورَةِ النِّسَاءِ فَهِيَ الَّتِي لا وَلَدَ ذَكَرًا فِيهَا، وَهُمْ إخْوَةٌ لأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ إخْوَةٌ لأَبٍ أَوْ أَخَوَاتٌ لأَبٍ وَأُمٍّ وَجَدٌّ، فَجَاءَتْ هَذِهِ الآية لِبَيَانِ حَالِ الأخوة مِنْ الأُمِّ، وَجَاءَتْ فِي آخر سُورَةِ النِّسَاءِ لِبَيَانِ إخْوَةِ الأَعْيَانِ وَالْعَلَّاتِ حَتَّى يَقَعَ الْبَيَانُ بِجَمِيعِ الأَقْسَامِ، وَلَوْ شَاءَ رَبُّك لَجَمَعَهُ وَشَرَحَهُ. وسيأتي مزيد شرح للتناسب بين الآيتين بعد قليل.

فائدة جليلة وسر بديع في قوله تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ..)[176: النساء]:

يحسن التنبيه ابتداء أن أسئلة عديدة وجهت إلى النبي صلى الله عليه وسلم (0) و(يسألونك...) فكان الجواب الكريم يأتي مصدراً بـ (قل) نسبة إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيها إثم كبير..).

لكن الأمر يختلف هنا حيث اسند الجواب إلى الذات العليا؟ (قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ) ولا غرابة فإن الاستفتاء هنا من الخطورة بمكان، إذ إنه يتعلق بحقوق العباد والتي تكثر فيها الخلاف والخصام، فاقتضى الأمر هذا الإسناد المهيب الجليل، تأكيداً له وتربيته للمهابة، وتوثيقاً للحكم.

وأرجو أن لا يغيب عن البال أن ما ذكر متسق مع أحكام الميراث المذكورة في صدر سورة النساء "إذ كان الإسناد فيها إلى العلي الحكيم الخبير فابتدأ آياتها بقوله الحكيم (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ) وختم الآية الثانية ببيان أن الميراث كله وصية من الله (وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ).

وقبل أن أغادر أجواء الحكمة والروعة التي ظهرت قبل قليل أجد من المستحسن أن أذكر الفرق بين صيغة (يستفتونك) و(يسألونك) فما الفرق بين السؤال والفتيا؟

من المهم ابتداء الاشارة إلى جملة من الأمور:

1- إن اللفظ الكريم (يستفتونك) جاء في سورة النساء مرتين:

الأولى: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء..) [127: النساء].

الثانية: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ...) [176: النساء]. وهذان الموضعان لا ثالث لهما في القران الكريم أحدهما بدأ بحرف الواو (ويستفتونك) والآخر خلا منه (يستفتونك)؟؟

2- أما (يسألونك) فقد كثر تردادها في الرقان المجيد في خمسة عشرة موضعا([105]).

3- وباستقراء النصوص المتعلقة بتينك الصيغتين يظهر ما يلي:

1- إن الفتيا توجهت إلى أحكام شرعية يعسر فهمـها

ويكثر السؤال عنها، أشاهد ذلك مسألة الكلالة فقد جاءت فيها أحكام وزلت فيها أقدام وأفهام، كما أنها توجهت إلى قضايا مختلفة كما سيظهر بعد قليل.

2- إن صيغة -يسألونك- جاء غالب السؤال فيها عن الأحكام الشرعية عموما مثل قوله سبحانه (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ..)[222: البقرة].

- أو ما يتعلق باليوم الآخر وقوعا كالسؤال عن الجبال (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً)[105: طه]، أو زمانا كالسؤال عن الساعة (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا)[42: النازعات].

- أو ما يتصل ببعض الأعيان (وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ..)[83: الكهف].

- أو ببعض الحقائق الربانية كالسؤال عن الروح (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ..)[85: الإسراء].

3- وبعد تتبع هاتين الصيغتين في لسان العرب ولغتهم خرجت بما يأتي([106]):

إن الاستفتاء هو طلب معرف أود الإشارة بداية ما بين التعبيرين من اختلاف من حيث الفروق فالزيادة في المب ما أشكل أمره واشتد خفاؤه لا فرق بين أن يكون من الأحكام أو من الحقائق الكونية. ولذلك تراه جاء بالنسبة للأحكام كما في آية النساء وغيرها، أو في الحقائق الكونية (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً..)[11: الصافات] أو قول الحق سبحانه حكاية عن رسول الملك في قصة يوسف (أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ..)[46: يوسف]؟

أما السؤال (يسألونك) فهو طلب معرفة المجهول ليعرف او ما وقع فيه الشك والتردد بين وجوه مختلفة، ليتعين الوجه المطلوب.

