أضيف بتاريخ : 25-01-2012


منهج القرآن الكريم في عرض آيات الأحكام(*)

د. عماد عبد الكريم خصاونة / كلية الدراسات الفقهية والقانونية - جامعة آل البيت

ملخص

تهدف هذه الدراسة إلى تناول آيات الأحكام؛ وذلك من خلال بيان منهج القرآن الكريم في عرضها، فتتعرض إلى معنى الحكم الشرعي وأنواعه من حيث: الوضع والتكليف، ومعرفة أهم الأحكام التي وردت في القرآن الكريم، وما تناولته هذه الأحكام، وكيفيه سياق القرآن لها، وكشف دلالتها، وتوصلت الدراسة إلى أنّ معرفه منهج القرآن الكريم في عرض آيات الأحكام يؤدي إلى مراعاة المقاصد العليا للشريعة الإسلامية.

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

فإن للاشتغال بعلوم الشريعة؛ شرفاً، وفضيلة، تتنور بها العقول، وتنضبط بها الأقوال والأفعال، فتتيقن الإنسانية أنه لا سبيل لسعادتها وراحتها، إلا بشريعة تصلح لكل زمان ومكان، وهي الشريعة الإسلامية الغراء.

وإذا أردنا معرفة المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، فلا بدّ من الوقوف عند مصدرها الأول وهو القرآن الكريم، و معرفة المنهج الذي عرض به للأحكام الشرعية، إذ هو السبيل الوحيد لاتباع الصراط المستقيم قال تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[112: هود].

مشكلة الدراسة:

جاءت هذه الدراسة بشكلها النظري، وبعض التطبيقات العملية، جامعة بين علمي التفسير والأصول، في باب الحكم الشرعي، وهو من أهم موضوعات علم الأصول، وقد اهتم ببحثه العلماء قديماً وحديثاً، وألفوا فيه المؤلفات الكثيرة التي تراوحت بين اليسر والصعوبة، والخفاء والوضوح، ومع ذلك فقد جاءت هذه الدراسة للإجابة عن الأسئلة الآتية:

1. هل للقرآن الكريم منهجٌ متميز في عرض الأحكام الشرعيّة؟

2. ما الأحكام التي اشتمل عليها القرآن الكريم؟

أهمية الدراسة وهدفها:

تبدو أهمية الدراسة واضحة من خلال الربط بين علمي التفسير والأصول، وهذه الدراسة محاولة لإبراز أسس وقواعد الفهم الصحيح للنص القرآني وتوضيح المقصد منه، وفي ذلك فوائد: منها أن المفسر للقرآن الكريم؛ يجب عليه أن يتعرف على كيفية التعامل مع النصوص القرآنية، من حيث عرضها لأي موضوع فيفهم المنهج، وبذلك الفهم يستطيع أن يستنبط ويصل إلى الحكم الشرعي وهو مطمئن.

ومن فوائد ذلك أيضاً، أن يفهم المسلم أن الدين ليس صلاة، وصوماً، وحجاً، وزكاة فقط، بل هناك نصوص أخرى مهمة يجب عليه أن يطبقها في حياته العملية، فلا يقبل منه أن يصلي ويصوم، ويأكل الربا وينظر إلى ما حرّم الله؛ لأن الذي أمره بالصلاة والصوم، هو الذي أمره بأن لا يأكل الربا، قال تعالى: (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)[275: البقرة] وهو الذي أمره أيضاً بغض البصر بقوله تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)[30:النور].

منهج الدراسة:

استخدمت الدراسة المنهج الاستقرائي بالإطلاع على ما كتبه علماء الأصول وعلماء التفسير في مؤلفاتهم، واستفادت من منهج الاستنباط للوصول للقواعد والأسس، مع ذكر بعض التطبيقات من الآيات القرآنية، وتحليلها لمعرفة دلالة الأحكام فيها.

الدراسات السابقة:

لم يحظ هذا الموضع ببحث مستقل في الدراسات التفسيرية والأصولية السابقة، رغم أن مفرداته مبثوثة في الأبواب التفسيرية عموماً والأصولية خصوصاً.

فقد وردت بعض الإشارات عند الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات، عن المنهج القرآن في عرض الأحكام، إلا أن هذه الإشارات جاءت بعبارات يصعب التعامل معها وفهمها، من قبل طالب العلم الشرعي؛ فأردت أن أوضحها بحيث يسهل على طالب العلم الرجوع إليها عند الحاجة.

ولا يخفى علينا جهود بعض علماء التفسير وعنايتهم بآيات الأحكام وما يتعلّق بها من قواعد أصولية، كجهود الإمام القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرآن، إلا أن هذه الكتب اهتمت بالجانب العملي التطبيقي للقواعد الأصولية دون بيان وجه الربط بين القاعدة الأصولية والحكم المبني عليها وكيفية البناء، ولتحقيق هذا اقتضى أن يكون البحث مكوناً من مقدمة وثلاثة مباحث، وخاتمة، فكان:

المبحث الأول: الحكم الشرعي تعريفه وأنواعه وفيه:

المطلب الأول: تعريف الحكم الشرعي.

المطلب الثاني: الحكم الشرعي التكليفي.

المطلب الثالث: الحكم الشرعي الوضعي.

المبحث الثاني: أحكام القرآن الكريم، وفيه:

المطلب الأول: أقسام الأحكام في القرآن الكريم.

المطلب الثاني: أهم ما تناولته أحكام القرآن الكريم.

المطلب الثالث: أقسام الأحكام العملية الشرعية.

المبحث الثالث: أسلوب القرآن الكريم في الأحكام، وفيه:

المطلب الأول: بيان القرآن الكريم للأحكام.

المطلب الثاني: تعريف القرآن الكريم للأحكام.

المطلب الثالث: دلالة القرآن الكريم على الأحكام.

ثم الخاتمة وعرضت فيها لأهم النتائج التي توصلت إليها. والحمد لله رب العالمين.

المبحث الأول

الحكم الشرعي تعريفه وأنواعه

المطلب الأول: تعريف الحكم الشرعي:

1. تعريف الحكم لغةً: الحُكْمْ: العلم والفقه، وتأتي بمعنى القضاء والعدل، وحَكَمَ الرجل يحكم حكماً إذا بلغ النهاية في معناه مدحاً لازماً، واستحكم الرجل إذ تناهى عما يضره في دينه أو دنياه، وحَكَم الشيء إذا منعه من الفساد، وحكم فلان عن الأمر والشيء، إذ رجع عنه[1]. ومن خلال الرجوع إلى المعجم اللغوي تبين أن الحكم يأتي بعدة معانٍ، منها العلم، والفقه، والقضاء، والعدل، والمنع والرد.

2. اصطلاحاً: الحكم الشرعي عند الأصوليين: (خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع)[2].

فالمراد بـ: (خطاب الله): أي كلامه تعالى الموجه إلى عباده، سواء أكان مباشرة بالقرآن الكريم، أو ما يرجع إلى كلامه من السنة الشريفة، أو الإجماع، وسائر الأدلة الشرعية، التي تكون بها مظهرة للحكم الشرعي[3].

والمراد بـ: (المتعلق بأفعال المكلفين): أي المرتبط بتصرفات الإنسان والمنظم لها والمبين لأحكامها المشروعة، فتبين صفة الفعل من أنه مطلوب أو محظور مثلاً، والمكلف هو الإنسان البالغ العاقل العالم بما كلّف به والقادر على القيام به وأدائه[4].

وعليه؛ فإن خطاب الله تعالى المتعلق بغير أفعال المكلفين لا يسمى حكماً، مثاله خطاب الله المتعلق بذاته وصفاته، كقوله ِتعالى: (إنّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [115:التوبة]، وخطابه تعالى المتعلق بذاته وصفاته كقوله تعالى: (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ[12: النحل]، وخطابه تعالى في إخباره عن خلقه للمخلوقات كقوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)[96: الصافات]، وخطابه تعالى كما في القصص القرآني[5] كقوله تعالى: (أَلَمْ * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَْرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَْمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ)[1-4:الروم].

والمراد بـ (الاقتضاء): وهو طلب الفعل الجازم (الإيجاب) أو غير الجازم (الندب) وطلب الترك الجازم (التحريم) أو غير الجازم (الكراهة)[6].

