أضيف بتاريخ : 20-06-2022


التيسير وأثرُه على الخلافات الفقهية عند الأئمَّة الشافعية

(كتاب الطَّهارة) أنموذجًا

دراسة مقاصدية (*)

المفتي الدكتور نشأت الحوري، دكتوراه في أصول الفقه

ملخّص

يدور الموضوع على أهمية منهج التيسير ورفع الحرج في الخلافات الفقهية بين الأئمّة الشافعية، والوقوف على أثر الخلاف المتعلق بالتيسير ورفع الحرج، وذلك ببيان الأقوال والاستدلالات الفقهية، مع التفّريق بين الأقوال المعتمدة والمعتبرة والمشهورة في المذهب، ومتى يجوز تقليد الأقوال غير المعتمدة والمشهورة والمعتبرة، واقتصر البحث على المسائل الخلافية في المذهب الشافعي من كتاب الطهارة، كحكم نية الاغتراف، وكراهة استعمال الماء المشمّس، وأحكّام المتحيّرة، وحمل المصّحف للصّبي الذي لم يبلغ إلى مثل هذه المسائل، كما انصبّ البحث على أثر الخلاف في مسائل التيسير ورفع الحرج على غير المعتاد عند الباحثين، حيث إن الباحثين تدور أبحاثهم على عموم التيسير ورفع الحرج، لا على أثر التيسير في الخلاف الفقهي.

كلمات مفتاحية: تيسير. حرج. طهارة. شافعية.

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاةو السلام على سيد المرسلين، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

من تمام نعمّة الله تعالى أن شرع الشرائع لأحكام وغايات مقاصدية، ومن بين هذه الغايات التيسير ورفع الحرج، وهي من القواعد المهمّة في عالم الشريعة والمقاصد العامة، والذي يتطلّب في بعض الحالات عدم التشديد في المسائل التي يغلب فيها التعذر، ومشقة الاحتراز ورفع الحرج، كما نقف في هذا البحث على بعض المسائل لا جميعها في كتاب الطّهارة، حيث كان للتيسير ورفع الحرج ومشقة الاحتراز أثر في الخلاف بين أئمة المذهب الشافعي.

ولقد دلت النصوص القاطعة على صحّة هذه القاعدة، كما اتّفق العلماء على صحّتها والعمل بها، قال الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة :185]، وقال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: 78]، وقول السيدة عائشة رضي الله عنها: "مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنَ الْآخَرِ، إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا، كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ"([1]).

وهناك كثير من كتب القواعد من المذاهب الأربعة نصّت على ذكر القاعدة أو ألمحت إليها، وكذلك المسائل المتضمّنة للترخيص المبثوثة في كتب الفقه([2]).

كما يجب التنبيه على أمرين هامّين:

الأول: اقتصرتُ في ذكر الخلاف على المذهب الشافعي لضرورة وغاية البحث.

الثاني: لا بدّ أن نفرّق بين الأقوال المعتمدة في المذهب الشافعي عن غيرها من الأقوال المعتبرة وغير المعتبرة والمشهورة والضعيفة في المذهب الشافعي، ملخصاً ما قاله صاحب "التقريرات السديدة": "وتم تحقيق المذهب على يدي النووي والرافعي، واستقرت على يدي ابن حجر الهيتمي والرملي، وارتضى العلماء المتأخرون كتبهم في الفتوى، فما اتفق عليه النووي والرافعي فهو المعتمد، وإن اختلفا قدّم النووي، وتجوز الفتوى بقول كلّ منهما، وما اتفق عليه ابن حجر والرملي في المسائل التي لم تبحث من قبلهما فهو المعتمد، وإن اختلفا فأهل الحجاز وحضرموت يقدّمون ابن حجر، وأهل الشام ومصر يقدّمون الرملي، وبقية أصحاب التأليف يجوز العمل بكل منها، إلا ما إذا تبيّن أنه غلط، أو سهو، أو ضعيف"([3]).

مشكلة الدراسة

تكمن إشكالية البحث في قدرته على الإجابة على ما يلي:

* ما أهم جوانب التيسير في الفقه الشافعي؟

* ما دواعي خلاف أئمّة الشافعية في المسائل التي يغلب فيها المشقة ورفع الحرج؟

* ما ضوابط الأخذ بجوانب ومسائل التيسير؟

* ما أثر التيسير في الترجيحات الواردة في المسائل المختلف فيها بين أئمّة الشافعية؟

أهداف الدراسة

* مدى اعتبار الأخذ بأقوال أئمّة المذهب الشافعي من حيث الدليل على التيسير ورفع الحرج.

* اتباع الدليل الشرعي من خلال أئمّة المذهب مع مرعاة حال المستفتي.

* مواطن التيسير على الناس في المسائل التي يعسر فيها الاتباع للمقلد، مع ذكر ضوابط التيسير التي ذكرها علماء الأصول.

* مدى صلاح الخلافات المعتبرة عند أئمة المذهب لبعض الأحوال، والأمكنة، والأزمنة.

* إظهار منهج التيسير في الفقه الشافعي من خلال الاستدلال الشرعي دون اتباع الهوى أو التشهي.

* تقديم صورة واضحة للمفتي، لاستقراء حال المستفتي، ومعرفة حاله من خلال السبر والنظر في الأقوال المعتمدة والأدلة الشرعية.

الدراسات السابقة

لم أجد أبحاثاً تبين أثر التيسير في الخلافات الفقهية؛ لأنّ الباحثين تدور أبحاثهم على عموم التيسير ورفع الحرج، لا على أثر التيسير في الخلاف الفقهي، ومن بين هذه الكتب التي بحثت في عموم التيسير ورفع الحرج، ورجعت إليها في البحث:

* رفع الحرج في الشريعة الإسلامية (رسالة دكتوراه)، د. يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين، ط دار النشر الدولي بالرياض، 1416هـ.

* الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكُلِّية، محمد صديق البورنو، مؤسسة الرسالة، (ط1)، 2002.

* القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير، عبد الرحمن بن صالح العبد اللطيف، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، (ط1)، 1423هـ/2003م.

منهج البحث

اتبعت في كتابة البحث المنهج الإستقرائي والتحليلي المتمثل في النقاط الآتية:

* وذلك باستقراء المادة العلمية من أمهات الكتب الفقهية في المذهب الشافعي.

* تحرير المسائل التي يُراد بحثها من خلال تسليط الضوء على مواطن التيسير.

* ذكر الخلافات بين أئمة الشافعية المعتمدة والمشهورة.

* الإشارة الى المذاهب الأربعة المعتمدة التي تُسند الترجيح بين أئمة الشافعية.

* الوقوف على سبب الخلاف في مسائل التيسير ورفع الحرج على غير المعتاد عند الباحثين، حيث إن الباحثين ينصب على عموم التيسير، لا على أثر التيسير في الخلاف الفقهي.

* أعتمد في النقل من كتب المذهب الشافعي.

* ذكر النتائج والتوصيات والمراجع و المصادر.

خطة البحث

المبحث الأول: التيسير تعريفه، أهميته، ضوابطه

المطلب الأول: تعريف التيسير لغةً واصطلاحاً.

المطلب الثاني: أهمية قاعدة التيسير عند الفقهاء والأصوليين.

المطلب الثالث: ضوابط  التيسير ورفع الحرج عند الفقهاء والأصوليين.

المبحث الثاني: أثر التيسير على الخلافات الفقهية عند الأئمَّة الشافعية (كتاب الطَّهارة) أنموذجاً، ذكرت فيها ثلاث عشرة مسألة:

المسألة الأولى: كراهة استعمال الماء المشمس.

المسألة الثانية: نيّة الاغتراف.

