الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
ثبت في الأحاديث الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنا سيد ولد آدم) رواه مسلم، فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو سيد الناس كلهم من عهد آدم إلى يوم القيامة، بل هو سيد الإنس والجن والملائكة أيضًا، وقد عاب الله تعالى على الذي ينادون النبي صلى الله عليه وسلم باسمه المجرد، فقال: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً) النور/63، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) الحجرات/2.
ولذلك فليس من قبيل الأدب ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم مجردا عن الصلاة والسلام عليه، أو من غير ألفاظ التبجيل والتعظيم.
وأما زيادة لفظ: "سيدنا" في الصلاة الإبراهيمية فقد اختلف فيها الفقهاء على قولين، والمعتمد في مذهبنا استحباب هذه الزيادة وإن لم ترد في صيغة الصلاة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وذلك لأن في زيادة لفظ "السيادة" الامتثال لما أُمرنا به من الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، وامتثال الأدب أفضل من الاقتصار على الوارد في الصيغة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، ألا ترى كيف رجع أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن موقف الإمامة حين تأخر النبي صلى الله عليه وسلم عن الإمامة بسبب الانشغال في الإصلاح بين المتخاصمين، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إليه أن يبقى مكانه، ولكنه رضي الله عنه قال: (مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) متفق عليه. وكذلك استدل العلماء على هذه القاعدة: "سلوك الأدب أفضل من الامتثال" برفض علي بن أبي طالب رضي الله عنه محو كلمة "رسول الله" من كتاب صلح الحديبية.
فقال العلماء: وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم الصحابة لفظ: "سيدنا" في الصلاة الإبراهيمية، فنحن نزيدها حرصا على كمال التأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، والتغيير اليسير في أذكار الصلاة لا يضر في صحة الصلاة.
ولذلك ذهب جماعة من أهل العلم إلى جواز هذه الزيادة، منهم: العز بن عبد السلام، والقرافي، والرملي، والجلال المحلي، وقليوبي، والشرقاوي، والحصفكي، وابن عابدين، والنفراوي، وغيرهم.
ينظر: [مغني المحتاج 1/ 384] وإن كان نقل عن ظاهر المذهب اعتماد عدم استحباب الزيادة، [أسنى المطالب4/ 166] لزكريا الأنصاري، ] و[حاشية تحفة المحتاج2/ 88] و[الموسوعة الفقهية 11/ 346].
والخلاصة أن من زاد لفظ السيادة في التشهد في الصلاة من باب التأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم لا حرج عليه، ومن تركها التزاما بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المقام لا حرج عليه أيضا، فالأول يعظم النبي صلى الله عليه وسلم بذكر سيادته، والثاني يعظمه بترك الزيادة على ما روي عنه، والكل على خير، والمهم أن لا يسيء بعضنا الظن ببعض، ونحن متفقون على وجوب محبة وتعظيم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أمرنا الله تعالى بأن يكون صفنا متراصا، خاصة في مثل الظروف التي نعيشها، والتي يريد البعض بعثرة الصفوف بمثل هذه الخلافات، عملا بالقاعدة الاستعمارية: "فَرّق تَسُد" والله أعلم.