والمراد بـ (التخيير): التسوية بين فعل الشيء وتركه دون ترجيح أحدهما على الآخر، وترك الحرية للإنسان بأن يفعله أو يتركه[7].

والمراد بـ (الوضع): جعل الشارع الشيء (من تصرف الإنسان أو الواقعة) سبباً لشيء آخر أو شرطاً أو مانعاً فيه[8].

أما تعريف الحكم الشرعي عند الفقهاء: ما ثبت بخطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على وجه الاقتضاء أو التخيير أو الوضع[9].

فالحكم الشرعي بالمعنى الأصولي هو صفة الشارع وشرعه يعني الإيجاب والندب والتحريم والكراهة والإباحة، وجعل الشيء سبباً أو شرطاً أو مانعاً، وبالمعنى الفقهي هو صفة تصرفات الإنسان والوقائع التي لها صلة بتصرفاته[10].

ويرجع الخلاف في ذلك إلى أن وظيفة الأصوليين منصبة على بيان أدلة الأحكام الشرعية ومصادرها، في حين أن وظيفة الفقهاء هي استنباط الأحكام الشرعية التي من صفات تصرفات الإنسان والوقائع الشرعية، فيكون الحكم الشرعي بالمعنى الأول: شرع الله، والمعنى الثاني: فقه الشرع[11].

المطلب الثاني: الحكم الشرعي التكليفي:

تعريفه: هو ما يقتضي طلب الفعل أو الكف عنه، أو التخيير بين الفعل والترك[12]، وينقسم إلى خمسة أقسام:

1) الوجوب[13]: (هو ما طلب الشارع فعله على وجه اللزوم)[14]فيذم تاركه ومع الذم العقاب، ويمدح فاعله ومع المدح الثواب، ويستفاد ذلك من خلال عدة أساليب:

‌أ- صيغة الطلب، فقد يأتي الطلب بصيغه أفعل كقوله تعالى: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ)[83:البقرة]، فإن لفظ (أقيموا) دل بصيغته على اللزوم، وقد يأتي الطلب بصيغه ليفعل كقوله تعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)[185: البقرة]، وقد يأتي الطلب بلفظ كتب كقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)[183:البقرة]، فإن (كتب) تأتي بمعنى فرض وأوجب[15].

‌ب- صيغة ما يترتب على ترك الفعل من عقوبة، كقوله تعالى: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)[44: المائدة]، فإن النص يدل على أن الحكم بما أنزل الله واجب بواسطة قرينة خارجية، وهو وصف تارك الحكم بالكفر الذي يؤدي بصاحبه إلى العقاب[16].

وقد تكون الصيغتان في آية واحدة كقوله تعالى: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[97: آل عمران]، فالله تعالى أوجب الحج بعبارتين تدلان على الوجوب، فاللام تدل على الوجوب في قوله تعالى: (وَلِلّهِ)، وأما (عَلَى) فهي أيضاً تدل على الوجوب عند العرب، وختمت الآية (وَمَن كَفَرَ) فهي قرينة تدل على أن الذي لم يحج مع توفر الاستطاعة البدنية والمالية موصوفاً بالكفر، وهو يؤدي به إلى العقاب[17].

2) المندوب: (هو ما طلب الشارع فعله من المكلف على وجه الرجحان والأولوية لا على الحتم والإلزام)([18])، بحيث إنه يمدح فاعله ويثاب ولا يذم تاركه ولا يعاقب، وقد يلحقه اللوم والعقاب على ترك بعض أنواع[19] المندوب[20]، ويستفاد ذلك من الأوامر والصيغ التي دلت القرائن على أنها ليست للإلزام والحتمية، بل للرجحان والأولوية كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ)[282: البقرة]، فإن الأمر بكتابة الدين وفقاً لقوله تعالى: (فَاكْتُبُوهُ) دالاً على وجوب كتابة الدين وقد وجدت قرينة صارفة لهذا الأمر عن الوجوب إلى الندب وهي قوله تعالى: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) [283: البقرة]، فيندب للدائن والمدين كتابة الدين لحفظ الحقوق، وإن أمن بعضهم بعضاً، فلا إثم عليهما إن لم يكتبوا هذا الدين[21].

3) الحرام: (هو ما طلب الشارع الكف عنه على وجه الحتم والإلزام)[22]فيكون تاركه مأجوراً مطيعاً، وفاعله آثماً عاصياً، ويستفاد ذلك من الأساليب الدالة على حرمة الفعل[23].

‌أ- صيغة التحريم وما يشتق منها كقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ)[23: النساء] وفي هذه الآية الكريمة بيان لأشد أنواع التحريم وهو: نكاح الأمهات، وعُلل ذلك بأن فيه اعتداءً على الفطرة الإنسانية السليمة[24].

‌ب- صيغة النهي المقترنة بما يدل على الحتم، كقوله تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً * وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ)[32-33: الإسراء]، ففي هذا النص القرآني نهى عن قرب الزنا، وطرقه، والنهي يقتضي التحريم.

‌ج- صيغة الأمر بالاجتناب المقترنة بما يدل على اجتناب أمر محتم كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[90:المائدة]، أمر الله تعالى عباده المؤمنين باجتناب الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، وعلة هذا الاجتناب وصف هذه الأفعال بأنها رجس من عمل الشيطان، ولما كان الأمر بالاجتناب دالا على وجوب الترك فُهم منه التحريم فكانت هذه الأفعال محرمه([25]).

‌د- استعمال لفظ (لاَ يَحِلُّ) كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا) [19:النساء]، فاستعمل القرآن الكريم للتحريم صيغة النهي، وهي صريحة في قوله تعالى: (لاَ يَحِلُّ)، فيحرم أخذ شيء من المهر إلا بمسوغ شرعي[26].

ه‍- ترتيب الشارع عقوبة على الفعل كقوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[38: المائدة]، لما صان الإسلام كرامة الإنسان جعل الاعتداء عليه وعلى ماله جريمة خطيرة تستوجب أشد أنواع العقوبات؛ حتى لا يعبث بأمن المجتمعات[27].

‌و- التوعد على الفعل كقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[10: النساء]، في هذا النص رتب الحق عز وجل وعيداً عظيماً وشراً كبيراً على من أكل من أموال الأيتام وفي هذه الآية تشنيع على آكل أموال الأيتام[28].

4- المكروه: (هو ما طلب الشارع من المكلف تركه على وجه الأولوية والرجحان لا على وجه الحتم والإلزام)[29]، ويكون فاعله ليس آثماً وقد يستحق اللوم والعقاب، وتاركه يمدح ويثاب إذا كان قد تركه خالصاً لوجه الله تعالى[30]، ويستفاد ذلك من الأساليب الدالة على الكراهة[31]:

‌أ- صيغة الكراهة: وما يشتق منها كقوله تعالى: (كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا)[38: الإسراء].

‌ب- صيغة النهي إذا اقترن بما يدل على الكراهة، كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) [101: المائدة]، فالنهي الوارد في الآية ليس تحريماً وإنما كراهة بسبب وجود قرينة صرفته إلى ذلك[32] وهو قولهِ تعالى: (وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القرآن تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ)[101: المائدة].

‌ج- صيغة الأمر بالاجتناب أو ما في معناه إذا اقترن بها ما يدل على الكراهة كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)[9: الجمعة]، فالنهي الوارد في الآية وإن اقتضى التحريم للبيع وقت أذان الجمعة، إلا أنه صرف عن التحريم إلى الكراهة بسبب أن النهي عن البيع ليس لذاته بل لأمر خارج عنه، وهو الوقت الذي جُعل لأداء الصلاة[33].

‌د- صيغة الأمر المفيدة للترك المصحوبة بقرينة تصرفها عن التحريم إلى الكراهة، كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)[87: المائدة]؛ فإن فعل ما يشتبه أمره بين الحل والحرمة ليس حراماً بل مكروهاً.

5) المباح: (هو ما خير الشارع المكلف بين فعله وتركه)[34]، فلم يطلب الشارع أن يفعل ولم يطلب أن يكف، والمباح لا ثواب عليه، ولا عقاب على فعله، فالمكلف مخير بين أن يفعل أو يترك، ولكن إذا قصد بفعل المباح الاستعانة على الواجبات والسنن فإنه يثاب عليه؛ ويستفاد ذلك من الأساليب الدالة على الإباحة[35]:

‌أ- صيغة إباحة الفعل كقوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ)[187: البقرة]، فيباح للمكلف مباشرة زوجته ليلة الصيام، كما يباح له تركها([36]).

