أضيف بتاريخ : 09-05-2012


من مقاصد سفارة النبي صلى الله عليه وسلم(*)

فضيلة المفتي الدكتور أحمد غالب الخطيب

الملخص

يعالج هذا البحث مقاصد سفارة النبي صلى الله عليه وسلم، من خلال بيان الأدلة الشرعية على اعتبار هذه المقاصد، وعلى رأسها الاعتراف الدولي بالدولة الإسلامية.

وقد انتهى هذا البحث إلى إثبات أن الدولة الإسلامية دولة حضارية غير منعزلة عن غيرها تهدف إلى التعايش مع الآخر وتبرأ إلى الله تعالى من عهدة الأمانة الملقاة على عاتقها في تأصيل مبادئ الإسلام إلى الآخر بالطرق السلمية، وهذا يبين تألق الحضارة الإسلامية في وقت يعاني منه العالم من قيام السفارات بأعمال دموية وتخريبية وتجسسية وكذب وافتراء.

وقد أظهرت هذه الدراسة سمو الفكر السياسي الإسلامي الذي يمكن أن يتوصل من خلال سيرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أعلى المراتب الحضارية مبلوراً شخصيته الإسلامية المستقلة والمميزة، ومن جهة أخرى أظهرت هذه الدراسة تهافت الفكر المتخاذل الذي يزعم أن الحضارة الإسلامية غير قادرة على إنشاء دولة مدنية عصرية تسهم في علاج مشكلات الحضارة من منظور إسلامي.

المقدمة

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فإنني سأتحدث في بحثي هذا عن بعض مقاصد سفارة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يتوخاها النبي صلى الله عليه وسلم من سفاراته للملوك والأمراء ومن استقباله للسفراء.    

وقد قسمت هذه الدراسة إلى مبحثين؛ الأول تحدثت فيه عن تحقيق الاعتراف الدولي للدولة الإسلامية، والثاني عن تحقيق مبدأ التعايش بين الدولة الإسلامية مع غيرها من الدول، متبعا في ذلك المنهج الاستقرائي والنقلي المعروف لدى المشتغلين في العلوم الإنسانية.

وهذه الدراسة تقع تحت عنوان المحور الخامس من محاور هذا المؤتمر الكريم وهو (مواقف من السيرة توضح طبيعة الخطاب النبوي مع الآخر الديني والسياسي)، فإن هذا البحث يبيّن مقصد النبي صلى الله عليه وسلم من مكاتباته مع الملوك والأمراء، ومن استقباله للوفود والسفراء؛ إذ كل الأمور المعتبرة لها مقاصد معتبرة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان في حركاته وسكناته يتصرف بناء على مقاصد مطلوبة مرغوبة لا بدّ من الانتباه إليها، وهذا ما سأتحدث عنه في هذه الدراسة، ثم إن ذكر بعض مقاصده من سفاراته صلى الله عليه وسلم وما لها من ارتباط وثيق بسيرته صلى الله عليه وسلم يؤدي بالضرورة إلى تكوين الشخصية الإسلامية فإن هذه الشخصية ليست بالضرورة أن تكون فردية بل هي فردية وجماعية ولعل تكوين الشخصية العامة للأمة أبلغ أثرا من تكوين شخصية فردها. ولهذا كان العمل العام الذي يعمله النبي أكثر بأضعاف من العمل الفردي. بل إنك تكاد تجزم أن دعوته صلى الله عليه وسلم يغلب عليها الجانب الجماعي والتكويني بهدف صقل الشخصية العامة للأمة وهذا ما عنت هذه الدراسة بإبرازه وهو أن يكون للشخصية العامة المعنوية للدولة الإسلامية السبق في التعامل مع الآخر من خلال تنظيم دقيق ومميز لعمل السفارات أو ما يسمى بالعمل الدبلوماسي.

وتجيب هذه الدراسة عن خطأ الذين يفترون على النظام السياسي الإسلامي من كونه نظاما عاجزا عن معالجة قضايا العالم، أو قاصرا عن ممارسة المهمة العالمية المطلوبة منه، أو حتى عن كونه لا يرقى إلى مستوى تنظيم الأسس التي تقوم عليها الدولة؛ لذا جاءت هذه الدراسة لتثبت بالنقل والعقل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤسس لدولة عالمية قادرة على الاستمرار وتحقيق السعادة لكل من يعيش في ظلها حتى قيام الساعة في حال التزم القائمون على شؤونها بالمبادئ التي أسس لها النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن البديهي أن السفارة بنوعيها؛ البعثات الخاصة والبعثات الدائمة، لها مقاصد وأغراض، وتتميز البعثات الخاصة بأنها تحقق مقاصد عديدة، يصعب تحديدها، فقد تحقق مقصداً لرئيس الدولة ذا طابع شخصي في موضوعاتٍ تعود إليه خاصة، وتعتبر من حقوقه فقط([1])، وقد تكون المقاصد المرجوة عامة تعود بالنفع على عموم الرعية، وقد ذهب بعض الكتاب المحدثين إلى ذكر أهداف السفارات المؤقتة (الخاصة) على أنها أهداف الدبلوماسية الإسلامية، وذكر من هذه الأهداف، الدعوة إلى الله، والفداء والتجسس، والتجارة، والإخبار بدخول الإسلام، والمحالفة، والاستنفار وطلب النجدة والمدد، وطلب الزواج، وحمل الخلع والهدايا، والإصلاح، والتوسط وطلب التقليد، والأخبار بالفتوح، والسفارات الثقافية، والإعلام بوفاة ملك، والتهنئة والتعزية، وعقد الهدنة والمعاهدات...الخ.([2])

والحقيقة أن أهداف ومقاصد البعثة الخاصة لا يمكن حصرها، وذلك أنها تتجدد وتتغير حسب المهمة المراد تنفيذها، وسواء كانت هذه المقاصد المذكورة لها شواهد من التاريخ الإسلامي أو لا، فإن الضابط في اعتبارها كون المقصد مشروعاً، ويحقق خيراً للدولة الإسلامية، ولا يتعارض مع مقصد أولى منه في الاعتبار، والشخص الذي يسعى إلى تحقيق هذه المقاصد ينبغي أن يكون صاحب شرعية في ممارسة عمله لتحقيق هذا المقصد، سواء كان الرسول أو المرسل.

أما فيما يتعلق بالسفارة الدائمة أو البعثات الدبلوماسية الدائمة، فإنها تحقق مقاصد محددة، لأنها أصلاً وظيفة مؤسسية لها أهدافها التي تسعى إلى تحقيقها، وما دامت السفارة الدائمة أمر مستجد في هذا الزمان([3])، فإن الحكم على مدى مشروعية مقاصدها يستدعي بيان واقع المقصد المراد تحقيقه، وهذا ما سأتحدث عنه في المبحثين الآتيين.

المبحث الأول

تحقيق الاعتراف الدولي للدولة الإسلامية

المطلب الأول: مفهوم الاعتراف الدولي في العصر الحديث:

إن سعي أي كيان جديد للتمتع بشخصية دولية، حتى يكون عضواً فاعلاً في المجتمع الدولي، يحتاج إلى ثلاث مقومات، وهي: الإقليم الجغرافي، والشعب، ونظام الحكم، وذلك حتى يتحقق له الاعتراف الدولي.

وإن اعتراف الدول بكيان جديد يعنى اعترافاً بنظام الحكم فيه، وهو محصلة طبيعية، ومكملة لخطوة الاعتراف بهذا الكيان، كعنصر متمم لنشوء الدولة، ويعتبر هذا الاعتراف حقاً لشعب تلك الدولة في تقرير مصيرها.([4])

وينقسم الاعتراف الذي تمارسه الدول- في زماننا- إلى ثلاثة أنواع:

1.    الاعتراف الواقعي: ويعني الاعتراف بالحقيقة القائمة، وهي شكل من أشكال الاعتراف يسبق الاعتراف الكامل القانوني بالدولة، وتلجأ إليه الدول عندما يكون لديها ظلال من الشك حول شرعية قيام نظام جديد، خاصة عندما تكون عوامل قيام هذا النظام مرتبطة بالعنف والقوة والانفصال. ولكن لا يمنع مثل هذه العوامل من وجود تواصل مع هذه الدولة، بحدود معينة.([5])

2.    الاعتراف الضمني: وهو أقل مرتبة من الاعتراف الواقعي، وإن كان ثمة قرب بينهما. وهو اعتراف بحقيقة قائمة حتى وإن كانت مرفوضة، وهو مجرد إقرار غير مباشر بوجود كيان ما، دون أن يتيح هذا الإقرار قيام أي نوع من العلاقات بأي شكل من الأشكال.

