أضيف بتاريخ : 07-12-2022


مَعالِم النَّظر المصلحي في فِكر الصَّحابة رضي الله تعالى عنهم

مقاربة في تأسيسِ قواعدِ المصلحة العامة (*)

الدكتور عبد الكريم بناني/ عضو في بنية المعاملات المالية والمجتمع لمختبر الدراسات والأبحاث في الجامعة الإسلامية والتنمية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الشريعة- فاس.

ملخص للبحث

تعدّ المصلحة العامة من الأبواب التشريعية الاجتهادية التي لم توفّ حقها في الدراسات الأصولية والمقاصدية، رغم أن الحاجة المجتمعية اليوم تدعو لدراسة قواعدها وبيان ضوابطها وأسسها ومقارباتها.

لذلك فالحديث عن المصلحة العامة في منهج الصحابة رضي الله تعالى عنهم؛ في إطار مقارباتها التأسيسية؛ حديث عن منهج علمي يخدم الأمة الإسلامية؛ فبيان التوظيف لهذا الأصل عند الصحابة من خلال القضايا التي عرضت لهم؛ يبين عن سعة أُفقهم؛ ورصانة في فكرهم.

فقد تنوّعت المناهج والأسس التي تبناها الصحابة في تأسيس نظرهم على المصلحة العامة؛ بين توظيف قواعد الأصول؛ باعتبارها لبنات أساسية تخدم المنهج المصلحي؛ وتحقق مقاصده ومعانيه؛ سواء تعلق الأمر بتوظيف القياس بمعناه العام؛ أم سد الذرائع أم باقي الأصول الأخرى؛ ومراعاة المنهج التدرجي الذي يتأسس على مبدأ تطور وانتشار الأمر بين الناس، فيتأسس من خلاله البناء الاجتهادي للمسألة؛ كما ظهرت هذه السعة في تأسيس مناهج لرفع التعارض بين المصلحة العامة والخاصة؛ بتغليب المصلحة العامة؛ لأنها تحقق النفع للأغلبية؛ وكذا في رفع التعارض بين المصالح العامة والمفاسد العامة؛ من خلال التأسيس لقواعد رفع الضرر؛ التي اشتغل عليها الفكر الفقهي بعد ذلك.

الكلمات الافتتاحية: الصحابة. المصلحة العامة. التأسيس. القواعد. النظر.

المقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ وبعد

إن المتتبع لفقه الصحابة والمتدبّر لآثارهم، يدركُ أنّ الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أئمةً في فهم وتدبّر معاني الشريعة الإسلامية الغرّاء؛ فقد كانوا يراعونها في فتاويهم وأقضيتهم وأحكامهم وتعليمهم وتدريسهم؛ بل كانت تلك المعاني حاضرة معهم حتّى في حياتهم الخاصة التي قامت على أسس شرعية تمثّل أسلوباً ومنهجاً في الاقتداء بخير القرون.

ومن هذه المعاني التدبّرية التي اعتنى بها الصحابة؛ نجد أصل رعاية المصلحة العامة؛ الذي ثبتَ بالاستقراء مراعاة الشارع الحكيم له؛ وعنايته به؛ لمحافظته على مقصودِ الشرع، ولما يتأسَّس عليه من منافع للمسلمين؛ تتحقق على مستوى مواقع الوجود، ولكونه يمثّل مصلحة الأغلبية؛ لذلك قصد الشارع الحكيم التوجيه إليه والإذعان له عند تنزيل النصوص.

وبما أن القواعد المرتبطة بالمصلحة العامة هي قواعد قابلة للتغير والتبدّل؛ لأن المصلحة العامة لا تستقر إلا في بعض الأمور التي ضبط بها الشرع المصالح: كوجوب الواجبات؛ وتحريم المحرّمات؛ وتقدير الحدود؛ فهي مصالح عامة أبدية؛ لا تتغيّر بخلاف ما يتحقق به التغيّر في الواقع والتجدّد في المجتمع وينضبط لكليات الشرع؛ لذلك تغيرت أنظار الصحابة رضي الله تعالى عنهم تبعاً لتغير هذه المصالح؛ وتنوعت مدارك اجتهادهم بناء على هذا المنهج، فأثمرت أصولاً وقواعد يستدعي واقعنا اليوم -بما يعرفه من وقائع ومستجدات- توضيحها وتبيين أسسها وتوضيح مسالكها بما يخدم أصول الشريعة وتنزلاتها على واقع الناس.

أهمية البحث

تكمن أهمية الدراسة في كون النظر المصلحيّ عموماً يمثل مدخلاً تدعو الحاجة في هذا العصر إلى فهم مسائله واستيعاب آلياتِه، وربطِه باجتهادات وأقضية وفتاوى الصحابة رضي الله تعالى عنهم من شأنه تأسيس مقاربات شرعية توضح معالم هذا النظر، وتبيّن الضوابط المرعية بخصوص اعتمادهم على هذا المنهج، خاصة أن مجمل قواعد الأصول تعامل معها الصحابة بمنهج فطري سليقيّ لتميزهم في قواعد اللغة وارتباطهم بالوحي زماناً ومكاناً.

مشكلة البحث وفرضياته

يقوم جوهر المشكلة الرئيسة التي تطرحها الدراسة، في تأصيل فهم الصحابة لقضايا المصلحة العامة، من خلال الوقائع والتمثُّلات التنزيلية التي عرضت في حياتهم، وأبانوا فيها عن سعة أفقهم ورصانة فكرهم، لذلك نطرح التساؤلات الآتية:

ما هي المناهج والأسس التي تبناها الصحابة في تأسيس نظرهم على المصلحة العامة؟ وهل تأثّر فكر الصحابة بوقائع الحال التي يمثّلها ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم وصحبته؟ وكيف تمّ توظيف قواعد الأصول لتحقيق نظر مصلحيّ رصين؟ كيف تعامل الصحابة مع قواعد الأصول في علاقتها بالنظر المصلحي؟ وكيف رُفع التعارض بين المصالح العامة والمفاسد العامة، والمصالح العامة والمصالح الخاصة؟

منهجية البحث وخطّته

تجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسة؛ لم تستوعب جميع قضايا الصحابة المبنية على المصلحة العامة؛ ولا يمكنها ذلك؛ لأنها كثيرة ومتعددة؛ يصعب حصرها في دراسة واحدة؛ سواء تعلق الأمر بالبناء الجماعي للمصلحة العامة؛ أو البناء الفردي؛ لذلك جاءت هذه القضايا بمثابة النماذج التي تدلّ على غيرها وتؤكد المقاربة التأسيسية التي نهجها الصحابة في بناء الفهم المصلحيّ العام؛ وهي القضايا التي ارتكز عليها الفكر الفقهي والمقاصدي بعد ذلك؛ بدليل تصدّر جملة هذه القضايا في كتب العلماء والأئمة الأعلام كابن القيم وابن تيمية والشاطبي والطاهر ابن عاشور؛ وغيرهم.

وقد جاءت الدراسة منتظمة في تمهيد وخمسة مباحث؛

تناولت في التمهيد المعنى المراد من مفهوم المصلحة العامة؛ بتحديد ماهيته وبيان المراد منه.

المبحث الأول؛ بيّنت فيه أثر ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم وإقراراته في ظهور معالم النظر المصلحي عند الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

والمبحث الثاني؛ اعتنى بتوضيح توظيف الصحابة لقواعد الأصول في تأسيس لبنات المصلحة العامة.

بينما المبحث الثالث؛ بينت فيه كيف أسّس الصحابة لمنهج تدرجي في رعاية المصلحة العامة.

والمبحث الرابع؛ جاء لتوضيح أسس منهج رفع التعارض بين المصلحة العامة والخاصة.

والمبحث الخامس؛ خصصته لبيان منهج رفع التعارض بين المصالح العامة والمفاسد العامة.

والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سبيل الرشاد.

تمهيد

في مفهوم المصلحة العامة

مفهوم المصلحة العامة؛ من المفاهيم التي تتطلب تحديد الماهية؛ باعتبارها مقوّماً اجتهادياً يتم تناوله في العديد من القضايا الطارئة والمستجدة؛ لذلك أرى من الضروري تجلية الفهم قبل الخوض في ثنايا البحث؛ بما يبين المنهج المتبع في البحث انطلاقاً من توضيح المفهوم وإزالة الإشكال.

المصلحة في اللغة: واحدة المصالح؛ والاستصلاح نقيض الاستفساد؛ وأصلح الشيء بعد فساده: أقامه؛ وأصلح الله الدابة أحسن إليها فصلحت[1].

قال ابن منظور الإفريقي: "فكل ما كان فيه نفع سواء كان بالجلب والتحصيل كاستحصال الفوائد واللذائذ، أو بالدفع والاتقاء كاستبعاد المضار والآلام، فهو جدير بأن يسمّى مصلحة"[2]؛ وهي خلاف المفاسد[3]؛ فكل أمر خير فهو مصلحة.

وبما أنّ المصلحة ليس لها مرادف في اللغة تعرّف به؛ نجد علماء اللغة يعرفونها بالضدّ.

فالضدّ واحد من الطرق التي تعرف بها الأشياء؛ كما قال أبو الطيب: ألا بضدِّها تتمَيَّز الأشياء[4].

وفي الاصطلاح: المصلحة هي المنفعة التي قصدها الشارع الحكيم لعباده من حفظ دينهم ونفوسهم وعقولهم؛ ونسلهم وأموالهم؛ سواء تعلق الأمر بالضروريّ أم الحاجيّ أم التحسينيّ طبق ترتيب معين فيما بينها[5].

وهي ضدّ المفسدة التي تعني كل ضرّ ومنكر؛ قصد الشارع دفعه أو رفعه؛ عاماً أو خاصاً أو معنوياً.

أمّا العامة: فكلّ ما اجتمع وكثر، وهي خلاف الخاصّة[6]؛ ولفظ العامة يفيد التمام والاستغراق الشموليّ الذي يتناول جميع الناس أو الجماهير الغفيرة منهم[7]؛ بمعنى: ألاَّ تكون هذه المصلحة خيرًا خاصًّا بفرد متعيّن بذاته من الناس؛ بل بالمجموع الذي يفيده الاستغراق.

يقول الإمام الغزاليّ (ت505هـ) رحمة الله تعالى عليه: "نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع؛ ومقصود الشرع من الخلق خمسة؛ وهو أنْ يحفظ عليهم دينهم؛ ونفسهم؛ وعقلهم؛ ونسلهم؛ ومالهم؛ فكلّ ما يتضمّن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة؛ وكلّ ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة؛ ودفعها مصلحة"[8]؛ كما عرفها بقوله: "المصالح العامة هي ما يتعلق بمصلحة الخلق كافة أو بمصلحة الأغلب"[9].

