الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
هذا الزواج باطل لعدم وجود شاهدين عدلين ولا موافقة الولي، وقد كان بعض الناس يفعله في الجاهلية، ويسمونه: (زواج الخدن)، وقد نهى الله تعالى عنه بقوله: (وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) النساء/25. وبقيت بقية لهذا النوع من الزواج في بعض المجتمعات الجاهلة الى عهد قريب، فكان الرجل يقول للمرأة -وقد جلس على حَجَر وجلست هي على حَجَر-: أنا على حجر وأنت على حجر، هل قبلتيني لك ذكر؟ فتقول: قبلت. ثم تجلس هي على كترة (كتلة من الطين اليابس) ويجلس هو على كترة وتقول له: أنا على كترة وأنت على كترة: فهل قبلتني لك مرة؟ فيقول: قبلت.
والعجيب أن يظهر من جديد هذا النوع من اللقاء بين الرجال والنساء في مجتمع علمي وبيئة علمية، لكن الشيطان لا يترك مجتمعًا إلا ويحاول أن يغوي أصحابه.
ووجه البطلان في هذا الزواج أن النكاح الشرعي يجب أن تتوفر فيه الأركان التالية:
1. زوج وزوجة يَحِلُّ كلٌّ منهما للآخر.
2. ولي المرأة، وهو أولى رجل برعاية شؤونها، فان لم يكن فالقاضي وَلِيُّ مَن لا ولي له.
3. إيجاب من ولي الزوجة، وقبول من الزوج أو نائبه الشرعي.
4. شاهدان عدلان.
ودليل هذا ما يلي:
1. أما دليل اشتراط حل المرأة للرجل فذلك لقول الله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ ... الآية) النساء/23، فهي تفيد أن من لم تكن محرمة بأي نوع من أنواع التحريم المذكور في الآية يحل زواجها. ولذا قال بعد ذلك: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) النساء/24.
2. وأما اشتراط الولي فذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ) رواه الترمذي (رقم/1102) وقال: حديث حسن، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) رواه أبو داود (رقم/2085)، وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة وجمهور الفقهاء، والأحاديث المذكورة ترجح مذهبهم على غيره، كما أن قانون الأحوال الشخصية الأردني اشترط إثبات العقد في المحكمة الشرعية.
3. وأما الايجاب والقبول فهو التعبير الشرعي الظاهر عما في القلب من اتفاق على الزواج.
4. وأما الشاهدان فلما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) رواه الدارقطني.
والشاهد العدل هو من تتوفر فيه الصفات التالية: الإسلام، والبلوغ، والعقل، وعدم ارتكاب الكبائر، وعدم الإصرار على الصغائر، وعدم ارتكاب ما يخل بمروءة أمثاله.
هذه الأركان إذا لم يتوفر أحدها كان النكاح باطلاً، فأمر الزواج أمر مهم ومحترم لما يترتب عليه من آثار اجتماعية خطيرة في حياة الزوجين وأقاربهما والمجتمع كله، ولهذا استحب الشرع أن يصاحب هذا الحدث الاجتماعي المهم الأمور التالية:
1. إشهار النكاح: أي إعلانه حتى يعلم به الناس؛ لأنه أمر مشرف ومفرح، ولا بد أن يعرف به المجتمع المحلي على الأقل، فإذا شوهد بعد ذلك الرجل مع تلك المرأة يقال هي زوجته، ولا تدور حولهما الشبه والتهم السيئة، ويتحقق هذا الإشهار بـ:
أ. الوليمة: وهي الدعوة إلى الطعام بمناسبة الفرح المشرف. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبدالرحمن بن عوف حيث رأى عليه آثار الزواج: (أَوْلِم ولو بشاه) رواه البخاري.
ب. الضرب بالدفوف: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ) رواه النسائي.
ج. الغناء المشروع عند النساء: فقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة عندما شاركت في زفاف عروس من الأنصار فقال: هل أهديتموها إلى زوجها؟ قالت: نعم. قال: فهل كان هنالك صوت؟ قالت: لا. قال: هلا قلتم: أتيناكم أتيناكم...إلى آخر الحديث.
د. توثيق الزواج لدى الجهات الرسمية: وهذا من الأمور الجيدة التي استحدثها ولاة أمور المسلمين ليضبطوا هذا الموضوع الخطير، فتحفظ الأنساب والأعراض، وتوثق العلاقات الأسرية التي هي أهم بكثير من توثيق ملكية العقارات والسيارات وغيرها.
نعم إن النكاح الذي تتم أركانه وشروطه يعتبر صحيحًا ولو لم يوثق في المحاكم الشرعية، لكن فيه مخالفة لولي الأمر فيما فيه مصلحة، ومخالفة ولي الأمر فيما يحقق المصلحة حرام، وبعض الناس يسمي هذا العقد الذي لم يوثق زواجًا عرفيًّا، وهو غير ما ورد تعريفه في بداية السؤال، وهكذا يكون الزواج مشرفًا، وفي ضوء الشمس كما يقولون، فأين هذا من زواج سري يكتمه كل من الرجل والمرأة عن أقرب الناس إليهما، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ يقول: (وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) رواه مسلم.
والمسلم الحر الصادق يأبى أن تلوكه الألسنة، وأن يظن الناس به السوء ولو كان على حق، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفًا فجاءته زوجته صفية تزوره في معتكفه في المسجد، فلما أراد أن يرجعها الى بيتها مر به رجلان من الأنصار فأسرعا فلما أبصرهما صلى الله عليه وسلم ناداهما وقال: تعاليا على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي. فقالا: سبحان الله يا رسول الله! وكبر عليهما ما قال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا. رواه البخاري. ونهى عليه الصلاة والسلام أن يطرق الرجل أهله ليلاً. رواه البخاري. أي: أن يقرع بابهم ليلاً إذا كان مسافرًا لئلا يثير الشبهة من الجيران عن هوية هذا الذي يقرع باب امرأة زوجها غائب؛ لأن كرامة الإنسان تعدل روحه. قال صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا) متفق عليه. والله أعلم.