وتتجنب الدول عادة إجراء أي لقاء مع دبلوماسيين من هذا الكيان، حتى لا يفسر ذلك بأنه اعتراف قانوني بهذه الدولة.([6])

3.    الاعتراف القانوني: ويعني استكمال الكيان الجديد لكل الشروط والمقومات القانونية المطلوبة لقيام الدولة من إقليم جغرافي محدد، ومعترف به، ومن شعب أصيل قائم ينتسب لهذا الإقليم، ومن حكومة مستقرة ذات سيادة، ويصبح الاعتراف في هذه الحالة أمراً محتوماً، خاصة إذا جاء نشوء الكيان الجديد بالطرق المشروعة، سلمية، أو من خلال القتال المشروع ضد الاحتلال.([7])

وهناك وسائل تمارسها الدول للتعبير عن إرادتها للاعتراف القانوني بكيان ما، منها:

أ‌. أن يتم من خلال مذكرة يرسلها رأس الحكم في دولة إلى نظيره في الكيان الجديد.

ب‌.  أن يتم الاعتراف ضمنياً، وذلك من خلال الدخول في إجراءات إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الجديد، أو من خلال إبرام الاتفاقيات والمعاهدات.

ج. أن يتم عن طريق تبادل رسائل التهنئة، وتقديم أوراق اعتماد جديدة لمبعوث الدولة، وذلك في حالات قيام تغيير في شكل نظام الحكم، إذا كان التغيير يقتضي الاعتراف بالوضع الجديد.([8])

ومن خلال ما تقدم يتبين أن تبادل السفراء والمبعوثين هو أسلوب تستخدمه الدول للتعبير عن مقصدها في الاعتراف القانوني بدولة أو كيان جديد.

فهل هناك ما يدل على مشروعية هذا الأسلوب؟ وهو عبّر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال تعامله مع الدول الأخرى في زمانه؟ هذا ما سيجاب عنه في الفقرة الثانية.

المطلب الثاني: مشروعية السعي لتحقيق هذا المقصد:

إن المتتبع للسفارات النبوية يرى أن من المقاصد التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوخاها في سفاراته إلى الدول القائمة في زمانه، هو تحقيق الاعتراف المتبادل بين الدول الإسلامية بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم، وبين غيرها من الدول، يظهر هذا من خلال:

1. سفاراته صلى الله عليه وسلم إلى الدول القائمة في زمانه، فقد أرسل إلى هرقل دحية بن خليفة الكلبي بكتاب جاء فيه (من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم...)([9]) وأرسل إلى المقوقس بكتاب جاء فيه (من محمد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط...)([10]) وأرسل على كسرى بكتاب جاء فيه (من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس...)([11]) فدلالة ما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب هؤلاء الزعماء بما هم عليه من الرئاسة والتسلط على أقوامهم، فخاطب هرقل بعظيم الروم، وكذا المقوقس بعظيم القبط، وكذا كسرى بعظيم فارس، وأثبت له لقبه وهو كسرى، فإن ملك الفرس بلقب بكسرى كما أن ملك الروم يلقب بقيصر.([12])

كل هذا يدل على نوع اعتراف من النبي صلى الله عليه وسلم بحقيقة قائمة في زمانه وكانت سفارته إليهم دليلاً على هذا الاعتراف. بل إن مجرد بعث السفير، ثم قبوله في الدولة المبعوث إليها يعد دليلاً على هذا المقصد، وإن لم يصرح به.

2. وقد حصل للنبي صلى الله عليه وسلم من خلال هذه السفارات بعض مما أراد، فقد اعترفت دولة الروم، وكذا دولة القبط، بدول الإسلام الفتية، بينما رفضت دولة فارس هذه الفكرة، وعبرت عن هذا الرفض بتمزيق الكتاب النبوي وعدم احترام السفير.([13]) ومما يدل على تحقيق الاعتراف من قبل دولتي الروم والقبط بدولة الإسلام بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم، ما يأتي:

أ. تعظيم الكتاب المبعوث مع السفير من قبل النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره ابن حجر نقلاً عن السهيلي:" أنه بلغه أنَّ هرقل وضع الكتاب في قصبةٍ من ذهب تعظيماً له، وأنهم لم يزالوا يتوارثونه، حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلب على طليطلة، ثم كان عند سبطه، قال: فحدثني بعض أصحابنا أن عبد الملك بن سعد أحد قواد المسلمين اجتمع بذلك الملك فأخرج له الكتاب، فلما رآه استعبر، وسأل أن يمكنه من تقبيله، فامتنع".([14])

قال ابن حجر رحمه الله:"  وأنبأني غير واحد عن القاضي نور الدين بن الصائغ الدمشقي، قال: حدثني سيف الدين فليح المنصوري، قال: أرسلني الملك المنصور قلاوون ملك الغرب بهدية، فأرسلني ملك الغرب إلى ملك الفرنج في شفاعة فقبلها، وعرض علي الإقامة عنده فامتنعت، فقال لي: لأتحفنك بتحفةً سنية، فأخرج لي صندوقاً مصفحاً بذهب، فأخرج منه مقلمة ذهب، فأخرج منها كتاباً قد زالت أكثر حروفه، وقد التصقت عليه خرقة حرير، فقال: هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر، ما زلنا نتوارثه إلى الآن، وأوصانا آباؤنا، أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا، فنحن نحفظه غاية الحفظ، ونعظمه، ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا. ويؤيد هذا ما وقع في حديث سعيد بن أبي راشد([15])، أن النبي صلى الله عليه وسلم. عرض على التنوخي رسول هرقل الإسلام، فامتنع، فقال له:" يا أخا تنوخ إني كتبت إلى ملككم بصحيفة فأمسكها، فلن يزال الناس يجدون منه بأساً ما دام في العيش خير".

وكذلك أخرج أبو عبيد في كتاب الأموال من مرسل عمير بن اسحق، قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر، فأما كسرى فلما قرأ الكتاب مزقه، وأما قيصر فلما قرأ الكتاب طواه ثم رفعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما هؤلاء فيمزقون، وأما هؤلاء فستكون لهم بقية"، ويؤيده ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه جواب كسرى قال:(مزق الله ملكه). ولما جاءه جواب هرقل، قال: (ثبت الله ملكه). والله أعلم.([16])

ب‌.    إرسال كل من هرقل والمقوقس إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسفراء يحملون الخطابات الودية والهدايا كإشارة لقبول سفارة النبي صلى الله عليه وسلم واعترافاً منهم بدولة الإسلام.

فعن سعيد بن أبي راشد، قال: لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص، وكان جاراً لي قد بلغ الفند([17]) أو قرب. فقلت:" ألا تخبرني عن رسالة هرقل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ورسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل؟"

وفي الرواية الثانية: عن سعيد بن أبي راشد (مولى لآل معاوية)، قال قدمت الشام، فقيل لي: في هذه الكنيسة رسول قيصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدخلنا الكنيسة، فإذا أنا بشيخ كبير. فقلت له: أنت رسول قيصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم. قلت: حدثني عن ذلك. قال: بلى (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك. فبعث دحيةً الكلبي إلى هرقل. فلما أن جاءه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعا قسيسي الروم وبطارقتها، ثم أغلق عليه وعليهم باباً، فقال: قد نزل هذا الرجل حيث رأيتم، وقد أرسل إلي يدعوني إلى ثلاث خصال:

"يدعوني أن أتبعه على دينه، أو على أن نعطيه مالنا على أرضنا والأرض أرضنا، أو أن نلقي إليه الحرب، والله لقد عرفتم فيما تقرأون من الكتب: ليأخذن ما تحت قدمي، فهلُّمَّ نتبعه على دينه، أو نعطيه ما لنا على أرضنا".

فنخروا نخرة رجل واحد، حتى خرجوا من برانسهم، وقالوا:" تدعونا إلى أن ندع النصرانية، أو نكون عبيد الأعرابي جاء من الحجاز؟" فلما ظن أنهم إن خرجوا من عنده، أفسدوا عليه الروم... قال:" إنما قلت ذلك لكم لأعلم صلابتكم على أمركم".

ثم دعا رجلاً من عرب تجيب كان على نصارى العرب، فقال:" ادع لي رجلاً حافظاً للحديث، عربي اللسان، أبعثه إلى هذا الرجل بجواب كتابه". فجاء بي. فدفع إلي هرقل كتاباً، فقال:" اذهب بكتابي إلى هذا الرجل..."([18])

وفي رواية أبي عبيد عن بكر بن عبد الله المزني([19])، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام. فلما أتاه رسولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر منادياً، فنادى:" إلا أن قيصر ترك النصرانية واتبع دين محمد صلى الله عليه وسلم". فأقبل جنده قد تسلحوا، حتى أطافوا بقصره، فأمر مناديه فنادى:" إلا أن قيصر إنما أراد أن يجربكم كيف صبركم على دينكم. فارجعوا، فقد رضي عنكم". ثم قال لرسول النبي صلى الله عليه وسلم:" إني أخاف على ملكي" وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إني مسلم" وبعث إليه بدنانير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قرأ الكتاب:" كذب عدو الله، ليس بمسلم، ولكنه على النصرانية". قال: وقسم الدنانير بين أصحابه، قال أبو عبيد: فأرى الدنانير التي وصلت إليه من هرقل، إنما وصلت إليه بتبوك.([20])