وذهب الإمام الشاطبي (ت790ه) في "الاعتصام" إلى بيان المصلحة المقصودة، فقال: "فإن المراد بالمصلحة عندنا ما فهم رعايته في حقّ الخلق؛ من جلب المصالح ودرء المفاسد؛ على وجه لا يستقلّ العقل بِدَرْكِهِ على حال؛ فإن لم يشهد الشرع باعتبار ذلك المعنى بل يردّه؛ كان مردوداً باتفاق المسلمين"[10]، حيث بيّن أن المصالح المستجلبة والمضار التي ينبغي أن تدرأ  تخضع لميزان الشرع في أصوله وكلياته.

وقد ميّز د.حسين حامد في تقسيمه للمصلحة من حيث الشمول بين المصلحة العامة والمصلحة الغالبة؛ حيث مثّل للأولى بما جاء عن الغزالي في قتل المبتدع الداعي إلى بدعته إذا غلب على الظنّ ضرره، انطلاقاً من معطيات تؤكّد ما يترتب على بدعته من مضارّ على العامة، دون إغفال حرية التعبير المكفولة شرعاً والتي لا تؤثر على الأمة، وللثانية بتضمين الصناع الذي يحقق مصلحة أصحاب السلع وليس كل الأمة[11]؛ لكن الفهم اللغوي للمفهوم والواقع العملي يردّان هذا التمييز؛ فالمصلحة العامة هي مصلحة الجمع الغفير أو الأكثرية أو مصلحة الأغلبية؛ ويتعذّر في تنزيل المصلحة أن تجد انضباطها مع الكافة دون وجود الاستثناء؛ فحتىَّ تضمين الصناع فيه مصلحة العامة؛ في زجر الناس عن حفظ الأمانات التي تحت أيديهم؛ فينصلح حالهم؛ وبصلاحهم تنتفع الأمّة جميعاً.

ويؤكّد تعريفُ ابن العربي المعافري (ت543هـ) للمصلحة العامة هذا المعنى؛ حيث يقول: "هي كل معنى قام به قانون الشريعة؛ وحصلت به المنفعة العامّة في الخليقة"[12]؛ أي إن ما يتحقّق من نفع على مستوى الجمع الغفير من الناس وينضبط بقانون الشريعة فهو مصلحة عامة.

وقد أرشد إلى هذا المعنى ابن عبد السلام (ت660ه)، حين نصّ على عدم اشتراط نصّ خاصّ في كلّ مصلحة، بل تتحصّل من مجموع ذلك، حيث يقول: "من تتبع مقاصد الشرع في جلب المصالح ودرء المفاسد حصل له من مجموع ذلك اعتقاد بأنّ هذه المصلحة لا يجوز إهمالها، وأنّ هذه المفسدة لا يجوز قربانها، وإن لم يكن فيها إجماع ولا نصّ ولا قياس خاصّ"[13].

وهذا البيان الحدّي من المعاني السابقة؛ يبيّن لنا أنّ المقصود بالمصلحة العامة؛ هي "ما يعود بالنفع العامّ على كافة الناس أو أغلبهم؛ سواء تعلّق الأمر بمصالحهم الضرورية أو الحاجية أو التحسينية"[14]؛ ضمن أصول الشريعة وكلياتها الخمس: الدين؛ النفس؛ العقل؛ النسل؛ والمال؛ ومعنى هذا أنه "لا بدّ للمجتهد من الاعتصام بما ذكر من أصول الشريعة؛ والاحتكام إلى قواعدها الكلية؛ ومقاصدها العامة"[15]؛ لأن بها تتحقق معاني المصلحة العامة.

المبحث الأول

أثر ملازمة وإقرار النبيّ صلى الله عليه وسلم في ظهور معالم النظر المصلحِي عند الصحابة رضي الله تعالى عنهم

أولاً: أثر ملازمة وصحبة النبي صلى الله عليه وسلم على فكر الصحابة

لقد عاش الصحابة رضوان الله تعالى عنهم في كنفِ الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وأخذوا العلم والفهم من فيهِ مباشرة؛ فقد أدّت ملازمتهم للنبي صلى الله عليه وسلم في الـتأثير في شخصيتهم وصقلِ فكرهم وتوضيح الأساس الذي ينبغي أن يقوموا عليه في منهجهم المصلحي بعد ذلك باعتبارهم مهيئين فطرياً لذلك؛ فقد حرص عليه الصلاة والسلام على توجيههم بما يقيم صلاَح أحوالهم؛ وصلاَح أحوال من يعلّمونه أو يفتونه من الناس، سواء في جلوسهم للعلم والمدارسة، أو في ممارستهم لقضايا ومهام الدولة التي تقوم على التبيّن والنظر؛ ومنها:

- أنّه بعث معاذاً بن جبل إلى اليمن قاضياً؛ فلم يتركه دون توجيه أو تنوير؛ فقال له: كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب الله؛ قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أجتهد رأيي لا آلو[16]؛ قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدري، ثم قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم"[17]؛ فكان هذا الفهم من معاذ بمثابة الأسس التي ينبغي أن يقوم عليها الصحابة ومن بعدهم من التابعين ما دام قد وفّق إليه بفعل ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم.

- أنّه صلى الله عليه وسلم قال بحضرة جدامة بنت وهب الأسدية[18] -أخت عكاشة-: "لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أنّ الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضرّ أولادهم"[19]؛ فأفهمت كلماته أسس النظر المصلحيّ الذي اعتنى فيه صلى الله عليه وسلم بفقه الواقع؛ والذي ينبغي أن يقوم عليه فهم الصحابة في تنزيلهم للمصالح العامة من خلال مراعاة ما يتحقّق على مستوى مواقع الوجود؛ فالنظر في النّهي عن الغيلة قام على أساس الظنّ في الأذى الذي قد يلحق الطفل من رضاعة لبن الغيلة؛ لكن رجوع النبيّ صلى الله عليه وسلم عن النهي وتأسيس هذا الحكم جاء مراعاةً لما يتحقق من مصلحة للطفل وللزوجين وللمجتمع؛ بالنظر إلى واقع الروم وفارس؛ بترجيح هذه المصلحة الحقيقية على المفسدة الظنية.

فمثل هذه التوجيهات النبوية أسّست فكر الصحابة رضي الله تعالى عنهم؛ فقد أدركَوا رضي الله تعالى عنهم أهمية أخذ الفهم عن النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ نظراً لما بثّه الله في قلب وفؤاد نبيّه من خصائص جعلت منه معلماً ومفهّماً؛ ومن خلال المواقف التي وقعت للنبيّ صلى الله عليه وسلم في حياة وحضور الصحابة؛ نفهم أثر ذلك أيضاً على شخصيتهم وعلى منهجية بنائهم للأحكام الشرعية، وعلى تمثلهم للفكر المصلحي عموماً؛ وخاصة ما يرتبط بالنفع العام للأمة وللمجتمع ولمراعاة واقعهم المعاش.

إنّ أثر ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم على فكر الصحابة رضي الله تعالى عنهم؛ أكسبتهم جودة نظرٍ ودقةً في تأمل النصوص وتدبّرها؛ وحسن تنزيلها على واقع المسلمين بعد ذلك؛ ومنه:

- فهم ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لفعل النبيّ صلى الله عليه وسلم في جمع الناس لصلاة الظهر والعصر من غير خوف ولا سفر؛ فعن ابن عباس قال: "صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جمِيعًا بِالْمَدِينَةِ في غَيْرِ خَوْف وَلا سَفر"؛ قَالَ أَبُو الزُّبيَرِ: فَسَأَلْتُ سَعِيدًا لِم فعَلَ ذَلِكَ؟ فقالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاس كَمَا سَأَلْتَنِي؛ فقَالَ: "أَرَادَ أَنْ لا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أمته"[20].

فهذا الفهم عند ابن عباس نشأ نتيجة ملازمته للنبيّ صلى الله عليه وسلم ومعرفته بأغراض الأقوال والأفعال الصادرة منه صلى الله عليه وسلم وقبل كل ذلك هو ثمرة دعوة النبيّ صلى الله عليه وسلم له.

وغير هذه الوقائع كثير؛ مما يشهد على رجاحة نظر الصحابة؛ وقوّة فطنتهم؛ ومما يؤكد أنّ صحبته للنبيّ صلى الله عليه وسلم؛ جعلت منهم قدوةً ومرجعاً.

ثانياً: إقرار النبيّ صلى الله عليه وسلم للصحابة في اجتهادهم المصلحيّ العامّ

لا ريب أنّ ملازمة النبيّ صلى الله عليه وسلم أثّرت بشكل كبير في فكر الصحابة؛ ويظهر أثر هذا التأثير في بنائهم الاجتهاديّ؛ وفي توجيه النبيّ صلى الله عليه وسلم للصحابة من خلال إقراره لاجتهاداتهم المبنية على النظر المصلحيّ؛ فكان هذا الإقرار بداية تأسيس لمنهج مقاصدي يعتمد مسالك النظر المصلحيّ في الاجتهاد والتنزيل على الوقائع؛ فإقرار النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ لنظر معاذ رضي الله تعالى عنه السالف الذكر؛ تأسيس لمشروعية الاجتهاد في استنباط الأحكام أوّلاً؛ ولما يتضمنه هذا الاجتهاد من اعتماد مسالك النظر المصلحي التي تعتبر آليات مهمة في بناء الأحكام أو تغييرها.

ومما يشهد لهذا المعنى ما رواه البخاري عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو أنه سمع جابراً رضي الله عنه يقول: "غزونا جيش الخبط، وأمر أبو عبيدة يوضع علامات الترقيم، فجُعْنا جوعاً شديداً، فألقى البحر حوتاً ميتاً لم نر مثله، يقال له: العنبر، فأكلنا منه نصف شهر، فأخذ أبو عبيدة عظماً من عظامه فمرّ الراكب تحته، فأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً يقول: قال أبو عبيدة: كلوا، فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: كلوا رزقاً أخرجه الله، أطعمونا إن كان معكم، فأتاه بعضهم فأكله"[21].

وقد روي الحديث بروايات كثيرة؛ تتفق في إقرار النبي بالقول والفعل لصحّة فهم أبي عبيدة ومن معه من الصحابة؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لم يسألهم عن موت الحوت بالبحر أم خارجه؛ ولم يسألهم عن ظروف حاجتهم لأكله؛ بل رتّب إقراره صلى الله عليه وسلم؛ على أمر تشريعي يقتضي إباحة أكل ميتة البحر، سواء ماتت بنفسها أم بسبب الصيد؛ ولهذا "ذهب الجمهور إلى إباحة ميتة البحر، سواء ماتت بنفسها أو ماتت بالاصطياد"[22]؛ لكنها في فكر الصحابة؛ ترتيب لأمر رعاية مصلحتهم ونفعهم في الأكل منه دون سبق علم بأمر التشريع؛ ففي رواية مسلم؛ قال أبو عبيدة: "ميتة؛ ثم قال: لا؛ بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وفي سبيل الله؛ وقد اضطررتم فكلوا"[23]؛ مما يدلّ على فهمهم للمقتضيات الشرعية الكلية؛ في جواز أكل الميتة للاضطرار؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: 172]؛ وفي امتنان الله على عباده بأكل ما يخرج من البحر، ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ [النحل:14]؛ فتنزيل هذه الكليات على واقعهم في الغزوة؛ من تبيّن حالة الاضطرار؛ وحالة ما خرج من البحر ميتة مع ما يترتب لهم من مصلحة في أكله؛ هو مقتضى فهمهم للمصلحة.

