الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله:
استقبالُ الكعبة شرط في صحة الصلاة للقادر عليه؛ لقول الله تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) البقرة/144، ولفعله صلى الله عليه وسلم، حيث توجه للكعبة في صلاته بعد ستة عشر شهراً من الهجرة كان يستقبل فيها بيت المقدس.
وعليه فإن المعاين للكعبة يجب أن يستقبل عين الكعبة، وأما من غاب عنها فعليه إصابة عين الكعبة بحسب ما يغلب على ظنه، وذهب جمهور العلماء إلى أنه يكفي استقبال جهة القبلة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) رواه الترمذي.
فإن كان المصلي في مدينة أو قرية فعليه العمل بمحاريب المسلمين، ولا يجوز له الاجتهاد فيها، ولا الطعن أو الاعتراض عليها، لا سيما إذا وضعت بمعرفة أهل الخبرة، وهذا ما نص عليه العلماء.
قال ابن قدامة رحمه الله: "وكذلك لو كان في مصر أو قرية، فَفَرْضُهُ التوجه إلى محاريبهم وقبلتهم المنصوبة؛ لأن هذه القِبَل ينصبها أهل الخبرة والمعرفة، فجرى ذلك مجرى الخَبَر، فأغنى عن الاجتهاد" انتهى. "المغني" (2/272-273)
وقال النووي رحمه الله: "وإن أخبره من يُقبَل خبره عن علم قبِلَ قوله ولا يجتهد، كما يقبل الحاكم النص من الثقة ولا يجتهد، وإن رأى محاريب المسلمين في بلد صلى إليها ولا يجتهد؛ لأن ذلك بمنزلة الخبر" انتهى. "المجموع" (3/200)
ولذلك نقول: إن محاريب المساجد التي وضعت في بلدنا بمعرفة أهل الخبرة - وهم أهل الاختصاص في المركز الجغرافي الملكي الذي يحدد القبلة بأدق الوسائل العلمية الحديثة، وتعتمد على خبرتهم وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في تحديد قبلة المساجد - هذه المحاريب لا يجوز الاجتهاد فيها ولا الطعن عليها؛ لما يؤدي إليه من إحداث الشقاق والنزاع في المساجد، وتنفير المسلمين عن الصلاة فيها، فإن هذا مما لم يقل به أحد من العلماء الموثوقين، بل الواجب هو العمل بالمحاريب التي وضعت بمعرفة أهل الخبرة في بلاد المسلمين باتفاق العلماء. والله تعالى أعلم.