"والفرق بين المسألة والفتيا من حيث الأحكام أن المسألة عامة في كل شيء، والفتيا سؤال عن حادثة، وأصله من الفتاء وهو الشباب والفتى الشاب والفتاة الشابة والفتوة حال الغرة والحداثة، وقيل للمسألة عن حادثة فتيا لأنها في حالة الشابة في أنها مسألة عن شيء حدث ومن ثمَّ خص تبيين المشكل باسم الفتيا، لأنه بالبيان يقوى ويبرز، ويأخذ من الفتى شبابه وقوته فكأنه يقوى ويشب ويصير فتيا قويا"([107]).

وجه التناسب بين آية الشتاء وآية الصيف:

جاءت الآية الأخيرة آية الصيف [سورة النساء 176] مفصلة لآية الشتاء [سورة النساء 127] وهذا شأن يفصل أن يأتي بعد المجمل، كما أنها ذكرت أحكاما جديدة نشأت عن أسئلة عديدة من الصحابة رضوان الله عليهم.

كما بيّنت آية الصيف نصيب البنتين إذا لم يكن معهما معصب بأنه لا ينقص عن الثلثين كما سبقت الإشارة إلى ذلك من قبل([108]).

- غير أن التراخي بين الآيتين له ما يسوغه. قال في تفسير المنار: "إن الله تعالى أنزل آيتين في الكلالة الآية التي في أول سورة النساء والآية التي في آخرها فبين في هذه الآية ما يرثه الأخوه لأم من الكلالة فقط للحاجة إلى ذلك وعدم الحاجة عند نزول الآية إلى ما يأخذه أخوة العصب وكأنه وقع من بعد ذلك إرث كلالة فيه إخوة عصب وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت الآية الأخرى التي في آخر السورة([109]).

- والتفت البقاعي في نظم الدرر إلى نكتة بديعة فقال: "والختام من مظان الاهتمام. وهذا يدل على أن تأخير الأخوة لأبوين أو لأب والختم بهم إنهم أكثر أهمية من الأخوة لأم([110]).

- وقدم في آية الشتاء قرابة الأم الضعيفة على قرابة الأب أو الابوين دلالة على الاهتمام بشأنها. وإبطالا لما كانوا يفعلونه من حرمان الإناث ظلما وجورا([111]) فجاء ما سبق من التقديم والتأخير في غاية الرحمة والرأفة والحكمة.

(آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليماً حكيما).

هذا النص الكريم جاء ختاما للآية الأولى في المواريث. فما وجه الحكمة في ختمها به؟؟

جاءت هذه اللفتة القرآنية الكريمة لتطييب النفوس تجاه هذه الفرائض:

أ- فهناك من تدفعهم عاطفة الأبوة إلى إيثار الأبناء على الآباء؛ وذلك لأن الضعف الفطري تجاه الأبناء أكبر.

ب- وفيهم من يغالب هذا الضعف بالمشاعر الأدبية والأخلاقية فيميل إلى إيثار الآباء.

ج- ومنهم من يتأرجح بين الضعف الفطري والشعور الأدبي، وقد تفرض البيئة بعض الاستحاقات.

فكانت هذه اللفتة الكريمة ترياقا شافيا لكل ما سبق، فقررت أصل القضية فليست المسألة مسألة هوى أو مصلحة قريبة، إنما مسألة دين وشريعة عادلة (فريضة من الله) فالله سبحانه هو الذي يفرض وهو الذي يقسم وهو الذي يشرع، وليس للبشر أن يُشرِّعوا لأنفسهم، إنهم لا يعرفون مصلحتهم حالا أو مآلا إلا بتوفيق منه عز وجل.

ختم الآية بصفتي (العلم والحكمة) (عليماً حكيما):

- (فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما)

جاءت الفاصلة القرآنية هنا في مكانها العتيد وبنائها الدقيق (إن الله كان عليما حكيما). فما وجه ذكر هذين الاسمين الكريمين في ختم الآية الكريمة؟؟

بناء على ما سبق في المسألة السابقة يتضح الأمر لكل ذي لب وذلك من وجوه:

إن ما سبق من قضاء وفريضة منه سبحانه، وإن كان أصلا وفصلا وقطعا إلا أنه مستند إلى المصلحة المبنية على العلم والحكمة، فالله يحكم لأنه عليم وهم لا يعلمون، فالفرائض صادرة من العليم سبحانه، والله يفرض ويقدر لأنه حكيم وهم قد يحكمون الهوى.