ويتأكد هذا المعنى المصلحي أيضاً في اجتهاد سيدنا علي رضي الله عنه؛ فقد روي عنه أنه قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن؛ فانتهينا إلى قوم قد بنوا زبية[24] للأسد؛ فبينا هم كذلك يتدافعون؛ إذ سقط رجل؛ فتعلق بآخر؛ ثم تعلق رجل بآخر؛ حتى صاروا فيها أربعة؛ فجرحهم الأسد؛ فانتدب له رجل بحربة فقتله؛ وماتوا من جراحتهم كلهم؛ فقاموا أولياء الأول إلى أولياء الآخر؛ فأخرجوا السلاح ليقتتلوا؛ فأتاهم علي رضي الله عنه على تفيئة ذلك؛ فقال: تريدون أن تقاتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم حيّ؟ إني أقضي بينكم قضاء؛ إن رضيتم فهو القضاء؛ وإلا حجز بعضكم عن بعض؛ حتى تأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فيكون هو الذي يقضي بينكم؛ فمن عدا بعد ذلك؛ فلا حقّ له؛ اجمعوا من قبائل الذين حفروا البئر ربع الدية؛ وثلث الدية؛ ونصف الدية؛ والدية كاملة؛ فللأول الربع؛ لأنه هلك من فوقه؛ وللثاني ثلث الدية؛ وللثالث نصف الدية؛ فأبوا أن يرضوا؛ فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهو عند مقام إبراهيم؛ فقصوا عليه القصة؛ فقال: "أنا أقضي بينكم"؛ واحتبى؛ فقال رجل من القوم: إنّ عليا قضى فينا؛ فقصوا عليه القصة؛ فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حدثنا بهز؛ حدثنا حماد؛ أخبرنا سماك؛ عن حنش؛ أن عليا رضي الله عنه؛ قال: وللرابع الدية كاملة"[25] .

ففي هذه الحادثة؛ "اجتهد سيدنا علي رضي الله تعالى عنه في القضاء بينهم، وحلّ المشكلة في ضوء ما تعلَّمه من الحكمة النبوية؛ فالجناية خطأ وفيها الدية؛ وبالنظر الموفق كلَّف من تسبب في هذه الجناية بجمع الدية ابتداء ممن حفر الزبية، ومن زاحم حولها ومن جذب غيره ممن سقطوا فيها؛ وقسمها بين الهلكى بحسب تسببهم في وفاة غيرهم"[26]؛ وهو اجتهاد اعتمد نظراً مصلحياً؛ راعى فيه سيدنا علي مصلحة الجماعة في دفع الخصومة والقتال بين الناس؛ فقد جاء في الرواية أن أولياء الأول أخرجوا السلاح؛ فبادر سيدنا علي إلى التأسيس لهذا الحكم دفعاً للخصومة وطلباً لمصلحة الألفة؛ في انتظار عرض الأمر على أنظار النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ كما أنّ البناء التأسيسي للحكم راعى نفس المصلحة؛ فلم يجعل الدية على عواقل الهلكى؛ بل جعلها على الحاضرين؛ وهو فقه يجمع بين الرحمة والمصلحة في التشريع؛ يقول ابن القيم الجوزية (ت751ه): "ما قضى به علي أفقه؛ إن الحاضرين ألجأوا الواقفين بمزاحمتهم لهم، فعواقلهم أولى بحمل الدية من عواقل الهالكين؛ وأقرب إلى العدل من أن يجمع عليهم بين هلاك أوليائهم وحمل دياتهم؛ فتتضاعف عليهم المصيبة؛ ويكسروا من حيث ينبغي جبرهم؛ ومحاسن الشريعة تأبى ذلك"[27].

فأي منهج يستطيع أن يصل إلى هذا التأسيس فهو منهج كليّ؛ يقوم على مراعاة النظر الاستقرائي لنصوص الشرع؛ التي تجمع بين الرحمة ورفع المشقة؛ وكان إقرار النبيّ صلى الله عليه وسلم لسيدنا عليّ تأكيداً لسلامة منهجه ولرجاحة فكره وفقهه؛ وتأكيد لسلامة منهج الصحابة في بنائِهم الاجتهادي.

المبحث الثاني

توظيف قواعد الأصول عند الصحابة في تأسيس لبنات المصلحة العامة

إن فهم واستيعاب قضايا الشريعة الإسلامية في جملتها يقوم على منهجين رئيسين يكمّل أحدهما الآخر؛ فالمنهج الأول يبحث في طرق الاستنباط من النصوص؛ والمنهج الثاني يبحث في الحِكم والمعاني والغايات بواسطة الأدوات الاستنباطية الأصولية[28]؛ وهذا المنهج الحِكمي يبدأ حين ينتهي المنهج الاستنباطي؛ بمعنى أنه متمّم له عند تنزيله على الوقائع والقضايا؛ نفهم هذا المعنى من كلام الإمام الشافعي رحمه الله (ت204هـ) في حديثه عن شروط المفتي؛ المخبر عن الحكم الشرعي؛ يقول: "ولا ينبغي للمفتي أن يفتي أحداً إلا متى يجمع أن يكون عالماً علم الكتاب؛ وعالماً ناسخه ومنسوخه؛ وخاصّه وعامه وأدبه؛ وعالماً بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقاويل أهل العلم قديماً وحديثاً؛ وعالماً بلسان العرب؛ عاقلاً يميّز بين المشتبه؛ ويعقل القياس؛ فإن عدم واحداً من هذه الخصال؛ لم يحلّ له أن يقول قياساً؛ وكذلك لو كان عالماً بالأصول؛ غير عاقل للقياس الذي هو الفرع؛ لم يجز أن يقال لرجل قسْ وهو لا يعقل قياساً؛ وإن كان عاقلاً للقياس وهو مضيّع لعلم الأصول أو شيء منه؛ فلم يجز أن يقال له قسْ على ما تعلم"[29].

وقد كان للصحابة رضي الله تعالى عنهم اعتناءٌ بهذه الشمولية؛ خاصّة أن نظرهم قائم على أساس فِطري ينطلق من أدوات استنباطية سليقية حاضرة في ذهنهم؛ كالعناية بأصل القياس؛ وبمبدأ التعليل؛ وبسدّ الذرائع؛ وغيرها من الأصول التي تحقق البناء المصلحي العام للناس.

لقد قام نظر الصحابة في إعمال المصلحة العامة؛ على الارتباط الوثيق بقواعد الأصول؛ كالقياس بمعناه الأوّلي العام الذي تدفع إليه الفطرة والسليقة في إلحاق الشبه بالشبه؛ بناء على التعمّق في النصوص بعد فهم مقاصدها ومعانيها، فتجاوزوا بنظرهم المفهوم الأصولي للقياس الذي عرفه أهل الفن بـــــــ"حمل معلوم على معلوم لمساواته في علّة حكمه"[30]؛ بل قام نظرهم على أساس التدبر والتأمل والنظر في المصالح والمنافع العامة التي تتحقق بالقياس من خلال الجمع بين كليات الشريعة وجزئياتها بوساطة الاستقراء المنهجي؛ الذي يعدّ أحد طرق الكشف عن المقاصد[31]؛ وبذلك ارتبط عندهم فهم المصلحة العامة في إطار منهجي يوظف قواعد الأصول في عمومها.

ومن القضايا التي تؤكّد هذا المنهج؛ استناد الصحابة إلى القياس في استخلاف أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ في سقيفة بني ساعدة بناء على تقديم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه في الصلاة؛ رعاية منهم لمصلحة الأمة في تعيين خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يتولى قيادة الأمة؛ وتدبير شؤونها؛ فقد قالوا في المسألة: "رضيه الرسول لديننا فكيف لا نرضاه لدنيانا"[32]؛ فقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم أثناء مرضه من أبي بكر أن يصلّي بالناس؛ وأن يستخلفه في الصلاة.

وكان لهذه الواقعة دلالتها في نفوس الصحابة الذين اعتبروا حِكمها واضحة؛ وينبغي أن لا تمرّ مرور الكرام دون تأسيس وبناء؛ لأنها إشارات نبوية تدلّ على إمامة الصديق وعلى فضله على سائر الصحابة في التقديم والإمامة؛ وبهذا فإنّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر بأن يصلي بالناس في مرضه؛ وقيامه بالصلاة خلفه كان قصدًا من الرسول صلى الله عليه وسلم لتنبيه المسلمين إلى أنّ الصديق أحقّ بالرياسة في الدين بعده، وأنه لا مطمع لأحد بعده غير الصديق[33].

وفي موافقة أبي بكر الصديق لهذا المنهج القياسي الذي طبّقه الصحابة بعدما استنبطوه من المعاني العامّة للإمامة والتقديم؛ تأكيد لنظره المصلحي الرصين الذي بني على فهمٍ لشمولية القياس؛ في جمعه بين إمامة الصلاة وإمامة المسلمين؛ فالإمامة العظمى ارتبطت بإمامة الصلاة ولم تنفصل إلاّ مع اتساع رقعة البلاد الإسلامية وكثرة تداخل المهام والسُّلط التي فرضت على الخليفة أن ينيب عنه من يصلّي بالناس، كما ينيب عنه من يتولّى أمور المسلمين، سواء في القضاء أم في سياسة شؤون العامة؛ فالأمران عظيمان لم يفترقا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكيف يعاب التفريق بين الأمرين في أقرب عهد بعهد الرسول وهي فترة خلافة الصديق؛ كما أن المقيسَ عليه وهو الأصل هو أرفع شأناً وأكبر قدراً؛ وليس العكس؛ به يصلح أمر الدنيا والآخرة؛ أما الفرع وهو سياسة الدنيا؛ فبه تصلح أمور الدنيا؛ يقول ابن خلدون (ت808هـ): "فلولا أن الصلاة أرفع شأنًا وأكثر خطرًا من السياسة لما صحّ القياس"[34]؛ كما أنّ هذا المنهج؛ فيه مصلحة ضمان استمرار الأمة؛ وتدبير شؤونها بمن استخلَفه النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهو منهج اعتبر المصلحة العامة كجوهر في قبول هذا القياس.