المسالة الثالثة: ماءان يصح بهما التطهّر انفراداً لا اجتماعاً.

المسألة الخامسة: خضاب السواد للمرأة.

المسألة السادسة: حكم الانغماس بالماء بنية الوضوء.

المسألة السابعة: غسل الأقلف (غير المختون) للميّت.

المسألة الثامنة: تيمّم المريض حالة الشك أن الماء يضره.

المسألة الثامنة: حكم القضاء لماسح الجبيرة.

المسألة التاسعة: أحكام السحب والتلفيق للحائض.

المسألة العاشرة: اللون والرائحة معاً بمحل واحد في النجاسة المتوسطة في حالة تعذر إزالتهما.

المسألة الحادية عشرة: حمل المصحف للصبي المميّز المحدث الذي لم يبلغ.

المسألة الثانية عشرة: حكم وقوع ما ليس له نفس سائلة  كالذباب، والبعوض، والخنافس، والعقارب، في الماء القليل.

المسألة الثالثة عشرة: أحكام المتحيّرة.

النتائج والتوصيات

المبحث الأول

التيسير، تعريفه، أهميته، وضوابطه

المطلب الأول: تعريف التيسير لغة واصطلاحاً

تعريف التيسير لغة: في الصحاح: "(يسر)، نقيض العسر، وكذلك اليسر، مثل عسر وعسر"([4])، وفي لسان العرب: "(اليسر): اللين والانقياد يكون ذلك للإنسان والفرس، وقد يسر ييسر، وياسره: لاينه"([5]).

أما في الاصطلاح: التيسير عند الفقهاء والأصوليين:

المقصود بالتيسير: هو التخفيف ورفع الحرج عن المكلفين بحسب أحوالهم، تحت قاعدة (الميسور لا يسقط بالمعسور).

"معنى هذه القاعدة أنّ من العبادات ما إذا قدر المكلف على بعضها وعجز عن بعض لم يلزمه الإتيان بما قدر عليه، استنثاء من الأصل الذي هو لزوم المكلف ما قدر عليه من العبادة وسقوط ما عجز عنه الذي عبّر عنه بعض العلماء بقاعدة: الميسور لا يسقط بالمعسور"([6]).

المطلب الثاني: أهمية قاعدة التيسير ورفع الحرج عند الفقهاء والأصوليين

والفقهاء -رحمهم الله- يستدلُّون بهذه القاعدة الفقهية كثيرًا، ويذكرونها في مباحث التكليف والقواعد الفقهية، وأحكام وشروط العبادات وأركانها، وما يسقط منها وقت العجز، وما لا يسقط، إلا أنهم لم يفردوا لها محلاً خاصاً كغيرها من القواعد الفقهية الأخرى التي لربما لا تقلُّ عنها أهميَّة، وأحصي هذا المنهج عند فقهاء الشافعية في جميع كتبهم من غير استثناء في الفقه والأصول، ككتاب العز بن عبدالسلام  قواعد الأحكام، والسيوطي والسبكي كتاب الأشباه والنظائر، وعبروا عنها بألفاظ  تكاد أن تفهم بلفظ واحد، ويدرجها البعض تحت قاعدة: "المشقة تجلب التيسير"، "إذا ضاق الأمر اتّسع"، "الميسور لا يسقط بالمعسور" ، كما ذكرت عند المذاهب الفقهية الأخرى بذات القواعد واعتبارها.

قال السبكي: "وهي من أشهر القواعد المستنبطة من قوله صلى الله عليه وسلم: (وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ([7]))"([8]).

وقال السبكي في معرض آخر: "المشقة تجلب التيسير، وإن شئت قلت: إذا ضاق الأمر اتسع. وقد عزا الخطابي هذه العبارة إلى الشافعي -رضي الله عنه- عند كلامه على الذباب يقع في الماء القليل، ويقرب منها الضرورات تبيح المحظورات"([9]).

وعليه؛ فإن قاعدة التيسير ورفع الحرج قاعدة مشهورة عند علماء المذاهب بما نعجز عن حصره في بحث واحد، واكتفيت بالإشارة الى أقوال الفقهاء من أهل الأصول ذكراً لا حصراً.

المطلب الثالث: ضوابط  قاعدة التيسير ورفع الحرج عند الفقهاء والأصوليين

ولقد دلّت النصوص القاطعة على صحّة هذه القاعدة، كما اتّفق العلماء على صحّتها والعمل بها، قال الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة: 185]، وقال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: 78]، وقول سيدة عائشة رضي الله عنها: "مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنَ الْآخَرِ، إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا، كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ"([10]).

وقد عدّ الفقهاء لقاعدة التيسير ضوابط متعدّدة، تتلخّص في الأمور التالية:

أولاً: أنْ يكون دليل التيسير ثابتاً بالكتاب، أو السنة، أو الإجماع، أو القياس، وعدم مجاوزة النص القطعي في الأخذ بالتيسير، فلا بدّ أن يستند إلى دليل شرعي وإلا يعد لاغياَ.

قال محمد  البورنو: "لا ريب أن الله تعالى أمر بتقديم كتابه وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم على ما عداهما، فقد قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [الأحزاب: 1]، وأمر بالرد إليهما عند النزاع، فقال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) [النساء: 59]، والكتاب والسُّنَّة -كما هو معلوم- هما المصدر الأساس لهذا الدين، وبقية الأدلة والنصوص الشرعية تابع لهما، فمتى حصل تعارض بينهما فإنه ينبغي المصير إلى الأخذ بالنصّ.

وقد قرر أهل العِلم قواعد فقهية مستلهَمَة مِن هذا الأصل، كقولهم: "لا اجتهاد مع النص" و"لا مساغ للجتهاد في مورد النص""([11]).

ثانياً: أن يكون التيسير مقيدا بدليل المقاصد الشريعة في رفع الحرج والمشقة عن الناس، بحيث يكون العذر حقيقياً لا وهماً أو شكاً.

وقال الدكتور يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين في كتابه "رفع الحرج في الشريعة الإسلامية": رفع الحرج يعمل به في مجالين:

* منهما أن يكون دليلاً شرعياً تثبت فيه الأحكام، وهو في هذه الحالة لا يثبت الحكم مطلقاً من دون ضابط، بل لا بد أن يكون له ضابط كالعمل بالمصالح المرسلة والاستحسان والعرف.

* أن يكون مرجحاً عند التعارض سواء كان في النصوص أو العلل، وإلى ذلك مرد ما أخذ به بعض العلماء من الأخذ بالأخف"([12]).

ثالثاً: سلامة القصد، قال الشنقيطي عن سلامة المقصد: "وهو أن يكون قصدُ المكلفّ من الأخذ بالأسهل من الأقوال مقبولاً من النّاحية الشّرعيّة، كأن يأخذ به من أجل تجنّب الوقوع في حرجٍ غير معتادٍ، أو أن تلجئه الضّرورةُ إلى العمل به، ففي مثل هذه الأحوال يجوزُ له الترخّص بمسائل الخلاف لصحّة الباعث على ذلك"([13]).

رابعاً: الأخذ بالخلاف المعتبر دون الأخذ بشّذوذ الأقوال.

قال الزركشي: "ولسلامة الأخذ بالأسهل التّيسير أن لا يكون القول المأخوذ به معدوداً لدى العلماء من الأقوال الشاذّة، والزّلات الظّاهرة، فإنّه إذا كان ذلك امتنع العملُ به إجماعاً"([14]).

ومن الأقوال الشاذّة كالقول بجواز ربا الفضل، وزواج المتعة، وإمامة المرأة في الصلاة، وغير ذلك مما نُقل فيه المخالف لأصُول الشّرع المقطوع بها، وقد تقرّر في علم الأصول أنّه "لا عبرة بالظنيّ المخالف للقطعيّ".

