أضيف بتاريخ : 20-12-2011


آثار الإرهاب(*)

سماحة المفتي العام السابق: الدكتور نوح علي سلمان - رحمه الله

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين:

يُعْقَدُ هذا المؤتمر للحديث عن الإرهاب، والعالم كله يلهج بذكر الإرهاب، ويعيش تحت وطأته، ويتوجس خيفة منه.. أناس يخافون أن تقع عليهم أعمال إرهابية، وآخرون يخافون أن يعاقبوا على الإرهاب وإن لم يكونوا إرهابيين.

وتحت عنوان مكافحة الإرهاب تصول الدول القوية -إلى حين- فتُجرِّم بالإرهاب قومًا، وتُبرئ منه آخرين، وتُعاقب عليه أو على غيره من تشاء، وتتغاضى عمن تحب..!!

وكل إنسان يشمئز من الإرهاب باعتباره مُصادرة للحرية التي أكرم الله بها الإنسان، والتي يتطلع إليها الجميع، ومن هنا كان اختيار اسم (الإرهاب) لأفعال خاصة محاولةً لحشد الرأي العام ضد الإرهاب، وتأييد كل عمل ضده..

ومن حق كل مسلم أن يعرف ما هو الإرهاب، وما موقف الإسلام منه؟ لأن كل مسلم يعتقد بحق أن الإسلام ما ترك تصرفاً من تصرفات الإنسان إلا حكم فيه، أو وضع قاعدة للحكم فيه، كما أن من حق المسلم أن يعرف ما يجب عليه تجاه الإرهاب.

وقد يتساءل البعض عن جدوى مثل هذه المؤتمراتِ والعالمُ كله يعيش تحت سطوة إرهاب الأقوياء، وكل مخالفة لما في أذهانهم تُعرِّض المخالف لنقمتهم وانتقامهم، وبالتالي فإن مثل هذا المؤتمر سيتأثر بالإرهاب الفكري العام، وكل ما يُقال فيه يشبه أقوال المتهم تحت سياط المحققين، لا ينظر إليها القضاء النزيه بعين الاعتبار، ثم ما جدوى الكلمة بمواجهة السيف والقوة في مثل هذا الزمان، ونحن نرى ما حل من ظلم وإرهاب بالمسلمين في كل مكان؟!

والحق أن علماءنا لو تأثروا بمثل هذه الاعتبارات لما كتبوا في بعض القضايا الحساسة التي تُخالف أصحاب السطوة في زمانهم، ولكنهم كتبوا وأبرؤوا ذمتهم أمام الله وأمام أمتهم، وجاء مِن بعدُ مَن يعمل بها وينتفع بما فيها، وقد أخذ الله ميثاق الذين أوتوا العلم أن يبينوا أحكام الدين، ولهم على ذلك الأجر والمعونة من الله.

إن بحث مثل هذه الموضوعات في مثل هذه الظروف يُعدُّ من الجرأة العلمية التي يتصف بها العلماء، ولا يتأثرون فيها إلا بالحق وقواعد البحث العلمي النزيه.

ولا شك أن إخواني الذين تحدثوا في مثل هذا المؤتمر قد عرَّفوا الإرهاب، وأن اسمه مشتق من الرهبة أي الخوف، كما بينوا أن الإرهاب -بمعنى التخويف- نوعان: مشروع، وغير مشروع.

فالمشروع: ما توصَّل به المُرهِب إلى الحق، مع تخويف المجرم بالعقوبة كي يبتعد عن ارتكاب الجريمة، وتخويف الأعداء بالاستعداد العسكري كيلا يعتدوا على الأمة، قال الله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) الأنفال/60.

والإرهاب غير المشروع: هو ما توصل به المُرهِب إلى باطل؛ كتخويف الأبرياء لسلب أموالهم، أو طردهم من أوطانهم، أو تزوير إراداتهم.

والإرهاب المشروع غير مقصود بهذه الندوة فهو واجب على الدولة والأفراد، وإنما المقصود الإرهاب غير المشروع.

