الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
طواف الوداع على الحاج من الواجبات التي يجب الحرص عليها، والإتيان بها على وجهها، وإلا لزم المقصر فيها أن يذبح شاة على سبيل الفدية، توزع على فقراء الحرم، وذلك في قول جمهور أهل العلم من الحنفية والشافعية والحنابلة؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به، والأصل في الأمر إفادة الوجوب.
يقول ابن عابدين رحمه الله: "طواف الصَّدر -أي: الوداع- ويسمى أيضا طواف آخر العهد هو واجب، فلو نفر ولم يطف وجب عليه الرجوع ليطوف ما لم يجاوز الميقات، فيخير بين إراقة الدم والرجوع بإحرام جديد بعمرة مبتدئا بطوافها ثم بالصدر، ولا شيء عليه لتأخيره، والأول أولى تيسيرا عليه ونفعا للفقراء" انتهى. [رد المحتار 2 /523].
ويقول المرداوي الحنبلي رحمه الله في تعداد واجبات الحج: "(وطواف الوداع) هذا الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب" انتهى. [الإنصاف 4 /60].
ومن أهم شروط طواف الوداع أن يكون آخر العهد بالبيت، فمن أدى طواف الوداع ثم تأخر في مكة ولم يخرج منها له حالتان:
1- إما أن يكون تأخره لعذر وحاجة تتعلق بالسفر، كتجهيز الأمتعة، وانتظار الحافلة، وإعداد المؤن: فهذا لا حرج عليه في التأخير ولو طال الزمن.
2- أما إذا تأخر لغير حاجة، أو لعذر لا يتعلق بالسفر، كعيادة مريض، وحضور جنازة، ونحو ذلك: فهذا يلزمه إعادة طواف الوداع، فإذا لم يُعده لزمه أن يجبره بدم (ذبح شاة).
يقول الخطيب الشربيني رحمه الله: "وإذا أراد بعد قضاء مناسكه الخروج من مكة لسفر طاف للوداع طوافا كاملا بركعتيه، لما روى البخاري عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من أعمال الحج طاف للوداع. وروى مسلم عن ابن عباس خبر: (لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) أي الطواف به كما رواه أبو داود. ولا يمكث بعده -أي بعد طواف الوداع- وبعد ركعتيه، وبعد الدعاء المحبوب عقبه عند الملتزم، وإتيان زمزم والشرب من مائها، لخبر مسلم السابق.
فإن مكث لغير حاجة، أو لحاجة لا تتعلق بالسفر، كالزيارة، والعيادة، وقضاء الدين، فعليه إعادته.
وإن اشتغل بركعتي الطواف أو بأسباب الخروج كشراء الزاد وأوعيته وشد الرحل، أو أقيمت الصلاة فصلاها معهم كما قال في زيادة الروضة لم يلزمه إعادته.
وهو واجب -يعني طواف الوداع- لما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه قد خفف عن المرأة الحائض. (يجبر تركه بدم) وجوبا كسائر الواجبات" انتهى باختصار. [مغني المحتاج 2 /280].
فإذا لم يقع تقصير منكم في تأخير طواف الوداع إلى آخر الوقت، ثم بعد ذلك اضطررتم إلى التأخر في الفندق لغرض انتظار الحملة يوما كاملا لظروف طارئة، فلا بأس عليكم ولا حرج، وطواف الوداع وقع مجزئا عنكم إن شاء الله. والله أعلم.