الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
حضانة الطفل المعاق من أحب الأعمال إلى الله عز وجل، لما فيه من رعاية الضعيف، والإشفاق عليه، والسعي معه لتجاوز ما ابتلي به، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ) رواه الطبراني (12/453)، بل لعل أجر رعاية الطفل المعاق يفوق أجر رعاية اليتيم لما فيه من المشقة الزائدة التي يبذلها الحاضن والمربي في سبيل حفظ الطفل ومساعدته قدر المستطاع.
لذلك كانت نصيحتنا لهذه الوالدة التي ابتلاها الله عز وجل بمولود مريض أن ترضى بقضاء الله وقدره، ولا تفرط في ابنها، فهو ولدها وبضعة منها، ولعله يكون سبب سعادتها في الدنيا، ونجاتها في الآخرة، ولعل الله تعالى ابتلاها به ليرفع درجتها عنده، فإذا صبرت واحتسبت حضانتها له عند الله فقد يعجل الله مكافأتها بأن يرزقها الذرية الطيبة الصالحة السليمة.
فإن أصرت على ترك الحضانة والتربية فلا تجبر عليها، فقد نص جمهور الفقهاء على أن الحضانة حق للأم لا تجبر عليه إلا في حالة عدم تمكن الطفل من الرضاعة إلا من ثديها، أو في حالة عدم قدرة الأب على استئجار من يرعى الطفل ويحضنه.
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "الأم لا تجبر - يعني على الحضانة-، ومحله إذا لم تلزمها نفقته، وإلا أجبرت" انتهى من "تحفة المحتاج" (8/359)
ويقول البهوتي الحنبلي رحمه الله: " ولو امتنعت الأم من حضانته لم تجبر عليها; لأنها غير واجبة عليها" انتهى من "كشاف القناع" (5/496)
ويقول ابن عابدين رحمه الله: " اختلف في الحضانة, هل هي حق الحاضنة, أو حق الولد؟
فقيل بالأول: فلا تجبر إذا امتنعت، ورجحه غير واحد، وعليه الفتوى.
وقيل بالثاني: فتجبر, واختاره الفقهاء الثلاثة أبو الليث، والهندواني وجواهر زاده...والتوفيق بين القولين أن قول من قال " إنها حق الحاضنة فلا تجبر " محمول على ما إذا لم تتعين لها, لأن المحضون حينئذ لا يضيع حقه لوجود من يحضنه غيرها, ومن قال " إنها حق المحضون فتجبر " محمول على ما إذا تعينت، لعدم من يحضنه غيرها انتهى بتصرف يسير من "رد المحتار" (3/559-560)
ومع ذلك نقول: إذا كانت الأم قادرة على رعاية الطفل المعاق ولم تفعل فنرجو أن يكون الزمان كفيلا في لين قلبها نحوه، وحنوها عليه، وعلى جميع الأحوال لا ينبغي أن يكون هذا الموضوع سبب فراق بين الزوجين. والله أعلم.