وتعريف الإرهاب بأنه: "ما يُتوصَّل به إلى غير حق" لا يحسم موضوع تعريف الإرهاب؛ فإن الشرائع تختلف في معرفة الحق وبيان المشروع، ونحن المسلمين الأمر عندنا بيِّن، فالحق ما أقره الله تعالى في كتابه العزيز أو على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) الكهف/29، ومن هذين المصدرين فرَّع فقهاؤنا -جزاهم الله خيراً- أنواع الحقوق وفصولها.

وكما يعلم إخواني فهي تدور حول حفظ: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والنسب، والمال.

وكل تخويف بشري يؤدي إلى انتهاك هذه الأساسيات هو إرهاب غير مشروع، وكل تخويف يؤدي إلى الحَيْدة عن شريعة الله هو إرهاب غير مشروع.

فليس للإنسان أن يخوف غيره كي يتخلى عن دينه؛ لأن هذا غير ممكن، فالعقيدة مخبأَة في الضمير لا يطّلع عليها إلا الله، وكل الذين آمنوا حقاً كان إيمانهم بغير إكراه بل بقناعة وحرية، وهذا معنى قول الله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ) البقرة/256. أي: عندما تبيَّن الرشدُ من الغي آمَن مَن آمَن بلا إكراه، أما التفريق في بعض المعاملات الدنيوية والدينية بين المسلم وغيره فهذا موضوع آخر، فليس من المعقول أن يكلف بالجهاد لحماية الإسلام من لا يؤمن بالإسلام، ولا أن يؤم المسلمين في الصلاة من ليس مسلماً، ولا أن يقضي بين الناس بأحكام الشريعة الإسلامية من لا يؤمن بقدسيتها، لكن يجب التساوي بين الجميع في الدفاع عن الوطن، والكسب المشروع، والتمتع بحماية الدولة.

ومن جهة أخرى فإن الله خوف الكفار بالنار كي يتركوا ضلالاتهم، وهذا أمر خاص بالله عز وجل يُصلِح به عباده، وهو لا يُسأل عما يفعل فهو أعلم بما يضر العباد وما ينفعهم.

وليس لإنسان أن يخوف إنساناً ليؤذي نفسه أو غيره بغير حق، ولكن الله خوف الذين يبخلون بأنفسهم في الدفاع عن دينهم ومقدساتهم، ولا أريد أن أستطرد في ذكر بقية وجوه الترهيب للتنازل عن بقية الضروريات الإنسانية.

وفي مصادرنا الإسلامية بحوث وافية حول آثار الإرهاب غير المشروع، وإن لم تسمه بهذا الاسم، بل سمته (الإكراه)، وبينت أثره في اعتبار الأقوال، وتحمل المسؤولية عن الأفعال، وأثره في تخفيف بعض الواجبات الشرعية، وما يترتب عليه في حق المكره؛ إذ يجب عليه أو يجوز له أن يدافع عن نفسه وعرضه وماله بل وعن غيره، وهذا ما يُسمى: (دفع الصائل).

وسأستعرض بإيجاز هذه الآثار، وأفسر بعضها بمصطلحات العصر الحاضر إن شاء الله.

تعريف الإكراه:

هو حمل الغير على فعلِ أو قولِ ما لا يريد، وذلك بتهديده بإيقاع ضرر لا يحتمله مثله في نفسه أو في أحد محارمه، أو في ماله، أو عرضه[1].

متى يكون الإكراه معتبَراً؟

وإنما يكون الإكراه معتبراً إذا تحققت فيه الشروط التالية:

1. أن يكون المكرِه قادراً على فعل ما هدد به، سواء كانت قدرته ذاتية أو استناداً إلى دعم غيره كدولة، أو عصابة، أو تنظيم ينتسب إليه، ويؤيده في أفعاله.

2. أن يكون المكرَه عاجزاً عن دفع ما هُدِّدَ به بقوته البدنية أو وسائله الذاتية الأخرى أو بواسطة طلب المساعدة والحماية من غيره كالدولة، أو العشيرة، أو عامة الناس.

3. أن يغلب على ظن المكرَه أنه إن لم يفعل ما طُلِب منه وقع به الضرر الذي هُدِّدَ به.

