الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
المبطون هو صاحب داء البطن، وقد اختلف أهل العلم في تحديد أي داء هو الذي يكون الميت به شهيدا، ولعل أرجح الأقوال -التي نقلها الإمام النووي رحمه الله- هو كل داء يصيب الجوف ويؤدي إلى الموت، بغض النظر عن اسمه وصفته.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
رواه البخاري (2829) ومسلم ( 1914)
فيرجى لمن مات بداء البطن أن يكتب الله سبحانه وتعالى له أجر الشهادة، ولكن ليس من أجر الشهادة العفو عن حقوق العباد، فهذه لا تسقط إلا بعفو أصحابها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهيد المعركة: (يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ) رواه مسلم (1886)، فمن باب أولى ألا يغفر الدَّيْن لمن مات بداء البطن.
وكتابة أجر الشهادة للمبطون لا يعني أنه يستوي هو والشهيد في ساحة المعركة، فالشهادة تتفاضل في الدرجات.
يقول الإمام النووي رحمه الله: "واعلم أن الشهيد ثلاثة أقسام:
أحدها: المقتول في حرب بسبب من أسباب القتال، فهذا له حكم الشهداء في ثواب الآخرة وفي أحكام الدنيا، وهو أنه لا يغسَّل ولا يصلَّى عليه.
والثاني: شهيد في الثواب دون أحكام الدنيا، وهو المبطون, والمطعون, وصاحب الهدم, ومن قتل دون ماله, وغيرهم ممن جاءت الأحاديث الصحيحة بتسميته شهيداً: فهذا يغسَّل ويصلَّى عليه وله في الآخرة ثواب الشهداء, ولا يلزم أن يكون مثل ثواب الأول.
والثالث: من غل في الغنيمة وشبهه ممن وردت الآثار بنفي تسميته شهيداً إذا قتل في حرب الكفار، فهذا له حكم الشهداء في الدنيا فلا يغسل, ولا يصلَّى عليه, وليس له ثوابهم الكامل في الآخرة" انتهى. [شرح مسلم 2 /164].
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: "الذي يظهر أن المذكورين -في الشهداء خمسة وغيرهم- ليسوا في المرتبة سواء، ويدل عليه ما روى أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث جابر، والدارمي وأحمد والطحاوي من حديث عبد الله بن جحش، وابن ماجه من حديث عمرو بن عتبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه. وروى الحسن بن علي الحلواني في (كتاب المعرفة) له بإسناد حسن من حديث ابن أبي طالب قال: كل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد، غير أن الشهادة تتفاضل" انتهى. [فتح الباري 6 /44] والله أعلم.