ونحذر من دُعَاة التجديد والعَصرانية، فإنهم لم  يُفَرِّقوا بين أصول الشريعة التي لا يعتريها التبدل والتغير، والفروع التي يمكن أن توصف بهذه الأوصاف، فتجرأوا على شريعتنا، وحملوا النصوص على غير محملها، وجعلوا التيسير الموهوم ضابطاً يتقلب مع الحُكم وجوداً وعدماً، وهذا تعدّ على النصوص وتضييع لمقصود التشريع.

المبحث الثاني

أثر التيسير على الخلافات الفقهية عند الأئمّة الشافعية (كتاب الطَّهارة)

من المعلوم عند المجتهدين، والفقهاء، وطلبة العلم، ومن له باع طويل في المذهب الشافعي، أن هناك خلافات بين أئمّة الشافعية كالرافعي، والنووي، والرملي، وابن حجر، والغزالي، وغيرهم رحمهم الله جميعا من الأئمّة، لاعتبارات وأسباب عديدة، واقتصرت في هذا البحث على ذكر أثر التيسير على الخلافات الفقهية بين أئمّة المذهب الشافعي في (كتاب الطّهارة).

المسألة الأولى: كراهة استعمال الماء المشمس

قسّم فقهاء الشافعية الماء المطلق إلى قسمين([15]):

1. الماء المطلق غير مكروه استعماله.

2. والماء المشمّس يكره استعماله، وهو على  شروط:

أولها: يتأثر بحرارة الشمس.

ثانيها: يستعمل حالة تأثره بالحرارة.

ثالثها: كونه في إناء منطبع كالحديد والنحاس والرصاص إلا الذهب والفضة.

رابعها: يكون في قطر أو بلاد شديدة الحرارة.

قال الماورديّ: "تختص الكراهة في استعماله فيما يلاقي الجسد من طهارة حدث، فأمّا استعماله فيما لا يلاقي الجسد من غسل ثوب أو إناء أو إزالة نجاسة عن أرض، فلا يكره"([16]).

وعلّة كراهته من جهة الطبّ أنه يورث البرص، جاء في "أسنى المطالب في شرح روض الطالب": "لما روى الشافعي عن عمر أنه كان يكره الاغتسال بالماء المشمس، وقال إنه يورث البرص، ولأن الشمس بحدتها تفصل منه زهومة تعلو الماء، فإذا لاقت البدن بسخونتها خيف منها البرص"([17]).

وذهب النوويّ رحمه الله إلى خلاف ما ذهب إليه الشافعية بكراهة الماء المشمّس، معللاً بعدم الكراهة، قال في "المجموع شرح المهذب": "ولا يكره من ذلك إلا ما قصد إلى تشميسه، فإنه يكره الوضوء به، ومن أصحابنا من قال: لا يكره كما لا يكره بماء تشمس في البرك والأنهار، والمذهب الأول، والدليل عليه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة وقد سخنت ماء بالشمس: "يا حميراء لا تفعلي هذا، فإنه يورث البرص"([18]). (الشرح) هذا الحديث المذكور ضعيف باتفاق المحدثين، وقد رواه البيهقي من طرق وبين ضعفها كلّها، ومنهم من يجعله موضوعاً: وقد روى الشافعي في الأم بإسناده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يكره الاغتسال بالماء المشمس، وقال إنه يورث البرص، وهذا ضعيف أيضاً باتفاق المحدثين، فإنه من رواية إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، وقد اتفقوا على تضعيفه وجرحوه، وبينوا أسباب الجرح إلا الشافعي رحمه الله، فإنه وثقه، فحصل من هذا أنّ المشمس لا أصل لكراهته، ولم يثبت عن الأطباء فيه شيء، فالصواب الجزم بأنه لا كراهة فيه، ولنصّ الشافعي فإنه قال في الأم: لا أكره المشمس إلا أن يكره من جهة الطب، كذا رأيته في الأم، ومذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد وداود والجمهور أنه لا كراهة كما هو المختار"([19]).

كما جاء في "الغرر البهية في شرح البهجة الوردية": "قال ابن عبد السلام: وإنما لم يحرم المشمس كالسمّ؛ لأنّ ضرره مظنون بخلاف السم، قال: ويجب استعماله عند فقد غيره أي: إن ضاق الوقت؛ لأنّ تحصيل مصلحة الواجب أولى من دفع مفسدة المكروه، وظاهر كلام الجمهور أنه يكره في الأبرص لزيادة الضرر وفي الميت؛ لأنه يحترم كما في الحياة، قال البلقيني: وغير الآدمي من الحيوانات إنْ كان البرص يدركه كالخيل أو يتعلق بالآدمي منه ضرر اتجهت الكراهة وإلا فلا، وكلام النّظم شامل لباقي الحرارة وزائلها، وهو ما صحّحه الرافعيّ في الشرح الصغير وصحّح النوويّ في روضته عدم الكراهة"([20]).

وعليه؛ فظاهر التيسير بيّن وجلي في كراهة الماء المشمس لوجود الضرر من جهة الطب لا شرعاً، ورفع الضرر من مقاصد التشريع المعتبرة، فيدور الحكم معه وجوداً وعدماً.

ونشير بأنّ المعتمد والمفتى به عند الشافعية هو الكراهة على إطلاقه، بخلاف ما اختاره الإمام النووي بعدم الكراهة، لضعف الحديث، وكذلك كراهته من جهة الطبّ لم يثبت، ولكن عند الضرورة والحاجة قد تزول الكراهة عند المقلدين لمذهب الشافعي من خلال الأخذ برأي الإمام النووي رحمه الله كإمام معتبر إن لم يثبت ضرره.

المسألة الثانية: نيّة الاغتراف

إذا أدخل المتوضئ يده في الإناء بنية رفع الحدث عن اليد ارتفع الحدث وصار الماء مستعملاً لا يجوز الطهارة به، فهل يشترط إذا وضع يده في الإناء أن ينوي الاغتراف دون نية رفع الحدث؟

في المعتمد النية شرط في استعمال الماء المستعمل للمتوضئ بعد غسل الوجه قبل أن يدخل يده في الإناء ليغسلهما خارجه، فإنْ لم ينوِ الاغترافَ صار الماءُ مستعملاً([21]).

جاء في "أسنى المطالب في شرح روض الطالب": "وجوب نية الاغتراف أصل في السنة وهو قوله -صلى الله عليه وسلم–: "لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَقَالَ: كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا"([22])، فبين أنّ النهيَ لأجل إفساد الماء بالاستعمال"([23]).

وقال صاحب "التقريرات السديدة": "واختار الغزالي وعبدالله بن عمر بامخرمة على خلاف ما ذهب به الشافعية في المعتمد إلى عدم وجوب نية الاغتراف على العامي، وقالوا: وعلى العالم ألا يشدّد على العامي في هذه المسألة"([24])، وكذلك نقل النووي في الروضة عن البغوي عدم وجوب نية الاغتراف([25]).

وهذا المقصد عند الغزالي والبغوي وبامخرمة، كان استشّهادهم من باب التيسير ورفع الحرج، لتعسر علم العامي بدقائق وتفاصيل الأمور الفقهية.

المسألة الثالثة: ماءان يصح بهما التطهّر انفراداً لا اجتماعاً

صورة ذلك: ما لو طرح ماء متغير بما في مقرّه وممرّه على غير متغير فتغير سلبه الطهورية لاستغناء كل منهما، فلا يجوز التطهّر به عند الرملي خلافاً لابن حجر فإنه يجوز. وذكر البيجوري: "إذا كان لإصلاح الماء نحو جره مما يقع كثيراً ووضع فيها نحو لبن لا يضر، وينبغي أن يكون طونس الساقية وسلبه البئر للحاجة إليهما"([26]).

