الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
ما جاءت به الاتفاقية هو في بعض مواده متأخر عما جاء في الشريعة الإسلامية، وبعضه مخالف للشريعة صراحة، ذلك لأن الذين وضعوا الاتفاقية كان عملهم ردة فعل لأوضاع مزرية تعيشها المرأة في بلدان لا تُحَكِّم الشريعة الإسلامية، ولمَّا لم يهتدوا بنور الله الذي خلق الذكر والأنثى، بالغوا في المساواة مبالغة أنستهم الفروق الحقيقية بين الذكور والإناث.
والذي يعرف الشريعة الإسلامية يعرف أنها ساوت بين الرجال والنساء فيما يتساوى به الرجال والنساء من حيث الخلقة، فكل منهم دمه وماله وكرامته محفوظة بموجب أحكام الشريعة، وحقه في التملك والتصرف المالي مساوٍ لحق الآخر، وهذا ما تطالب به الاتفاقية، والإسلام سبقها بقرون، وفي مسائل لا تكاد تحصى لكثرتها، وفي الوقت الذي تعتبر فيه بعض الديانات والفلسفات المرأة رجساً يتنزه عن مخالطته النخبة من الرجال ( ومن هنا كانت ردة الفعل الجامحة ) يقول الله تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) الأحزاب/35
ويقول تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) آل عمران/195.
أما الجانب الذي تتميز فيه المرأة عن الرجل من حيث اللطف والرحمة والصبر والحنان فهي مقدمة فيه على الرجل، فإذا افترق الزوجان - والأصل أن لا يفترقا إلا بالموت - فالمرأة مقدَّمة على الرجل في حضانة الصغار، سواء كانت أماً أم جدة.
وفي بداية الحياة الزوجية يلزم الرجل أن يقدم للزوجة ما يشعرها بكرامتها وعظيم مسؤوليتها في الحياة الزوجية التي تُقدم عليها، إنه المهر الذي قد يكون قنطاراً من الذهب، وليس المهر ثمنا لها كما يظن الجاهلون، بل تكريم، بدليل أنها لو ماتت قبل الدخول كان هذا المهر من جملة تركتها!! وكذا لو مات الزوج قبل الدخول تستحق الزوجة كل المهر!
وعند تكريم الأبناء للآباء (عرفاناً بسابق فضلهم) تُقَدَّم الأم، ومَن مِنا لا يحفظ قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن أولى الناس بحسن المصاحبة، فقد قال: ( أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ) متفق عليه.
أحكام كثيرة تقدم فيها المرأة، لا لأنها امرأة نعطف عليها تفضلاً، بل لأن الله ميزها في جانب من فطرتها على الرجل، كما فضل الرجل في جانب آخر، واقرأ قول الله تعالى: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) النساء/32، فالرجل فُضِّل في جانب، والمرأة فضِّلت في جانب، ولكلٍّ اعتبار.
أما ما تميز به الرجل على المرأة فإنه يقدَّم في مباشرته عليها، مثلا هو أقوى بدناً، وأكثر خشونة، وأشد جَلَداً، وأكثر تجربة، ولذا كان تأسيس بيت الزوجية من مسؤوليته، وحماية الأسرة من العَوَز بالإنفاق واجب كُلِّف به وشرف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ) رواه مسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِى بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ أُجِرْتَ عَلَيْهَا ، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِى فِى امْرَأَتِكَ) متفق عليه، أي: تثاب على ما تطعمه لزوجتك.
والرجل مكلف بحماية الدين والوطن والمال والأسرة، قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) رواه الترمذي، أما المرأة فلا تكلف بخوض هذه المعمعة، فحسبها أنها أنجبت وربَّت هذا البطل الذي يذود عن الحمى، ويجود بنفسه رخيصة في سبيل الله.
ونقف عند قضية الزواج فنقول: الشريعة الإسلامية تعرف من خلال نصوصها الثابتة، لا من خلال تصرف بعض الناس، فحُرِّيَّةُ الرجل باختيار زوجته لا شك فيه، وكذلك حرية المرأة.
ونجد بعض الآباء والأمهات يجبرون أبناءهم الذكور - فضلا عن الإناث - على الزواج من امرأة معينة بطرق شتى، ولغايات شتى، وهذا لا تعاب به الشريعة، بل يعاب به من لم يستوعب الشريعة.
وفي حق البنات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ تُنْكَحُ ـ أي تزوج ـ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ) متفق عليه، فالإكراه غير وارد، لكن لا بد من التشاور، فمكر الرجال لا ينسى، والمرأة طيبة القلب، قد تُخدَع، ولذا كان لا بد شرعاً من مشاورة المرأة لأبيها أو وليها في أمر الرجل الذي يخطبها حمايةً لها، ولأنها إذا فشلت في زواجها سوف تعود إلى بيت وليها وهو ملزم بالإنفاق عليها، وقد يكون معها أطفال ثمرة للزواج الفاشل، ونحن نفترض في هذا الولي الحكمة والرحمة، لا التسلط، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل) رواه الترمذي، ومن خالط الناس عرف إلى أين يؤدي إكراه المرأة على زوج معين، وإلى أين يؤدي انفرادها باختيار الزوج دون مشاورة الأهل والأولويات.
