الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
يحرم مس المصحف على غير وضوء، لقوله تعالى: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) الواقعة/79، والآية -وإن فسرها كثير من الصحابة بأن المقصود بالمطهرين فيها الملائكة- إلا أن تخصيص ذكر وصف (المطهرين) دليل على أن هذا هو شأن المصحف الكريم، ألا يمسه إلا من اتصف بالطهارة، يؤكد ذلك الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام مالك في "الموطأ"، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حَزم: أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: (ألا يمس القرآن إلا طاهر).
وتحريم مس المصحف على غير وضوء يشمل تحريم مس ورقه، ومس جلده المتصل به "على الصحيح؛ لأنه كالجزء منه، ولهذا يتبعه في البيع".
وأما تقليب ورقه باستعمال آلة من غير اضطرار إلى مس فلا بأس فيه ولا حرج، بخلاف حمل المصحف باستعمال قماش أو كيس ونحوه، فهذا لا يجوز وإن لم يشتمل على مس للمصحف، لأن الحمل أبلغ من المس.
يستثنى من ذلك ما إذا خشي المسلم غير المتوضئ على المصحف الشريف من التعرض للأذى والامتهان. يقول الخطيب الشربيني رحمه الله: "يجوز حمله لضرورة، كخوف عليه من غرق أو حرق أو نجاسة أو وقوعه في يد كافر ولم يتمكن من الطهارة, بل يجب أخذه حينئذ كما ذكره في التحقيق وشرح المهذب، فإن قدر على التيمم وجب" انتهى. "مغني المحتاج" (1/ 150). والله أعلم.