ففي "حاشية الجمل": "لو صبّ المتغير بالمخالط الذي لا يضرّ على ما لا تغير فيه بالكلية فتغير به ضرّ، كما صرح به ابن أبي الصيف، لأنه تغير بما يستغني الماء عنه ويلغز، فيقال: لنا ماءان كلّ منهما مطهّر على انفراده، وإذا اجتمعا لا يطهران اهـ أجهوري، ومثله شرح م ر. وعبارة سم. وفي شرح شيخنا حجّ للإرشاد ما نصّه ولو وقع ذباب في مائع ولم يغيره فصبّ على مائع آخر لم يؤثر فيه كما هو ظاهر لطهارته المسببة عن مشقة الاحتراز"([27]).

ومشقة الاحتراز، مقصد عام من مقاصد التيسير، كقاعدة (إذا ضاق الأمر اتسع)، وهو الخلاف الحاصل بين الرملي وابن حجر، فكان الأخذ بعدم سلب طهورية الماء لمشقة الاحتراز كما ذكرنا في الخلاف بين الأئمّة، والقولان معتبران في المذهب.

المسألة الرابعة: استعمال السواك للصائم

يكره استعمال السّواك للصائم بعد الزوال، واختار النووي عدم الكراهة، وهذا من اختيارات النووي على خلاف المعتمد في المذهب.

قال النووي في "المجموع شرح المهذب": "في مذاهب العلماء في السواك للصائم قد ذكرنا أنّ مذهبنا المشهور أنه يكره له بعد الزوال، وحكاه ابن المنذر عن عطاء ومجاهد وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وحكاه ابن الصباغ أيضاً عن ابن عمر والأوزاعي ومحمد بن الحسن قال ابن المنذر، ورخص فيه في جميع النهار، النخعي وابن سيرين وعروة بن الزبير ومالك وأصحاب الرأي، قال: وروي ذلك عن عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم، واحتج القائلون بأنه لا يكره في جميع النهار بالأحاديث الصحيحة في فضله ولم ينه عنه، واحتجوا بما رواه أبو إسحق إبراهيم بن بيطار الخوارزمي قال: قلت لعاصم الأحول: أيستاك الصائم أول النهار وآخره؟ قال: نعم، قلت: عمن؟ قال: عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: ولأنه طهارة للفم فلم يكره في جميع النهار كالمضمضة"([28]).

وعليه؛ كان سبب اختيار النووي لعدم الكراهة على خلاف المعتمد في المذهب القول بالكراهة، اختيار الإمام النووي هو دافع حاجة الإنسان بقوله: "طهارة الفم"، علاوة على عدم وجود النهي في ذلك، وقياسه على المضمضة، وطهارة الفم عند من اعتادّ السّواك قد تناله حاجة ومشقة لتركه، فالأخذ بقول النووي عند الحاجة لا بأس، فهو مقصد شرعي في الحث على النظافة وطهارة الفم للحاجة كتغيير رائحة كريهة مثلاً.

وهذا من اختيارات الإمام النووي، كما يجب الناظر في المسائل أن يفرّق الخلاف في المذهب، وما هو اختيار كالنووي، وما هو معتمد عند الشافعية، وقد سبق أن قلنا: لا يلجأ المفتي إلى اختيارات الأئمّة إلا عند الحاجة والضرورة بالضوابط المعتبرة.

المسألة الخامسة: خضاب السواد للمرأة

أجاز بعض الشافعية كالرملي على خلاف المعتمد عند الشافعية خضاب المرأة بالسواد بإذن زوجها، جاء في "غاية البيان شرح زبد ابن رسلان": "(وحرموا خضاب شعر بسواد لرجل وَامْرَأَة)، أَي يحرم خضاب شعر أَبيض من رَأس رجل أَو امرأة أَو لحية رجل بالسواد؛ لخبر أبي داود والنسائي وابن حيان في صحيحه والحاكم عن ابن عباس قال: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يكون قوم يخضبون فِي آخر الزَّمَان بِالسَّوَادِ كحواصل الْحمام لَا يريحون رَائِحَة الْجنَّة)([29])، وكالرجل وَالمرأة الخنثى نعم يجوز للمرأة ذلك بإذن زوجها أَو سيّدها، لأن له غرضا في تزيينها به وقد أذن لها فيه، والظّاهر كما قاله بعض المتأخّرين"([30]).

قال النووي: "اتفقوا على ذمّ خضاب الرأس أو اللحية بالسواد، ولا فرق في المنع من الخضاب بالسواد بين الرجل والمرأة: هذا مذهبنا: وحكي عن إسحق بن راهويه أنه رخص فيه للمرأة تتزين به لزوجها. والله أعلم"([31]).

قال الرملي: "والخضاب بالسواد وتحمير الوجنة بالحناء ونحوه، وتطريف الأصابع مع السواد، والتنميص، وهو الأخذ من شعر الوجه والحاجب المحسن، فإن أذن لها زوجها أو سيدها في ذلك جاز؛ لأن له غرضا في تزيينها له كما في الروضة"([32]).

والأصل والمعتمد التحريم بالأحاديث الواردة في تحريمه، ومن رخصّ الخضاب بالسواد كالرملي وأبي إسحق كان لغرض التزيّن لزوجها بشرط إذنه، وهي حاجة فطرية لدى الرجال والنساء، وهو خلاف المعتمد، والأولى تركه خروجاً من الخلاف.

المسألة السادسة: حكم الانغماس بالماء بنية الوضوء

من المعلوم أنّ الترتيب واجب من واجبات الوضوء عند الشافعية، ولكن في حالة انغماس الشخص في الماء يسقط هذا الواجب عند الشافعية، ولكن اختلفوا بالمكث وعدمه، والمعتمد لو انغمس لحظة صح وضوءه، وعند الرافعيّ لا بدّ من طول مكث يمكن فيه الترتيب.

وعلل القليوبي بالمكث وعدمه لعدم إمكانية التقدير، أي عدم استطاعته، بقوله: "(فالأصح أنه إن أمكن تقدير ترتيب بأن غطس ومكث) قدر الترتيب (صحّ) له الوضوء، (وإلا) أي وإن لم يمكن تقدير الترتيب فيه، بأن غطس وخرج في الحال من غير مكث (فلا) يصح له وضوء، (قلت: الأصح الصحة بلا مكث، والله أعلم)، وقول الروياني: إن نية الوضوء بغسله: أي ورفع الحدث الأصغر لا يجزئه إذا لم يمكنه الترتيب حقيقة مبني على طريقة الرافعي"([33]).

ومن رجح عدم المكث كان تعليلهم عند تعسر إمكانية التقدير، وهو مقصد شرعي لمشقة عدم الاستطاعة، وهذا خلاف مشهور بين أئمة الشافعية، والجواز الأخذ من كلا القولين لاعتبارهما في المذهب.

المسألة السابعة: غسل الأقلف (غير المختون) للميّت

وصورة ذلك: عدم وجود ماء للوضوء لغسل الميّت، ووجود تراب يكفي لتيمّم شخص واحد؛ إذ بعد تيمّم الأول يصبح التراب مستعملاً فلا يجوز للثاني استعماله، فهل يتيمّم به الحي أم ييمّم الحي الميت أولاً؟

ثم تأتي مسألة الأقلف، فهل ينفعه التيمّم؟ أم أن النجاسة الباقية تحت الحشفة بسبب عدم الختان وتبقي النجاسة معه؟

اختلف الرمليّ وابن حجر في غسل الأقلف من عدمه في حالة التعسر والتعذر واضح في أصل الخلاف.