وقد نقل محمد حميد الله رواية أخرى شبيهة بما تقدم في جواب إمبراطور الروم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بلفظ:(إلى أحمد رسول الله الذي بشر به عيسى، من قيصر ملك الروم، إنه جاءني كتابك مع رسولك، وإني أشهد أنك رسول الله، نجدك عندنا في الإنجيل، بشرنا بك عيسى بن مريم. وإني دعوت الروم إلى أن يؤمنوا بك فأبوا، ولو أطاعوني لكان خيراً لهم، ولوددت أني عندك فأخدمك وأغسل قدميك).([21])

أما المقوقس عظيم القبط فقد أجاب بأحسن جواب، وأتحف النبي صلى الله عليه وسلم بالهدايا.([22]) وقد جاء جوابه على هذا النحو: (لمحمد بن عبد الله من المقوقس: سلام، أما بعد: فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت، وما تدعو إليه. وقد علمت أن نبياً قد بقي، وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام. وقد أكرمت رسلك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت إليك بغلة لتركبها. والسلام)([23])

ومما نظمه الحافظ العراقي في (ألفيته)، ذكر رسله عليه الصلاة والسلام إلى الملوك، وقال في حق المقوقس:

وحاطب أرسلَ للمقوقس

 

فقال: خيراً ودنا لم يؤيس

أهدى له مارية القبطية

 

وأختها سيرين مع هدية

من ذهب، وقدح، ومن عسلٍ

 

وطرف من مصر من بنها العسل([24])

وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بأهل مصر، قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري أن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا فتحتم مِصْرَ فاستوصوا بأهلها خيراً فإن لهم ذمةً ورحماً"([25])

وجه الاستدلال مما تقدم:

1.    إن السفارة وسيلة لتحقيق الاعتراف بالدولة الإسلامية، وأن هذا المقصد مشروع ومطلوب، فقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن سعادته بجواب هرقل والمقوقس وإن لم يسلما، تمثل ذلك بوصفه لهرقل بأن ملكه يثبت، ووصايته بأهل مصر، كما عبر عن استيائه وغضبه من كسرى بدعائه عليه بتمزيق ملكه. ولو كان المقصد الوحيد المطلوب من السفارة النبوية هو دخول هؤلاء في الإسلام، لدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم جميعاً، لأنهم في الكفر سواء، وقد قال صلى الله عليه وسلم عن هرقل لما ادعى الإسلام (كذب عدو الله، ليس بمسلم، ولكنه على النصرانية).

2.    أما ما تقدم من أن سفارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى غيره من الدول دليل على مشروعية الاعتراف بالدول القائمة، فإنه قد يعرض على هذه الفكرة ما قاله الإمام النووي في شرح قولـه صلى الله عليه وسلم (من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم)، قال:(فلم يقل ملك الروم، لأنه لا ملك له ولا لغيره إلا بحكم دين الإسلام ولا سلطان لأحد إلا لمن ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ولاه من أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرط، وإنما ينفذ من تصرفات الكفار ما تنفذه الضرورة)([26])

وتابعه على قولـه هذا الأمام ابن حجر، حيث قال:(فيه عدول عن ذكره بالملك أو الإمرة، لأنه معزول بحكم الإسلام، لكنه لم يخله من إكرامٍ لمصلحة التألف).([27])

ويجاب عن هذا بالآتي: إن ما ذكره كل من الإمامين النووي وابن حجر- رحمهما الله- يفيد عدم شرعية هذه الأنظمة القائمة على الاستبداد والظلم وتحريف الحقائق.([28]) ولكن هذا لا يمنع من الاعتراف بهذه الأنظمة كحقيقة واقعة، والتعامل معها على هذا الأساس، فهو اعتراف لا يصل إلى ما يسمى- في زماننا- بالاعتراف القانوني.([29]) وله ما يؤيده في قولـه تعالى:( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم إنّ الله عليم خبير) [الحجرات:13]

قال ابن العربي: (خلق الله الخلق من الذكر والأنثى، أنساباً وأصهاراً وقبائل وشعوباً، وخلق لهم منها التعارف، وجعل لهم بها التواصل للحكمة التي قدرها وهو أعلم بها)([30])

وقال الزمخشري: (وقرئ:" لتتعارفوا"، و"لتعارفوا" والمعنى: أن الحكمة التي من أجلها رتبكم على شعوب وقبائل هي أن يعرف بعضكم نسب بعض)([31])

وقال ابن كثير: (المراد بالشعوب بطون العجم، وبالقبائل بطون العرب، كما أن الأسباط بطون بني إسرائيل... فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء عليهما السلام سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية... منبهاً على تساويهم في البشرية...).([32])

فالإسلام يعترف بوجود الآخرين، ولكنه يعاملهم بناءً على هذه الأسس([33])، وهذا مقصد آخر من مقاصد السفارة في الإسلام، وهو ما سأتحدث عنه في المبحث الآتي.

المبحث الثاني

تحقيق مبدأ التعايش بين الدولة الإسلامية مع غيرها

وهو مقصد تحققه السفارة الإسلامية، ولكنَّ هذا التعايش لا يكون إلا وفق أحكام الشرع الحنيف.([34])

ولقد استقر الرأي عند أهل القانون الدولي، والعاملين في مجال العلاقات الدولية، أن إنشاء علاقات دبلوماسية بين بلدين- من خلال إقامة السفارات الدائمة بين بلدين- يعتبر دليلاً على إرادة هذين البلدين للتعايش فيما بينهما على أساس من السلام والعلاقات الودية. كما أن سحب السفراء، أو عدم قبولهم، أو إلغاء وتجميد عمل السفارات، يعد مؤشراً على عدم إرادة مثل هذه العلاقات، وربما تصل الأمور إلى إعلان الحرب... الخ.([35]) والدولة الإسلامية ليست منغلقة على نفسها بل تسعى للتعايش مع الآخرين من خلال بعث السفراء لتحقيق ما يأتي:

المطلب الأول: توضيح مبادئ الدين الإسلامي:

وهذا من أهم الأمور التي يسعى الإسلام إلى تحقيقها من خلال السفارة، والأدلة على ذلك كثيرة، منها:

1.    قال البخاري:" باب: هل يرشد المسلم أهل الكتاب، أو يعلمهم الكتاب؟"([36])، ثم روى حديث عتبة بن مسعود، أن عبد الله بن عباس أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر، وقال:(فإن توليت فإن عليك إثم الأريْسيين)([37]).

ووجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد هرقل إلى أن من يتولى عن استماع الحق فهو آثم, وهذا تعليم وإرشاد.

 قال الإمام ابن حجر - في شرح معنى الباب الذي ذكره البخاري-:"المراد بالكتاب الأول التوراة والإنجيل, وبالكتاب الثاني ما هو أعم منهما, ومن القران وغير ذلك..., وأما تعليمهم الكتاب فكأنه استنبطه من كونه كتب إليهم بعض القران بالعربية, وكأنه سلطهم على تعليمه, إذ لا يقرءونه-حتى يترجم لهم- حتى يعرف المترجم كيفية استخراجه, وهذه المسألة مما اختلفت فيه السلف, فمنع مالك من تعليم الكافر القران, ورخص أبو حنيفة, واختلف قول الشافعي, والذي يظهر أن الراجح التفصيل بين من يرجى منه الرغبة في الدين والدخول فيه مع الأمن منه أن يتسلط بذلك إلى الطعن فيه, وبين من يتحقق ان ذلك لا ينجع فيه, أو يظن أنه يتوصل بذلك إلى الطعن في الدين, والله اعلم"([38])

2.    وقال البخاري رحمه الله (باب دعوة اليهود والنصارى, وعلى ما يقاتلون عليه؟ وما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى و قيصر, والدعوة قبل القتال)([39]) وروى حديث قتادة قال:" سمعت أنساً رضي الله عنه يقول:" لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الروم، قيل له: إنهم لا يقرؤون كتاباً إلا أن يكون مختوماً، فاتخذ خاتماً من فضة، فكأني أنظر إلى بياضه في يده، ونقش فيه: محمد رسول الله"([40])

ثم روى حديث عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن عباس أخبره"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى، فأمره([41]) أن يدفعه إلى عظيم البحرين، يدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه كسرى خرقه، فحسبت أن سعيد بن المسيب قال: فدعى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق"([42]).

