الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
تكلم الفقهاء عن حكم طلب تولي القضاء، وكان حاصل كلامهم التفصيل الآتي:
1- إذا لم يكن أهلا لتولي القضاء، ولم يكن يملك الكفاية العلمية لذلك: فلا يحل له تولي هذا المنصب.
2- أما إذا كان يمتلك الأهلية لذلك، ولم يكن في الناحية غيره يصلح للقضاء: وجب عليه طلب هذا المنصب.
3- وأما إذا كان في الناحية من هو مثله، أو أفضل منه: فيكره له طلب القضاء، لورود النهي عنه في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ ابْتَغَى الْقَضَاءَ وَسَأَلَ فِيهِ شُفَعَاءَ وُكِلَ إِلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ) رواه الترمذي.
وعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَرَجُلَانِ مِنْ قَوْمِي فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: أَمِّرْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَقَالَ الْآخَرُ مِثْلَهُ. فَقَالَ: (إِنَّا لَا نُوَلِّي هَذَا مَنْ سَأَلَهُ وَلَا مَنْ حَرَصَ عَلَيْهِ) متفق عليه.
ويستنثى من حكم الكراهة ما إذا رجا أحد أهل العلم بتوليه القضاء أن يستعمل منصبه في نشر العلم الشرعي، وفي إحقاق الحق، وإزهاق الباطل، ونصرة المظلوم، ومساعدة الضعيف، فقد أخبر الله تبارك وتعالي عن نبيه يوسف عليه السلام أنه طلب الولاية على الأموال، شفقة على الناس، وإنصافاً لهم فقال عز وجل: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) يوسف/55.
أما إذا أراد بطلبه القضاء التعالي على الناس، والتكسب بالرشوة، فيحرم عليه حينئذ هذا السعي، ولا يجوز للمسؤولين تمكينه من غرضه ذلك.
يقول الخطيب الشربيني رحمه الله: "وقد امتنع ابن عمر رضي الله عنهما لما سأله عثمان رضي الله عنه القضاء." رواه الترمذي.
وعرض على الحسين بن منصور النيسابوري قضاء نيسابور، فاختفى ثلاثة أيام، ودعا الله تعالى فمات في اليوم الثالث.
وورد كتاب السلطان بتولية نصر بن علي الجهضمي عشية قضاء البصرة، فقال: أشاور نفسي الليلة وأخبركم غدا، وأتوا عليه من الغد فوجدوه ميتا.
وقال مكحول: لو خيرت بين القضاء والقتل اخترت القتل.
وامتنع منه الإمام الشافعي رضي الله عنه لما استدعاه المأمون لقضاء الشرق والغرب.
وامتنع منه الإمام أبو حنيفة - رضي الله عنه - لما استدعاه المنصور فحبسه وضربه.
وقال آخر : فيا ليتني لم أكن قاضيا ويا ليتها كانت القاضية" انتهى. "مغني المحتاج" (6/259-261)
ولا يخفى أن أولئك العلماء لما أبوا القضاء قام بالأمر من هو كفء له، أما إذا كان الاعتذار سيؤدي إلى تولية من لا يصلح، فليقدم عليه مستعينا بالله تعالى. والله أعلم.