جاء في "تحفة المحتاج في شرح المنهاج": "وعلى ما قاله ابن حجر من أنه يصح التيمّم مع النجاسة إذا تعذرت إزالتها ييمّم ويصلى عليه وبقي ما لو وجد تراب لا يكفي الميت والحي، فهل يقدم الأول أو الثاني فيه نظر، والأقرب بل المتعين تقديم الميت؛ لأنه إذا يمّم به الميت يصلي عليه الحيّ صلاة فاقد الطهورين، وإذا تيمّم به الحيّ لا يصلي به على الميت لعدم طهارته، فأي فائدة في تيمّم الحي به؟ ع ش (علي الشبراملسي) عبارة شيخنا وما تحت قلفة الأقلف فلا بد من فسخها وغسل ما تحتها إن تيسر، وإلا فإن كان ما تحتها طاهراً يمّم عنه، وإن كان نجساً فلا ييمّم، بل يدفن بلا صلاة، كفاقد الطهورين على ما قاله الرملي، لأنّ شرط التيمّم إزالة النجاسة، وقال ابن حجر ييمم للضرورة وينبغي تقليده، لأن في دفنه بلا صلاة عدم احترام للميت"([34]).

والخلاف بين الرملي وابن حجر إذا تعذر إزالة النجاسة تحت الأقلف، وقول ابن حجر يمّم هو مقصد شرعي في حالة الضرورة  لتعذر إزالة النجاسة؛ لأنّ في دفنه بلا صلاة عدم احترام للميت، والقولان معتبران في المذهب بجواز تقليد أحدهما.

المسألة الثامنة: تيمّم المريض حالة الشكّ أنّ الماء يضره

عند ابن حجر يجوز تيمّم المريض حالة الشكّ أنّ الماء يضره، بخلاف الرملي لا يجوز، فلا بدّ من إخبار طبيب ثقة([35]).

قال أبو زكريا الأنصاري: "وإنما يتيمّم بما ذكر (إن أخبره) بكونه مخوفاً (طبيب مقبول الرواية) ولو عبداً أو امرأة، (أو عرف) هو (ذلك وإلا) بأن لم يخبره من ذكر ولا كان عارفاً بذلك (فلا) يتيمم، هذا ما جزم به في التحقيق، ونقله في الروضة عن أبي علي السنجي وأقره، قال في المجموع : ولم أرَ من وافقه ولا من خالفه، قال في المهمات: لكن جزم البغوي في فتاويه بأنه يتيمّم، فتعارض الجوابان، وإيجاب الطهر بالماء مع الجهل بحال العلة التي هي مظنة للهلاك بعيد عن محاسن الشريعة، فنستخير الله تعالى ونفتي بما قاله البغوي، ويدلّ له ما في شرح المهذب في الأطعمة عن نصّ الشافعي إنّ المضطر إذا خاف من الطعام المحضر إليه أنه مسموم، جاز له تركه والانتقال إلى الميتة"([36]).

جاء في "حاشية الجمل على شرح المنهج": "خوف المرض من قول طبيب عدل على ما يأتي ومقتضى ذلك عدم جوازه، ولو مع مشقة لا تحتمل عادة، خصوصاً مع عدم وجود طبيب، وفي ذلك من الحرج ما لا يخفى، ومحاسن الشريعة تأبى ذلك صيانة للروح، فهو كالاضطرار"([37]).

وظاهر الخلاف بين أئمّة الشافعية قد يتعسّر وجود الطبيب أو لا يحتاج إليه، لمعرفة نفسه عند الغسل، أو الوضوء بالتيمّم خشية زيادة المرض أو الضرر، وهو مقصد عام من محاسن شريعتنا، وفي هذه الحالة يجوز الأخذ بأحد القولين، لاعتبارهما في المذهب.

المسألة الثامنة: حكم القضاء لماسح الجبيرة

من المعلوم أنّ ماسح الجبيرة يتوضأ، ويتمّم عن الجريح، ولكن هل يلزمه القضاء؟

قال صاحب التقريرات السديدة: "المعتمد عند الشافعية يلزمه القضاء إذا كان الساتر (الجبيرة) في عضو من أعضاء التيمّم يجب القضاء مطلقاً، ويجب القضاء في غير محلّ أعضاء التيمّم:

1. إن كان أخذ من الصحيح قدر الاستمساك فقط ووضعه على غير طهارة.

2. إن كان أخذ من الصحيح زيادة على قدر الاستمساك ولو وضعه على طهارة.

ولا يجب إن أخذ من الصحيح قدر الاستمساك، ووضعه على طهارة، وعند النووي والمزني لا قضاء على صاحب الجبيرة مطلقا([38]).

قال صاحب "مغني المتحتاج": قال في الروضة: بلا خلاف لنقص البدل والمبدل جميعاً، ونقله في المجموع كالرافعي عن جماعة، ثم قال: وإطلاق الجمهور يقتضي أنه لا فرق، (قضى على المشهور) لفوات شرط الوضع على طهارة"([39]).

ونقل الرافعي قول أبي حنيفة والمزني أنّ صاحب الجبيرة ليس عليه قضاء: "والعذر نادر غير دائم، وفي القديم قول أنه لا يعيد وبه قال أبو حنيفة والمزني"([40]).

ومن خلال هذا الخلاف بين أئمّة المذهب، نرى كيف كان للعذر ورفع الحرج أثر في الخلاف، والأصحّ والمختار القول القديم، والمذهب أنه يقضي، واختيار النووي والمزنيّ لا قضاء على صاحب الجبيرة مطلقاً، بخلاف المعتمد في المذهب، واختيار النوويّ والمزنيّ من الشافعية منهج لا يعتريه شكّ في الأخذ بمقاصد التشريع، ونجوّز الأخذ بقول المزني والنووي والجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة عند الحاجة والضرورة بالضوابط المذكورة في منهج التيسير، ولكن الأحوط الأخذ بالقضاء إن تمكن.

المسألة التاسعة: أحكام السحب والتلفيق للحائض

كيف تعتبر الأيام إذا كان الدم متقطعاً بين نقاء وحيض فترة خمسة عشر يوماً لدى المرأة، أي كيف تحسب؟ فاختلف أئمة الشافعية على قولين مشهورين:

الأول: أنه يأخذ حكم الحيض، بحيث لو صامت فيه المرأة تقضي الصوم؛ لأنه تبيّن أنه ليس طهّراً معتبراً، وهذا المذهب يسمى مذهب السحب، بمعنى أنها تسحب حكم الحيض على هذا الطهر.

الثاني: يأخذ حكم الطّهر فلا قضاء للصوم الذي صامته فيه، وهذا المذهب يسمّى مذهب التلفيق.

قال النووي في "المجموع": "قولان مشهوران: أحدهما: أنّ أيام الدم حيض، وأيام النقاء طهر، ويسمى قول التلفيق، وقول اللقط، والثاني أنّ أيام الدم وأيام النقاء كلاهما حيض، ويسمى قول السحب، وقول ترك التلفيق، واختلفوا في الأصحّ منهما فصحح قول التلفيق الشيخ أبو حامد والبندنيجي والمحاملي وسليم الرازي والجرجاني والشيخ نصر والروياني في الحلية وصاحب البيان وهو اختيار أبي إسحق المروزي.

وصحح الأكثرون قول السحب، فممن صححه القضاة الثلاثة أبو حامد في جامعه وأبو الطيب وحسين في تعليقهما، وأبو علي السنجي في شرح التلخيص، والسرخسي في الأمالي، والغزالي في الخلاصة، والمتولي والبغوي والروياني في البحر، والرافعي وآخرون وهو اختيار ابن سريج، قال الرافعي: هو الأصح عند معظم الأصحاب"([41]).