قال ابن حجر: (وفي الحديث الدعـاء إلى الإسلام بالكـلام والكتـابة وأن الكتابة تقـوم مقام النطق، وفيه إرشاد المسلم للكافر...)([43])

3.    قال ابن حجر رحمه الله "روى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن أبي عثمان النهدي- أحد كبار التابعين- قال:(كنا نَدْعُو، ونَدَعُ)".([44]) أي كنا ندعو قوماً إلى الإسلام قبل قتالهم، وقد نَدَعُ الدعوة.([45])

قال ابن حجر رحمه لله:" وهي مسألة خلافية، فذهب طائفة منهم عمر بن عبد العزيز إلى اشتراط الدعاء إلى الإسلام قبل القتال، وذهب الأكثر إلى أن ذلك كان في بدء الأمر، قبل انتشار دعوة الإسلام، فإن وجد من لم تبلغه الدعوة لم يقاتل حتى يدعى".([46])

4.    قال البخاري:" باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام والنبوة، وأن لا يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله"([47])، وذكر في هذا الباب حديث إرسال النبي صلى الله عليه وسلم لدحية الكلبي إلى هرقل، وحديث سهل بن سعد- رضي الله عنه- (سمع النبي صلى الله عليه وسلم، يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلاً يفتح الله على يديه، فقال: أين علي؟ فقيل: يشتكي عينيه، فأمر فدعي له فبصق في عينيه، فبرأ مكانه حتى كأنه لم يكن به شيء، فقال: نقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟([48]) فقال: على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يُهدى بك رجلٌ واحد خيرٌ لك من حمر النعم)([49])

وجه الاستدلال: أن مقصد الإسلام هو هداية الناس لا قتالهم، وأن القتال وسيلة- كما الدعوة- لتحقيق هذا المقصد، وليس وسيلة لتحقيق المكاسب والغنائم، والدليل توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أن يتمهل قبل القتال، وأن يدعو الناس إلى دين الإسلام، وأن يعلمهم ويرشدهم إلى ما يجب عليهم، فإن هذا أدعى لقبول الإسلام، وحتى لو لم يستجب لهذه الدعوة إلا رجلٌ واحد، فإن هذا يعتبره الإسلام أفضل بكثير من كلِّ مكاسب الدنيا.

قال الأمام الجويني رحمه الله:" والمغانم في وضع الشرع ليست مقصودة، فإن الفرض: التجرد للجهاد إعلاءً لكلمة الله، وحياطة الملة، إذ لا يليق بمحاسن الشريعة أن تجعل بذل المهج، والتعزيز بالأرواح إلى تحصيل المغانم ذريعة".([50])

والمقصود مما تقدم بيان أصل مشروعية هذا المقصد، وهو أن السفارة وسيلة لتوضيح مبادئ الإسلام، ومن ثم التعايش مع الآخرين بناءً على هذه المبادئ.

ومن أهم المبادئ التي يجب على الدولة الإسلامية إظهارها والتعايش مع الآخرين على أساسها والتي تعتبر مميز أساسي للشخصية المسلمة ما يأتي:

1.    المحافظة على النفس البشرية، وذلك من خلال إيقاف سفك دماء الآمنين الأبرياء في الحروب والمنازعات الدولية التي توقدها أيدي الشر في هذا العالم. قال تعالى:( كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين) [المائدة: 64].

2.    المحافظة على الحقوق الإنسانية، كحق الإنسان في الاعتقاد، وحقه في العمل والزواج، ومحاربة العنصرية.

3.    القضاء على مشكلة الفقر. قال تعالى:( ويطعمون الطعام على حُبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً% إنما نطعمكم لوجه الله ) [ الإنسان: 8-9]

4.    المحافظة على الكون وموجوداته، وهو من أهم مقاصد الدين، وفي ذلك يقول ابن عاشور-رحمه الله-: "إذا نحن استقرينا موارد الشريعة الإسلامية الدالة على مقاصدها من التشريع، استبان لنا من كليات دلائلها ومن جزيئاتها المستقرأة، أن المقصد العام من التشريع فيها هو حفظ نظام الأمة، واستدامة صلاحه بصلاح المهيمن عليه وهو نوع الإنسان، ويشمل صلاحه، صلاح عقله، وصلاح عمله، وصلاح ما بين يديه من موجودات العالم الذي يعيش فيه".([51]) قال:" إن مقصد الشريعة من التشريع حفظ نظام العالم، وضبط تصرف الناس فيه على وجه يعصم من التفاسد والتهالك، وذلك أنما يكون بتحصيل المصالح، واجتناب المفاسد، على حسب ما يتحقق به معنى المصلحة والمفسدة".([52])

ومن هذا المبدأ تنطلق دعوة الدولة الإسلامية إلى محاربة كل ما يفسد الكون من مفاعلات نووية وقنابل ذرية وغازات سامة، وغيرها من السموم التي تفسد الأرض والسماء والهواء، وما أشبه ذلك من الأدخنة التي تفسد الطبيعة، وتقضي على توازنها، وتهلك الحرث والنسل.([53])

5.    التعاون المشترك للقضاء على جميع أنواع الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، من خلال إظهار مبادئ الدين الإسلامي الذي يدعو إلى الشورى ويحارب الربا وتمركز رؤوس الأموال، ويحارب الرذيلة والخيانة الزوجية وتعاطي المخدرات والمسكرات...الخ.

وبالجملة، فإن مبادئ الإسلام الإنسانية العالمية والتي لا يختلف العقلاء على مصداقيتها وشرعيتها، هي عنوان الملحقية الثقافية في السفارة الإسلامية المعبرة عن الشخصية العالمية للدولة الإسلامية..

المطلب الثاني: التعاون الاقتصادي:

والدولة الإسلامية تتعايش مع الآخرين من خلال التبادلات التجارية، والتعاون الاقتصادي، وهذا مقصد معتبر من مقاصد السفارة، وينبغي على السفارة أن تقوم بواجبها في تحقيق التعاون الاقتصادي بين الدولة الإسلامية والدول الأجنبية المعتمدة لديها، وقد تحدث الأمام ابن عاشور عن المصالح التي تعود على الجماعات العظيمة مثل العهود المنعقدة بين أمراء المسلمين وملوك الأمم المخالفة، في تأمين تجار المسلمين، بأقطار غيرهم، إذا دخلوها للتجارة، وتأمين البحار التي تحت سلطة غير المسلمين، بأقطار غيرهم، إذا دخلوها للتجارة، وتأمين البحار التي تحت سلطة غير المسلمين، لتمكين المسلمين من مخرها آمنين...، والعقود المنعقدة مع تجار غير المسلمين إذا دخلوا مراسي الإسلام على عشر أثمان ما يبيعونه ببلاد الإسلام من السلع والطعام، أو على نصف العشر إذا جلبوا الطعام إلى الحرمين خاصة.([54])

ومثل هذه الاتفاقيات لا تتم دون سفارة، سواء كانت مؤقتة أو دائمة، هذا وقد استخدم
النبي صلى الله عليه وسلم السفراء لتنظيم التعاون الاقتصادي، ومن ذلك بعثه لأبي عبيدة([55]) للإتيان بما اتفق عليه مع أهل نجران من أموال، ودروع. مما يكون فيه النفع للطرفين، ومن ذلك أيضاً ما أوصى به صلى الله عليه وسلم في كتابه لأهل نجران، المتقدم في أدلة المشروعية- مما يعتبر وثيقة شرعية في التعاون الاقتصادي مع الغير.([56])

وقد أمتن الله تعالى على قريش في أن هيأ لها رحلة الشتاء والصيف، فقد قيل: بأن أصحاب الإيلاف، المخاطبين بقوله تعالى:(لإيلاف قريش% إيلافهم رحلة الشتاء والصيف% فليعبدوا ربّ هذا البيت% الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) [قريش: 1-4] هم: هاشم، وعبد شمس، والمطلب، ونوفل، وهؤلاء هم بنو عبد مناف، فأما هاشم فإنه كان يؤلف ملك الشام، أي: أخذ منه حبلاً وعهداً يأمن به في تجارته إلى الشام، وأخوه عبد شمس إلى الحبشة، والمطلب إلى اليمن، ونوفل إلى فارس، ومعنى يؤلف: يجير. فكان هؤلاء الأخوة يسمون:المجيرين، فكان تجار قريش يختلفون إلى الأمصار بحبل هؤلاء الأخوة، فلا يتعرض لهم.([57])

قال الزهري: الإيلاف: شبه الإجارة بالخفارة، يقال: آلف يؤلف إذا أجار الحمائل بالخفارة، والحمائل جمع حمولة.([58])

وهذا الذي ورد في حق قريش يبين أن هناك معاهدات قديمة بينهم وبين تلك الدول، وقد يقال في وصفها بالمصطلح الحديث (علاقات قنصلية) ومن واجباتها تنظيم أمور التجارة، فلما دخلت قريش بالإسلام، أصبحت هذه العلاقات مهددة، قال الشافعي رحمه الله:" وكانت قريش تنتاب الشام إنتياباً كثيراً مع معايشها منه، وتأتي العراق، فلما دخلت في الإسلام، ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم خوفها من انقطاع معايشها بالتجارة من الشام والعراق، إذا فارقت الكفر ودخلت في الإسلام، مع خلاف ملك الشام وملك العراق لأهل الإسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده)، فلم يكن بأرض الشام قيصر بعده، وأجابهم على ما قالوا له، وكان كما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم".([59])

ووجه الاستدلال بسورة قريش: أن الله أمتن عليهم بهذه التجارة التي يسرها لهم فأطعمهم من جوع، وأمتن عليهم بهذه العلاقات والأحلاف فآمنهم من خوف. وظهور المنيِّة دليل المشروعية.

