الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
روى الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة إسكان إبراهيم عليه السلام لولده إسماعيل وأمه في مكة المكرمة، وانبثاق ماء زمزم -ما يلي:
(... وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى -أَوْ قَالَ: يَتَلَبَّطُ- فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِي تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِي رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ، حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَة، فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا... الحديث) رواه البخاري/ 3364.
فالحديث واضح في أن الصفا جبل، والمروة جبل آخر، وأن أم إسماعيل أسرعت في مشيها في الوادي، وهذا هو المكان الذي يُسرع فيه الساعون بين الصفا والمروة الآن، وهو معروف، فإذا تصوَّرنا قمة الصفا وبداية المكان الذي يسرع فيه الناس -وهذا يُمثِّل طول سفح جبل الصفا من هذه الجهة- ثم نظرنا إلى قمة الصفا ومكان زمزم -وهذا يُمثل طول السفح من الجهة أخرى-، ونظرنا مرة ثالثة إلى قمة الصفا وآخر الانحدار من الجهة الثالثة (غير التي تلي الجبل الذي بنيت عليه القصور): علمنا أنَّ امتداد الجبل من الجهة الرابعة ليس مقتصرًا على ما كان يسعى منه الناس، وكذلك نقول في حق جبل المروة إذا لاحظنا قمتها ومدى بعدها عما بين الميلين الأخضرين وعن مكان زمزم.
والناس إنما خصصوا للسعي بين الجبلين طريقًا على قدر حاجتهم، كما أنهم كانوا ينزلون في عرفات على قدر حاجتهم، وعرفات أوسع من ذلك بكثير.
ونخلص مِن هذا إلى أن التوسعة إن كانت ما بين امتداد جبل الصفا وامتداد جبل المروة فالسعي فيها صحيح، وإلا فلا.
والقول الفصل في تحديد امتداد الجبلين للعلماء الجيولوجيين، وقد علمت من أحدهم أنه قد توفرت اليوم وسائل علمية تُبَيِّنُ امتداد أيِّ جبل من الجبال، فحبذا لو رجع إليهم في هذا الأمر، ويكون قولهم هو الفصل في الموضوع.
ولا شك أن توسعة الحرمين وأماكن المشاعر مما يُسَهِّلُ على الحجاج والمعتمرين أداء الواجبات الدينية، وهو عمل مبرور يُشكر عليه مَن قام به في القديم والحديث، وتزايد عدد ضيوف الرحمن بسبب سهولة المواصلات يجب أن يواكبه تأمين راحتهم، والتيسير عليهم بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية. هذا والله تعالى أعلم.