ومنه أيضاً،يضاأيضااااا مسألة قتل الجماعة بالواحد؛ فالأصل في القصاص قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى﴾ [البقرة: 178]؛ غير أنّ الصحابة أجمعوا على قتل الجماعة بالواحد؛ لما فيه من دفع مفسدة تواطأ الناس على القتل؛ والفرار من الحدّ؛ وفي مقابلها تحقيق مصلحة استتباب الأمن؛ وحفظ الأرواح؛ والحفاظ على حقّ الحياة؛ بقياس قتل الواحد للواحد؛ ما دامت تتحقّق نفس المفسدة؛ بل قد يكون في اجتماع الجماعة على قتل الواحد مفاسد أعظم؛ يقول ابن قدامة المقدسي (ت620هـ): "ولنا؛ إجماع الصحابة رضي الله عنهم؛ روى سعيد بن المسيب؛ أن عمر بن الخطاب؛ قتل سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلاً؛ وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً"[35]؛ وعن علي رضي الله عنه أنه قتل ثلاثة قتلوا رجلاً؛ وعن ابن عباس أنه قتل جماعة بواحد؛ ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف؛ فكان إجماعاً؛ ولأنها عقوبة تجب للواحد على الواحد؛ فوجبت للواحد على الجماعة؛ كحد القذف؛ ويفارق الدية؛ فإنها تتبعض؛ والقصاص لا يتبعض؛ ولأنّ القصاص لو سقط بالاشتراك؛ أدّى إلى التسارع إلى القتل به؛ فيؤدي إلى إسقاط حكمة الردع والزجر"[36].

فتبين أنّ منهج الصحابة في بناء حكم قتل الجماعة بالواحد؛ راعى الربط بين المنهج الأصولي والمقاصدي؛ وهو المسلك الذي اتبعه غير واحد من العلماء بعد ذلك؛ في تأسيس لبنات مقاصدية تراعي التكامل بين العلمين وعدم الانفصال.

ومن المسائل التي تبين هذا المنهج الجامع عند الصحابة أيضاً؛ حرص أبي بكر الصِّديق على توثيق خلافة سيدنا عمر رضي الله عنه؛ وتنصيصه على ذلك في كتابٍ وختمه في حياته؛ وموافقة عثمان رضي الله تعالى عنه؛ وذلك سداًّ لذريعة الفتنة التي قد تقع بسبب ترك ذلك؛ ورعاية لمصلحة الأمة في توثيق الخلافة؛ ودفع ما يترتب عن تركها من خلافات وشقاق ورجوع عنها؛ فتضيع وحدة الأمة؛ وتنكسر شوكتها.

فرغم اجتماع الناس وقبولهم برأي أهل الحلّ والعقد في تولية سيدنا عمر بن الخطاب؛ مع ذلك "أمر سيدنا أبو بكر عثمان بكتابة الكتاب الذي عهد فيه سيدنا أبو بكر بالخلافة لسيدنا عمر؛ ومن باب الاحتياط وسدّ الذرائع حتى لا يرجع بعضهم عن قوله"[37]؛ فنظر سيدنا أبو بكر الصديق كان عميقاً؛ وفهمه كان دقيقاً؛ استوعب من خلاله ما قد يفتحه عدم توثيق ما وافق عليه رأي الناس بعد المشورة من تولّـي سيدنا عمر الخلافة بعده من فتنة ورجّة قد تعصف بمصير الأمة بعده؛ فاطمئن نظره إلى كتابة الأمر وأخذ الموثِق والعهد من الناس بذلك؛ وسدّ لذريعة عدم وجود كتاب وعهد بذلك فيتخذها الناس منشأ للاختلاف والتفرقة.

إنّ ما قام به الصحابة هنا -أبو بكر الصديق وعثمان بن عفان رضي الله عنهما- وإن قيل عنه أنه أمرٌ لم يتقدم فيه رأي ولا نظر؛ فإن الاقتناع بأنّ ما يرتبه ترك الأمر من فساد يدفع إلى فهم منهجهم الفهم المقاصدي السليم المبني على أصل أصيل في الشرع الإسلامي؛ وقد استوعب سيدنا عثمان رضي الله عنه نظر الصديق؛ وأيقن بأهمية ما بنى عليه فهمه وما يليق بذلك من تقدير وعناية للأمر؛ أكّدها حين حصلت الغشية والإغماءة لسيدنا أبي بكر الصديق؛ فأكملَ الفهم والقصد؛ ليعبر له الصديق ويوافقه على صحّة ما كتب بعد إفاقته؛ فقد جاء في كتاب الكامل في التاريخ أن سيدنا أبا بكر الصديق استدعى عثمان بن عفان مجدّداً؛ فقال له: "اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم؛ هذا ما عهِدَ أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين؛ أمّا بعد..."لكن أغميَ عليه في تلك اللحظة قبل أن يكمل كلامه؛ فكتب عثمان: "أمَّا بعد؛ فإني قد استخلفتُ عليكم عمر بن الخطّاب ولم آلكم خيراً"؛ وعندما استيقظ أبو بكر من إغماءته قال لعثمان: "اقرأ عليّ"؛ فقرأ عثمان؛ وعندما انتهى كبَّر أبو بكر، وقال: "أراك خِفتَ أن يختلف الناس إن متُّ في غشيتي؟"؛ قال: "نعم"؛ فقال: "جزاك الله خيراً عن الإسلام وأهله"[38].

فلا معنى لقول الصديق: "أراك خفت أن يختلف الناس إن مت في غشيتي"، إلاّ حرصه على درأ الفتنة التي قد تقع بسبب عدم توثيق ما اتفق عليه مع أهل الحلّ والعقد؛ بعد أخذ الاستشارة في خلافة سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه[39].

فالمنهج المعتمد هنا؛ هو سدُّ ذريعة الفتنة التي قد تحصل بسبب ترك ذلك، وتأثيرها على مصلحة الأمة؛ فلهذا توجهت أنظار الصحابة إلى تأسيس هذه الوثيقة قياماً بهذا المنهج الشمولي.

المبحث الثالث

توظيف المنهج التدرجي عند الصحابة في رعاية المصلحة العامة

 إذا كان المنهج التدرّجي في التشريع يعني مراعاة أحوال المكلفين في تنزيل الأحكام تيسيراً ورفعاً للحرج، فإنه في نظر الصحابة رضي الله تعالى عنهم، يعني تحكيم المصلحة العامة في القضايا الاجتهادية بمنهج تدرجي، يراعي تغيير ما استقرّ عليه الناس بدءاً، وانتشر بينهم انطلاقاً مما يتحقق لهم منه من منافع، فالمنهج التدريجي مهم في تتبع مراحل تغير الأحكام، تبعا لتغيّر فعل الناس؛ الذي ينتقل من فعل محدود إلى متطور ثم إلى منتشر، فالأمر ينحصر في بداية نشأته قبل أن يتطور ثم ينتشر؛ فإذا انتشر استقر، وباستقراره يتغير نظر الصحابة في الحكم الإنشائي له، ما دام في ذاته مقبولاً، ولا ضرر يحيط به.

ويمكن بيان هذا المنهج التأسيسي؛ من خلال بعض اجتهادات الصحابة، ومنها:

- مسألة حدِّ شارب الخمر[40]، فقد كان الحدّ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو الضرب بالنعال والأيدي، والجلد عموماً، فلما عمّ الفساد وخشي الصحابة تمادي طغيان فسادهم وافتراءهم، لأن شارب الخمر "إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى"[41]، وضياع مصالح الناس بفعل فساد شاربي الخمر، ارتأوا التشديد عليهم في الحد، دفعاً لفسادهم، فجلدهم سيدنا أبو بكر وعمر بدءا أربعين جلدة، يقول الإمام الجويني (ت478هـ): "عقوبة الشارب لم تثبت مقدرة محدودة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل روى أنه رفع إلى مجلسه شارب بعد تحريم الخمر فأمر الحاضرين بأن يضربوه بالنعال وأطراف الثياب فيبكتوه ويحثوا التراب عليه، ثم رأى أبو بكر الجلدة، فكان يجلد لأربعين، مجتهداً غير بان على توقيف وتقدير في الحد، ثم رأى عمر ما رأى"[42]، فلمّا لم يتحقق المراد من هذا الحكم، واستمر فسادهم وطغيانهم، تغير الحكم بعد ذلك بناء على تغير النظر في أفعالهم، روى البخاري عن "السائب بن يزيد قال: كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمرة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر، فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان آخر إمرة عمر، فجلد أربعين حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين" [43].

فلما ظهر للصحابة "انهماكهم في الطغيان والمبالغة في الفساد في شرب الخمر لأنه ينشأ عنه الفساد، وخروجهم عن الطاعة"[44]، نظر الصحابة في أمرهم مرتين ليتبع الحكم منهجاً تدريجياً يراعي أحوالهم وأحوال أفعالهم، وضررها وما يتحقق من الحكم من منافع ومصالح على مستوى التنزيل، فجلدهم أولاً أربعين، ثم صارت آخر عهده ثمانين، "تنزيلاً على واقع اتِّساع الدولة واختلاط المسلمين بغيرهم من أهل الديانات الأخرى التي احترم الإسلام خصوصياتها، فترك لها الحرية في تعاطي مشروباتها"[45].

- اجتهاد سيدنا عثمان في بيع ضوال الإبل، بعد التعريف بها وإعطاء ثمنها لصاحبها إذا سأل عنها، فقد تميز العهد النبوي وعهد سيدنا أبي بكر وعمر بترك الإبل الضالة على حالها مسرّحة للرعي، انطلاقا من النهي النبوي عن جمعها، لما رواه البخاري "عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: جاء أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عما يلتقطه فقال عرفها سنة ثم احفظ عفاصها ووكاءها، فإن جاء أحد يخبرك بها وإلا فاستنفقها، قال: يا رسول الله، فضالّة الغنم؟ قال: لك أو لأخيك أو للذئب، قال: ضالّة الإبل، فتمعّر وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر"[46]، فلما كان زمان عثمان أمر بجمعها وبيعها، قال ابن شهاب الزهري (ت124هـ): "كانت ضوالّ الإبل في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، إبلاً مؤبلة تناتج، لا يمسها أحد حتى إذا كان زمان عثمان بن عفان أمر بتعريفها، ثم تباع، فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها"[47]، فالبناء المصلحي الذي اعتنى به سيدنا عثمان راعى ما آل إليه الوازع الديني للناس في التعامل مع ضوال الإبل، بعدما لاحظ قلّة الورع الذي يدفع إلى مدّ الأيدي إلى هذه الضوال والتقاطها دون وجه حق وضياع مصلحة المسلمين في الاستفادة منها، فقد "رأى الناس مدّوا أيديهم إلى ضوال الإبل، فجعل راعياً يجمعها، ثم تباع قياماً بالمصلحة العامة"[48]، وهو بناء تأسس وفق منهج تدرجي استمرّ باستمرار زمانه، وما لحقه من تغيّر أخلاق الناس، فقد نظر رضي الله تعالى عنه إلى مقاصد النصّ "فحيث تغيرت أخلاق الناس، ودبّ فيهم فساد الذمم، وامتدت أيدي بعضهم إلى الحرام، كان ترك الضوال من الإبل والبقر إضاعة لها، وتفويتاً لها على صاحبها"[49]، فنظر رضي الله عنه في "المصلحة العامة، لأنه رأى أنّ ترك الإبل على حالها كما كان الأمر في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم وإلى زمن عمر، يعرضها للضياع، بعد أن تغيرت أخلاق الناس، وأصبحوا يمدون أيديهم إلى ضوالّ الإبل، فرأى أن يقطع عليهم الطريق بما فعل"[50]، وأيضاً لأن في تركها هائمة بالمدن والأبنية يؤدّي إلى فوضى كبيرة تضرّ بالناس.