صفة (العلم) وارتباطها بآيات المواريث

- ومما يسترعي الانتباه أن صفة العلم جاءت في جميع آيات المواريث في أول السورة وآخرها.

- الآية الأولى (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأبناؤكم لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا).

- الآية الثانية (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أزواجكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ).

- الآية الثالثة في آخر سورة النساء (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

فالله سبحانه وتعالى هو وحده العالم بمصالح العباد في الفرائض والمواريث، والله جل وعز بكل شيء عليم كما هو ختام آيات المواريث !!

وجه اقتران صفة العلم بالحلم (عليمٌ حليمٌ):

يبقى عندنا هنا الحديث عن اقتران صفة العلم بالحلم في الآية الثانية (والله عليم حليم). بعد أن عرفنا وجه اقترانها بصفة الحكمة؟؟ قال صاحب المنار في هذا الصدد: "هذا تحريض على أخذ وصية الله وأحكامه بقوة، وتنبيه إلى أنه تعالى فرضها وهو يعلم ما فيها من الخير والمصلحة، فصفة العلم- تأكيداً على ما سبق- نشير إلى وضع تلك الأحكام على قواعد

العلم بمصلحة العباد ومنفعتهم"([112]).

وتشير إلى مراقبة الوارثين والقوام على التركات لله تعالى في عملهم بتلك الأحكام.

فللتذكير بـ (علمه) هنا سبحانه فائدتان:

الأولى: فائدة بحكمة التشريع.

الثانية: فائدة بكيفية التنفيذ ومراعاة المراقبة.

ثم جاء اقتران صفة العلم بالحلم؛ وذلك:

- "لأن التذكير بعلم الله تعالى يتضمن الإنذار لمن يتعدى الحدود، فمن تعدى الحدود له العقاب بعد الذنب، فالوعيد لمتعدي الحدود وهاضم الحقوق قد يتأخر عن الذنب فكان ذلك مدعاة غرور الغافل، فذكرنا تعالى هنا بحلمه لنعلم أن تأخر نزول العقاب لا ينافي ذلك الوعيد والإنذار، ولا يصح أن يكون سببا للجراءة والاغترار، فإن الحليم هو الذي لا تستفزه المعصية إلى التعجيل بالعقوبة، وليس في الحلم شيء من معنى العفو والرحمة، فكأنه يقول: لا يغرنك الطامع في الاعتداء وأكل الحقوق، وتمتع بعض المعتدين بما أكلوا من الباطل، فتظن أنهم بمفازة من العذاب، فتتجرأ على مثل ما تجرؤوا عليه"([113]).

 - "ولا يغرّن المعتدي تأخر نزول الوعيد به، فيتمادى بالمعصية بدلا من المبادرة إلى التوبة، ولا يغرن هذا ولا ذاك تأخير العقوبة فإنه إمهال يقتضيه الحلم، لا إهمال من العجز أو عدم العلم. وكما يقال: اتقوا غيظ الحليم، ذلك أن غيظه لا يكون إلا عند آخر درجات الحلم([114]).

التعقيب على الآيات بالوعد والوعيد.

(تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[13:النساء13].

(وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)[14:النساء].

وخلاصة معنى الآيتين السابقتين أن تلك الفرائض وما يتعلق بها حدود الله التي أقامها لتكون الفيصل والحكم في التوزيع والتقسيم. ويترتب على طاعة الله ورسوله فيها الجنة والخلود والفوز العظيم كما يترتب على تعديها وعصيان الله ورسوله فيها النار والخلود والعذاب المهين([115]).

ويطرح صاحب الظلال- بناء على ما سبق من الوعد والوعيد- هذا التساؤل/ لماذا تترتب كل هذه النتائج الضخمة على طاعة أو معصية في تشريع جزئي كتشريع الميراث؟

ويجيب إجابة عميقة قيمة خلاصتها:([116])  

أن الأمر يتعلق بالإيمان بالله سبحانه، وبربوبيته وألوهيته وحاكميته، وأنه سبحانه صاحب الحق وحده في التشريع والحكم فما على العباد إلا الطاعة المطلقة له سبحانه، والاتباع الكامل لمنهجه جل وعز، ومن ثم يستوي أن يكون الخروج على حدود الله تعالى في أمر واحد أو في الشريعة كلها، لأن الأمر الواحد هو الدين والشريعة كلها هي الدين.