والحقيقة أن هذا الأمر واضح في مجتمعنا الإسلامي، فالمذهب الحنفي لم يشترط موافقة الولي لصحة عقد البالغة الراشدة، وبهذا أخذ قانون الأحوال الشخصية في المملكة الأردنية الهاشمية وغيرها مجاراةً للجو العام، لكن عملياً لا نجد امرأة تحترم نفسها تقدم على زواج من غير ولي، بل غير المسلمات في بلدنا يأنفن الزواج بلا إذن ولي، وإذا تعنَّتَ الولي فالقاضي يتدخل لمنع التعنت، والقاضي هو الولي في مثل هذه الظروف.
ومن هنا نقول: إن الموافقة على ما جاء في اتفاقية «سيداو» يصطدم بالشريعة الإسلامية التي بنيت عليها أعرافنا الأصيلة، والتي يجب أن يلتزم بها المشرع للقوانين بموجب الدستور الذي نص على أن دين الدولة الإسلام، ونتوقع موقفا إسلاميا ينسجم مع الدستور من إخواننا في دائرة قاضي القضاة، وفي مجلس النواب، إذا ما طلب تعديل قانون الأحوال الشخصية بناء على هذه الاتفاقية.
بقيت نقاط لا بد من الوقوف عندها، الجميع يتألم لهدم الأسرة وتشتت أفرادها بسبب الموت أو الطلاق، والاتفاقية مدار الحديث تريد أن تشتت الأسرة بغير طلاق، فما معنى أن تختار الزوجة مكاناً لإقامتها غير مكان الزوج؟!
وماذا يبقى من مظاهر الأسرة وتوادها وتراحمها بعد أن يعيش كل من الزوجين في مكان إقامة خاص، وتسافر المرأة بلا إذن الزوج أو الأب؟
ومع من يكون الأبناء وهم يحبون الأب والأم، بل والجدّات والأجداد، إن نفوسهم تتمزق بين الأطراف الذين كانوا سبب وجودهم.
وأقول قولة إخواننا أهل الشام: " اللهم ثبِّت علينا العقل والدين"!! فهذه الاتفاقية تقفز على مسلَّمات العقل والدين.
أما اسم الزوجة، فقد كرَّم الإسلام المرأة عندما جعلها تحتفظ بانتسابها لعائلتها بعد الزواج، ويحضرني اسم امرأة كانت مشهورة عالمياً باسمٍ (ما)، فلما توفي زوجها وتزوجت بعده بآخر صارت تعرف باسم عائلة زوجها الجديد، وكأنها سلعة كانت لفلان، ثم صارت لفلان، أين هذا مما كرم به الإسلام المرأة، يوم جعل نسبتها الدائمة إلى أهلها وعشيرتها، إن التقليد الأعمى يوقع في مثل هذه الإساءات، ومسكينات بعض النساء، يحسبن هذا تكريماً لهن!!.
أقول جازماً: لا يوجد نظام يحترم المرأة كما احترمها الإسلام، ذلك أنها شريعة الله تعالى التي كرمت الإنسان بنوعيه الذكور والإناث، ولأنها شريعة الذي خلق الذكر والأنثى، وجعل لكلِّ واحدٍ منهما دوراً في المجتمع يكمل دور الآخر، فالدنيا لا يعمرها الرجال فقط ولا النساء فقط.
لقد استغلت بعض الأنظمة المرأة أسوأ استغلال، استغلت ما فطرها الله عليه من رقة ولطف ليروجوا بضائعهم، فالحذاء الجيد تعرضه امرأة متأنقة، وخطوط الطيران تقوم بالدعاية لها امرأة أخرى متبرجة.
إن الإسلام يعبر عنه من فهمه، أما تصرفات بعض المسلمين التي تسيء إلى المرأة فهي تعبير عن ثقافة خاصة ليست ثقافة الإسلام، إنها ثقافة جاهلية كان فيها وأد النساء.
إن قمع المرأة مخالف للإسلام، وإكراهها على أن تكون مساوية للرجل مخالف أيضاً.
وفي الختام، نحن لا نخاف على الشريعة الإسلامية، فسندها رباني: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر/9، وسندها جماهير المسلمين، الذين يعلمون أن الحلال ما أحلّه الله، لا ما أحلّته الأعراف الجاهلية القديمة والحديثة، وما حرمه الشرع لا تُحِلُّه المعاهدات الدولية، وما أباحه الإسلام لا تحرمه معاهدات تستغل ضعف الأمة الإسلامية. والله أعلم