الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
أجمع المسلمون على أن المسافر يباح له الفطر لقول الله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)البقرة/١٨٤. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفع عن المسافر الصوم) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
واشترط جمهور الفقهاء من الشافعية والحنفية والمالكية لإباحة الفطر للمسافر سفرا طويلا - يزيد على (81كم) - أن يدخل عليه وقت الصوم وهو مسافر، وذلك بأن يخرج ليلاً قبل طلوع الفجر، فلو سافر أثناء النهار لا يجوز له الفطر.
وذهب الحنابلة في المعتمد من مذهبهم إلى أن المسافر لو سافر أثناء النهار سفراً طويلاً يباح فيه قصر الصلاة يجوز له الفطر بعد مغادرة العمران (أي المنطقة التي هو مقيم فيها)، فإذا أنشأ السفر نهاراً وغادر العمران جاز له الفطر.
يقول البهوتي الحنبلي رحمه الله: "وإن نوى الحاضرُ صوم يوم، ثم سافر في أثنائه سفرا يبلغ المسافة: فله الفطر بعد خروجه ومفارقته بيوت قريته العامرة, لظاهر الآية والأخبار الصريحة، منها: ما روى عبيد بن جبر قال: ركبت مع أبي بصرة الغفاري من الفسطاط في شهر رمضان, ثم قرب غداءه فقال: اقترب. قلت: ألست ترى البيوت؟ قال: أترغب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأكل. رواه أبو داود; ولأن السفر مبيح للفطر فأباحه في أثناء النهار كالمرض الطارئ. ولا يجوز له الفطر قبله. أي: قبل خروجه; لأنه مقيم، والأفضل له، أي لمن سافر في أثناء يوم نوى صومه الصوم، خروجا من خلاف من لم يبح له الفطر, وهو قول أكثر العلماء تغليبا لحكم الحضر" انتهى. "كشاف القناع" (2/312)
فإذا شق الصوم على من يسافر بعد الفجر، واحتاج لإنجاز عمله بدقة، كقائد الطائرة الذي يتحمل مسؤولية سلامة جميع الركاب: جاز له الفطر، أخذا برخصة مذهب الحنابلة، مع التنبيه على وجوب القضاء بعد رمضان. والله أعلم.