هذه هي الحقيقة الكبيرة التي يشير اليها هذا التعقيب الذي يربط بين توزيع أنصبة من التركة على الورثة وبين طاعة الله ورسوله أو معصية الله ورسوله، وبين جنة تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، ونار خالدة وعذاب مهين.

ولكن يطرأ سؤال آخر هنا:

ولكن ما وجه تخصيص الطاعة بالذكر مع أنها تكون في شأن الميراث وغيره؟

أجاب على ذلك الطبرسي فقال: وإنما خص الله الطاعة في قسمة الميراث بالوعد مع أنه واجب في كل طاعة إذا فعلت لوجوبها أو لوجه وجوبه ليبين عن عظيم موقع هذه الطاعة بالترغيب فيها والترهيب من تجاوزها وتعديها([117])

وجه التغاير في الفاظ الآيتين بالوعد والوعيد.

وأخيراً لاحظوا التغاير في بعض ألفاظ الآيتين السابقتين في الوعد والوعيد:

- (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا)[13: النساء].

- (يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا)[14: النساء].

ففي تكريم المؤمنين جاء لفظ الخلود بالجمع (خالدين فيها) بينما في تعذيب العصاة جاء لفظ الخلود بالإفراد (خالدا فيها). فما وجه ذلك؟ ولله سبحانه الحكمة والعلم.

ويمكن أن يجاب عن ما سبق ذكره بما يأتي:

- إن في ذكر الخلود مع الاجتماع([118]) من الأنس والتمتع والتنعم والمفاكهة ما الله به عليم، فالمنعم يحب أن يكون مع غيره وذلك منسجم متسق مع الآيات فهو لم يكن صاحب أثرة ولم يكن أنانياًُ في الدنيا ليستأثر بالمال وحده ويحرم غيره، فكان الجزاء من جنس العمل، فلما أوصل المال وما فيه من نعيم إلى غيره في الدنيا جوزي بالاتصال والاجتماع مع غيره في الجنة وفي ذلك من تمام المؤانسة والمودة والنعيم ما لا يخطر على بال.

- أما ذلك العاصي الذي تمكنت الأثرة منه وتشبث الشح به، فاستمتع بالمال في دنياه وحده، وحرم غيره منه فجوزي بمثل صنيعه، فكان وحده دون أنيس أو جليس عذاباً فوق العذاب (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ)[46: فصلت]، والجزاء من جنس العمل.

"في هذه الآية فن غريب يطلق عليه اسم (جمع المختلفة والمؤلفة)، وحده بأنه عبارة عن أن يريد المتكلم التسوية بين ممدوحين أو مذمومين أو أثني أحدهما ممدوح والآخر مذموم، ثم يروم بعد ذلك ترجيح أحدهما على الآخر، بما لا ينقص من الأخر، فيأتي لأجل ذلك الترجيح بمعان تخالف معاني التسوية، فقد جمع ضمير الخالدين في الجنة لأن كل من دخل الجنة كان خالداً فيها أبداً، أو لتفاوت درجات الخالدين، أما أهل النار فبينهم الخالدون وغير الخالدين من عصاة المؤمنين، فساغ لجمع هناك ولم يسغ هنا، لأن الخالدين في النار فرقة واحدة، أما الخالدون في الجنات فهم طبقات بحسب تفاوت درجاتهم. وهذا من أسمى مراتب البيان"([119]).

 

(*) منشور في "المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية"، المجلد الخامس، العدد (3/ب)، 1430ه‍/ 2009م.

 

 الهوامش:


([1]) الدارمي، أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل ابن بهرام (ت 255ﻫ)، سنن الدرامي، دار إحياء السنة النبوية، ج1، ص250. الدارقطني، علي بن عمر (ت385ﻫ)، سنن الدارقطني، دار المحاسن، القاهرة، طبع سنة 1386ﻫ/1966م، ج9، ص379. النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303ﻫ)، السنن الكبرى، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1411ﻫ/1911م، ج4، ص64.

