الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
إن مجلس النواب له واجبات وعليه أعباء كبيرة؛ فهو من جهة سلطة تشريعية، ومن المعلوم أن التشريع لله عزّ وجل؛ فالحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله تعالى، ولكن هناك أمور إدارية تتعلق بشؤون الحياة المختلفة تحتاج إلى تقنين على شكل نصوص قانونية ملزمة تقع ضمن سلطة ولي الأمر، كتقييد المباح وصياغة الأنظمة والتشريعات بما يحقق الصالح العام، ومن ثم فإن هذه القوانين والأنظمة تُعرض على مجلس النواب لإقرارها أو تعديلها أو رفضها.
ومن جهة أخرى فإن من واجبات مجلس النواب مراقبة السلطة التنفيذية لواجباتها، وذلك من باب المحافظة على مصالح الوطن والتعاون على البر والتقوى.
ولذلك فمسؤولية النائب مسؤولية كبيرة وتضييعها تضييع للأمانة العظيمة، والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الأنفال/27. والتصويت في الانتخابات النيابية أمانة، ينبغي على المسلم أن يحافظ عليها ويؤديها بالشكل الصحيح، وهي كذلك شهادة سيسأل عنها أمام الله تعالى، قال الله تعالى: (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف/19، وبما أن المسلم سيسأل عن هذه الشهادة أمام الله تعالى فلا يجوز له أن يأخذ شيئاً من المال أو الهدايا ثمناً لصوته وشهادته من أي من المرشحين مقابل انتخابه لأن هذا يؤدي إلى أن يصل إلى مجلس الأمة من ليس أهلاً لذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ). قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ؛ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ) رواه البخاري.
ويحرم على المرشح كذلك أن يدفع المال للناس مقابل انتخابه وحشد الأصوات لصالحه سواء أكان نقداً، أم هدايا، ومن يفعل ذلك كيف يؤتمن على مصالح وطنه ومقدراته؟!
ومن غير اللائق بالمواطن الأردني أن يتعامل مع قضية الانتخابات بهذا الأسلوب، ومن غير اللائق على النائب كذلك أن يحشد الأصوات لصالحه بهذه الطريقة، ومما يذمّ به المجتمع أن تكون المجالس النيابية قائمة على شراء الضمائر، وماذا يُتوقع ممن يرى المال كل شيء فيبيع صوته، أو يشتري صوت غيره؟! وماذا يُتوقع منه إذا صار صاحب قرار؟!
إن المنطق يقول بأنه سيحاول أن يسترد ما دفع من خلال استغلاله لمنصبه، واستغلال المنصب للمصالح الشخصية حرام شرعاً وجريمة يحاسب عليها القانون.
وإننا نؤكد أن الأردنيين جميعاً يرون أن الشخص الذي يتبع هذا الأسلوب لا يصلح أن يكون نائباً يمثلهم في مجلس الأمة، وأن المواطن الأردني لا يبيع صوته ولا ضميره، وإن وجد شيء من ذلك فهي تصرفات نادرة يجب أن نحاربها ونقف ضدها، لا سيما وأن القانون يعتبر بيع الأصوات وشراءها جريمة يعاقب عليها.
إن بلدنا هو بلد الشرفاء بكل مواقفهم الخاصة والعامة، وتاريخنا يشهد لنا، فكم وقفنا إلى جانب الحق رغم الإمكانيات المتواضعة، ولا يمكن أن نطأطأ رؤوسنا ونخجل من قول كلمة الحق مقابل المال، فالحق أحق أن يتبع، والله تعالى أعلم.