الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
اختلف الفقهاء المتقدمون في الدم الذي تراه المرأة الحامل، على قولين:
القول الأول: أنه دم حيض، يحرم على المرأة معه الصلاة والصوم: وهو ما ذهب إليه المالكية، والمعتمد في مذهب الشافعية.
يقول الإمام النووي رحمه الله: "إذا رأت الحامل دما يصلح أن يكون حيضا فقولان مشهوران: قال صاحب الحاوي والمتولي والبغوي وغيرهم: الجديد أنه حيض, والقديم: ليس بحيض, واتفق الأصحاب على أن الصحيح أنه حيض... ومما يستدل به للصحيح في كونه حيضا: أنه دم بصفات دم الحيض، وفي زمن إمكانه; ولأنه متردد بين كونه فسادا لعلة، أو حيضا, والأصل السلامة من العلة" انتهى. "المجموع" (2/412)
القول الثاني: أنه ليس بحيض، وإنما هو دم استحاضة أو دم فساد وعلة: وهو مذهب الحنفية والحنابلة.
يقول ابن قدامة رحمه الله: "احتج إمامنا بحديث سالم عن أبيه: (أنه طلق امرأته وهي حائض, فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: مره فليراجعها, ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا) فجعل الحمل علما على عدم الحيض, كما جعل الطهر علما عليه; ولأنه زمن لا يعتادها الحيض فيه غالبا, فلم يكن ما تراه فيه حيضا كالآيسة، قال أحمد: إنما يعرف النساء الحمل بانقطاع الدم" انتهى. "المغني" (1/218)
والطب الحديث اليوم يجزم بأن الدم الذي يصيب الحامل لا يمكن أن يكون حيضا، لأن الحيض هو انسلاخ بطانة الرحم بعد فشل تلقيح البويضة، فإذا كانت البويضة ملقحة وتعلقت بجدار الرحم فلا تنسلخ البطانة إلا بإجهاض الحمل.
لذلك فالذي نفتي به هو القول القديم في مذهب الشافعية، وهو ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة أيضا: أن الحامل يجب عليها أن تتوضأ وتصلي وإن رأت الدم، فإن استمر نزوله فإنها أيضا تصلي وتتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، فالدم النازل منها دم علة وليس دم حيض، ولا بد لها من مراجعة الطبيبة المختصة كي تجد لها العلاج المناسب. والله أعلم.