([2]) أبو الطيب، صديق بن حسن بن علي الحسيني القنوجي (ت1307ﻫ)، فتح البيان، الطبعة الأولى، 1420ﻫ/ 1999م، دار الكتب العلمية، بيروت، ج2، ص32.

([3]) أبو زهرة، محمد، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، طبعة 1394ﻫ/1974م، ج4، ص5002 بتصرف يسير جدا.

([4]) انظر: شحادة العمري، سلسلة العلوم الاجتماعية، الإعجاز البياني التشريعي في آيات المواريث، المجلد العاشر، العدد الرابع، 1994م، ص275-284، جامعة اليرموك 1994م.

([5]) انظر: نمر محمد الخليل النمر، مقاصد التقديم والتأخير في آيات المواريث، مجلة مؤته للبحوث والدراسات، المجلد العشرون العدد الخامس، 2005م، ص 209-232.

([6]) انظر: مازن إسماعيل هنية، سلسلة الدراسات الشرعية، المجلد الثالث عشر العدد الثاني، الإعجاز التشريعي في آيات المواريث، عدد يونيو، 2005م الجامعة الإسلامية، غزة، ص479-516.

([7]) انظر محمد عبد الحليم سمارة، المجلة الأردنية للعلوم التطبيقية، الكلالة وميراث الأخوة لأم، العلوم الإنسانية 2005، المجلد الثامن، العدد الثاني، جامعة العلوم التطبيقية، ص1-19.

([8]) ابن فارس، أبي الحسن أحمد بن زكريا (ت 395ﻫ)، معجم مقاييس اللغة، مطبعة مصطفى الحلبي، 1400ﻫ/1980م الطبعة الثالثة، ج6، ص105.

([9]) الجوهري، أبي نصر إسماعيل بن حماد (ت 393ﻫ)، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، دار الكتب العلمية، بيروت، 1420ﻫ/1999م الطبعة الأولى، ج1، ص437.

([10]) انظر: ابن منظور، محمد بن مكرم جمال الدين (ت 711ﻫ)، لسان العرب، الطبعة الثالثة 1419ﻫ/ 1999م، دار احياء التراث العربي، بيروت، ج15، ص266.

([11]) الأصفهاني، الراغب (توفي في حدود 425ﻫ) مفردات ألفاظ القرآن، دار القلم دمشق، الدار الشامية، الطبعة الثالثة، 1423ﻫ/2002م، ص863 بتصرف يسير جدا.

([12]) انظر: بدران، أبو العينين بدران، أحكام التركات والمواريث في الشريعة الإسلامية والقانون، طبعة مؤسسة شباب الجامعة الاسكندارية، مصر، ص72.

([13]) انظر: عبد الباقي، محمد فؤاد، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الرابعة، 1412ﻫ/1994م، ص916-917.

([14]) انظر: السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911ﻫ)، الإتقان في علوم القرآن، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1425ﻫ، ص353.

([15]) الطبري، أبو جعفر، محمد بن جرير (ت310ﻫ) مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1425ﻫ/2002م.

([16]) ابن عاشور، محمد الطاهر، (1973) تفسير التحرير والتنوير، مؤسسة التاريخ، بيروت، الطبعة الأولى 1420ﻫ/2000م، ج2، ص500.

([17]) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ص747-749.

([18]) انظر: مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت256ﻫ) طبعة استنبول، ج9، ص204.

([19]) البخاري، أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن المغيرة، الجامع الصحيح، طبعة دار الحديث، ج1، ص119، انظر: أبو داوود، سليمان بن الأشعث الجتاثي (ت 275ﻫ)، طبعة دار الحديث، ج10، ص49.

([20]) انظر: مفردات ألفاظ القرآن، ص863-864.

([21]) ابن كثير، إسماعيل بن كثير(ت774ﻫ)، تفسير القرآن العظيم، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1422ﻫ/

2002م، ص1268.

([22]) انظر: النسفي، عبدالله بن أحمد بن محمود (ت710ﻫ)، تفسير النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل)، الطبعة الأولى 1426ﻫ/2005م، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، ج3، ص88.

([23]) ابن عطية، محمد بن عبد الحق بن غالب الأندلسي (ت546ﻫ)، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1420ﻫ/2000م، ج8، ص10.

([24]) القرطبي، أبو عبدالله بن محمد بن أحمد الانصاري (ت671ﻫ)، الجامع لأحكام القرآن الكريم، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1420ﻫ/2000م، ج8، ص10.