- اتخاذ السجون لمصلحة عامة ترتبط بتنفيذ العقوبات الزجرية، وتتوخى إصلاح وتهذيب نفوس المجرمين والمعتدين، وكفّ أذاهم عن الناس، وقد اتخذ منهج اتخاذ السجون بناء تدرجياً، فلم يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم سجنا وكذلك الصديق من بعده، بل اكتفى صلى الله عليه وسلم بربط رجل من بني حذيفة يقال له ثمامة بن أثال بسارية من سواري المسجد[51]، خشية هروبه، كما حبس في دار بنت الحارث، فقد ذكر ابن إسحاق "خبر بني قريظة حين نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحبسهم بالمدينة في دار بنت الحارث، امرأة من بني النجار[52]، فكان هذا الحبس مرتبطاً بحالة معينة من التحقيق أو المتابعة، فلما انتشرت الرعية اتخذوا من الآبار سجناً"[53]، لتحقيق نفس القصد قبل أن يتجه نظر عمر إلى اقتناء دار بمكة من صفوان بن أمية[54] فيتخذها مكاناً خاصّاً للسجن، وقد قيل إن اتخاذ السجن كان في عهد سيدنا علي، لكن الراجح أنّ سيدنا عمر اتخذ سجناً باقتنائه جاهزاً، وأما سيدنا علي فقام ببنائه بمواصفات تمكّن من تحقيق القصد من اتخاذ السجون[55]، وبذلك يتبين أن أساس البناء المصلحي العام في اتخاذ السجون هو منهج تدرجي، ابتدأت معالمه من عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم.

المبحث الرابع

تأسيس منهج رفع التعارض عند الصحابة بين المصلحة العامة والخاصة

إذا تعارضت مصلحة الفرد مع مصلحة الجماعة قدّمت هذه الأخيرة، لأنها المصلحة العامة، وهي الأولى بالتقديم، ولأنها تشمل بمنافعها مجموع الأفراد، وقد أصّل الإمام الشاطبي (ت790هـ) رحمه الله لمبدأ رفع التعارض بين المصلحتين، بعد أن توقف طويلاً في بحث هذه القضية، وانتهى فيها إلى "ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة"[56]، فيقول: "إنّ تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة مقصِد شرعي وأصل كليّ لم يؤخذ من نصّ واحد ولم يدلّ عليه دليل معين، وإنما أُخذ معناه من عدة نصوص وجملة أدلّة بطريق الاستقراء الذي يفيد القطع"[57].

وقد تبين أنّ هذا المنهج الاستقرائي قائم أيضاً على فهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم للنصوص الشرعية، فكان ديدنهم تبيين منهج رفع التعارض بين المصلحة العامة والخاصة بتقديم ما ترعاه المصلحة العامة أو الغالبة باعتبارها تهم مجموع المسلمين، وتحقق النفع للغالب.

ومن القضايا التأسيسية عند الصحابة رضي الله تعالى عنهم، نذكر:

-مرور وادي العريض بأرض محمد بن مسلمة، فقد روى الإمام مالك (ت179ه) في الموطأ "عن عمرو بن يحي المازني عن أبيه أن الضحاك بن خليفة ساق خليجاً له من العريض، فأراد أن يمرّ به في أرض محمد بن مسلمة فأبى محمد، فقال له الضحاك، لم تمنعني وهو لك منفعة تشرب به أوّلًا وآخراً ولا يضرّك؟ فأبى محمد، فكلّم فيه الضحاك عمر بن الخطاب، فدعا عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة، فأمره أن يخلي سبيله، فقال محمد: لا، فقال عمر: لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع تسقي به أولاً وآخراً وهو لا يضرك، فقال محمد: لا والله، فقال عمر: والله ليمرن به ولو على بطنك، فأمره عمر أن يمرّ به ففعل الضحاك"[58]، فكان هذا العمل من سيدنا عمر رضي الله عنه مبنياً على منهج تقديم المصلحة العامة، والمتمثلة هنا في المنفعة التي يحقّقها مرور وادي العريض[59] باعتباره مجرى لماء السيول، تنتفع به البلاد والعباد، فنفعه سيحلّ بكل أرض يمرّ بها، لذلك قال الضحاك: "لم تمنعني وهو لك منفعة تشرب به أوّلًا وآخراً ولا يضرّك"، فما دام نفعه يلحق محمد بن مسلمة وقد مرّ من أرضه، فنفس النفع سيتحقق للباقي، إضافة إلى انتفاع الزرع والبهائم، في مقابل منفعة خاصة لمحمد بن مسلمة، تنبّه سيدنا عمر إلى أنها منفعة خاصة وغير مقدمة في مقابل مصلحة ومنفعة الجماعة.

-ما يتعلق بتسيير أمور الحُكْم والدَّولة، ذلك أن سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه، كانت له رؤيته الخاصة في تعيين العمال والولاة، وفي تعاملهم مع أموالهم الخاصة وأموال المسلمين، فقد اعتنى بالجوانب المرتبطة بحفظ أموال بيت المال من تسلّط وسرقة وغصب أو شبهة، فحرص على منع ولاته من الدخول في التجارة، وكان يحصي أموالهم قبل الولاية ليحاسبهم بعد ذلك، ويشترط عليهم عدم ركوب الدابة ولبس الرفيع من الثياب[60]، وذلك خشية أن تكون التجارة سبباً في إهدار مال المسلمين والتعدي عليه، وأن يكون الركوب واللباس مدعاة للابتعاد عن هموم الناس وقضاء حوائجهم، في مقابل مصلحة خاصة للولاة في مضاعفة والتمتع بأموالهم، ولهذا أسس ابن خلدون (ت808هـ) بعد ذلك في مقدمته، في الفصل الأربعين أن التجارة من السلطان مضرة بالرعايا ومفسدة للجباية[61]، كما كان سيدنا عمر يحصي أموال العمال والولاة قبل الولاية ليحاسبهم على ما زادوه بعد الولاية مما لا يدخل في عداد الزيادة المعقولة، ومن تعلّل منهم بالتجارة لم يقبل منه دعواه، وكان يقول لهم: "إنما بعثناكم ولاة ولم نبعثكم تجاراً"[62]، وكان يرى أن أموال الولاة الخاصّة قد تختلط بالأموال التي یكتسبونها بجاه الولایة والسلطان[63]، لذلك أمرهم بمشاطرتها، فيجعل أموالهم شطرين: شطر للولاة وشطر للمسلمين، وقصده من ذلك "المحافظة على المصالح العامة للمسلمین وحفظ حقوقهم، لأن ما أخذ بسیف الحیاء فهو حرام، وتقویة شوكتهم وبث الحب بینهم والتآلف".[64]

فكل هذا الحرص من سيدنا عمر، مردّه تقديم مصلحة المسلمين على مصلحة الولاة الخاصة أو مصلحة أقاربهم الذين كانوا يأخذون نفس التعامل "فقد أخذ من أبي بكرة نصف ماله، فاعترض أبو بكرة قائلاً: إني لم آلِ لك عملاً؟ فقال عمر: "ولكن أخاك على بيت المال، فهو يقرضك المال تتّجر به"[65].

كما تظهر ملامح هذا المنهج أيضاً، في منع سيدنا عمر لحذيفة أن يبقي على زوجته اليهودية، مع أن زواجه بها ليس حراماً ويحقق له مصلحته الخاصة، لكن سيدنا عمر نظر إلى مصلحة أعمّ وهي مصلحة المسلمات، إذا اقتدى به المسلمون وتركوا الزواج من المسلمات، فمن لهن حينئذ، جاء في السنن الكبرى للبيهقي: "تزوج حذيفة رضي الله عنه يهودية، فكتب إليه عمر رضي الله عنه أن يفارقها، فقال: إني أخشى أن تدعوا المسلمات وتنكحوا المومسات، وهذا من عمر رضي الله عنه على طريق التنزيه والكراهة، ففي رواية أخرى أن حذيفة كتب إليه: أحرام هي، قال: لا، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن"[66]، فقوله: "إني أخشى أن تدعوا المسلمات"، نظر من سيدنا عمر في مصلحة المسلمات بترك الزواج منهن بالزواج بالكتابيات.

-وقد تميز فكر سيدنا عثمان بتبني هذا المنهج، وبيان مقوماته، وذلك حين قام بهدم الدور المجاورة للمسجد النبوي عند ضيق المسجد لأجل مصلحة توسعته[67]، في مقابل مصلحة أهل الدور، وهو المنهج الذي اعتمده الفقهاء والنوازليون بعد ذلك في قضايا هدم الدور المجاورة للمسجد وضمّها للمسجد في حال ضيقه[68].

فقد عرف المسجد النبوي عدّة توسعات بدءاً من السنة السابعة للهجرة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم في عهد سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه، لما كثر عدد المسلمين في عهده وظهر تصدع ونخر في بعض أعمدة المسجد، غير أن الزيادات التي أمر بها سيدنا عمر للمسجد لم تعد كافية، فقد ضاق المسجد بالمصلين والزوار، فجاءت توسعة سيدنا عثمان رضي الله عنه، التي تميزت بتغيير جذري سواء من حيث نوعية البناء أم من حيث الإضافات، فقد "أمر الخليفة عثمان سنة 29هـ بزيادة مساحة المسجد وإعادة إعماره، فاشترى الدور المحيطة به من الجهات الشمالية والغربية والجنوبية، ولم يتعرض للجهة الشرقية لوجود حجرات زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فيها"[69]، فقام بهدمها وتوسعة المسجد.

فيتبين من خلال هذه الوقائع، وغيرها مما جاء في كتب السير والآثار والتاريخ، المنهج الذي اعتمده الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وأخذه عنهم أئمة العلم في ترجيح مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد في جميع القضايا التي تمس الواقع المعيش، انطلاقاً من أسس تبحث في تنزلات هذه المصلحة على واقع الجماعة وتتبين مكامن القوة في تحصيل مصلحة العامة في مقابلة مصلحة الخاصة.