وقد نقل ابن حجر- رحمه الله- قصة ثمامة بن آثال التي ذكرها ابن هشام عن ابن اسحاق:"...فإنه بعد أن أسلم خرج معتمراً، فلما قدم مكة قالوا: أصبوت يا ثمام؟ فقال: لا، ولكني اتبعت خير الدين، دين محمد، ولا والله لا تصل إليكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ خرج إلى اليمامة، فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئاً، فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم:" إنك تأمر بصلة الرحم، فكتب إلى ثمامة أن يخلي بينهم وبين الحمل إليهم".([60])

وقد استدل الحنفية بهذه الرواية على جواز نقل الطعام إلى أهل الحرب، قالوا:" القياس فيه أن يمنع من حمله إلى دار الحرب، لأنه به يحصل التقوى على كلِّ شيءٍ والمقصود إضعافهم، إلا أنا عرفناه- أي نقل الطعام إليهم- بالنص، يعني حديث ثمامة، وحديث إسلامه".([61])

قال الميرغناني:" فإنه عليه الصلاة والسلام أمر ثمامة أن يمير أهل مكة وهم حرب عليه"([62])

المطلب الثالث: عقد العهود وإجراء الصلح:

وهو من مقاصد السفارة المعتبرة بدليل فعل النبي صلى الله عليه وسلم، في سفارته لأهل قريش قبيل صلح الحديبية، وفي سفاراتهم له، الأمر الذي تمخض عنه عقد معاهدة الصلح. وقد تقدم ما رواه مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع، قال:" ثم إن المشركين راسلونا الصلح حتى مشى بعضنا في بعض، واصطلحنا".([63])

وتحقيق التعايش مع الآخر من خلال إجراء الموادعة والمصالحة، يتم من خلال السفارة، على مرحلتين:

المرحلة الأولى: بعث السفراء في مهمة إجراء الصلح خاصة، ولأجل التفاوض مع الدولة الأخرى، وهؤلاء السفراء ينطبق عليهم ما ينطبق على البعثات الخاصة، بسبب طبيعة
 المهمة المؤقتة التي يقومون بها. وتستمد هذه المرحلة مشروعيتها من حديث مسلم المتقدم، ومن النصوص الشرعية الكثيرة التي تدعو إلى الصلح مع الأعداء لأجل الدعوة الإسلامية وهي معروفة مشهورة تغني معرفتها عن ذكرها في هذه المقام.

أما المرحلة الثانية: فإذا تمهدت سبل الصلح، وتم الاتفاق على إجراء معاهدة سلام بين الطرفين يمكن القيام بممارسة التمثيل الدبلوماسي الدائم عن طريق إقامة علاقات ودية وطيبة فيما بينهما. وتستمد هذه المرحلة مشروعيتها من فعله صلى الله عليه وسلم، في إجراء صلح الحديبية، قال الشافعي رحمه الله: "قامت الحرب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش، ثم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، عمرة الحديبية في ألف وأربعمائة، فسمعت به قريش، فجمعت له، وجدّت على منعه، ولهم جموعٌ أكثر ممن خرج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتداعوا الصلح، فهادنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم...، ونزل عليه في سفره في أمرهم (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً) [ الفتح: 1]، قال ابن شهاب: فما كان في الإسلام فتح أعظم منه، كانت الحرب قد أخرجت الناس، فلما أَمِنوا، لم يتكلم بالإسلام أحد يعقل إلا قبله، فلقد أسلم في سنين من تلك الهدنة أكثر ممن أسلم قبل ذلك.([64])

فكانت تلك الهدنة نظراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين في كفهم عن القتال، ودخول الناس بعد الأمن في الإسلام".([65])

وجه قول الشافعي رحمه الله: أنَّ الصلح تحقق بعد أن تداعى المسلمون والكافرون إليه، ثم إن هذا الصلح قد حقق خيراً عظيماً، وهو الذي دفع كبار الحنفية كالميرغناني وابن الهمام رحمهما الله إلى وصف الجهاد بأن له صورة، ومعنىً. فأما صورته فهو القتال، وأما معناه فهو: المسالمة، إذا كان فيها خير للمسلمين، لأن المقصود دفع الشر، وهو حاصلٌ بالموادعة والمسالمة.([66])

وقد انتقد ابن الهمام رحمه الله من عرَّف الموادعة بأنها ترك للجهاد، وهو القتال، وأن الصلح هو الاستثناء أو الضرورة، بقوله:" الموادعة: المسالمة، وهو جهاد معنىً لا صورة، وما قيل بأنه ترك الجهاد، وترك الشيء يقتضي سبق وجوده، فغير صحيـح، بل يتحـقق ترك الزنا، وسائر المعاصي، ممن لم توجد منه أصلاً، ويثاب على ذلك، وكيف وهو مكلف بتركها في جميع عمره، وإلا كان تكليفاً بالمحال..."([67])

وهذا الذي ذكره الميرغناني وابن الهمام رحمهما الله في أن المسالمة أو الموادعة جهادٌ معنى، إذا كان فيه تحقيق لمصلحة للمسلمين، ودفع لشر أعدائهم، أمرٌ في غاية الجودة، ويعالج إشكالية علمية كبيرة دارت في هذا الزمان، "هل الأصل في علاقة المسلمين مع الدول الأجنبية السلم أم الحرب؟" فمن ذهب إلى القول بأنها السلم، أُجيب: بأنه ترك للجهاد. ومن ذهب إلى القول بأنها الحرب، أُجيب: بأنه تقليدي يأخذ بتراثٍ قديم، له واقعة الخاص الذي يخالف واقعنا في هذا الزمان.([68])

والأحسن من القولين أن يقال: إن علاقة المسلمين بغيرهم هي الجهاد، وهو يتحقق بالقتال كما يتحقق بالموادعة والمسالمة، وأن إمام المسلمين يختار من بين هذين الأسلوبين- القتال أو المسالمة- ما يراه مناسباً لاستمرارية الجهاد الإسلامي، لتحقيق مصلحة المسلمين، ودفع شر عدوهم، ومن الأدلة على أن علاقة المسلمين مع غيرهم هي علاقة جهادية، وهي أوسع من اختصاصها بالقتال قوله تعالى: (فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً) [الفرقان: 52].

 فقولـه تعالى: (وجاهدهم به) أي بالقرآن، من خلال توضيح مقاصده ومبادئه ومفاهيمه، وقولـه تعالى:(جهاداً كبيراً)، أي جهاداً قوياً دائماً مستمراً، ووصف هذا بأنه جهاد والحث عليه بهذه الصيغة التي تفيد الوجوب، هي ما ينبغي أن تبتنى عليه علاقة المسلم بغيره من المسلمين، ولا يتحدد هذا النوع من الجهـاد بقتـالٍ أو مسالمة، بل إن المسالمـة في الغالب تكون أنفـع في هذا النوع من الجهاد.([69])

والقتال ليس مقصوداً لذاته، وكذا الدعوة أو الجدال، وإنما هي وسائل لتحقيق المقصد الأسمى وهو دخول الناس في دين الله أو الأعذار إليهم بالشهادة على تبليغهم، وهذا هو واجب المسلمين تجاه غيرهم.

والإمام يختار من بين الأساليب ما يؤدي إلى تحقيق المقصود، بشرط أن يكون هذا الأسلوب أبلغ وأنفع في أداء المقصد. والقتال أسلوب علاجي أخير، لا يلجأ إليه إلا إذا تعذرت بقية الأساليب، أو أصبحت لا تحقق المقصود. لذا فإن السفارة الإسلامية تقوم بممارسة مهماتها ومقاصدها، وتحقق التعايش مع الآخرين من خلال وجود معاهدة سلام بين البلدين، ويعزز هذه المشروعية، قولـه تعالى:( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إنّ الله يحب المقسطين) [ الممتحنة: 8]، فإن إرادة الدولة الأجنبية الموادعة لإيجاد جو خالٍ من الاعتداء والقتال، وعدم إخراج المسلمين من دورهم، أو تهجيرهم عن أوطانهم، أو إيذائهم بأي نوع من أنواع الإيذاء، فإن هذه الإرادة تجيز للمسلمين أن يعاملوها بالبر والعدل، وإقامة علاقات سلمية معها.

المطلب الرابع: متابعة ما يجري داخل البلد المرسل إليها ومراعاة المسلمين فيها:

1.    متابعة الأحداث في البلد المرسل إليه أمر ضروري- كما نصت على ذلك اتفاقية فيينا لعام 1961م- ولا يعتبر ذلك من التجسس المنهي عنه([70])، لأنه نوع من الرعاية والنظر للمسلمين، من قبل ولي أمر المسلمين، وهو مراعاة لجانب الحيطة والحذر من الآخرين قبل وقوع المحذور، قال تعالى:( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم)  [النساء: 71] ويقول:( وإما تخافن من قوم خيانةً فانبذ إليهم على سواءٍ) [الأنفال: 58] والسفير في هذا يعتبر كالمراقب لمدى احترام الدولة الأجنبية للعهود والمواثيق التي عقدتها مع دولة الإسلام.