والقول بالتلفيق أصلح وأليق بحال المرأة، ولا يلزمها القضاء لعدم فوات صومها، مع أن المعتمد في المذهب الشافعي السحب، ولكن القول بالتلفيق مشهور ومعتبر في المذهب يجوز تقليده، وهو مقصد شرعي قد تتعرض له النساء فترة انقطاع حيضها، ظناً منها الطّهر، وهي ضرورة داعية كما قال الجويني في "نهاية المطلب": "لا نقول بالتلفيق إلا في أمثال الصور التي ذكرناها، وقد يقع التفريع من قولٍ في قولٍ لضرورة داعيةٍ"([42]).

وما ذهب إليه أصحاب السحب أنه يلزمها القضاء لعدم صحة صيامها وقت طهّرها، وعلى هذا قد يتعسر عليها الإعادة.

المسألة العاشرة: اللون والرائحة معاً بمحل واحد في النجاسة المتوسطة في حالة  تعذر إزالتهما

والنجاسات على ثلاث أنواع:

الأول: المغلظة: مِثل لُعاب الكلب، وكيفية تطهيره بغسل ما وقع عليه سبع مرات إحداهن بالتراب.

والثاني: المخففة: مثل بول الغلام الذي لم يأكل الطعام، وكيفية تطهيره: بنضح ما وقع عليه بالماء.

الثالث: المتوسطة: سميت النجاسة المتوسطة؛ لأن الشارع توسط في حكمها، مثل بول الآدمي وغائطه، ودم الحيض والنفاس، وغالب النجاسات، وتطهر هذه النجاسات بأن تغسل بالماء حتى تزول، وإن كان لها جرم أزاله قبل ذلك، ولا يضرّ بقاء اللون بعد الغسل، وقيل: ويضر بقاء اللون والرائحة على الصحيح، ولكن ذهب آخرون إلى جواز بقاء اللون والرائحة إن تعسّر إزالتهما.

قال صاحب "مغني المحتاج": "قال في البسيط: هذا في رائحة تدرك عند شم الثوب دون ما يدرك في الهواء، وفي اللّون وجه كذلك فترتكب المشقة في زوالهما، (قلت: فإن بقيا) بمحلّ واحد (معاً ضرا على الصحيح والله أعلم) لقوة دلالتهما على بقاء العين.

والثاني: لا يضرّ، لاغتفارهما منفردين، فكذا مجتمعين، والعسر من زوال ريح المغلظة أو لونها كغيرها كما يؤخذ من عموم كلامهم"([43]).

وعدّ القول الثاني الجواز في حالة التعسّر والمشقة، وإلا وجب الإزالة، ونقل الشربيني القول الثاني، بأنه لا يضر لاغتفارهما منفردين فكذا مجتمعين، والعسر من زوال ريح المغلظة أو لونها كغيرها كما يؤخذ من عموم كلامهم، وهو مقصد شرعي للأخذ بالتيسير في حالة تعسر إزالة النجاسة.

المسألة الحادية عشرة: حمل المصحف للصبي المميّز المحدث الذي لم يبلغ

جاء في "المهذب في فقة الإمام الشافعي" للشيرازي: "وهل يجوز للصبيان حمل الألواح وهم محدثون؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يجوز كما لا يجوز لغيرهم.

والثاني: يجوز؛ لأن طهارتهم لا تنحفظ وحاجتهم إلى ذلك ماسة، وإن حمل رجل متاعاً وفي جملته مصحف وهو محدث جاز؛ لأن القصد نقل المتاع فعفى عما فيه"([44]).

قال النووي في "المجموع": "وأما الصبي فإن كان غير مميز لم يجز لوليه تمكينه من المصحف؛ لئلا ينتهكه، وإن كان مميزاً فهل يجب على الولي والمعلم تكليفه الطهارة لحمل المصحف واللّوح ومسهما فيه؟ وجهان مشهوران، أصحهما عند الأصحاب لا يجب للمشقة"([45]).

والقولان مشهوران في المذهب، وأصحهما الجواز لجانب الحاجة الماسّة لتعلم القرآن ورفع الحرج والمشقة؛ لأن الصبي في الغالب لا يتحرّز عن النجاسات، بخلاف الكبير البالغ، وهذا يشقّ على الولي تكليف الصبي بالوضوء عند حمل المصحف أو قراءته.

المسألة الثانية عشرة: حكم وقوع ما ليس له نفس سائلة  كالذباب، والبعوض، والخنافس، والعقارب، في الماء القليل

اختلف أصحاب المذهب على قولين في وقوع ما ليس له نفس سائلة كالذباب والبعوض في الماء، هل ينجس أم لا؟

جاء في "نهاية المطلب في دراية المذهب": "وإن لم تكن له نفسٌ سائلة -يعني الدم؛ إذ لا يخلو حيوانٌ عن بلةٍ ورطوبةٍ، ولسنا [نعنيها]- فإذا مات شيء منها: كالذباب، والبعوض، والخنافس، والعقارب، وغيرها، في ماء قليل، ففي نجاسة الماء قولان للشافعي: أحدهما: وهو الجديد، ومذهب أبي حنيفة أن الماء لا ينجس بها. والثاني: أنه ينجس قياساً على ما له دمٌ سائل.

وذكر صاحب "التقريب" قولاً ثالثاً مخرجاً من [قولٍ] منصوص: أنه يفرق بين ما يكثر ويعمّ، وبين ما لا يكثر، فالذي يعمّ: كالذباب، والبعوض، وما في معناهما، والذي لا يعمّ: كالخنافس، والعقارب، والجُعلان. ووُجِّهَ هذا القول بأنّ المعتمد في توجيه قول الحكم بالطهارة تعذّر الاحتراز"([46]).

وجاء في "أسنى المطالب": "(قوله ولا بما لا يدركه طرف)، قال في التنبيه: وإن وقع فيما دون القلتين من نجاسة لا يدركها الطرف لم تنجسه انتهى، قال ابن الملقن: قوله: وقع يفهم منه الجزم بالتنجيس عند الطرح، وهو قياس نظيره في ميتة لا نفس لها سائلة إذا طرحت. (قوله لقلته) أي: بحيث لو خالفت لونه ما وقع عليه لم يُرَ، (قوله: وإلا فله حكم ما يدركه الطرف)، ولو رأى قوي النظر ما لا يراه غيره، قال الزركشي: فالظاهر العفو كما على الأصح، قال ابن الرفعة"([47]).

والقولان مشهوران في المذهب كما صرح النووي في المجموع([48])، فالتعذر ومشقة الاحتراز سبب في التصريح بعدم النجاسة، وهو مقصد شرعي في التيسير ورفع الحرج بالعفو ومشقة الاحتراز كما قال به الزركشي وابن الرفعة، وهو المعتمد في المذهب.

المسألة الثالثة عشرة: أحكام المتحيّرة: هي معتادة غير مميزة ناسية لعادتها قدراً ووقتاً

1. عدة المطلقة المتحيّرة:

قال الرافعي: "المتحيّرة إذا طلقها زوجها بماذا تعتد؟ نقلوا عن صاحب التقريب وجهاً أنها تصبر إلى سنّ اليأس ثم تعتد بالأشهر؛ لأنّ من المحتمل تباعد الحيض ونحن نفرع على قول الاحتياط، فنأخذ في كلّ حكم بالأسوأ، والذي صار إليه المعظم ورواه صاحب الكتاب أن عدتها تنقضي بثلاثة أشهر، لأنّ الغالب أن يكون للمرأة في كل شهر حيضة، وحمل أمرها على تباعد الحيض وتكليفها الصبر إلى سنّ اليأس فيه مشقة عظيمة وضرر بيّن، فلا وجه لاحتماله بتجويز مجرد على خلاف الغالب بخلاف العبادات، فإن المشقة فيها أهون، ثم في كيفية اعتدادها بالأشهر كلام ذكره في كتاب العدة، واعلم أن إمام الحرمين قدس الله روحه مال إلى رد المتحيرة الي المبتدأة، في قدر الحيض وإن لم يجعل أول الهلال ابتداء دورها، ومما استشهد به هذه المسألة، فقال: اتفاق معظم الأصحاب على أنها تعتد بثلاثة أشهر"([49]).