المبحث الخامس

تأسيس منهج لرفع التعارض عند الصحابة بين المصالح العامة والمفاسد العامة

الفكر الفقهي عموما أسّس مجموعة من القواعد في الترجيح بين قواعد رفع الضرر، بنيت على أسس استقرائية للنصوص الشرعية وعلى ما حققته اجتهادات الصحابة في تحصيل وتبيين منمقومات الترجيح انطلاقا من فهمهم للقرآن الكريم ولسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولمنهجه التشريعةتسينتتيشسبقواعد الترجيح انطلاقاً من فهمهم للقرآن الكريم، ولسنة النبيّ صلى الله عليه وسلم.

ومن هذه القواعد، تلك المتعلقة بمنهج رفع التعارض بين المصالح العامة والمفاسد العامة، فإذا راجعنا منهجية الصحابة في اجتهاداتهم نجد أنّ الفكر الفقهي عموماً اقتبس من اجتهادهم في رفع التعارض والتي قامت عندهم على مقومات علمية، تعمل على تقديم درء المفاسد إذا كانت أشدّ أو مساوية للمصالح، "لأن اعتناء الشرع بالمنهيات أشدّ من اعتنائه بالمأمورات"[70]، أما إذا كانت المصالح أقوى فإنها تقدّم على المفاسد، فـــــ"عناية الشرع بدرء المفاسد أشدّ من عنايته بجلب المصالح، فإن لم يظهر رجحان الجلب قدّم الدرء"[71].

وهذا البناء القواعدي، يظهر لنا جليًّا في اجتهادات الصحابة المصلحية، منها:

-انشغال الصحابة رضي الله تعالى عنهم بتعيين خليفة للمسلمين، عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

فقد شكلت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حدثاً بالغ الخطورة في حياة الصحابة، توقفت فيها عقولهم فترة لاستيعاب الحدث، وفهم آثاره العامة والخاصة، فرغم عدم تصديق البعض وعلى رأسهم سيدنا عمر رضي الله عنه لخبر الوفاة[72]، إلا أن التصور العام الذي ساد بعد ذلك، هو إعمال العقل في ترتيب الحياة السياسية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد حرص الصحابة واجتهدوا في اجتماعهم بسقيفة بني ساعدة لتنصيب خليفة للمسلمين، وأخروا دفن النبي عليه الصلاة والسلام لترجيحهم مصالح بيعة خليفة للمسلمين على مفاسد ترك ذلك، يقول الإمام الجويني (ت478هـ): "أما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا البدار إلى نصب الإمام حقاً، وتركوا بسبب التشاغل به تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه مخافة تتغشَّاهم هاجمة محنة، ولا يرتاب من معه مسكة أن الذب عن الحوزة والنضال دون حفظ البيعة محتوم شرعاً، ولو ترك الناس فوضى لا يجمعهم على الحق جامع ولا يزعهم وازع، ولا يردعهم من اتباع خطوات الشيطان رادع... لتبتر النظام وهلك الأنام، وتوثب الطغام والعوام، وتحزبت الآراء المتناقضة، وتفرقت الإرادات"[73]، فكان البدار منهم خوف أن يكون في ترك هذا الأمر أو تأخيره فرصة يدخل منها الأعداء المتربصون بالمسلمين وبوحدتهم وألفتهم.

لقد كان اجتماع الصحابة بالسقيفة مبنياً على أسس مصلحية واضحة تراعي المصالح العامة للأمة في مقابل المفاسد العامة المتمثلة في ترك أمر تعيين الخليفة، حيث تركوا أمر تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وآل بيت النبي عليه الصلاة والسلام، وبادروا ببيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما تشكله بيعة الإمام من أهمية في حفظ وحدة الأمة وتنظيم وظائفها وضمان استمرارها والوفاء بحاجاتها وضروراتها المجتمعية.

-عدم قسمة الأراضي المفتوحة عنوة، في عهد سيدنا عمر، فقد منع رضي الله تعالى عنه  من تقسيم الأراضي المفتوحة فارس والعراق ومصر والشام على الفاتحين، باعتبارها مما أفاء الله عليهم، بعلّة وقفها على من يأتي بعدهم من المسلمين وللأيتام والأرامل[74]، روى الإمام أبو عبيد في كتاب الأموال بإسناده إلى إبراهيم التيمي قال: "لما فتح المسلمون السواد قالوا لعمر: اقسمه بيننا، فإنا فتحناه عنوة، قال: فأبى، وقال: ما لمن جاء بعدكم من المسلمين"[75]، فرأى سيدنا عمر أن لا تدخل هذه الأراضي في عموم قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَإنَ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الأنفال: 41]، وقال: إن هذه الأراضي إذا قسمت بين الفاتحين فكيف بمن يأتي من المسلمين فيجدون الأرض بعلوجها قد اقتسمت وورثت عن الآباء[76]، ورغم أن بعض الصحابة خالفوا سيدنا عمر في هذا الرأي لعدم تجليتهم لفهمه، غير أن توضيحه لرأيه، جعلهم يستوعبون فهم المنهج الذي قام عليه في اجتهاده، وهو ترجيحه بين المصالح العامة والمفاسد العامة، فقد كان "یرى أن في الأراضي لو وزعت مفسدة عظیمة وعامّة، لأنه فهم أن الأراضي یجب إبقاؤها بأیدي أصحابها الأصلیین، وأن یُفرض علیهم خراج سنوي یؤدّى إلى بیت المال لیحقق بذلك أهدافاً عدیدة أهمها أن یضمن مورداً ثابتاً للدولة تنفق منه على سائر مصالحها، ولا سیما في حشد الجیوش ودفع مرتباتهم وتنمیة قدراتهم الدفاعیة، وبذلك یستمر هذا المورد للأجیال القادمة، ولا تتركّز الثروة بأیدي قلة"[77]، كما أن هذه الأراضي لو قسمت "على الفاتحين لانشغلوا بالزراعة، والدولة ليست لها جيش، وغير المسلمين سيكونون عالة على الدولة إذا نزعت منهم هذه الأراضي"[78].

فالنظر القاصر قد يجعل البعض يتوهم أن سيدنا عمر عطّل النص القطعي، لكن الباحث المنصف، يقف عند سلامة اجتهاد سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه المبني على المبادئ الكلية في فهم المصالح، وذلك في تمييزه أوّلاً بين الغنيمة في المنقول والعقار، معتبراً أن الآية تتعلق بالمنقول وليس بالأراضي والعقارات، وفي ترجيحه بين المفاسد التي تتأتى من قسمة الأراضي والمصالح التي تتحقق من تركها لأصحابها، ليترجّح له مصلحة عدم قسمة الأراضي على الفاتحين، فيظل الانتفاع بها عاما للمسلمين على مرّ التاريخ.

ومنه أيضاً، عدم تعيين خليفة بعده وجعلها في ستة من أصحابه، ذلك أن سيدنا عمر لم يستخلف أحداً بعينه ليكون الخليفة على المسلمين من بعده، بل أوصى أن يكون الأمر شورى بعده في ستة ممن توفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، وهم: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وتحّرج أن يجعلها لواحد من هؤلاء على التعيين، وقال: "لا أتحمل أمرهم حياً وميتاً"[79]، ورغم حرص الصحابة على عمر بترك وصيته لغيره بالخلافة من بعده، رفعاً للخلاف واتباعاً لسنّة أبي بكر رضي الله عنه، الذي استدعى عثمان لتوثيق خلافة عمر درءاً للفتنة بين المسلمين، لكنّه قال: "ما أجد أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمّى علياً وعثمان والزبير وطلحة وسعداً وعبد الرحمن، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له، فإن أصابت الإمرة سعداً فهو ذلك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة –إلى أن قال- لما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط، فقال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي، فقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن بن عوف: أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه، والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه فأسكت الشيخان، فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إليّ والله علي أن لا آلو عن أفضلكم، قالا: نعم، فأخذ بيد أحدهما، فقال: لك قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن، ولئن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن، ثم خلا بالآخر فقال له: مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان، فبايعه فبايع له علي، وولج أهل الدار فبايعوه"[80].

فتبين بعد التأمل في الواقعة، أن سيدنا عمر قلّب المصالح والمفاسد من ترك الخلافة بالتعيين لأحد الصحابة من بعده، وجعلها شورى بين الستة الذين ذكر فضلهم ومكانتهم عند النبي صلى الله عليه وسلم، فـ"سلك في هذا الأمر مسلكاً متوسطاً خشية الفتنة، فرأى أنّ الاستخلاف أضبط لأمر المسلمين، فجعل الأمر معقوداً على الستة"[81]، فقد رجّح رضي الله عنه، مبدأ ترك التعيين الفردي، لما رآه من مصالح على الأمة في تركها موحدة، وجعل أمرها محصوراً بين الستة لمصلحة الأمة أيضاً في استخلاف أحدهم باعتبارهم ممن توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فترك رضي الله عنه التعيين الفردي لما نظر من مفاسد في ذلك، لهذا قال ابن تيمية (ت728هـ): "إنّ الصحابة اجتمعوا على عثمان رضي الله تعالى عنه، لأنّ ولايته كانت أعظم مصلحة وأقل مفسدة من ولاية غيره"[82].

ومنه أيضاً إسقاط سيدنا عمر الحدّ عام المجاعة، قائلاً: "لا تقطع اليد في عَذق ولا عام سنة"[83]، فموقف سيدنا عمر رضي الله عنه، واجتهاده وفتواه قبل قضائه هنا، قام على أساس قراءة في النصّ الشرعيّ أوّلاً، ثم دراسة المآل الأخلاقي في ظلّ المصالح والمفاسد ثانياً، فنظر في الاعتبار المفسدي الذي يؤول إليه تطبيق الحدّ في واقع عرف تفشي ظاهرة السرقة بفعل المجاعة والجشع الناتج عن غياب التكافل والتعاون والمساعدة، فرأى هنا مظنة المفسدة... التي تبين له أنّها أعظم فأوقف ذلك، فسيدنا عمر رأى أنّ لتطبيق النصّ في هذه الأحوال غير العادية مفاسد أخلاقية وهي أرجح هنا وأقوى من مصالح تطبيق النصّ، لأنّ الجوع دافع قوي إلى السرقة، ولن يتحقق بالقطع أي زجر وكف عن السرقة، لهذا يعقب ابن القيم على القضية بقوله: "فإنّ السنة إذا كانت مجاعة وشدة، غلب على الناس الحاجة والضرورة فلا یكاد یَسْلَم السارق من ضرورة تدعوه إلى ما یسدّ به رمقه"[84].