‌ب- صيغة الأمر المصحوبة بقرينة صارفة لها عن الوجوب إلى الإباحة كقوله تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَْرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[10: الجمعة]، فالانتشار لطلب الرزق منع منه المكلف وقت النداء لصلاة الجمعة ثم أمر به بعده، فاستصحاب الأمر المباح بالانتشار قبل النداء وبعده قرينة دالة على أن المقصود بالأمر الإباحة لا الوجوب[37].

‌ج- استصحاب الإباحة الأصلية للأشياء، بناءً على أن الأصل في الأشياء الإباحة، كقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً)[29:البقرة]، فخلق ما في الأرض للانتفاع به، ولا يصح الانتفاع إلا إذا كان مباحاً، فالأفعال من عقود وتصرفات والأشياء من جمادات وحيوان "الأصل فيها الإباحة" فالأصل أن كل ما على الأرض من أعيان ومنافع الحل والإباحة؛ لأن الكلام هنا بمعنى الإباحة([38]).

‌د- نفي التحريم، كقوله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)
[32: الأعراف]، و في هذه الآية يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأل سؤال إنكار من يحرم الزينة من اللباس، والحلال رزق من رزق الله في الطعام والشراب[39].

ه‍- الاستثناء من التحريم، فقد حرم الله تعالى على المسلمين أكل الميتة والدم ولحم الخنزير في قوله تعالى: (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَو دَماً مَّسفوحاً أَو لَحمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجسٌ أَو فِسقاً أُهِلَّ لغِيرِ الله بِهِ فَمَن اَضطُرََ غَير بَاغٍ ولَا عَادٍ فإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحيمٌ)[145:الأنعام]، فجاء الاستثناء من ذلك حالة الاضطرار بإباحة ما حرم عليهم دفعاً للهلاك عنهم([40]).

المطلب الثالث: الحكم الوضعي:

تعريفه: (هو ما يقتضى جعل شيء سبباً لشيء آخر أو شرطاً أو مانعاً منه). وسمي هذا النوع بالحكم الوضعي؛ لأنه ربط بين شيئين بالسببية أو الشرطية أو المانعية بوضع من الشارع، أي بجعل منه، أي أن الشارع هو الذي جعل هذا سبباً لهذا أو شرطاً له، أو مانعاً منه، و ينقسم إلى ثلاثة أقسام وهي:

1. السبب: (هو ما جعله الشرع معرفاً لحكم شرعي بحيث يوجد هذا الحكم عند وجوده وينعدم عند عدمه)[41]. فهو أمر ظاهر منضبط لا يخفى، ويكون محدداً، لا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فجعل الشارع أمر وجوده علامة على وجود حكمٍ شرعيٍّ، وبانتفائه ينتفي الحكم[42]، كقوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا)[38:المائدة]، حيث دل ذلك الخطاب على أن من قام من المكلفين بالسرقة، فإن ذلك يكون سبباً لوجوب قطع يده[43].

2. الشرط: (هو ما يتوقف وجود الحكم على وجوده وجوداً شرعياً، ويكون خارجاً عن حقيقته، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته)([44])، والمراد بالوجود؛ الوجود الشرعي الذي يترتب عليه آثار شرعية، فيكون الشارع قد وضعه لتحقق حكم شرعيّ، ولا يتحقق إلا بوجود ذلك الشرط، وإن لم يكن جزءاً من حقيقته([45])، كقوله تعالى: (وَابْتَلُواْ) [6: النساء]، فإن الخطاب يدل على أن بلوغ الإنسان الحلم رشيداً، شرط في زوال الولاية عنه، وانتهاء الولاية على النفس والمال. ونجد أن الإمام الطبري رجح معنى الرشد هنا بأنه: (العقل وإصلاح المال، لإجماع الجميع على أنه كان كذلك، فلم يكن ممن يستحق الحجر عليه في ماله، ومن أوجب عليه تسليم ماله إليه، إذا كان عاقلاً، بالغاً مصلحاً لماله، غير مفسد)([46]).

3. المانع: (هو ما جعل الشارع وجوده علامة على عدم الحكم أو عدم السبب)[47] فيكون المانع حائلاً دون وجود الحكم؛ لأن فيه معنى لا يتفق وحكمت الحكم، فهو لا يحقق الغرض المقصود، ويكون حائلاً دون السبب؛ لأنه يؤثر على السبب بحيث يبطل عمله فيحول دون اقتضائه؛ لأن في المانع معنى يعارض حكمة السبب[48]، كقوله: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ)[43:البقرة]، فإن الصلاة واجبة على المكلف ولكن إذا وجد الحيض والنفاس فإنه مانع من وجوب الصلاة وإن تحقق سببه وهو الوقت[49].

 وهناك فرق([50]) بينه وبين الحكم التكليفي من وجوه:

1- الحكم التكليفي: هو ما طلب من المكلف فعله، أو طلب كفه عن الفعل أو تخييره بين فعل شيء والكف عنه، والحكم الوضعي: ليس طلباً أو تخييراً، والمقصود هو البيان بأن هذا الشيء سبب لهذا المسبب، أو أن هذا شرط لهذا المشروط، أو أن هذا مانع من هذا الحكم.

2- الحكم التكليفي: من طلب بالفعل كف عنه وتخيير له، لا بُد أن يكون بمقدور المكلف، وفي استطاعته أن يفعله أو يتركه؛ لأنه بمقدوره، أما ما وضع سبباً أو شرطاً أو مانعاً فقد يكون أمراً في مقدور المكلف بحيث إذا باشره ترتب عليه أثره، وقد يكون أمراً ليس في مقدور المكلف بحيث إذا وجد ترتب عليه أثره.

3- خطاب التكليف إنشاء: لأنه طلب وأمر بالفعل، أما خطاب الوضع فإنه خبر، أي أنّ الشارع لوضع هذه الأمور أخبرنا بوجود أحكامه وانتفائها عند وجود تلك الأمور وانتفائها.

المبحث الثاني

أحكام القرآن الكريم

المطلب الأول: أقسام الأحكام في القرآن الكريم:

إن الحديث عن أحكام القرآن الكريم، يتطلب منا الوقوف على أقسامه في البداية، لمعرفة كيفية اهتمام القرآن الكريم بذلك.

وعند الرجوع إلى كتب العلماء لمعرفة الأقسام، تبين أن بعضهم يقر بوجود ثلاثة أقسام[51] وهي:

1. أحكام اعتقادية: تتعلق بما يجب على المكلف من إيمان بالله تعالى، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر.

2. أحكام خُلقية: تتعلق بما يجب على المكلف أن يتحلى به من الفضائل، وما يجب أن يتخلى عنه من الرذائل.

3. أحكام عملية: تتعلق بما يصدر عن المكلف من أقوال وأفعال، وعقود وتصرفات.

وبعضهم يقر بوجود ثلاثة أقسام من الأحكام، ولكن ليس كسابقيهم، فمنهم من قال بأن القرآن احتوى على؛ التوحيد، والتذكير، والأحكام[52]، ومنهم من قال بأنها:الوعد والوعيد، والأمر والنهي، والثناء على الله تعالى[53]، ومنهم من قال بأنها: إثبات التوحيد وإثبات المعاد، وإثبات النبوات[54]، ومنهم من قال هي عقائد وأحكام، وقصص[55]، وبالنظر إلى هذه التقسيمات نجد أن العلماء يكررون القضايا العقدية بألفاظ متقاربة، ويجعلونها متداخلة في بعضها البعض.

ومن العلماء من جعل أحكام القرآن الكريم أكثر من ذلك وهي: توحيد، ووعد ووعيد وعبادة، وبيان لسبيل السعادة، وقصص[56]، ومنهم من حصرها في علم الأحكام، وعلم المخاصمة وعلم التذكير بآلاء الله، وعلم التذكير بأيام الله، وعلم التذكير بالموت وأمور الآخرة[57]، ونجد في هذه التقسيمات تنوعاً وتعدداً أكثر من ذلك، ونجد تقارباً وتفاوتاً في العبادات، ولعل السبب يعود في كل التقسيمات إلى أنظار العلماء في مدلول الحكم، ومفهوم النص، ووجه الدلالة لكل آية.