ثم إن السفراء لا يخبرون إلا بما يرونه فلا يتكلفون خفايا الأمور ولا يتجسسون، فإن ذلك لا يليق بهم، بل هم أمناء على ما يرونه في الدولة التي يعيشون فيها، وعلى مدى مراعاة الدولة المضيفة للعهود والمواثيق، وكما أن ولي الأمر مكلف بمعرفة ما يجري في دولته، فهو كذلك مكلف بمعرفة ما يجري حوله من الأحداث، لأن هذا من تمام الرعاية والنظر، ومن وصايا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسعد بن أبي وقاص قائد معركة القادسية ما نصه "واكتب إليَّ بجميع أحوالكم، وتفاصيلها، وكيف تنزلون، وأين يكون منكم عدوكم، واجعلني بكتبك إلى كأني أنظر إليكم، واجعلني من أمركم على الجلية..."([71]).

لاحظ قولـه رضي الله عنه:" واجعلني بكتبك إلى كأني أنظر إليك" فأن عمر-رضي الله عنه- استخدم السفارة في متابعة الأحداث، كأنه يعيش بين ظهرانيهم ينظر إليهم، وهذا من الواجبات المهمة التي تطالب بها السفارة، قال الجويني- رحمه الله-:" ومن واجبات نظام الملك، وما عليه الإحاطة بالأخبار والأحوال، وعليه الاهتمام بمجاري الأخبار في أقاصي الديار، فإن النظر في أمور الرعايا، يترتب على الإطلاع على الغوامض والخفايا، وإذا انتشرت من خطة المملكة الأطراف، وأسبلت العماية دون معرفتها...، ولم تطلع شمس رأي راعي الرعية...، امتدت أيدي الظلمة إلى الظعفة بالإهلاك والإتلاف. قال: والتيقظ والخبرة أسُّ الإيالة([72])، وقاعدة الإمرة، وإذا عمى المعتدون أخبارهم، وأنشبوا في المستضعفين أظفارهم، فقد يفضي هذا إلى ثوران الثوار، في أقاصي الديار، وليس من الحزم الثقة بمواتاة الأقدار، فقد يثور المحذور من مكمنه، ويؤتى الوادع الآمن من مأمنه، على أن هذا الخطب الخطير قريب المدرك، يسيرٌ، فلو اصطنع الإمام من كل بلدة زمراً من الثقات على ما يرى، ورسم لهم أن ينهوا إليه تفاصيل ما جرى، فلا يغادروا نفعاً ولا ضراً إلا بلغوه، لتوافت دقائق الأخبار وحقائق الأسرار، فإذا استشعر أهل الخبل والفساد، أنهم من صاحب الأمر بالمرصاد، آثروا الميل طوعاً أو كرهاً إلى مسالك الرشاد، وانتظمت أمور البلاد والعباد".([73])

وهذا النص الذي ذكره الجويني وإن كان يتحدث عن الأقاليم الداخلة تحت سيادة الدولة الإسلامية، ولكن فحوى النص أوسع من ذلك، فإنه يعني أن يكون الإمام دائم التيقظ والحذر، وإن يظل متابعاً لما يجري حوله من الأحداث، فإن هذا من تمام الرعاية والنظر، وقد كتب عمر ابن الخطاب إلى عمر بن العاص عامله على مصر يقول له:" أما بعد يا عمرو: إذا أتاك كتابي فابعث إلي جوابه، تصف لي مصر ونيلها وأوضاعها، وما هي عليه كأنني حاضرها".([74])

2.    أما مراعاة أحوال المسلمين في تلك الدولة المضيفة، فإنه من هم الأمور التي تنشأ السفارات لها، والدليل على ذلك ما جرى من المراسلات في صلح الحديبية بغرض تحقيق الصلح للحفاظ على أرواح كثير من الأبرياء المسلمين الذين يعيشون في مكة.

قال تعالى:( هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفاً أن يبلغ محله ولولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً) [ الفتح: 25].

فإن الآية تصرح بأن من الأسباب المباشرة لمنع الحرب، وجود مؤمنين في مكة غير معلومين، فكان الصلح الذي نجم عن هذه السفارات وسيلة لحقن دماء المسلمين، فإذا كان في الصلح أحياءٌ لنفوس المسلمين فهو أمرٌ لازم مطلوب.([75]) لأنه أصبح وسيلة لهذا، ومن قواعد الفقه: أهمية الوسائل بقدر أهمية المقاصد.([76])

الخاتمة

أولا: تبين من خلال هذه الدراسة أن ما ذكره الباحثون في مجال الدبلوماسية الإسلامية من مقاصد لهذه الدبلوماسية إنما هو في حقيقة الأمر أهداف متغيرة لسفارة الخاصة أو السفارة المؤقتة، وأن السفارة الإسلامية التي تمثلت بسفارته صلى الله عليه وسلم تحقق مقاصد أشمل وأعمق قد يظن البعض أن لا دليل عليها من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فتبين مما ذكر من هذه الدراسة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصد تحقيق الاعتراف الدولي للدولة الإسلامية ويسعى لتحقيقه وكذا كان يفعل بخصوص تحقيق مبدأ التعايش بين الدولة الإسلامية وغيرها من الدول.

إذا سفارته صلى الله عليه وسلم كانت ولا تزال موردا ثريا للفكر الدبلوماسي العالمي والإسلامي بشكل خاص إذ فعل النبي صلى الله عليه وسلم موضع استدلال المجتهدين والعلماء. 

ثانيا: وقد توصل هذا البحث إلى إثبات النتائج الآتية من خلال التدليل عليها من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم:

1. أن السفارة الدائمة تهدف إلى تحقيق مقاصد معتبرة في الفقه السياسي الإسلامي وان المفاسد التي يعاني منها العالم بسب عمل السفارات بشكل غير شرعي ولا قانوني لا تعتبر هادمة للأصل الإنساني الذي تقوم عليه السفارة الدائمة.

2. يمكن من خلال فهم مقاصد سفارة النبي صلى الله عليه وسلم تحديد عمل السفارة الإسلامية الدائمة والتعايش مع العالم من خلالها.

3. التأصيل لمؤسسة مفقودة من ناحية موضوعية وبيان الفهم الصحيح لهذه المؤسسة.

ثالثا: ولزيادة فهم هذا الموضوع لا بدّ من تحفز همم الباحثين إلى الكتابة في الموضوعات التي لا يمكن للعالم التعايش بدونها، وهي الموضوعات التي تتعلق بالدبلوماسية والسفارة والتي تدعو العالم إلى التواصل لا التنافر، والوفاق لا الاختلاف، وتدعو إلى المحبة لا الكراهية، وأخيرا تدعو إلى دار السلام.

رابعا: التوصيات

1.    على الدول الإسلامية القائمة حالياً إصلاح عمل سفاراتها الخارجية بحيث تكون سفارات فاعلة وليس سفارات شكلية. ويحصل هذا من خلال:

أ‌.   تحديد مقاصد السفارة بشكل دقيق.

ب‌. اختيار أهل الخبرة والكفاءة للقيام بمهمة السفارة وتحقيق مقاصدها.

ج. اختيار من تنطبق عليه الشروط الشرعية للقيام بهذه المهمة.

2. على السفارات الإسلامية تحقيق مقاصدها الشرعية للدفاع عن القضايا الإسلامية، ومن جملة ذلك المقصد الأسمى وهو توضيح مبادئ الدين الإسلامي للآخرين.

3. ينبغي زيادة الاهتمام بعمل السفارة من خلال توسيع نشاطاتها وزيادة عدد العاملين فيها على جميع المستويات الفكرية والاقتصادية والسياسية لتحقيق مقاصدها المعتبرة.

4. لا بد من دراسة السفارة الإسلامية في المعاهد الدبلوماسية للتأكيد على حقيقة سبق هذا الفكر وتطوره في أدق التفاصيل.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

 

(*) بحث مقدم لمؤتمر (السيرة النبوية ودورها في بناء الشخصية الإسلامية المعاصرة)، الذي نظمه المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالتعاون مع جمعية الحديث الشريف وإحياء التراث الإسلامي، عمّان - الأردن، (28-29/ 5/ 1432هـ)، الموافق (2-3/ 4/ 2011م).

 

الهوامش:


 ([1])الماوردي، علي بن محمد، (ت450 هـ/ 1085 م)، قوانين الوزارة، (تحقيق: رضوان السيد)، (ط1)، دار الطليعة، بيروت، لبنان، 1979 م، ص 208، والماوردي، علي بن محمد، (ت450 هـ/ 1085 م): الأحكام السلطانية،(ط1)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1985 م، ص 25.

([2])المنجد، صلاح الدين، (1986 م)، النظم الدبلوماسية في الإسلام،(ط1)، القاهرة، مكتبة الإنجلو مصرية، ص 94-156.

([3])السفارة الدائمة. وتسمى البعثة الدائمة، وقد اصطلحوا على تسمية السفارة الدائمة في زماننا بمسمى
 "السفارة" فقط، فالسفارة هي البعثة الدبلوماسية الدائمة التي يرأسها موظف سام بدرجة سفير، وهي أعلى مرتبة تتولى تمثيل الدولة وتمثيل أعلى سلطة فيها. وهذا السفير يتم تعيينه لدى دولة أخرى من قبل رأس الدولة، وضمن كتاب اعتماد موقع منه ومن وزير الخارجية، موجه لرأس الدولة الأخرى. ويتمتع السفير عادة بتفويض مطلق للقيام بمهام عمله لدى الدولة المعين لديها، ومن ذلك حق التحدث باسم دولته والتفاوض في كل الشؤون التي تخصها مع أعلى المراتب في الدولة المعتمد لديها، بدءاً من رأس الدولة، وكافة الجهات المعنية فيها، وصولاً لوزير الشؤون الخارجية.