([25]) القاسمي، محمد جمال الدين (ت1332ﻫ) تفسير القاسمي، محاسن التأويل، دار الحديث، القاهرة، طبعة 1424ﻫ/2003م، ج5، ص62.

([26]) ابن حيان، محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي الغرناطي (ت754ﻫ)، البحر المحيط في التفسير، دار الفكر، بيروت، طبعة 1412ﻫ/1992م، ج7، ص280.

([27]) الجامع الصحيح، البخاري، ج9، ص354.

([28]) ابن ماجه، أبو عبدالله محمد بن يزيد القزويني، طبعة دار إحياء الكتب العربية، ج13، ص402. وانظر: تفسير القرآن العظيم، ج3، ص1268.

([29]) صحيح مسلم، ج13، ص341.

([30]) تفسير القرآن العظيم، ج3، ص1268.

([31]) انظر: أبو السعود، محمد بن محمد العمادي، تفسير أبي السعود، المسمى إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، (ت951ﻫ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج5-6، ص273.

([32]) الجامع لأحكام القرآن، ج8، ص186.

([33]) الزمخشري، أبو القاسم، محمود بن محمد الخوارزمي (ت538ﻫ)، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1412ﻫ/ 2001م، ج4، ص150.

([34]) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ص916-917.

([35]) انظر: محمد الغزالي، نحو تفسير موضوعي للقرآن الكريم، دار الشروق، الطبعة الأولى، 1416ﻫ/ 1995م، ج1، ص48، 47 بشئ من التصرف.

([36]) آية سورة الإسراء بتمامها (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)[34: الإسراء].

([37]) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ص770.

([38]) انظر: محيي الدين درويش، إعراب القرآن الكريم وبيانه، الطبعة الرابعة 1415ﻫ/1994م، دار الإرشاد، سورية، ج2، ص169، 168.

([39]) انظر: محمد رشيد رضا، تفسير المنار، طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1973م، ج2، ص328.

([40]) صحيح ابن حبان، ج23، ص155.

([41]) انظر: تفسير المنار، ج2، ص328.

([42]) انظر: المصدر السابق، ج2، ص329، 328.

([43]) زهرة التفاسير، ج3، ص1598.

([44]) المصدر السابق، ج3، ص1598 بتصرف يسير جدا.

([45]) انظر: الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، طبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج2، ص13 بتصرف يسير جدا.

([46]) انظر تفسير المنار، ج2، ص328.

([47]) انظر: زهرة التفاسير، ج3، ص1589 بتصرف يسير جدا.

([48]) انظر: المصدر السابق، ج3، ص1598.

([49]) الفخر الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن حسين القرشي الطبرستاني الرازي (ت 606ﻫ)، التفسير الكبير، المسمى مفاتيح الغيب، ج3، ص506.

([50]) السعدي، عبد الرحمن بن ناصر (1376ﻫ)، تفسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة، بيروت، ص132.

([51]) المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ص752.

([52]) مفردات ألفاظ القرآن الكريم، ص873.

([53]) تفسير التحرير والتنوير، ج4، ص44.

([54]) انظر: تفسير القرآن العظيم، ج1، ص414. وانظر:

محاسن التأويل، ج3، ص40.

([55]) الدهلوي، الشيخ أحمد المعروف بشاه ولي الله ابن عبد الرحمن الدهلوي، حجة الله البالغة، الطبعة الثانية، دار إحياء العلوم، بيروت، ج2، ص317.

([56]) ابن العربي، محمد بن عبد الله، تحقيق محمد بن علي االبجاوي، أحكام القرآن، دار المعرفة، الطبعة الأولى، بيروت.

([57]) تفسير أبي السعود، ج1، ص149.

([58]) تفسير التحرير والتنوير، ج4، ص45.

([59]) انظر: حجة الله البالغة، ج2، ص317.

([60]) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ص763.

([61]) التفسير الكبير للفخر الرازي، ج3، ص520.

([62]) تفسير أبي السعود، ج1، ص149.

([63]) انظر: التفسير الكبير للفخر الرازي، ج3، ص521. وانظر: محاسن التأويل، ج3، ص40.

([64]) تفسير المنار، ج4، ص406.

([65]) الشنقيطي، محمد بن محمد المختار، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، دار الكتب العلمية، بيروت، ج1، ص241.

([66]) انظر: التفسير الكبير للفخر الرازي، ج3، ص521. وانظر: محاسن التأويل، ج3، ص40.