وبعد التدقيق في كلام العلماء، يكون تقسيم الأحكام في القرآن الكريم إلى:

1. الأحكام الاعتقادية.

2. الأحكام الخُلقية.

3. الأحكام الكونية.

4. الأحكام العِبَرية.

5. الأحكام الشرعية العملية.

المطلب الثاني: أهم ما تناولته أحكام القرآن الكريم:

1. الأحكام الاعتقادية: وهي الأحكام التي تتعلق بوجوب اعتقاد المكلف، كاعتقاده بالله تعالى، وصفاته، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وذلك؛ لأن العقيدة هي المنطلق الأول والأساس القوي لبقية الأحكام التي وردت في القرآن[58]. فتكون قوام الحياة الصحية، وينعكس ذلك إيجاباً على المجتمع والفرد، فنجد أن أثر الإيمان فعلاً في حياة المجتمع، من حيث الأمن والاستقرار فمن لا إيمان له لا التزام له ومن لا التزام له لا أمانة له ولا يصلح لتحمل أية مسؤولية، ولا يكون عضواً صالحاً في المجتمع، وأما أثر الإيمان على الفرد فيطمئن قلبه قال تعالى: (أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[28: الرعد]، فالمصائب التي تصيب الإنسان تدفعه إلى الله فيثاب على صبره، ويعلم أنه مثاب على ذلك من عند الله تعالى[59].

2. الأحكام الخُلقية: وهي لوجوب ما ينبغي أن يكون عليه الإنسان من التحلي بالفضائل، والتخلي عن الرذائل، ونجد أن القرآن الكريم اهتم بالأخلاق اهتماماً كبيراً، وتحدث عنها إما بالتصريح أو الإشارة، فآيات الكتاب العزيز تدعو الإنسان للخير، وتنهاه عن الشر، وتدعوه للرشد، والعلم والعمل، والصدق والأمانة، وتنهاه عن الجهل والكسل، والظلم، والقسوة، والتفريق باللون أو الجنس؛ كقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[90: النحل]، فالأخلاق تمثل المعاقد الثابتة التي تعقد بها الصلات الاجتماعية، والروابط الإنسانية، فتكون البشرية متماسكة([60])، لا متفرقة ومتمزقة؛ لأن الله تعالى خلقهم لأجل وظيفة واحدة، ولهم أب واحد، وأم واحدة، ليعيشوا متحابين متراحمين، ولكن متى فقدت هذه الأخلاق عاشوا بعداء، في كراهية، وحقد وحسد([61]).

3. الأحكام الكونية: تضمن القرآن الكريم آيات كونية كثيرة ذات معانٍ علمية، لتكون حجة للناس، وليس من مقاصده أن يقرر نظريات علمية في خلق السموات والأرض، وخلق الإنسان، ولكن جاء بها القرآن لتقوية الإيمان بالله تعالى، وتثبيت العقيدة في النفوس، وليتيقن أنها ليست من وضع البشر. بالإضافة إلى أن القرآن يعرضها في معرض الهداية، فيحدث المحيط بعلوم الكون، والخبير بأسرار السموات والأرض، الذي لا يخفى عليه شيء في البر والبحر، فيتوجه الإنسان إلى التفكير، ليعلم بعد ذلك أن الله خلق الكون للانتفاع به، فيمتلئ الإنسان إيماناً بجلال قدرته سبحانه وتعالى[62]، كقوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[190-191: آل عمران].

4. الأحكام العِبَرية: وهي الأحكام التي تؤخذ من الآيات التي يبحث عما فعلته الأمم السابقة قبل الإسلام، والحكمة من ذلك؛ لتوجيه الإنسان لأخذ العبرة بما فعلته الأمم السابقة، وما نالته من الجزاء، فيتفكر في حال الإنسانية اليوم، فيقيس الحال، ويعتبر بالمآل، قال تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)[55: الذاريات]، ويتعرف على ما تركته الأمم السابقة في مجال بناء الحضارة، فتستثمر لصالح البشرية([63]).

5. الأحكام الشرعية العملية: يعد القرآن الكريم، أصل الشريعة الأوّل، وكليَّها الذي ترجع كل المصادر إليه، فالقرآن الكريم؛ جاء بأحكام متعددة ومتنوعة، وهي أحكام ضرورية للبشرية؛ لتنظيم علاقة الإنسان بخالقه، وعلاقته بغيره، وبنفسه، وعلاقته بكافة مجالات الحياة، وأي تفريط في هذه العلاقات تنعكس سلباً على الأفراد والجماعات([64])، قال تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)[123-124: طه].

المطلب الثالث: أقسام الأحكام العملية الشرعية:

1) أحكام العبادات: هي الفرائض التي أمر بها القرآن الكريم، كأمر بالصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، ويلاحظ أن بيان القرآن الكريم لها كان إجمالياً، فقد أمر بالصلاة ولم يبين أوقاتها تفصيلاً، ولا أركانها، مثلما في الحج، والزكاة، والصوم، وتركت التفصيلات للسنة النبوية المطهرة، وقد بينتها تبياناً كاملاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أُصلي)([65])، وقال صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم)([66])، فنجد أن القرآن الكريم والسنة الشريفة قد تعاضدا لبيان هذه الأحكام؛ لأنها عمود الدين الذي تقوم عليه أخلاق الفرد، وتعاون المجتمع، فهي تكسب طاقة روحية لتراقب عمل الإنسان([67]).

2) أحكام الأسرة: هي الأحكام التي بينها القرآن الكريم للفرد باعتباره في الأسرة منذ كان جنيناً إلى وفاته، وقد فصل القرآن الكريم في هذه الأحكام ما لم يفصل في أي موضع آخر، وعناية ذلك نابعة من مقام إصلاح المجتمع، والمحافظة على الأسرة من الانحلال؛ لأنها اللبنة القوية في المجتمع، فإن كانت قوية كان المجتمع قوياً، وإن كانت هزيلة كان المجتمع كذلك. فقد بيَّن القرآن الكريم ما للفرد وما عليه من حقوق والتزامات: من رضاعته وحضانته، وولايته، وتربيته، ونفقته، وتعليمه، وزواجه، وطلاقه، ووصيته إلى غير ذلك[68].

3) أحكام المعاملات المالية: وهي الأحكام التي تبين وجوب رعاية الأسباب الشرعية لكسب الملكية، والأخذ بالأسس والقواعد التي يترتب على توفرها شرعية انتقال الحقوق من شخص إلى شخص حتى لا يكتسب أحد حقاً أكثر من التزامه ولا يطغى عليه. فالقرآن الكريم اقتصر على العناصر والأسس والأحكام التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان ومنها التراضي في عقود المعاوضات كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)[29:النساء]، وطيبة النفس في التبرعات كقوله تعالى: (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا)[4: النساء]، والوفاء بالالتزامات المترتبة على التصرفات قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)[1:المائدة]، وتوثيق العقود منعاً للخصومات قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ)[282:البقرة]، وأداء المدين للأمانات قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)[58:النساء]، ونجد أن القرآن الكريم ترك بقية عناصر العقود وأحكامها وأُسسها، وما يتعلق بتطوير العلاقات الاقتصادية للعقول البشرية في ضوء تغير الحياة الإنسانية، لكن ضمن إطار أخلاقي([69])، قال تعالى: وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)[1: الطلاق].

4) الأحكام الدستورية[70]: ذكر القرآن الكريم النظام الدستوري بعمومه ومن جمله ذلك، علاقة الحاكم بالمحكوم، والانتخاب، وأهل الحل والعقد، و في هذه العلاقات أمر بوجوب توفر أربعة أُسس رئيسية:

الأول: العمل بمبدأ الشورى في كل قرار للمصالح العليا قال تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)[159: آل عمران]، وقال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) [38: الشورى].

الثاني: رعاية العدل في كل حكم قضائي مما يحقق الكرامة للفرد، قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ)[90: النحل].

الثالث: الالتزام بالمساواة في توزيع الحقوق والواجبات، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [13:الحجرات].

الرابع: وجوب الطاعة لولي الأمر فيما لا معصية فيه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)[59:النساء].

5) أحكام العلاقات الدولية[71]: بيَّن القرآن الكريم علاقات الدول مع بعضها، واعتبر الأساس للعلاقات هو السلم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)[208:البقرة]، ولا يجوز اللجوء إلى الحرب إلا في حالات الدفاع عن العقيدة والإيمان والأعراض والمال، والعقل، والحياة، قال تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)[194: البقرة]، وفي حال الدفاع أمرنا بالانصراف إلى السلم، قال تعالى: (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[61: الأنفال].