ويؤكّد هذا المنهج ما ورد عنه رضي الله تعالى عنه، حين جيء له بغلمان حاطب بن أبي بلتعة الذين سرقوا ناقة لرجل من مزينة، فأتى بهم عمر فأقرّوا، فأمر بقطع أيديهم، ولكنه تراجع وأمر بردّهم، ثم قال: "أما والله لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم، حتى إنّ أحدهم لو أكل ما حرّم الله حلّ له، لقطعت أيديهم، وأيم الله إذ لم أفعل لأغرمنّك غرامة توجعك، ثم قال: يا مزني، بكم أريدت منك ناقتك، قال بأربعمائة، قال عمر: اذهب فأعطه ثمانمائة"[85].

فسيدنا عمر رضي الله تعالى عنه، لم يؤجّل تطبيق النص الشرعي بداعي تفشي ظاهرة السرقة وعدم القدرة على ضبطها التي هي من مسؤولية الدولة، أو أجّله لترف عقلي أو ليساير هذا الواقع ويكيّفه مع النصوص، بل لترجّح المفسدة في تطبيق الحدّ في ظل هذا الوضع، مع المصلحة من تطبيقه.

وهكذا يتبين بما لا يترك مجالاً للشكّ، المنهج الذي اعتمده الصحابة رضي الله تعالى عنهم في رفع التعارض بين المصالح العامة والمفاسد العامة، وهي القواعد الإنشائية التي اعتنى بها أئمة الفقه وخرّجوا عليها قواعد تأسيسية مثل:

-درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

-سد الذرائع مقدم على جلب المصالح.

-لا تترك المصالح الغالبة لأجل المفاسد النادرة... وغيرها.

خاتمة الدراسة

إنّ الحديث عن المصلحة العامة في منهج الصحابة رضي الله تعالى عنهم، في إطار مقارباتها التأسيسية، حديث عن منهج علمي خدم الأمة الإسلامية، فالتأصيل لهذا الفهم عند الصحابة من خلال القضايا التي عرضت لهم، أبانَ عن سعة أُفقهم، ورصانة في فكرهم، فقد تنوّعت المناهج والأسس التي تبناها الصحابة في تأسيس نظرهم على المصلحة العامة، بين توظيف قواعد الأصول، باعتبارها لبنات أساسية تخدم المنهج المصلحيّ، وتحقق مقاصده ومعانيه، سواء تعلق الأمر بتوظيف القياس بمعناه العام، أم سدّ الذرائع أم باقي الأصول الأخرى، ومراعاة المنهج التدرجي الذي يتأسس على مبدأ تطور وانتشار الأمر بين الناس، فيتأسس من خلاله البناء الاجتهادي للمسألة، كما ظهرت هذه السعة في تأسيس مناهج لرفع التعارض بين المصلحة العامة والخاصة، بتغليب المصلحة العامة، لأنها تحقق النفع للأغلبية، وكذا في رفع التعارض بين المصالح العامة والمفاسد العامة، من خلال التأسيس لقواعد رفع الضرر، التي اشتغل عليها الفكر الفقهي بعد ذلك.

ويمكن الحديث عن التوصيات ذات العلاقة بنتائج الدراسة كالآتي:

كما أن للواقع المعيش أثر كبير في تغير الفتوى، التي تتأثر بالمتغيرات الواقعية، لأن تجدد حياة الناس، وتطورها يسهم في كشف المصالح الحقيقية النافعة لهم في وقت معين، وزمن معين، قد يتغير النفع بتغير الواقع وبتغير نمط الحياة، لأن الضوابط التي تؤطر الشأن العام للمجتمع هي التي تضبط المصلحة العامة.

كما تبين من خلال الدراسة أهمية المنهج الترجيحي في التأثير على الفتوى، حيث أبان منهج رفع التعارض عند المالكية بين المصلحة العامة والراجحة، وبين المصلحة العامة والمفسدة العامة، وبين المصلحة العامة والفتوى بمشهور المذهب، وبين المصلحة العامة والخاصة، عن تحقيق دقيق لمنهج رفع التعارض بينها، أسهم في بناء ثروة نوازلية مهمة، تسعف في بلورة فكر واضح لأهمية قواعد الترجيح المبنية على المصلحة العامة في التأثير على الفتوى.

وببيان هذا المنهج، أمكن القول:

- إنّ الحديث عن المصلحة العامة في فكر الصحابة عامة، هو مطلب علمي، ينبغي الاعتناء به ومدارسته وتوجيه الباحثين إلى طرحه في بحوثهم العلمية بإجمال أو تفصيل.

- صدور الصحابة عن منهج تكاملي يجمع بين المنهجين الأصولي والمقاصدي، وهو الأمر الذي يتطلب دراسة مستقلة، تقوم على أساس فهم آليات الاستنباط وربطها بالمقاصد الشرعية المتمثلة في التنزيل على واقع الناس.

- نظر الصحابة فيما يرتبط بأسس رفع التعارض بين المصالح العامة والخاصة، والمصالح والمفاسد، نظر علمي، له أبعاد ترتبط بالفهم السليم لقضايا المقاصد الشرعية، وهذا النظر بمثابة اللبنات التي نسج العلماء اللاحقون الخيوط على منوالها، فوجب إعطاء الأهمية لهذا النظر، واستحضار هذه المعاني التأسيسية عند الاستدلال على قضايا الكليات.

والحمد لله رب العالمين.

 

(*) مجلة الفتوى والدراسات الإسلامية، دائرة الإفتاء العام، المجلد الأول، العدد الثالث، 1442هـ/ 2020م.

 


الهوامش

[1] لسان العرب، ابن منظور الإفريقي، 2/516، مادة صلح، دار الفكر، د ت.

[2]  لسان العرب، 2/517، مادة صلح ، مرجع سابق.

[3] معجم مقاييس اللغة، 3/303، مادة صلح، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، بيروت، دار الفكر، 1979م.

[4] شرح ديوان المتنبي، الواحدي، 1/100، ضبطه وشرحه د. ياسين الأيوبي، د. قصي الحسين، دار الرائد العربي، بيروت-لبنان.

[5] ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، د. محمد سعيد رمضان البوطي، ص23، مؤسسة الرسالة، بيروت، الدار المتحدة، دمشق، ط6، 1421هـ-2000م.

[6] معجم مقاييس اللغة، 12/423، مرجع سابق.

[7] مقاصد الشريعة ووسائل التفعيل المؤسساتي: المصالح والمؤسسات العامة أنموذجا، د. عبد النور بزا، ص587، مطبوع ضمن "مقاصد الشريعة والسياق الكوني المعاصر"، أعمال الندوة العلمية الدولية التي نظمتها الرابطة المحمدية للعلماء،05و06 يونيو2012، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، ط1، 1434هـ-2013.

[8] المستصفى من علم الأصول، أبو حامد الغزالي، دراسة وتحقيق: د.حمزة بن زهيرم، حافظ المدينة المنورة، 2/482، ط2، كلية الشريعة، المدينة المنورة، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، 1403هـ-1983م.  

[9] شفاء الغليل، الغزالي، ص101، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، ط1، 1420هـ-1999م.

[10] الاعتصام، إبراهيم بن موسى اللخمي الشاطبي، 2/113 وما بعدها، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1411هـ-1991م. والموافقات، إبراهيم بن موسى اللخمي الشاطبي، تحقيق الشيخ عبد الله دراز، 2/20، ط1، الكتب العلمية، لبنان، 1422هـ-2001م.

[11] المدخل لدراسة الفقه الإسلامي، د.حسين حامد، ص195-196، دار النهضة العربية، القاهرة، ط1، 1972م. وانظر: المصلحة في المصطلح المقاصدي: رؤية وظيفية، محمد كمال الدين إمام، ص21، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، ط1، 2011م.

[12] القبس في شرح موطأ مالك بن أنس، دراسة وتحقيق محمد عبد الله ولد كريم، 2/779، دار الغرب الاسلامي، بيروت- لبنان، ط1، 1992م.

[13] قواعد الأحكام في مصالح الأنام، 2/160، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، د ط، د ت.

[14] مقاصد الشريعة ووسائل التفعيل المؤسساتي: المصالح والمؤسسات العامة أنموذجا، 588، مرجع سابق.

[15] مقاصد الشريعة قبلة المجتهدين: أبو حامد الغزالي نموذجا، د. محمد عبدو، ص110، ضمن "مقاصد الشريعة والاجتهاد: بحوث منهجية ونماذج تطبيقية"، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي ومركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، ط1، 2008م.

[16] سنن أبي داوود، كتاب الأقضية، باب اجتهاد الرأي في القضاء، 3592. وانظر: إعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم الجوزية، 1/155، تحقيق: عبد السلام إبراهيم، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1411هـ/1991م.

[17] نفسه.

[18] هي الصحابية جدامة بنت وهب الأسدية؛ من أسد بني خزيمة؛ أسلمت بمكة وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وهاجرت مع قومه إلى المدينة. انظر: أسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير، 7/49، تحقيق: علي محمد عوض وعادل أحمد عبد الموجود، ط1، دار الكتب العلمية، 1415هـ-1994م.

[19] صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب جواز الغيلة وهي وطء المرضع وكراهة العزل، ح1442.                                            

[20] صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر. وفي سنن الترمذي "عن ابن عباس قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، قال: فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك. قال: أراد أن لا يحرج أمته". كتاب الصلاة، باب ما جاء في مواقيت الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين، وقد أوّل العلماء هذا الجمع بلا عذر موجب بأنه "جمع صوري" أي أخر الظهر لآخر وقتها وعجّل العصر لأول وقتها. انظر: تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، محمد بن عبد الرحمن المباركفوري، 1/477، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، د ت.

[21] صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة سيف البحر، ح4104.

[22] نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، محمد بن علي الشوكاني، 9/21، دار الحديث، ط1، 1413هـ-1993م.

[23] صحيح مسلم، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب إباحة ميتات البحر، ح1935.

[24] الزبية بضم الزاي؛ وإسكان الباء: الحفرة تحفر في المكان المرتفع لاصطياد بعض السباع، غريب الحديث، أبو عبيد القاسم بن سلام، 3/324، تحقيق: حسين محمد محمد شرف- عبد السلام هارون، المطابع الأميرية، 1404هـ-1906م.

[25] مسند أحمد بن حنبل، ح561.

[26] انظر: إعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم الجوزية، 2/30، مرجع سابق. وانظر: مظاهر الرحمة في مواقف النبي صلى الله عليه وسلم من اجتهادات الصحابة الفقهية، حمد بن حسين بن صالح الجعيدي، ص438، مقدم للمؤتمر الدولي عن الرحمة في الإسلام، جامعة الملك سعود الرياض، 1437هـ.

[27] إعلام الموقعين، 2/32، مرجع سابق.

[28] انظر: الاجتهاد المقاصدي عند مالكية الأندلس، عبد الكريم بناني، ص114، دار ابن حزم، بيروت- لبنان، 2014م.

