الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
يجب التفريق في هذه المسألة بين حالتين:
الحالة الأولى: إذا كانت العملية مقتصرة على عقد الصرف، كأن يأتي أحدهم بورقة فئة الخمسين دينارا مثلا يريد صرفها إلى فئات أقل منها: ففي هذه الحالة يجب أن يتم القبض في المجلس، ولا يجوز تأخير القبض عن المجلس ولو يسيرا، وإلا وقع الربا، كما يجب أن تصرف الورقة كاملة غير منقوصة.
والدليل على ذلك ما يرويه البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهما قالا: كُنَّا تَاجِرَيْنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّرْفِ فَقَالَ: (إِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ نَسَاءً - أي مؤجلا - فَلاَ يَصْلُحُ) رواه البخاري (رقم/2061)
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ) رواه البخاري (رقم/2134)
يقول الإمام النووي رحمه الله: "أجمع العلماء على تحريم بيع الذهب بالذهب أو بالفضة مؤجلا، وكذلك الحنطة بالحنطة، أو بالشعير، وكذلك كل شيئين اشتركا في علة الربا" انتهى. "شرح مسلم" (11/10)
الحالة الثانية: إذا كانت صورة المسألة أن يشتري أحدهم بضاعة، ثم لما جاء لدفع ثمنها لم يجد البائع ما يصرف له فئة المال التي دفعت إليه، فيقول له: آتيك في وقت لاحق لأخذ ما تبقى لي مما دفعته إليك: فلا بأس في التأخير في هذه الصورة، فقد نص فقهاؤنا على جوازها، بناء على تغليب جانب الوديعة والأمانة، وليس جانب الصرف.
يقول الإمام النووي رحمه الله: "قال الأصحاب: إذا كان معه عشرة دراهم، ومع غيره دينار يساوي عشرين، فأراد صاحب العشرة شراء نصف الدينار جاز، ويقبضه كله ليكون نصفه قبضا بالشراء، ونصفه وديعة، ثم يتفقان على كنزه أو بيعه، وجائز أن يكون بعد القبض عند أيهما شاء" انتهى. "المجموع" (10/147) والله أعلم.