6) الأحكام المالية العامة[72]: ويقصد بها الأحكام المتعلقة بتنظيم القضايا المالية بين الأغنياء والفقراء وبين الدولة والأفراد كالملكية، وبيَّن بها سبحانه وتعالى، أن المال لله، والانسان مستخلف فيه، ويجب عليه أن ينفق بما يفيده ويفيد مجتمعه، قال تعالى: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) [7: الحديد].

7) أحكام الجرائم والعقوبات([73]): وهي على ثلاثة أقسام:

الأول: جرائم الحدود: وهي التي يتُعدى فيها على المصالح الضرورية لحياة الإنسان، فحدد الجريمة بالنص، وحدد العقاب بالنص، وهي حقوق لله محضة، فلا تقبل التخفيف والتشديد، كجريمة الردة، قال تعالى: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[217:البقرة]، وكجريمة الزنـا والقذف والحـرابة والبغي والسرقة قال تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[38: المائدة].

الثاني: جرائم القصاص والدية: وهي الجرائم التي يتعدى فيها على حياة الإنسان أو على سلامته، فكل من التجريم قال تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ)[33: الإسراء]، والعقاب قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ)[92: النساء]، إلا أن عقاب القصاص والدية حق مشترك بين الدولة وبين المجني عليه أو ورثته، قال تعالى: (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا)[33: الإسراء]، وللسلطان أحد الخيارات الثلاثة؛ إما طلب تنفيذ القصاص، أو الدية، أو العدول إلى العفو.

الثالث: جرائم التعزير: وهي الجرائم التي ترك تحديد عقوبتها لولي الأمر، بالتعاون مع أهل الشورى، وهي أنواع:

أ- جرائم الحدود المقترنة بالشبهة: فكل جريمة حصلت فيها شبهة في الإثبات أو التنفيذ تتحول إلى جريمة تعزيرية يعاقب عليها بعقوبة تحددها السلطة التشريعية، كجريمة الزنا إذا لم تثبت بأربعة شهود، وكجريمة السرقة بين الزوجين أو بين الأصول وفروع أو في حاله الحاجة والفقر.

ب- جرائم تثبت بالنص ويترك العقاب للسلطة كالتجسس والغصب والرشوة، وخيانة الأمانة، قال تعالى: (وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا)[12:الحجرات].

ج - الجرائم المستحدثة: أجازت الشريعة لولي الأمر بالتعاون مع أهل الحل والعقد أن يعتبر كل فعل يضر بمصلحة الإنسان الضرورية جريمة يعاقب عليها بعقوبة تتناسب مع حجم الجريمة وخطورتها.

المبحث الثالث

أسلوب القرآن الكريم في الأحكام

المطلب الأول: بيان القرآن الكريم للأحكام:

ينقسم البيان إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يكون النص القرآني مجملاً، كقوله تعالى: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ)[43: البقرة]؛ فإن الآيات التي تتحدث عن الصلاة جاءت تبين الأمر بإقامتها، وعدم التفريط بها، أو التكاسل عنها، وبينت مدى أهميتها للأفراد والجماعات، أما فيما يتعلق بأداء الصلاة عملياً، فقد بينته السنة النبوية الشريفة، فبينت أركانها وشروطها وهيئاتها وأبعاضها، وأوقاتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أُصلي)[74]، وكذلك في بقية العبادات من صوم وزكاة، وحج أحكام البيوع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم)[75].

وقد يأتي النص القرآني مجملاً، فيذكر القواعد العامة، والمبادئ الرئيسة للتشريع: كالشورى، قال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)[38:الشورى]، والعدل، قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ)[90: النحل]، والوفاء بالالتزامات، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)[1:المائدة]، وترك التطبيق العملي فيها للناس؛ لأن الحياة تتجدد فيُعطى مجال للناس بتطبيقها، وخير ما يساعد على التطبيق النموذجي للقاعدة القرآنية هو الاجتهاد[76].

فقد طبق المسلمون مبدأ الشورى عند اختيار الخليفة الأوّل، فعندما اختير أبو بكر رضي الله عنه؛ كان المسلمون يتشاورون في سقيفة بني ساعدة، وقبل وفاته رضي الله عنه، شاور طائفة من المتقدمين من ذوي النظر والمشورة فاتفقوا على أن يعهد بالخلافة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقبل وفاته رضي الله عنه، جعل الخلافة بين ستة أشخاص من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: إن يرد الله بكم خيراً يجمع أمركم على خير هؤلاء كما جمعكم بعد نبيكم صلى الله عليه وسلم، وبعد التشاور اختير عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبعد استشهاده رضي الله عنه، بويع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فنلاحظ أن تطبيق مبدأ الشورى في كل مرحلة قائم، ولكن تختلف المراحل عن بعضها[77].

القسم الثاني: أن يكون النص القرآني مفصلاً ومبيناً بياناً كاملاً، والسنة الشريفة تؤكد ذلك، كأحكام المواريث، ومقادير العقوبات في الحدود، وكيفية الطلاق وعدده، والمحرمات من النساء، وكيفية اللعان بين الزوجين، فقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ. وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ. وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [6-9: النور]، فنجد أن القرآن الكريم بيَّن حكماً مهماً وهو اللعان للتخفيف عن الزوج[78]، وهذا البيان مفصلّ، وجاءت السنة النبوية تؤكد ما جاء في القرآن الكريم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوة عويمر وزوجته وشريك بن سحماء، وقال لعويمر: اتق الله في زوجتك وابن عمك ولا تقذفها، فقال: يا رسول الله، أقسم بالله، إني رأيت شريكاً على بطنها، وإني ما قربتها منذ أربعة أشهر، وإنها حبلى من غيري، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: اتقي الله ولا تخبريني إلا بما صنعتِِ، فقالت: يا رسول الله، إن عويمراً رجل غيور، وإنه رأى شريكاً يطيل النظر إليَّ، ويتحدث، فحملته الغيرة على ما قال، فنودي (الصلاة جامعة) فصلى العصر، ثم قال لعويمر: قم وقل: أشهد بالله، إن خولة لزانية، وإني لمن الصادقين، ثم قال: قل أشهد بالله: إني رأيت شريكاً على بطنها، وإني لمن الصادقين، ثم قال: قل أشهد بالله إنها حبلى من غيري، وإني لمن الصادقين، ثم قال: قل أشهد بالله: إنها زانية، وإني ما قربتها منذُ أربعة شهور، وإني لمن الصادقين، ثم قال: قل: لعنة الله على عويمر، إن كان من الكاذبين فيما قال: ثم قال: اقعد، وقال لخولة: قومي، فقامت، وقالت: أشهد بالله: ما أنا بزانية، وإن عويمراً زوجي لمن الكاذبين، وقالت في الثانية، أشهد بالله ما رأى شريكاً على بطني. وإنه لمن الكاذبين، وقالت في الثالثة: إني حبلى منه، وقالت في الرابعة: أشهد بالله، إنه ما رآني على فاحشة قط، وإنه لمن الكاذبين، وقالت في الخامسة: غضب الله على خولة إن كان عويمر من الصادقين في قوله، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما[79]، فالسنة الشريفة جاءت مؤكدة وموضحة لما جاء في القرآن الكريم.

القسم الثالث: أن يكون أصل الحكم في القرآن الكريم قد ورد بطريقة الإشارة أو العبارة. فتقوم السنة النبوية بتكميل بقية أحكامه، كقوله تعالى: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ)[25: النساء]، ففي هذا النص القرآني إشارة إلى أن عقوبة العبد على النصف من عقوبة الحر، فصارت هذه قاعدة شرعية، فجاءت السنة النبوية وبينت حدود هذه القاعدة، وأنها تكون في العقوبات المقدرة، وتطبق في بعض الحقوق، كما طبقت في العقوبات([80]).