[29] الرسالة، محمد بن إدريس الشافعي، ص36، تـحقيق: أحمد محمد شاكر، دار الفكر، د ت.

[30] روضة الناظر وجنة المناظر، ابن قدامة المقدسي الحنبلي، 2/227، مؤسسة الريّان للطباعة والنشر والتوزيع، ط2،  1423هـ-2002م.

[31] انظر: بحث قواعد الفكر السياسي عند أبي بكر الصديق: مقاربة مقاصدية، عبد الكريم بناني، ص88، مطبوع ضمن سلسلة قضايا مقاصدية العدد الثاني، تصدر عن جمعية البحث في الفكر المقاصدي، 2015م.

[32] لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، ابن رجب الحنبلي،، ص204، تحقيق: ياسين محمد السواس، دار ابن كثير، 1420هـ-1999م.

[33] الروض الأنيق في إثبات إمامة أبي بكر الصديق، أبو بكر محمد بن حاتم بن زنجويه، القسم الثالث، مقدمة التحقيق، ص51، دراسة وتحقيق: سعيد بن مسفر القحطاني، رسالة نيل الماجستير، جامعة أم القرى، كلية الدعوة وأصول الدين، قسم العقيدة، الموسم الدراسي 1414هـ.

[34] مقدمة ابن خلدون، ص219، تحقيق: د.علي عبد الواحد وافي، لجنة البيان العربي، ط1، 1376هـ.

[35] إن امرأة بصنعاء غاب عنها زوجها، وترك في حجرها ابناً له من غيرها غلاماً يقال له أصيل، فاتخذت المرأة بعد زوجها خليلاً، فقالت له: إن هذا الغلام يفضحنا فاقتله فأبى، فامتنعت منه فطاوعها، فاجتمع على قتل الغلام الرجل ورجل آخر والمرأة وخادمها، فقتلوه ثم قطّعوه أعضاءً وجعلوه في عيبة وعاء من أدم فطرحوه في ركية هي البئر ناحية القرية ليس فيها ماء، فأخذ خليلها فاعترف، واعترف الباقون، فكتب أمير اليمن بشأنهم إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بقتلهم جميعاً، وقال: والله لو أن أهل صنعاء اشتركوا في قتله لقتلتهم جميعا؛ وفي رواية أقتلهم جميعاً. انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، 12/237، مرجع سابق.

[36] المغني، موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة، 8/231، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1405-1985م.

[37] المصالح المرسلة وأثرها في مرونة الفقه الإسلامي، محمد أحمد بو الركاب، ص295، دار البحوث، دبي، ط1، 2002م.

[38] الكامل في التاريخ، علي بن أحمد بن أبي الكرم، ص560، المجلد الثاني، دار بيروت ودار صادر، 1967م.

[39] انظر: قواعد الفكر السياسي عند أبي بكر الصديق، ص92، مرجع سابق.

[40] تجدر الإشارة هنا إلى أن مسألة حد شارب الخمر، تعرف خلافا بين الجمهور والشافعية، لذلك رأى الإمام الجويني أن عقوبة شارب الخمر مفوضة إلى رأي الأئمة في مقدارها مادام حدّها وقدرها لم يتفق عليه بين الصحابة. انظر: غياثي الأمم، ص169، مرجع سابق.

[41] فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، 71، مرجع سابق.

[42] غياث الأمم في التياث الظلم، عبد الملك بن محمد الجويني، تحقيق: د. فؤاد عبد المنعم، د. مصطفى حلمي، ص168، دار الدعوة، 1979م.

[43]  صحيح البخاري، كتاب الحدود، ح6397.

[44] انظر: فتح الباري، 171، مرجع سابق.

[45] ملحق: منهجية التدرج بين إرساء القيم وإدراج الأحكام، عبد الله بن بيه، ص133، مركز نماء للبحوث والدراسات، ط1، بيروت- لبنان 2014م بشراكة مع دار التجديد، المملكة العربية السعودية جدة.

[46] صحيح البخاري، كتاب في اللقطة، باب ضالة الإبل، ح2295.

[47] الموطأ، كتاب الأقضية، باب القضاء في الضوال، ح1449.

[48] الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي، 1/245، تـحقيق: عبد العزيز القارئ، ط1، المكتبة العالمية، مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، 1396هـ.

[49] منهج عمر بن الخطاب في التشريع، د.محمد بلتاجي حسن، ص151، دار السلام، القاهرة، ط2، 1424هـ-2003م.

[50] الاجتهاد في الفقه الإسلامي: ضوابطه ومستقبله، عبد السلام السليماني، ص144، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1417هـ-1997م.

[51] جاء في صحيح البخاري عن سعيد بن أبي سعيد سمع أبا هريرة رضي الله عنه قال: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد". صحيح البخاري، كتاب الخصومات، ح2291.

[52] انظر: السيرة النبوية، ابن هشام، 2/240، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط2، 1375هـ-1955م.

[53] انظر: نظام الحكومة النبوية التراتيب الإدارية، محمد بن عبد الحي الكتاني، ص248، تحقيق: عبد الله الخالدي، ط2، دار الأرقم بن الأرقم، بيروت- لبنان، د ت.

[54] انظر: المبدع في شرح المقنع، أبو إسحاق برهان الدين بن محمد بن عبد الله الحنبلي، ص16، المكتب الإسلامي،1421هـ-2000.

[55] انظر: نظام الحكومة النبوية، ص248، بتصرف.

[56] الاعتصام، 3/23، مرجع سابق.

[57]  الموافقات، 2/34، مرجع سابق.

[58] الموطأ وكتاب إسعاف المبطأ برجال الموطأ، ص638-639، قدم له وراجعه: د. فاروق سعد، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط4، 1405هـ-1985م.

[59] موجود بالمنطقة الشرقية للمدينة المنورة.

[60] انظر: تاريخ الطبري، أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، 2/655، المكتبة التوفيقية القاهرة. ومناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، ص115، دار ابن خلدون، الاسكندرية، د ت. والإدارة الإسلامية في عصر عمر بن الخطاب، فاروق مجدلاوي، ص213، دار روائع مجدلاوي، ط3، 1424هـ-2003م.

[61] مقدمة ابن خلدون، 1/281، مرجع سابق.

[62] تاريخ الطبري، أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، 2/658، مرجع سابق. والفاروق عمر، محمد حسين هيكل، ج2/618، الدار المصرية اللبنانية، والإدارة الإسلامية في عصر عمر بن الخطاب، ص215، مرجع سابق.

[63] الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، ابن القيم الجوزية، ص16، تحقيق: نايف بن أحمد الحمد، دار عالم الفوائد، د ت.

[64] الاجتهاد المقاصدي في عصر الخلفاء الراشدين، مها سعد إسماعيل الصيفي، البحث استكمالاً لمتطلبات الحصول على درجة الماجستیر في أصول الفقه من كلیة الشریعة والقانون بالجامعة الإسلامیة بغزة،1432 هـ-2010م.

[65] عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ناصر بن محمد الأحمد، منشور بموقع:vb.khutabaa.com

[66] سنن البيهقي، باب ما جاء في تحريم حرائر أهل الشرك دون أهل الكتاب وتحريم المؤمنات، ح13762.

[67] أصول الفقه عند الصحابة، ص107، مرجع سابق.

[68] انظر: المعيار المعرب عن فتاوى أهل افريقية والأندلس والمغرب، أبو العباس أحمد بن يحي الونشريسي، 1/244، أخرجه: محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، د ت.

[69] انظر: مقالة: المسجد النبوي بناؤه وعمارته عبر التاريخ: tasfiatarbia.org

[70]  فقه المقاصد وأثره على الفكر النوازلي، عبد السلام الرفعي، ص268، أفريقيا الشرق-المغرب، 2002م.

[71] قواعد الفقه، أبي عبد الله محمد بن أحمد المقري، تحقيق: محمد الدردابي، ص177، قاعدة 200، مطبعة الأمنية، الرباط، 2012م. وانظر: إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، الونشريسي، تحقيق: أحمد بوطاهر الخطابي، ص219، هامش رقم2، طبع بإشراف اللجنة المشتركة بين حكومة المملكة المغربية وحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، الرباط، 1400هـ-1980م.

[72] عن عروة قال: "وقام عمر بن الخطاب يخطب الناس، ويوعد من قال قد مات بالقتل والقطع ويقول: إن رسول االله صلى الله عليه وسلم في غشيته لو قد قام، قطع وقتل" انظر: السيرة الحلبية، أبو الفرج نور الدين علي بن إبراهيم الحلبي الشافعي، 3/499، دار الكتب العلمية، بيروت، ط3، 2008م.

[73]  الغياثي، ص16، مرجع سابق.

[74]  انظر: أصول الفقه عند الصحابة، ص124، مرجع سابق.

[75] عون المعبود، محمد شمس الحق العظيم آبادي، 4/215، دار الفكر، 1415هـ-1995م.

[76] انظر: منهج عمر في التشريع، محمد بلتاجي، ص131-132، دار الثقافة العربية، د ت.

[77] أهمیة مقاصد الشریعة في الاجتهاد، أحمد محمد الرفایعة، ص146-147، الأردن، 1992م.

[78] اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم في النوازل التي نزلت بهم، عبد الله بن إبراهيم الناصر، منشور بموقع: fiqh.islammessage.com

[79] في صحيح مسلم من حديث ابن عمر أن الصحابة قالوا له:" استخلف"، فقال: "أتحمل أمركم حياً وميتاً، لوددت أن حظي منها الكفاف لا علي ولا لي؛ فإن أستخلف فقد أستخلف من هو خير مني "يعني أبا بكر"، وإن أترككم فقد ترككم من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم". قال عبد الله: "فعرفت أنه حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مستخلف" صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب الاستخلاف وتركه، ح1823.

[80]  صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان وفيه مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ح3497.

[81] فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، 13/220، مرجع سابق.

[82] منهاج السنة النبوية، ابن تيمية، 6/148، تحقيق: محمد رشاد سالم، مؤسسة قرطبة، ط1، 1406هـ.

 [83]العذق: النخلة. عام سنة: عام المجاعة. الأثر أخرجه البخاري في التاريخ الكبير، 3/4. وابن أبي شيبة في مصنفه، 5/521. وإعلاء السنن، أحمد العثماني التهانوي، 11/668، أ3757، إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، باكستان. وأيضا إعلام الموقعين عن رب العالمين، 3/10-11، مرجع سابق.

[84] إعلام الموقعين، 3/9، مرجع سابق.

[85] السنن الكبرى، البيهقي، كتاب السرقة، باب في تضعيف الغرامة، ح17064. وانظر: أصول التشريع الإسلامي، علي حسب الله، ص93، دار الفكر العربي، 1997م.