وقد أصبحت السفارة الدائمة- أو التمثيل الدبلوماسي الدائم- مرتبطة بإقامة علاقات رسمية بين بلدين. فعلاقات الاتصال والود والصداقة لا يمكن أن تصل إلى المستوى الرسمي إلا إذا قامت علاقات دبلوماسية كاملة من خلال التمثيل الدبلوماسي الدائم، والتي تتم بالتوافق والتراضي وعن طريق التبادلية، وتتصل إقامة هذه العلاقات بوعي كامل عند الدول، لدور ومهام البعثات الدبلوماسية، واستعداد تام لاحترام كافة الأعراف والاتفاقيات والقوانين الملزمة لها، وتقديم كافة الحصانات والامتيازات والتسهيلات التي تنظمها بنود هذه الأعراف والمواثيق، ومنها بشكل خاص ما تتضمنه اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961م، والعلاقات القنصلية لعام 1963م.

وقد حددت اتفاقية فيينا لعام 1961م مهام البعثة الدبلوماسية الدائمة بما يأتي:

1. تمثيل الدولة المعتمدة (المرسلة) لدى الدولة المعتمد لديها (المستضيفة).

2. حماية ورعاية مصالح الدولة الموفدة في الدولة المستضيفة، ضمن الحدود المسموح بها في إطار مبادئ القانون الدولي.

3. التفاوض مع حكومة الدولة المعتمدة لديها (المستضيفة).

4. الإحاطة، بكل الوسائل المشروعة بأحوال الدولة المستضيفة، والتطورات التي تقوم فيها، وتضمينها في تقارير إلى حكومة الدولة المعتمدة.

5. تطوير علاقات الصداقة والود بين الدولتين (المعتمدة والمعتمد لديها) وتنمية العلاقات الاقتصادية والثقافية والعلمية بينهما.

وتحمل هذه البنود الخمسة التي نصت عليها المادة الثالثة من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية في طياتها تفصيلات واسعة للمهام المنوطة بالبعثة الدبلوماسية الدائمة، لا ترتبط فقط بالعلاقات الثنائية بين دولتين، وإنما تتعداها لتشمل واقع العمل الدبلوماسي في المحيط الدولي العام، وتطورات وانعكاسات هذا العمل على القضايا الدولية، وارتباط ذلك بالمصالح الوطنية للدول ونمط وأشكال مواجهتها وكيفية التعامل معها. خالد الشيخ، الدبلوماسية والقانون الدبلوماسي، ص203. وهو نص المادة الثالثة من اتفاقية فيينا المذكورة.

([4]) انظر: الشيخ،خالد حسن, (1999م), الدبلوماسية و القانون الدبلوماسي,(ط1)،عمان: من نشر المؤلف،ص 141-147 وأبو هيف، علي صـادق،(1977م)، القانون الدبلوماسي، (ط3)، الاسكندرية: منشأة المعارف، ص35-41. والجاسور، ناظم عبد الواحد، (2001م)،أسس وقواعد العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، (ط1)، عمان: دار مجدلاوي للنشر والتوزيع،ص 55

([5]) خالد الشيخ، الدبلوماسية والقانون الدبلوماسي، ص147-148.

([6]) المصدر نفسه، ص149.

([7]) المصدر نفسه، ص149-150.

([8]) المصدر نفسه، ص150.

([9]) البخاري، حديث رقم (7).

([10]) محمد حميد الله، محمد، (1969م)،مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، (ط3) بيروت، دار الإرشاد، ص105.

([11]) المصدر نفسه، ص 110.

([12]) انظر في اللقب: ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري،( ط1) (13م)دار الريان، القاهرة، 1986م، ج1، ص44. و النووي، محيى الدين بن شرف، (ت 676 هـ/277م)،شرح صحيح مسلم،(ط8)، دار المعرفة،بيروت، (2001م)، ج12، ص330.

([13]) ابن حجر، فتح الباري، ج1، ص58.

([14]) ابن حجر، فتح الباري، ج1، ص58

([15]) قال ابن حجر:(وفي المسند من طريق سعيد بن أبي راشد عن التنوخي، وذكر رسول هرقل، قال: قدم رسول الله r تبوك فبعث دحية إلى هرقل...)، فتح الباري، ج1، ص57. وهذه المرة الثانية التي يبعث فيها النبي r إلى هرقل. فأرسل إليه هرقل برسولٍ من قبيلة تنوخ.

([16]) ابن حجر، فتح الباري، ج1، ص58. انظر أيضاً: محمد حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة الراشدة، ص110-111.

([17]) شيخ كبير في السن، ومثله قوله تعالى على لسان يعقوب رداً على أبناءه لما كانوا ينكرون عليه ما يقول (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون) يعني لولا أنكم تقولون إني شيخ كبير!.

 ([18]) الحديث طويل، يكفي ما ذكر منه للتدليل. انظر: محمد حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص58، وقد تقدم جزء منه في البخاري. وقد ذكر ابن حجر رحمه الله طرفاً منه، انظر: فتح الباري، ج1، ص57.

([19]) الماوردي، قوانين الوزارة، ص 208، والأحكام السلطانية، ص 25

([20]) محمد حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص86. وذكر ابن حجر بعضاً منه، وصحح سند الحديث. انظر: ابن حجر، فتح الباري، ج1، ص57 وص50

([21]) مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي، ص82، نقلاً عن اليعقوبي، ج2، ص84. وفريدون بك، منشآت السلاطين، ج1، ص30. ومقابلة مع السهيلي، الروض الأنف، ج2، ص32

([22])  ابن هشام، عبد الملك (ت213 هـ/828م)، سيرة النبي r، (تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد)،(ط1)، دار الفكر، بيروت، لبنان،1981م، ج1، ص4

([23])  محمد حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص107

([24])  الكتاني، محمد عبد الحي، (1996م)، التراتيب الإدارية، (ط2)، بيروت، دار الأرقم بن أبي الأرقم، ج1، ص183. أما سيرين فقد أعطاها النبي r لحسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن بن حسان، انظر: ابن هشام، السيرة، ج3، ص352.

([25]) المصدر نفسه، ج1، ص4

([26]) النووي، شرح صحيح مسلم، ج12، ص326

([27]) ابن حجر، فتح الباري، ج1، ص50

([28]) إن بعض الدول الاستبدادية - في زماننا- تزعم عدم شرعية كثير من الأنظمة بحجة أنها لا تطبق الديمقراطية، وتبيح لنفسها شن الحروب على هذه الأنظمة، فتقتل العباد، وتدمر البلاد، وتشيع في الأرض الفساد، ثم يلاقي مثل هذا الإجرام استحسان الكثيرين، على الرغم من أن هذه الدول لا تؤمن بالقيم السماوية، ولا تقيم ميزاناً لمعايير العدل، وتستبيح الربا والزنا واللواط وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير وعقوق الوالدين والفواحش ما ظهر منها وما بطن، وسفك الدماء،وإفساد البر والبحر والهواء.

فإذا أجرينا مقارنة بين هذا التخلف وبين دولة الإسلام القائمة على مبادئ العدل والمساواة والشورى، ونشر الفضيلة ومحاربة الفساد والرذيلة، الداعية إلى الأمن والسلام والمحبة، الناهية عن سفك الدماء وعقوق الآباء، الدولة التي تحرم الغدر والخيانة وتدعو إلى الوفاء- فإذا أجرينا هذه المقارنة- فإنه من حق الدولة الإسلامية أن تنظر إلى أي نظام لا يقيم لهذه المعايير قيمة، بأنه نظام فاقد الشرعية. فهذا مراد الأمام النووي والإمام ابن حجر- رحمهما الله- والله تعالى أعلم.