المطلب الثاني: تعريف القرآن الكريم للأحكام:

شغل القرآن الكريم العلماء، للوصول إلى الأسلوب الذي اتبعه في الأحكام، ليتسنى لمن يريد الاستنباط معرفة ذلك، فيسلك طريق الأمان، ويصل إلى الحكم باطمئنان، ويتمثل الأسلوب في:

أولاً: أن ينظر إلى القرآن الكريم في تناوله للأحكام من حيث الجملة، وبقطع النظر عن طريقته في التعبير عن أقسام الحكم الشرعي، وبيَّن الشاطبي([81]) ذلك أن القرآن لتعريفه بالأحكام الشرعية أكثره كلي وليس بجزئي، وما جاء بطريقة جزئية فمأخذه على الكلية، إما بالاعتبار أو بمعنى الأصل، إلا ما خصه الدليل مثل خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه فإن هذه الأنواع تحتاج إلى كثير من البيان، والسنة الشريفة هي التي تتكفل بذلك قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)[44: النحل]، وقال تعالى: (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ)[64: النحل] فيكون القرآن جامعاً، ولا يكون جامعاً إلا والمجموع فيه أمور كلية قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)[3: المائدة]، فالصلاة والزكاة والجهاد، لم يبين جميع أحكامها القرآن الكريم، إنما بينتها السنة الشريفة، وأما الكليات المعنوية، فقد تضمنها القرآن الكريم على الكمال وهي الضروريات[82] والحاجيات[83] والتحسينيات[84]، فمن أراد استنباط الأحكام يجب عليه أن يراعي بأنها تقوم على الكلية لا على الجزئية وما جاء جزئياً فمأخذه على الكلية، فتلم الأجزاء إلى بعضها ولا تأخذ بأطراف العبارات دون النظر في واردها([85]).

وعليه فإنه لا ينبغي لأحد أن يقدم على الاستنباط من القرآن الكريم دون النظر في شرحه وبيانه في السنة الشريفة؛ لأنه إن كان كلياً وفيه أمور تفصيلية كما في الصلاة والزكاة فلا بُد من النظر في بيانه، وبعد ذلك ينظر في تفسير السلف الصالح له إن أعوزته السنة، فإنهم أعرف من غيرهم، وإلا فمطلق الفهم العربي لمن حصله يكفي فيما أعوز من ذلك[86].

وفي هذا التعريف القرآني بالكلية حكمة؛ وهي الإعانة للأمة على تيسير الحفظ للقرآن، فلو ذكر القرآن الكليات والجزئيات لكان قد تضخم حجمه جداً، فيعسر على الأمة الحفظ، وفيها إعطاء مرونة وصلاحية لكل عصر ومصر للاجتهاد في مفرداته، وتراكيبه([87]).

فلا يُنظر إلى النص نظرة جزئية؛ لأنها لا تكسب فهماً ناقصاً، وضررها أكبر من نفعها، فلا بُد من الاهتمام بالنظرة الكلية الشاملة؛ لأنها تراعي الجزئيات وتشملها وتربط بعضها مع بعض[88].

ثانياً: أن ينظر إلى القرآن الكريم من تناوله لتفاصيل أقسام الحكم الشرعي، ومعرفة ذلك متوقفة على استقراء أسلوب القرآن الكريم لعرض الأحكام التفصيلية فيعرف الواجب والمحرم والمباح، ومن هذه الضوابط والقواعد:

1. يكون حكم الفعل الوجوب أو الندب[89]: إذا جاءت الصيغة الدالة على الوجوب أو الندب، أو إذا ذكر في القرآن واقترن به مدح أو محبة أو ثناء له أو لفاعله، أو إذا اقترن به الجزاء الحسن والثواب لفاعله كقوله تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[13: النساء].

2. يكون حكم الفعل الحرمة أو الكراهة[90]: إذا جاء ذكره بصيغة تدل على طلب الشارع لتركه والابتعاد عنه، أو إذا ذكر على وجه الذم له ولفاعله، أو أنه سبب للعذاب أو لسخط الله أو مقته، أو دخول النار، أو لعن فاعله أو وصف العلل بأنه رجس أو فسق أو من عمل الشيطان، أو وصف فاعله بالبهيمية أو بالشيطان.

3. يكون حكم الفعل الإباحة[91]: إذا جاء بلفظ يدل على ذلك، كالإحلال والإذن، ونفي الحرج، أو نفي الجناح، أو الإنكار على من حرم الشيء كقوله تعالى: (وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ)[235: البقرة].

المطلب الثالث: دلالة القرآن الكريم على الأحكام:

من المعلوم أن جميع نصوص القرآن الكريم قطعية من ورودها وثبوتها، فنجزم بأن كل النصوص القرآنية التي نقرؤها هي التي أنزلها الله عز وجل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبلغها إلى الأمة من غير تحريف ولا تبديل، وما انتقل صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى إلا والقرآن الكريم مجموع في صدره صلى الله عليه وسلم وفي صدور الصحابة الكرام، ومجموع بين السطور قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[9:الحجر].

أما نصوص القرآن الكريم من حيث دلالتها على ما تضمنته من أحكام فتنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: النص القطعي الدلالة:

القطعي لغة: القاف والطاء والعين، أصل صحيح يدل على إبانة شيء من شيء، وقطعت الشيء أقطعه قطعاً، والرجلان تقطعا أي تصارما[92]، وتأتي بمعنى إبانة الشيء، والغلبة بالحجة[93].

والدلالة القطعية اصطلاحاً: (هو ما دل على معنى متيقن منه ولا يحتمل تأويلاً ولا معنى غيره)([94])، فتكون الدلالة القرآنية لا تحتمل أكثر من معنى واحد، ولا يكون مجملاً لفهم معنى من النص غيره، ومن أمثلته قوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ)[2: النور]، فجريمة الزنا إذا توفرت أركانها وشروطها، وانتفت موانعها وكان الزاني غير محصنٍ، فحينئذٍ تكون العقوبة هي الجلد مائة جلدة، وهذه دلالة قطعية ليست قابلة للاجتهاد فتخفف أو تُشدد.

القسم الثاني: النص الظني الدلالة:

الظني لغةً: الظاء والنون، أصل يدل على معنيين مختلفين، الشك، واليقين، يقال ظننت الشيء إذا لم تتيقنه، ويقال ظننت ظناً: أي أيقنت، والظنون: البئر الذي لا يدري أفيها ماء أم لا، والدين الظنون الذي لا يدري أيقضى أم لا[95].

والدلالة الظنية اصطلاحاً: (هو الذي يكون محتملاً لأكثر من معنى)[96] فتكون الدلالة قد احتملت أكثر من حكم واحد، وقد يترجح أحد الاحتمالين في النفس على المعنى الآخر من غير قطع[97]، ومن أمثلته قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ)[228: البقرة]، فلفظ القرء مشترك بين معنيين الحيض والطهارة، والنص دال على أنه على المطلقة أن تتربص ثلاثة قروء، فيحتمل أن يراد ثلاثة أطهار، ويحتمل أن يراد ثلاث حيضات، فهو ليس بقطعي فنجد أن الفقهاء مختلفون في عدة المطلقة أهي ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار[98].

وهذا القسم الظني نجده كثيراً في المسائل الفرعية، وله أثر عظيم في الاجتهاد، فنجد أن هناك خلافاً بين العلماء؛ لخلافهم في فهم النصوص، والإحاطة بالحديث واختلاف العقول في إدراك الأقيسة، وفي ذلك رحمة للأمة وتيسير بها([99]).

وأما عدم معرفة دلالات القرآن الكريم، فإنه يوقع في الإشكالات، ويُعد خروجاً عن مقصود الآيات القرآنية، فتكون خصومات تشغل الأمة بها عن النص القرآني.

الخاتمة

بعد هذه الدراسة لمنهج القرآن الكريم في عرض آيات الأحكام، توصل البحث إلى النتائج الآتية:

- إن المفسر لكتاب الله تعالى، لا بُد له من معرفة القواعد والأُسس التي بها تم عرض آيات الأحكام، حتى يستطيع أن يستنبط الأحكام من الآيات، وبذلك يفهم النص القرآني فهماً صحيحاً. وبهذا الفهم يراعي المقاصد العليا للشريعة الإسلامية.

- من الضرورة للمفسر لكتاب الله تعالى، أن يفرق بين كلام العلماء إذا كان من الأصوليين أو الفقهاء؛ لأن نظرة كل واحد للنص القرآني تختلف عن الآخر، وإن كان مقصدهم واحداً، فالأصولي ينظر إلى النص القرآني نفسه ويستخرج منه الحكم الشرعي، أما الفقيه فإنه ينظر إلى أثر النص القرآني على المكلف، من حيث تصرفاته والوقائع التي لها صلة بتصرفاته.