4. أن يكون الضرر الذي هُدِّدَ به بليغاً بحيث يؤثر العاقل الإقدام على المطلوب منه خوفاً من وقوع ما هُدِّدَ به، كالقتل وقطع عضو من أعضاء البدن، والضرب الشديد، والحبس، وإتلاف المال الجسيم أو أخذه، والاعتداء على العرض، والإجلاء من الوطن، وتشويه السمعة، ويختلف هذا باختلاف الناس، بدناً، ومكانة اجتماعية، وغنىً وفقراً.

5. أن يكون التهديد بوقوع الأذى على نفس المكره أو على أحد محارمه، أو على عزيز عليه، أما الذي يهدد بقتل نفسه فليس بمكره.

6. أن يكون الإكراه بغير حق، أي: على فعل أمر لا يجب على المكرَه فعله، أما الإكراه بحق فليس إكراهاً، كإكراه القاضي المدين الغني على الوفاء بدينه بواسطة بيع بعض ممتلكاته أو الحجر عليه، وإكراه القاضي المسيء لزوجته على طلاقها عند تحقق الضرر[2].

ما يترتب على تحقُّق الإكراه:

وإذا تحققت شروط الإكراه ترتبت عليه الأحكام الآتية:

‌أ. لا تعتبر أقوال المكرَه ولا يؤاخذ بها، فلا يقع طلاقه، ولا يصح بيعه، ولا ينعقد يمينه، ودليل هذا قول الله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النحل/106، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق) [رواه أبو داود، رقم/2193]. وفسر الإغلاق بالإكراه، فالتلفظ بكلمة الكفر تحت وطأة الإكراه لا يؤدي للكفر، بل يباح التلفظ بها للنجاة بالنفس من القتل، لكن مع اطمئنان القلب بالإيمان، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر عندما تلفظ بكلمة الكفر تحت التعذيب: (إن عادوا فعد)[3] [رواه البيهقي، 8/ 208].

‌ب. لا يؤاخذ بأفعاله المتعلقة بحق الله تعالى كما لو شرب الخمر مكرهاً، أو أكل الميتة، أو لحم الخنزير، أو أفطر في رمضان، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه) [رواه البيهقي، 7/ 356].

‌ج. يؤاخذ بأفعاله التي يقع بها عدوان على حق العباد، فلو أُكرِه على قتل غيره أو نفسه لم يجز له الإقدام على ما أكره عليه، فإن فعل أثم بقتل نفسه وعوقب في الدنيا والآخرة على قتل غيره، وعوقب المكرِه له أيضاً في الحالين، وإن اختلف الفقهاء في نوع ومقدار عقوبة المكرِه والمكرَه، وإذا أكره على إتلاف مال غيره فأتلفه طولب بالتعويض، ثم يُطالب المكرِه بما غرمه، فقرار الضمان على المكرِه، لأن الاضطرار لا يبطل حق الغير[4].

أثر الإكراه في الأحكام الشرعية:

ولكن ما حكم استجابة المكرَه لما أكره عليه ليدفع الضرر عن نفسه؟

إن الإكراه أو الإرهاب مصيبة يجب دفعها بالأسهل فالأشد، ولذا يختلف حكم الاستجابة للمكرِه بحسب الموضوع المطلوب فعله، وفيما يلي ذكر ما قرره الفقهاء في هذا الباب[5]:

1. الإكراه على النطق بكلمة كفر: يباح التلفظ بكلمة كفر عند الإكراه عليها، ولا يكون النطق بها واجباً، فلو تلفظ بها لا يكفر ولا يحكم بردته، ولكن لا يجب عليه أن ينطق بها لينقذ نفسه من الموت، بل الأفضل أن يصبر على القتل ولا ينطق بالكفر إظهاراً للعزة الإسلامية واقتداءً بالسلف الصالح في ذلك.

2. الإكراه على القتل لا يجعله مباحاً ويؤاخذ به القاتل ومن أكرهه، إذ ليس له أن يفتدي نفسه بنفس غيره، فحرمة النفوس البريئة متساوية.