وما ذكره الرافعي عن الجويني في معتدة المتحيّرة، ظاهرهُ التيسير ورفع الحرج، قد ينال من المتحيّرة ذرعاً من مشقة عظيمة وضرّر بيّن كما صرح به، على خلاف المشهور في المذهب.

2. وطء المتحيّرة:

قال النووي في "المجموع": "في وطء المتحيرة: قال أصحابنا يحرم على زوجها وسيدها وطؤها في كل حال وكل وقت؛ لاحتمال الحيض في كل وقت، والتفريع على قول الاحتياط، وحكى صاحب الحاوي وغيره وجهاً أنه يحلّ له؛ لأنه يستحق الاستمتاع ولا نحرمه بالشكّ؛ ولأنّ في منعها دائماً مشقة عظيمة، والمذهب التحريم، وبه قطع الأصحاب في الطرق كلها، ونقل المتولي وغيره اتفاقهم عليه، فعلى هذا لو وطئ عصى ولزمه غسل الجنابة، ولا يلزمه التصدق بدينار على القول القديم؛ لأنا لم نتيقن الوطء في الحيض، وفي حل الاستمتاع بما بين السرة والركبة الخلاف السابق في الحيض، ذكره جماعات، منهم الدارمي والرافعي"([50]).

وقد ذكر النووي الرأي الثاني القائلين بجواز الوطء بحجة المشقة ما نصه: "وحكى صاحب الحاوي وغيره وجهاً أنه يحل له؛ لأنه يستحق الاستمتاع ولا نحرمه بالشك؛ ولأن في منعها دائماً مشقة عظيمة".

 وهذا ما نشير إليه في بحثنا بأنّ حالات التعذر والمشقة وجه شرعي لدى الفقهاء رحمهم الله، قد يتعسر فراق الزوجين وعدم المعاشرة إلى ما هو أعظم عند ذروة الشهوة، فلا بأس بالأخذ بقول جواز الاستمتاع بين السرة والرّكبة من غير الوطء كما صرح عدد من الشافعية، وقواه النوويّ بجواز مباشرة الزوجة كالحائض بين السرة والركبة، كما نقل النووي في المجموع([51])، والمعتمد التحريم.

3. تطوع المتحيّرة بالسنن والصوم وقرأة القرآن وغير ذلك:

قال النووي في "المجموع": "تطوعها بالصوم والصلاة والطواف ففيه أوجه:

أحدها: أنه يحرم جميع ذلك، فإن فعلته لم يصح؛ لأنّ حكمها حكم الحائض، وإنما جوز لها الفرض للضرورة ولا ضرورة هنا.

والثاني: وهو الأصحّ عند الدارمي والشاشي والرافعي وغيرهم من المحققين، يجوز ذلك كما يجوز ذلك للمتيمّم مع أنه محدث، ولأن النوافل من مهمّات الدين وفي منعها تضييق عليها؛ ولأنّ النوافل مبنية على التخفيف، وبهذا قطع إمام الحرمين ونقله عن الأصحاب.

والوجه الثالث: تجويز السنن الراتبة وطواف القدوم دون النفل المطلق حكاه صاحب الحاوي؛ لأنها تابعة للفرض فهي كجزء منه. والله أعلم"([52]).

وما ذكره النووي للرأي الثاني القائل بالجواز بحجة المشقة ورفع الحرج، بقوله: "ولأن النوافل من مهمّات الدين وفي منعها تضييق عليها"، وهذا ما نلحظه من خلال خلافاتهم الفقهية، وقوله: "هو الأصح"، أي الأصح في المذهب.

النتائج

1. منهج التيسير من الحجج المهمّة عند الفقهاء، وهي من أساسيات الفقه، بل دليل قوي في الاستشهاد بها على صحة قولهم.

2. لم يغفل الفقهاء منهج التيسير في كثير من مواطن المشقة على أحوال الناس، بناء على الأدلة الشرعية الواردة في المذهب.

3. الخلافات الناشبة في كثير من المسائل كان للتيسر ورفع الحرج فيه حيز مؤثر في إصدار الحكم وتقوية الأقوال.

4. كتاب الطهارة من أهم أبواب الفقه في وجود منهج التيسير، من خلال استدلالاتهم الفقهية، لما يتعرض له الناس من حرج في الغسل والوضوء والتيمم، وغير ذلك من أبواب الطهارة؛ لكثرة وقوع المشقة فيها.

5. على المجتهد والفقيه والمفتي عدم إغفال منهج التيسير ورفع الحرج حال ذكرهم للمسائل المتعلقة بحال المستفتي، مع الأخذ بالحيطة والحذر من الخروج عن أقوال المذاهب المعتبرة أو الأخذ بالأقوال الضعيفة والشاذة أو بالهوى والتشهّي، كما أشرنا سابقاً في ضوابط التيسير.

التوصيات

1. يجب تكثيف الجهود في إفراد المسائل التي يكثر فيها المشقة، وتتبع الأقوال بين المذاهب بالأدلة الشرعية.

2. تحصين منهج التيسير بالضوابط، وحصر الحالات قدر الاستطاعة التي يستوجب فيها الأخذ بمنهج التيسير ورفع الحرج.

 

(*) مجلة الفتوى والدراسات الإسلامية، دائرة الإفتاء العام، المجلد الأول، العدد الثاني، 1440هـ/ 2019م.

 

الهوامش


 ([1]) مسلم بن الحجاج (ت261هـ)، صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي – بيروت، باب (مُبَاعَدَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْآثَامِ وَاخْتِيَارِهِ مِنَ الْمُبَاحِ)، حديث رقم (78) ج4، ص1813.

([2]) عبد الرحمن بن صالح العبد اللطيف، القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، (ط1)، 1423هـ/2003م، ج1، ص434.

([3]) الكاف، حسن بن أحمد، التقريرات السديدة في المسائل المفيدة، قسم العبادات، دار الميراث النبوية، المدينة المنورة، 2003م، ص39. بتصرف.

([4]) الجوهري، إسماعيل بن حماد أبو نصر (ت393هـ)، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق أحمد عبد الغفور عطا، دار العلم للملايين – بيروت، (ط4)، 1407 هـ‍ - 1987، باب "يسر" ج2، ص 857.

([5]) ابن منظور، محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل (ت711هـ)، لسان العرب، دار صادر – بيروت، (ط3)- 1414هـ، باب "يسر"، ج5، ص 295.

([6]) العبد اللطيف، القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير،ج2، ص504.

([7]) ابن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد الشيباني (ت241ه)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، مؤسسة الرسالة، (ط1)، 1421 هـ - 2001م)، كتاب مسند أبي هريرة، رقم (9523)، ج15، ص320.

([8]) السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين (ت911هـ) الأشباه والنظائر، دار الكتب العلمية، (ط1)، 1411هـ - 1990، ص: 159.

([9]) السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين (ت771هـ)، الأشباه والنظائر، دار الكتب العلمية بيروت، 2001م، ج 1، ص49.

 ([10]) مسلم، صحيح مسلم، باب (مُبَاعَدَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْآثَامِ وَاخْتِيَارِهِ مِنَ الْمُبَاحِ، حديث رقم (78)، ج4، ص1813.