- معرفة أساليب الحكم الشرعي، فمن أراد أن يستنبط ويستدل بالآيات القرآنية، لا بُد له من معرفة أنواع الحكم الشرعي، وما هي أساليب كل نوع من الأنواع، وكيفية الاستنباط منها.

- أقسام الأحكام التي وردت في القرآن الكريم خمسة؛ أحكام اعتقادية، وأحكام خُلُقية، وأحكام كونية، وأحكام عبرية، وأحكام شرعية عملية.

- أقسام الأحكام الشرعية، هي العبادات، وأحكام الأسرة، والمعاملات المالية، والدستورية، والعلاقات الدولية، والجرائم والعقوبات، فنجد أنه ما من قضية عملية في حياتنا اليومية، إلا وستجد أن القرآن الكريم قد تحدث عنها.

- يجب معرفة السنة النبوية الشريفة، لعلاقتها القوية بالقرآن الكريم، من حيث البيان القرآني للأحكام، فنجد القرآن الكريم أورد الحكم الشرعي مجملاً، والسنة تبينه، وقد يكون النص القرآني مجملاً ومبيناً، والسنة تؤكده، وقد يورد القرآن الكريم الحكم بالإشارة، والسنة تكمله.

- سياق القرآن الكريم للتعريف بالأحكام، يكون بطريقة كلية؛ لأن القرآن الكريم دستور خالد لهذه الأمة، فاقتضى أن يكون مجموعاً فيه كل شيء، قال تعالى: (تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ)[89: النحل] يكون بطريقة تفصيلية وهنا؛ لا بُد من معرفة أساليب القرآن في معرفة الواجب، والحرام، والمباح.

- دلالة القرآن الكريم، ليست على وتيرة واحدة، بل منها ما هو قطعي، لا خلاف فيه، أو ظني، فيكثر فيه الخلاف، وهو خلاف من العلماء في فهمهم للنص القرآني، وهو مقبول ما دام ضمن قواعد وأُسس الشريعة الغراء.

 

(*) منشور في "المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية"، المجلد الخامس، العدد (2/أ)، 1430ه‍/ 2009م.

 

 


([1]) ابن منظور وأبو الفضل، جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، بيروت، دار صادر، مادة (حكم).

([2]) عبد العلي، محمد بن نظام الدين الأنصاري، فواتح الرحموت لشرح مسلم الثبوت (ت)، طبعة، ج1، ص54.

([3]) عبد الكريم زيدان، الوجيز في أصول الفقه، مؤسسة الرسالة، بيروت، (ط1)، 1424ه‍/2003م، ص25.

([4]) الزلمي مصطفى إبراهيم، أصول الفقه الإسلامي في نسيجه الجديد، بغداد، 1412ه‍/1991م، ج2، ص8.

([5]) يكون خطابه تعالى متعلقاً بأفعال المكلفين، ولكن لا على سبيل الطلب والتخيير والوضع.

([6]) فاضل عبد الواحد عبد الرحمن، أصول الفقه، دار المسيرة، عمان، (ط3)، 1999م، ص28.

([7]) فاضل، أصول الفقه، ص30.

([8]) انظر: المصدر نفسه، أصول الفقه.

([9]) الزلمي، ج2، ص9.

([10]) انظر: المصدر نفسه، ج2، ج9.

([11]) انظر: المصدر نفسه.

([12]) زيدان، أصول الفقه، ص26.

([13]) الواجب والفرض: مترادفان عند الجمهور؛ لأن المراد بكل منهما طلب فعل على وجه الحتم والإلزام، سواء كان ثابتاً بدليل ظني كحديث الآحاد أم بدليل قطعي الثبوت كآية من آيات القرآن، وقال الحنفية: الفرض ما ثبت بدليل قطعي كأداء الصلاة، والواجب ما ثبت بدليل ظني كصدقة الفطر، ورأي الجمهور هو الأفقه ما دام الفعل مطلوباً في الحالتين على وجه الإلزام. د. الزلمي، أصول الفقه، ج2، ص14.

([14]) علاء الدين محمد بن أحمد السمرقندي، ميزان الأصول في نتائج العقول في أصول الفقه، دراسة وتحقيق وتعليق: عبد الملك عبد الرحمن السعدي، (ط1)، (1407ه‍/1987)، مطبعة الخلود وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ج1، ص124. فاضل، أصول الفقه، ص35.،

([15]) الراغب الأصفهاني (ت 425ه‍)، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، دار القلم، دمشق، والدار الشامية، بيروت، (ط3)، 1423ه‍/2002م، ص699. انظر: بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، (745-794ه‍)، البرهان في علوم القرآن، تحقيق: يوسف بن عبد الرحمن، (ط2)، 1415ه‍/1994م، ج2، ص134.

([16]) السايس، آيات الأحكام، ج2، ص12. وانظر: إبراهيم عبد الرحمن إبراهيم، علم أصول الفقه الإسلامي، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، (ط1)، 1995م، ص270.

([17]) انظر: محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت 671ه‍)، الجامع لأحكام القرآن، مؤسسة مناهل العرفان، بيروت، ج4، 142.

([18]) سمرقندي، ميزان الأصول، ج1، ص26. فاضل، أصول الفقه، ص38.

([19]) المندوب ينقسم إلى ثلاثة أقسام، الأول: ما يكون فعله مكملاً للواجبات كالآذان والجماعة وتركها يستحق اللوم والعقاب، والثاني: ما كان فعله من القربات وفعله صلى الله عليه وسلم أحياناً وتركه أحياناً كالتصدق على الفقراء، وتاركها لا يلام ولا يعاقب، الثالث: ما كان من شؤونه صلى الله عليه وسلم العادية، التي تقع بمقتضى إنسانيته، وتركه لا يلام ولا يعاقب. (إبراهيم، علم أصول الفقه الإسلامي، ص275).

([20]) ابن حزم، الأحكام في أصول الأحكام، ج1، ص40.

([21]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج3، ص103.

([22]) ابن حزم، الأحكام، ج3، ص321.

([23]) زيدان، الوجيز، ص41. وإبراهيم، علم أصول الفقه الإسلامي، ص276. انظر: الزركشي، البرهان في علوم القران، ج2، ص134.

([24]) الصابوني، روائع البيان، ج1، ص461.

([25]) الصابوني، روائع البيان، ج1، ص270.

([26]) انظر: المصدر نفسه، ج1، ص460.

([27]) الصابوني، روائع البيان، ج1، ص556.

([28]) انظر: المصدر نفسه، ج1، ص438.

([29]) إبراهيم بن موسى الغرناطي المالكي (ت 790هـ)، الموافقات في أصول الشريعة، ضبطه الأستاذ محمد عبد الله دراز، (1/133)، زيدان، الوجيز، ص45.

([30]) فاضل، أصول الفقه، ص41.

([31]) إبراهيم، علم أصول الفقه الإسلامي، ص280.

([32]) الطبري، جامع البيان، ج5، ص111.

([33]) تفصيل، الصابوني، روائع البيان، ج2، ص580.

([34]) أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الحنبلي (ت 513ه)، الواضح في أصول الفقه، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، (ط1)، 1420ه‍/1999، ج1، ص28.

([35]) الزركشي، البرهان في علوم القران، ج2، ص134. انظر: فاضل، أصول الفقه، ص41. وانظر: إبراهيم، علم أصول الفقه الإسلامي، ص280.

([36]) الجصاص، أحكام القرآن، ج2، ص335.

([37]) إبراهيم، علم أصول الفقه الإسلامي، ص282.

([38]) محمد بن صالح، أحكام من القرآن الكريم، الرياض، دار الوطن للنشر، طبعة عام 1425ه‍، ج1، ص109.

([39]) الطبري، جامع البيان، ج5، ص209.

([40]) عبد الرحيم أحمد الزقة، تفسير آيات الأحكام، كلية الدراسات الفقهية والقانونية، جامعة آل البيت، ص110.

([41]) الشاطبي، الموافقات، ج1، ص187. زيدان، الوجيز، ص55. وانظر: محمد أديب صالح، مصادر التشريع الإسلامي ومناهج الاستنباط، المطبعة التعاونية، (ط1)، 1967م، ص550.