3. الإكراه على الزنا لا يبيحه، ويجب دفع المكرِه عليه ولو بالقتل، فإن عجز عن دفعه فليصبر على القتل، فإن فعل الفاحشة عوقب على فعله؛ لأن مفسدة الزنا أفحش من مفسدة القتل.

4. الإكراه على شرب الخمر يجعل شربه مباحاً، وكذا الإكراه على أكل الميتة ولحم الخنزير، ويختلف الفقهاء في وجوب ذلك، فمنهم من قال: يجب عليه أن يفعل ما ينقذ به نفسه، ومنهم من قال: لا يجب.

5. الإكراه على الإفطار في رمضان يجعله مباحاً ولا يفطر الصائم بالأكل أو الشرب مكرهاً.

حكم دفع المكرِه:

ومما يترتب على الإكراه جواز دفع المكرِه بل إن ذلك يكون واجباً في بعض الأحيان، وهو ما يسميه الفقهاء: (دفع الصائل)[6] وفيه الأحكام التالية:

1. الأصل في هذا الباب هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون ماله فهو شهيد) [رواه البخاري، رقم/2348]، وفي رواية أخرى: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيد) [رواه الترمذي، رقم/1421]. ويستفاد من هذه النصوص وغيرها أن للإنسان إذا اعتدي على دينه أو نفسه أو ماله أو عرضه أن يدافع ولو أدى ذلك إلى قتل المعتدي.

بل لو اعتدي على غيره في هذه الأمور جاز له أن يدافع عنه بل يجب ذلك أحياناً، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً). قالوا: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوماً فكيف أنصره إذا كان ظالماً؟! قال: (تحجزه عن ظلمه؛ فإن ذلك نصره) [رواه البخاري، رقم/2312]، وهذا الدفاع قد يكون واجباً وقد يكون جائزاً بحسب الأحوال:

أ. إذا كان العدوان على العرض وجب الدفاع عنه، فإذا أراد أحد أن يزني بامرأة أو يلوط برجل أو ينتهك عرضهما بغير ما ذكر وجب على كل منهما أن لا يمكنه من ذلك بل يدفعه عن نفسه ولو بقتله.

وكذا رأى مسلم إنساناً يريد أن يعتدي على عرض غيره وجب على ذلك المسلم أن يدافع عن عرض ذلك الإنسان ولو أدى الأمر إلى قتله، ويستدل لهذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) [رواه مسلم، رقم/49]، والعدوان على العرض من أكبر المنكرات ولذا لا بد من دفعه بما أمكن.

ب. وإذا كان العدوان على النفس فإن من حق المعتدى عليه أن يدافع عن نفسه ومن حق غيره أن يدافع عنه أيضاً، ويستدل لهذا بحديث: (من رأى منكم منكراً فليغيره...) والعدوان على النفس البريئة منكر، ويستدل أيضاً بحديث: (من قتل دون دمه فهو شهيد) وقد تقدم.

وقد ذكر الفقهاء خلافاً في وجوب الدفاع عن النفس إذا صال عليها مسلم أثناء الفتن الداخلية فقال بعضهم يجب الدفاع واستدل بما سبق ذكره، وقال بعضهم بالجواز وليس الوجوب، واستدل بحديث: (فكن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل) [رواه أحمد، 5/ 110]، وحديث: (فليكن كخير ابني آدم) [رواه أبو داود، رقم/4259].

لكن هذا تحذير من المشاركة في الفتن وإلا فإن غريزة الدفاع عن النفس التي أودعها الله في الإنسان كافية لحمله على الدفاع عن نفسه، وهو أمر مشروع بلا شك، أما إذا اعتدى على نفسه كافر فالدفاع واجب لا محالة.

ج. إذا كان العدوان على المال فإن من حق الإنسان أيضاً أن يدافع عن ماله ومال غيره عملاً بحديث: (من قتل دون ماله فهو شهيد) لكن لا يجب الدفاع، فقد يرى المعتَدَى عليه أن مقاومة المعتدي قد تعرض نفسه للهلاك فيؤثر ذهاب ماله على ذهاب نفسه، ولا يأثم بذلك ويبقى حقه في المطالبة بماله بواسطة الدولة لاسترداد ما أخذ منه ولا يعتبر عدم الدفاع إذناً بأخذ المال.