 ([29]) يقول مجيد خدوري:(ولكن أخذ العلم بوجود سلطة في دار الحرب، لم يكن يعني الاعتراف بها بالمعنى الذي نفهمه اليوم، لأن الاعتراف يعني ضمناً: قبول شعوب غير مسلمة ذات سيادة على أنها مساوية للسيادة الإسلامية، ضمن أحكام الشرع الإسلامي... وحالة عدم الاعتراف هذه لا تعني- كما هو الحال في هذا الزمان- أن المفاوضات المباشرة يجب أن تتقطع، أو أن المعاهدات لا يمكن عقدها بين الطرفين... وأقرب شيء إلى هذا الوضع، هو ما يعرف في القانون الدولي المعاصر بالاعتراف بالتمرد أو العصيان. وهذا النوع من الاعتراف، لا يمنع الاعتراف بالأمر الواقع فيما بعد، كما أنه لا يمنع الاعتراف القانوني، ولا يمثل الموافقة أو المصادقة على الحكم المتمرد...) انظر: القانون الدولي الإسلامي (كتاب السير للشيباني) بتحقيق: مجيد خدوري، ص24

 ([30])ابن العربي، محمد بن عبد الله،(ت 543 هـ/1148م)، أحكام القران، (ط3)،4م (تحقيق:علي البجاوي)،دار المعرفة، بيروت،1972م، ج4، ص1725. ونقله القرطبي دون إشارة إلى النقل، القرطبي، محمد بن احمد،(ت671 هـ/ 1272 م)، الجامع لأحكام القران، (ط2)،2م، دار التراث الإسلامي، القاهرة،1952م، وصورته دار الفكر مع فهارس 1987م، ج16، ص342 ونحوه لابن العربي، عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي، (ط1)،8م، دار الكتب العلمية، بيروت 1997م، ج12، ص112، وابن حجر، فتح الباري، ج6،ص609

 ([31])الزمخشري, محمود بن عمر,(ت 528هـ/1133م), الكشاف، (ط3)،4 م، دار الريان للتراث, القاهرة, ودار الكتاب العربي, بيروت, 1987، ج4، ص275 

 ([32])ابن كثير، إسماعيل، (ت774 هـ/1372  م)، تفسير القران العظيم،(ط1)،(4م)، دار الأسماء مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية بلا تاريخ، ج4، ص228

([33])الزحيلي، وهبة (1981)،العلاقات الدولية في الإسلام، (ط1)،  بيروت، مؤسسة الرسالة، ص104

([34]) أي من خلال الموادعة والمواثيق التي تحكم طبيعة العلاقات بين البلدين.

([35]) خالد الشيخ، الدبلوماسية والقانون الدبلوماسي، ص289-305.

([36]) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب رقم(99).

([37]) رواه البخاري،  كتاب الجهاد والسير، حديث رقم(2936)، الباب المذكور.

([38]) ابن حجر، فتح الباري، ج6، ص126.

([39]) كتاب الجهاد والسير، باب رقم (101)، فتح. ج6، ص126.

([40]) كتاب الجهاد والسير، باب رقم (101)، حديث رقم (2938).

([41]) أي أمر المبعوث وهو عبد الله بن حذافة السهمي. انظر: ابن حجر، فتح الباري، ج6، ص127.

([42]) كتاب الجهاد والسير، باب رقم (101)، حديث رقم (2939).

([43]) ابن حجر، فتح الباري، ج6، ص127.

([44]) ابن حجر، المصدر السابق، ج6، ص127.

([45]) انظر المصدر نفسه، ج6، ص127.

([46]) المصدر نفسه، ج6، ص127.

([47]) كتاب الجهاد والسير، باب رقم(102).

([48]) هذا القول لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، يعني: هل نقاتلهم مباشرة حتى يكونوا مسلمين مثلنا؟.

([49]) كتاب الجهاد والسير، باب رقم (102)، حديث رقم (2942).

 ([50])الجويني، عبد الملك بن عبد الله، (ت 478 هـ/ 1085 م)،الغياثي، (ط 1)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان،1997 م، ص127-128.

 ([51])ابن عاشور، محمد الظاهر, (ت1379 هـ/ 1973م), مقاصد الشريعة الإسلامية, (ط1) ,تحقيق: محمد الظاهر الميساري، البصائر للإنتاج العلمي, 1998م، ص188.

 ([52]) المصدر نفسه، ص209.

([53]) قال تعالى في بيان عظيم جريمة إفساد موجودات الكون: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ% وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ% وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) [البقرة: 204-206].

([54]) المصدر نفسه، ص220.

 ([55]) روى البخاري من حديث حذيفة رضي الله عنه قال:" قال رسول الله r، لأهل نجران: لأبعثن - عليكم - أميناً حق أمين، فأشرف أصحابه، فبعث أبا عبيده رضي الله عنه" كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب أبي عبيده، حديث رقم(3745)

انظر: ابن حجر، فتح الباري، ج7، ص117-118.

 ([56])أبو  يوسف، يعقوب بن إبراهيم، (ت183 هـ/799م)، كتاب الخراج، (ط1)، دار المعرفة، بيروت، بدون سنة طبع، ص 73. وابن حجر، فتح الباري، ج7، ص117-118.

([57]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج20، ص204.

([58]) المصدر نفسه، ج20، ص204.

 ([59])الشافعي، محمد بن إدريس، (ت 204هـ/819م)، الأم، (ط1)، 9م، دار الكتب العلمية، بيروت،1994م، ج4، ص241.

([60]) ابن حجر، فتح الباري، ج6، ص 690. وابن كثير، إسماعيل،(ت774 هـ/ 1372م)، البداية والنهاية،(ط1)،7م،دار الريان للتراث، القاهرة، 1988م، ج3، ص45. وابن هشام، السيرة، ج4، ص316 و ص 317. وقاضي زادة، أحمد بن قودر، (ت 998هـ/ 1589 م)، نتائج الافكار في كشف الرموز والأسرار، (وهو تكملة شرح فتح التقدير)، (ط1)، 10 م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1995 م، ج5، ص447.

 ([61])نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار، ج5، ص 447.

([62]) الميرغناني، الهداية، مع فتح القديرِ، ج5، ص447.

([63]) مسلم، ابن الحجاج القشيري، (ت261 هـ/ 874م)، صحيح مسلم، كتاب الجهاد، باب غزوة ذي قََرَد، حديث رقم(4654). انظر: النووي، محيي الدين بن شرف، ت676 هـ/1277م)، شرح صحيح مسلم، (ط8)، دار المعرفة، بيروت، 2001م، ج12، ص 384.

([64]) الشافعي، الأم، ج4، ص269 و270.

([65]) المصدر نفسه، ج4، ص270. وانظر: أبو عيد، عارف خليل، (1996م)، العلاقات الدولية في الإسلام، (ط1)، عمان، جامعة القدس المفتوحة، ص288.

 ([66])نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار، ج5، ص440.

([67]) المصدر نفسه، ج5، ص440.

([68]) انظر: أبو زهرة، محمد، العلاقات الدولية في الإسلام، (ط1)، القاهرة دار الفكر العربي. ص51. ومحمود شلتوت، الإسلام عقيدة وشريعة، ص453. والإسلام الصراط المستقيم، ص168. و سلطان، حامد، (1986م)،أحكام القانون الدولي, (ط1)، القاهرة: دار النهضة العربية، ص160، فقرة رقم (228). والصالح، صبحي، النظم الإسلامية، (ط6)، دار العلم للملايين، بيروت  1982م، ص518. والمحصاني، صبحي، (1982م)، القانون والعلاقات الدولية في الإسلام، (ط2)، بيروت، دار العلم للملايين، ص180. حيث يقول:" ولم ينشأ الجهاد إلا للضرورة...". ووهبة الزحيلي، العلاقات الدولية في الإسلام، ص100. حيث دافع دفاعاً عجيباً عن فكرة أن الأصل السلم، وأن الحرب في الإسلام دفاعية. وانظر في الاتجاه الآخر: عارف أبو عبيد، العلاقات الدولية في الإسلام، ص105. وممن أعطى الجهاد في الإسلام مفهوماً شمولياً، أستاذنا الدكتور: محمد نعيم ياسين، في كتابه: الجهاد ميادينه وأساليبه، ط4، دار النفائس، عمان: 1993م، ص67.

([69]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج13، ص58.

قال القرطبي:(وجاهدهم به) قال ابن عباس: بالقرآن. قال ابن زيد: بالإسلام. وقيل: بالسيف. وهذا فيه بعد، لأن السورة مكية نزلت قبل الأمر بالقتال، (جهاداً كبيراً): لا يخالطه فتور. المصدر نفسه، ج13، ص58.

ثم إن الادعاء بأن هذه الآية منسوخة عثرة من العثرات، لأن هذا الإدعاء يبطل أسمى مقصد من مقاصد الإسلام وهو دعوة الناس إلى الدين الحق دين محمد r.

([70]) انظر: عارف أبو عيد، العلاقات الدولية في الإسلام، ص 291.

([71]) ابن كثير، البداية والنهاية، ج7، ص37 وص38.

([72]) الإيالة: السياسة. آل الرعية يؤولها إيالة حسنة، وهو حسن الإيالة، وأتالها وهو مؤتال لقومه مقتال عليهم أي سائسٌ محتكم. قال زياد في خطبته: قد ألنا وإيل علينا أي سسنا وسسنا، وهو مثل في التجارب. أساس البلاغة، الزمخشري، باب (أول) ج 1، ص14.

([73]) الجويني، الغياثي، ص168 و ص169.

([74]) محمد حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية، ص 384.

([75]) والاستدلال بالآية على هذا النحو، أي ترك القتال واللجوء إلى الصلح والموادعة خوفاً على أرواح المسلمين وذراريهم، نقله الشافعي عن الأوزاعي في سيره. انظر: الشافعي، الأم، ج8، ص 575. من كتاب سير الأوزاعي. برواية الأمام الشافعي، وقد وافقه الإمام الشافعي على استدلاله. وانظر أيضاً: ابن رشد،محمد بن أحمد، (ت595هـ/1189م)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، (ط1)، 6م، دار الكتب العلمية، بيروت، 1996. ج3، ص431.

([76]) ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، ص 303.