([42]) انظر: علي بن محمد الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، دار الفكر، 1981م، ج1، ص11.

([43]) الصابوني، روائع البيان، ج1، ص557.

([44]) سمرقندي، ميزان الأصول، ج1، ص156. صالح، مصادر التشريع الإسلامي، ص553.

([45]) انظر: إبراهيم، علم أصول الفقه الإسلامي، ص289.

([46]) أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310ه‍)، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، عمّان، دار الأعلام، بيروت، دار ابن حزم، (ط1)، 1423ه‍/ 2002م، د3، ص317.

([47]) أبو الوفاء البغدادي، الواضح في أصول الفقه، ج1، ص34. فاضل، أصول الفقه، ص47.

([48]) زيدان، الوجيز، ص61.

([49]) انظر: إبراهيم، علم أصول الفقه الإسلامي، ص293.

([50]) انظر: جلال الدين عبد الرحمن، غاية الوصول إلى دقائق علم الأصول، مطبعة السعادة، (ط1)، 1399ه‍/ 1979م، ص1067. وانظر: الزلمي، أصول الفقه الإسلامي، ج2، ص63.

([51]) انظر هذا التقسيم: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج1، ص110. ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج1، ص255. قحطان عبد الرحمن الدوري، العقيدة الإسلامية ومذاهبها، عمّان، دار العلوم للنشر والتوزيع، (ط1)، 1428ه‍/2007م، ص415، خلاف. علم أصول الفقه، ص32. زيدان، الوجيز، ص155. عز الدين بليق، منهاج الصالحين، بيروت، دار الفتح للطباعة والنشر، (ط1)، 1389ه‍/1978م، ص533.

([52]) انظر: أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن أبو بكر السيوطي (ت 911ه)، الإتقان في علوم القرآن، بيروت، دار الكتب العلمية، ج2، ص278. انظر: ابن العربي، أحكام القرآن، ج1، ص17.

([53]) انظر: الآلوسي، روح المعاني، ج1، ص35.

([54]) انظـر: محمد بن علي الشوكاني، إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات، تحقيق: جماعة من العلماء، بيروت، دار الكتب العلمية، (ط1)، 1984م، ج1، ص4.

([55]) انظر: البيضاوي (ت791ه‍)، تفسير البيضاوي، تحقيق: عبد القادر عدنان العشا حسونة، بيروت، دار الفكر، ط(1416ه‍/1996م)، ج5، ص549.

([56]) انظر: المراغي، تفسير المراغي، ج1، ص23. وانظر: رضا، محمد رشيد، تفسير القرآن الكريم. تفسير المنار، بيروت، دار المعرفة، (ط2)، ج1، ص36.

([57]) انظر: شاه ولي الله الدهلوي، الفوز الكبير، بيروت، دار قتيبة، 1409ه‍/1989م، ص11.

([58]) انظر: الدوري، العقيدة الإسلامية ومذاهبها، ص14.

([59]) انظر: مصطفى الزلمي، حكم أحكام القرآن في العبادات، وأحكام الأسرة، والمعاملات المالية، ص23.

([60]) انظر: عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني، الأخلاق الإسلامية وأُسسها، دمشق، دار القلم، (ط4)، 1417ه‍/ 1996م، ج1، ص35.

([61]) انظر: الزلمي، حكم أحكام القرآن، ص27.

([62]) انظر: محمد عبد العظيم، الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر، (ط1)، 1416ه‍/1996م، ج1، ص257.

([63]) انظر: صلاح الخالدي، القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، دمشق، دار القلم، (ط1)، 1419ه‍/1998م، ج1، ص32.

([64]) انظر: الزلمي، حكم أحكام القرآن، ص35.

([65]) محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري، الجامع الصحيح، تحقيق: مصطفى ديب البغا، بيروت دار ابن كثير، (ط3)، 1407ه‍/1987م، ج5، ص2278، رقم الحديث5662.

([66]) أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبوبكر البيهقي، سنن البيهقي الكبرى، تحقيق: حمد عبد القادر عطا. مكة المكرمة، مكتبة دار الباز، 1413ه‍/1994م. ج5، ص225. رقم الحديث 9307.

([67]) انظر: أبو زهرة، أصول الفقه، ص94. انظر: الزلمي، أصول الفقه الإسلامي في نسيجه الجديـد، ج1، ص28.

([68]) انظر: المصادر السابقة.

([69]) انظر: خلاف، علم أصول الفقه، ص23. والزلمي، حكم أحكام القرآن، ص163.

([70]) الزلمي، أصول الفقه الإسلامي، ج1، ص30

([71]) الزلمي، أصول الفقه الإسلامي، ج1، ص31.

([72]) انظر: خلاف، علم أصول الفقه، ص33.

([73]) انظر: عودة، عبد القادر، التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي، بيروت، مؤسسة الرسالة، (ط13)، 1415ه‍/1994م، ص345، وانظر: أبو زهرة، أصول الفقه، ص95. وانظر: الزلمي، أصول الفقه الإسلامي، ج1، ص25.

([74]) سبق تخريجه، ص17.

([75]) سبق تخريجه، ص17.

([76]) انظر: عزمي طه السيد أحمد، الثقافة الإسلاميـة، 1427ه‍/2006م، ص119.

([77]) انظر: محمد سعيد رمضان البوطي، فقه السيـرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة، بيروت، دار الفكر المعاصر، دمشق، دار الفكر، (ط11)، 1991م، ص350، ص354، ص360، ص371.

([78]) انظـر: وهبة الزحيلي، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، بيروت، دار الفكر المعاصر، دمشق، دار الفكر، ج17، ص159.

([79]) انظر: البخاري، الجامع الصحيح.

([80]) انظر: الرازي، التفسير الكبير، ج4، ص165.

([81]) انظر: الشاطبي، الموافقات، ج3، ص367. وانظر: الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ج2، ص130-131.

([82]) الضروريات: ما لا بُد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وقوة حياة، وفي الأخرى النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين. الشاطبي، الموافقات. ج2، ص8.

([83]) الحاجيات: ما تحتاج إليه الأمة لاقتناء مصالحها، وانتظام أمورها على وجه حسن، ومفتقرة إليها من حيث التوسعة على العباد، ورفع الحرج والضيق عنهم. صالح سبوعي، النص الشرعي وتأويله الشاطبي أنموذجاً، قطر، الناشر، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر، (ط1)، 1428ه‍، ص142.

([84]) التحسينيات: الأخذ بما يليق من محاسن العادات، وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات. الشاطبي، الموافقات. ج2، ص11.

([85]) انظر: أبو إسحاق بن إبراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي، الاعتصام، تحقيق: سيد إبراهيم، القاهرة، دار الحديث، 1424ه‍/2002م، ج1، ص168.

([86]) انظر: الشاطبي، الموافقات، ج3، ص369. وانظر: محمد مصطفى شلبي، أصول الفقه الإسلامي، بيروت، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، 1989م، ص23.

([87]) انظر: إبراهيم عبد الرحمن خليفة، الإحسان في مباحث من علوم القرآن، (ط1)، 1423ه‍/2002م، ص301.

([88]) انظر: صالح سبوعي، النص الشرعي وتأويله الشاطبي أنموذجاً، قطر، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بدولة قطر، (ط1)، 1428ه‍، ص156.

([89]) وانظر: الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ج2، ص135-136، وانظر: الإتقان في علوم القرآن، ج2، ص280. انظر: أبو زهرة، أصول الفقه، ص93.

([90]) انظر: زيدان، الوجيز، ص159. وانظر: خليفة، الإحسان، ص303.

([91]) انظر: إبراهيم، علم أصول الفقه الإسلامي، ص310.

([92]) انظر: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا الرازي (ت 395هـ)، معجم مقاييس اللغة، إيران، دار الكتب العلمية، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مادة (قطع).

([93]) انظر: ابن منظور، لسان العرب، مادة (قطع).

([94]) انظر: إبراهيم، علم أصول الفقه الإسلامي، ص32.

([95]) انظر: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مادة (ظن).

([96]) انظر: إبراهيم، علم أصول الفقه الإسلامي، ص32.

([97]) انظر: الآمدي، الإحكام، ج1، ص30.

([98]) انظر: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج2، ص167.

([99]) انظر: خليفة، الإحسان في مباحث من علوم القرآن، ص305.