حكم ما يترتب على دفع الصائل:

إذا ترتب على دفع الصائل هلاكه أو تلف عضو من أعضائه أو تلف ماله؛ فإن نفسه تذهب هدراً وكذا عضوه وماله، لكن بعد تحقق الشروط التالية:

1. أن يكون الصائل معتدياً، أما إذا لم يكن معتدياً فإن نفسه مضمونة، وكذا عضوه وماله، فالذي ينفذ حكم الإعدام بحق ليس صائلاً بالباطل ولو أزهق النفس أو العضو، والذي يقبض المال بناء على حكم القاضي ليس صائلاً بالباطل ولو أخذ المال، بل لا يسمى صائلاً بالمعنى الفقهي للصيال.

2. أن يتم دفع الصائل بالأخف فالأشد، فإذا أمكن دفعه بالصياح لا يضرب، وإذا هرب لا يجوز اتباعه وقتله، وتقدير ما يندفع به الصائل يرجع فيه إلى رأي المعتَدَى عليه، وعليه أن يثبت أمام القاضي الصيال وعدم إمكان الدفع إلا بما حدث، من قتل أو إتلاف عضو أو مال، ويستدل لإهدار نفس المعتدي وعضوه بما رواه يعلى بن أمية قال: "كان لي أجير فقاتل إنساناً فعض أحدهما يد الآخر، قال: فانتزع المعضوض يده من فم العاض، فانتزع إحدى ثنيتيه (أسنانه)، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأهدر ثنيته، فحسبت أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفيدع يده في فيك تقضمها قضم الفحل) [رواه البخاري، رقم/2146، ومسلم، رقم/1674]. ويستدل أيضاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أن امرأً اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه؛ لم يكن عليك جناح) [رواه البخاري، رقم/6506، ومسلم، رقم/2156].

ومما يترتب على دفع الصائل: أن الذي يدفعه إذا مات خلال مدافعته كان شهيداً، وبهذا صرح الحديث الذي تقدم وهو: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) [رواه الترمذي، رقم/1421]، والشهادة منزلة عالية عند الله تعالى وعند المسلمين، وكفى بها فخراً للشهيد وذويه.

ومما يترتب على الإرهاب بغير حق وجوب نصرة من وقع عليه الإرهاب فقد قال البراء بن عازب أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: فذكر عيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ورد السلام، ونصرة المظلوم، وإجابة الداعي، وإبرار القَسَم" [رواه البخاري، رقم/1182].

وعدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حق الطريق: "إغاثة الملهوف، وهداية الضال" [رواه أبو داود، رقم/4817]. وقد أخذ العلماء من هذا أن نصرة المظلوم فرض كفاية ويتعين على من له القدرة عليه وحده[7]، والذي يقع عليه الإرهاب مظلوم وملهوف، ولا شك أن الدولة أقدر من غيرها على دفع الظالم ونصرة المظلوم نظراً لقوتها وتعدد وسائلها في هذا الزمن، وعليها حماية المسلمين والمواطنين مما يقع عليهم من إرهاب، لكن في بعض الحالات قد يساعد عامة الناس على دفع الإرهاب وإنقاذ المظلومين.

وإذا أدى إرهاب المسافرين إلى قتلهم أو قطع عضو أحدهم أو أخذ ماله أو مجرد منعهم من السفر بسبب الخوف على الطريق فإن هذه جريمة معروفة في الفقه الإسلامي، وعقابها معروف، نص عليه القرآن الكريم، وقد فصل الفقهاء ذلك فقالوا:

أ. إذا قتل قاطع الطريق أحد الناس فإن عقوبته القتل، وهي عقوبة لا تقبل العفو.

ب. إذا أخذ المال فقط قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى.

ج. إذا قَتَل وأخذ المال قُتل وصُلب.