([11]) البرنو، محمد صديق، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكُلِّية، مؤسسة الرسالة، (ط1) 2002م، ص255.

([12]) الباحسين، يعقوب بن عبد الوهاب، رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، دار الرشد، الرياض، 2001م، (ط4)، ص239، بتصرف.

([13]) الشنقيطي، محمد الأمين بن محمد المختار، نثرُ الورُود شرح مراقي السعود، تحقيق علي بن محمد العمران، مجمع الفقه الإسلامي بجدة - دار عالم الفوائد، سنة النشر: 1426، ج22، ص 121. بتصرف.

([14]) الزركشي، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر (المتوفى: 794هـ)، البحرُ المحيط، دار الكتب العلمية بيروت، 2001م، ج8، ص381.

([15]) الكاف، التقريرات السديدة في المسائل المفيدة، قسم العبادات، ص58-59.

([16]) الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد البغدادي (ت450هـ)، الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي، تحقيق الشيخ علي محمد معوض - الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، (ط1)، 1419 هـ -1999 م، ج1، ص 43.

([17]) الأنصاري، زكريا بن محمد (ت926هـ)، أسنى المطالب في شرح روض الطالب، دار الكتاب الإسلامي، الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ، ج1، ص1.

([18]) البيهقي، أحمد بن الحسين (ت458هـ)، السنن الصغير، تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي، جامعة الدراسات الإسلامية، كراتشي- باكستان، (ط1)، 1410هـ - 1989م، باب: ما تكون به الطهارة من الماء، حديث رقم (199)، ج1، ص85، قال البيهقي: "وَلَا يَثْبُتُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ: (يَا حُمَيْرَاءُ، لَا تَفْعَلِي فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ)". ج1، ص85.

([19]) النووي، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف (ت676هـ) المجموع شرح المهذب، دار الفكر، ج1، ص88- 87.

([20]) الأنصاري، زكريا بن محمد (ت926هـ)، الغرر البهية في شرح البهجة الوردية، المطبعة الميمنية، بدون طبعة وبدون تاريخ، ص27.

([21]) الكاف، حسن أحمد الكاف، تقريرات السديدة في المسائل المفيدة، قسم العبادات، ص60.

([22]) مسلم، صحيح مسلم، بَابُ النَّهْيِ عَنِ الَاغْتِسَالِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِد،ِ حديث رقم (78)، ج1 ص236.

([23]) الأنصاري، أسنى المطالب، ج1، ص7.

([24]) الكاف، التقريرات السديدة في المسائل المفيدة، قسم العبادات، ص60.

([25]) النووي، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (ت676هـ)، روضة الطالبين وعمدة المفتين، تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- عمان، (ط3)، 1412هـ / 1991م، ج1 ص9.

([26]) البيجوري، إبراهيم، حاشية الشيخ ابراهيم البيجوي على شرح ابن القاسم الغزي، دار الفكر، دمشق، 1425، ج1، ص48 بتصرف.

([27]) الجمل، سليمان بن عمر بن منصور (ت1204هـ)، فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب المعروف بحاشية الجمل، دار الفكر، بدون طبعة وبدون تاريخ، ج1، ص34.

([28]) النووي، المجموع، ج1، ص 279.

([29]) أبو داود، سنن أبي داود، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد، المكتبة العصرية، صيدا – بيروت، باب: ما جاء في خضاب السواد، حديث رقم (4212)، ج4، ص84.

([30]) الرملي، شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة شهاب الدين (ت1004هـ)، غاية البيان شرح زبد ابن رسلان، دار المعرفة – بيروت، ص73.

([31]) النووي، المجموع،ج1، ص 294.

([32]) الرملي، شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة شهاب الدين (ت1004هـ)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، دار الفكر، بيروت، (ط أخيرة)، 1404هـ/1984م، ج2، ص25.

([33]) قليوبي وعميرة، أحمد سلامة القليوبي وأحمد البرلسي عميرة، حاشيتا قليوبي وعميرة، دار الفكر، بيروت، بدون طبعة، 1415هـ-1995م، ج1، ص57.

([34]) الهيتمي، أحمد بن محمد بن علي بن حجر، تحفة المحتاج في شرح المنهاج، المكتبة التجارية الكبرى بمصر، بدون طبع، 1357 هـ - 1983م، ج1، ص 113.

([35]) الكاف، تقريرات السديدة في المسائل المفيدة، ص 145.

([36]) الأنصاري، أسنى المطالب، ج1، ص80 .

([37]) الجمل، فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب، ج15، ص35.

([38]) الكاف، التقريرات السديدة في المسائل المفيدة، ص153 بتصرف.

([39]) الشربيني، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، ج1، ص276.

([40]) الرافعي، عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني (ت623هـ)، فتح العزيز بشرح الوجيز، دار الفكر، ج2، ص356.

([41]) النووي، المجموع، ج2، ص501.

([42]) الجويني، نهاية المطلب، ص425.

([43]) الشربيني،  مغني المحتاج، ج1، ص242.

([44]) الشيرازي، أبو إسحاق إبراهيم بن علي (ت476هـ)، المهذب في فقة الإمام الشافعي، دار الكتب العلمية، ج1، ص54.

([45]) النووي، المجموع، ج2، ص69

([46]) الجويني، عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد، أبو المعالي، (ت478هـ)، نهاية المطلب في دراية المذهب، تحقيق الدكتور عبد العظيم محمود الدّيب، دار المنهاج، (ط1)، 1428هـ-2007م، ج1، ص249.

([47]) زكريا الأنصاري، أسنى المطالب، ج1، ص14.

([48]) النووي، المجموع، ج1، ص129.

([49]) الرافعي، فتح العزيز بشرح الوجيز، ج2، ص514.

([50]) النووي، المجموع ج2، ص437.

([51])  حكم المسألة: ففي مباشرة الحائض بين السرة والركبة ثلاثة أوجه:

أصحها عند جمهور الأصحاب أنها حرام، وهو المنصوص للشافعي رحمه الله في الأم والبويطي وأحكام القرآن، قال صاحب الحاوي: وهو قول أبي العباس وأبي علي بن أبي هريرة، وقطع به جماعة من أصحاب المختصرات.

والوجه الثاني: أنه ليس بحرام، وهو قول أبي إسحاق المروزي، وحكاه صاحب الحاوي عن أبي علي بن خيران، ورأيته أنا مقطوعا به في كتاب اللطيف لأبي الحسن بن خيران من أصحابنا، وهو غير أبي علي بن خيران، واختاره صاحب الحاوي في كتابه الإقناع والروياني في الحلية وهو الأقوى من حيث الدليل؛ لحديث أنس رضي الله عنه فإنه صريح في الإباحة، وأما مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم فوق الإزار فمحمولة على الاستحباب جمعاً بين قوله صلى الله عليه وسلم وفعله، وتأول هؤلاء الإزار في حديث عمر رضى الله عنه على أن المراد به الفرج بعينه ونقلوه عن اللغة، وأنشدوا فيه شعرا وليست مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم فوق الإزار تفسيرا للإزار في حديث عمر رضي الله عنه بل هي محمولة على الاستحباب كما سبق.

والوجه الثالث: إن وثق المباشر تحت الإزار بضبط نفسه عن الفرج لضعف شهوة أو شدة ورع جاز وإلا فلا، حكاه صاحب الحاوي ومتابعوه عن أبي الفياض البصري، وهو حسن، ونقل أبو علي السنجي والقاضي حسين والمتولي في المسألة قولين بدل الوجهين الأولين، قال القاضي الجديد التحريم والقديم الجواز. انظر: المجموع، ج2، ص364.

([52]) النووي، المجموع، ج2، ص437.