([67]) تفسير المنار، ج4، ص405 -406.

([68]) انظر: التفسير الكبير للفخر الرازي، ج3، ص521.

([69]) زهرة التفاسير، ج3، ص1606.

([70]) المحرر الوجيز، ج1، ص61.

([71]) محاسن التأويل، ج3، ص41.

([72]) محاسن التاويل، ج3، ص49.

([73]) انظر: حاشية الكشاف، ج1، ص512-513.

([74]) زهرة التفاسير، ج6، ص1996.

([75]) المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ص503.

([76]) انظر: مفردات ألفاظ القرآن، ص57، 58.

([77]) انظر: المصدر السابق، ص57، 58.

([78]) صحيح البخاري، ج5، ص182. مسند أحمد، ج14، ص425. صحيح مسلم، ج13، ص126. سنن أبي داود، ج12، ص323.

([79]) أبو حيان، محمد بن يوسف (ت 754ﻫ)، البحر المحيط

في التفسير، طبعة 1412ﻫ/1992م، دار الفكر، ج3، ص537.

([80]) الكشاف، الزمخشري، ج1، ص513.

([81]) انظر: التحرير والتنوير، ج4، ص47.

([82]) انظر: الجامع لأحكام القرآن، ج3، ص48 بشئ من التصرف.

([83]) الجصاص، أحمد بن علي، أحكام القرآن، طبعة دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ج2، ص95. وانظر: التفسير الكبير للفخر الرازي، ج3، ص518، 519.

([84]) التحرير والتنوير، ج4، ص51.

([85]) تفسير القرآن العظيم، ج1، ص416.

([86]) الجامع لأحكام القرآن، ج3، ص49، 50.

([87]) الجرجاني، السيد الشريف علي بن محمد الجرجاني (ت 814ﻫ)، شرح السراجية، مطبعة البابي الحلبي، 1944م، ص3.

([88]) محاسن التأويل، ج3، ص43.

([89]) تفسير الطبري، ج7، ص46.

([90]) انظر: التفسير الكبير للفخر الرازي، ج3، ص542.

([91]) التحرير والتنوير، ج3، ص348.

([92]) انظر: الزيلعي، عثمان بن علي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، طبعة دار الكتاب العربي، بيروت، ج2، ص95.

([93]) أحكام القرآن لابن العربي، ج1، ص342.

([94]) صحيح البخاري، ج8، ص70. سنن أبي داوود، ج9، ص176. سنن الترمذي، ج4، ص234.

([95]) تفسير الطبري، ج7، ص46.

([96]) ابن الجوزي ج1، ص497.

([97]) التفسير الكبير للفخر الرازي، ج3، ص525.

([98]) البحر المحيط، ج4، ص338.

([99]) المصدر السابق.

([100]) معجم مقاييـس اللغة، ج5، ص122، 121 بشئ من التصرف.

([101]) المصدر السابق، ج5، ص121، 122.

([102]) مفردات ألفاظ القرآن، ص720.

([103]) انظر: المصدر السابق، ص720 بشئ من التصرف.

([104]) أحكام القرآن لابن العربي، ج2، ص115.

([105]) انظر المصدر السابق.

([106]) انظر: العسكري، أبو هلال الحسن بن عبدالله (ت395ﻫ) دار زاهد القدسي، الفروق اللغوية، ص49، 50.

([107]) انظر الإنترنت:

http:www.elqubessi.mohdy.com,qubessi.aspx?p_name_english.

([108]) الجامع لأحكام القرآن، ج5، ص63.

([109]) تفسير المنار، ج2، ص142.

([110]) البقاعي، إبراهيم بن عمر، نظم الدرر في تناسق الآيات والسور، الطبعة الأولى 1425ﻫ/ 1995م، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ج2، ص233.

([111]) انظر: نظم الدرر، ج2، ص223.

([112]) تفسير المنار، ج4، ص420.

([113]) المصدر السابق، ص421.

([114]) المصدر السابق، ص422.

([115]) في ظلال القرآن الكريم، ج1، ص595.

([116]) المصدر السابق، ج1، ص595

([117]) مجمع البيان في تفسير القرآن، ج2، ص19.

([118]) انظر: تفسير أبو السعود، ج1، ص154. وانظر: تفسير المنار، ج4، ص423.

([119]) درويش، إعراب القرآن وبيانه، ج2، ص178-179.