د. إذا أخاف الناس ولم يقتل ولم يسلب المال يحبس حتى يكف شره عن الناس.

على أن من تاب من قطاع الطريق قبل إلقاء القبض عليه يعفى عن جنايته المتعلقة بحق الله تعالى، أي ما يسمى بالحق العام، ويطالب بحق العباد أي الحقوق الخاصة، وتفصيل هذه العقوبات في كتب الفقه، لكن مجملها يدل على وجوب تشدد الدولة في مكافحة الإرهاب.

إن الإرهاب له صور متعددة فعندما تمنع دولة كافرة الناس من سماع كلمة الحق أي الإسلام وتمنع الدعاة إلى الإسلام من الوصول إلى الناس وتبليغهم رسالة الله تعالى لإنقاذهم من ذلِّ الدنيا وعذاب الآخرة، وإخراجهم من الظلمات على النور، وتخيف الدعاة إلى الإسلام أو تقتلهم فإن الدولة التي تفعل هذا تمارس الإرهاب ويجب على الدول الإسلامية -إذا قدرت- أن تحمي الدعاة، وهذا هو الجهاد الذي خاضه السلف الصالح، وفتحوا به الأبواب لنشر الدين الحق.

ويلاحظ أمران:

1. إن الذين وصلهم المجاهدون لما ذهب عنهم كابوس الطاغوت أسلموا عندما سمعوا دعوة الحق، وتمسكوا بالإسلام، وجاهدوا في سبيله حتى بعد أن انحسرت قوة الدولة التي أرسلت إليهم المجاهدين؛ لأن العاقل إذا عرف الحق تمسك به، وهذا من معاني قوله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) كما سبق أن بينت.

2. إن الشعوب التي دخلت في الإسلام بسبب الدعوة من غير جهاد أضعاف الشعوب التي وصلها المجاهدون الدعاة، وهذا يعني أن الدعوة الحرّة والقدوة الحسنة كافية لإقناع الناس بالإسلام.

إن من أشد أنواع الإرهاب سلب الأوطان من أهلها وإخراجهم منها أو إذلالهم فيها، ودفع الإرهابيين الذي يفعلون ذلك واجب محتم على كل المسلمين، وعليهم أن يبذلوا في سبيله كل غالٍ ورخيص، ونفس ونفيس، فإن عجزوا عن ذلك في ظرف من الظروف فيجب أن يبقى في ضمائرهم التصميم على دفع المعتدين متى قدروا على ذلك، وهذا من جملة الجهاد الواجب على المسلمين، ويجب أن لا ننسى عقوبة الله تعالى لمن تخاذل عن نصرة المظلومين فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من امرئٍ يخذل امرأً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته) [رواه أبو داود، رقم/4884].

وبعد: فإن المسلمين في هذه الأيام يعيشون تحت الإرهاب في كلِّ أوطانهم؛ نظراً لتهديدهم للإعراض عن دينهم، وما وقع فيهم من قتل، وسلب للأوطان، ونهب للثروات، وعليهم أن يتناصروا ويتعاونوا على دفع الإرهاب عن أوطانهم وأشخاصهم، والله ناصرهم إن صدقوا، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) محمد/7.

(*) بحث مقدم إلى مؤتمر (الإرهاب في ضوء الشريعة والقانون) والذي عقد في الفترة (24-25/ 4/ 2002م) في جامعة إربد الأهلية.

الهوامش:


[1] تيسير التحرير (2/ 307)، بدائع الصنائع (7/ 175).

[2] انظر: الأشباه والنظائر، للسيوطي، ص228، مغني المحتاج (3/ 289)، كشف الأسرار (4/ 382)، المغني، لابن قدامة (7/119).

[3] انظر: تفسير ابن كثير (2/ 587).

[4] الأشباه والنظائر، ص226، وانظر: المنثور في القواعد، للزركشي، ص190.

[5] انظر: الأشباه والنظائر، ص226.

[6] انظر: مغني المحتاج (4/ 194)، المغني، لابن قدامة (8/ 329)، وفتح القدير (10/ 232).

[7] انظر: فتح الباري (5/ 99).