الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
حاصل ما يقرره المحدثون والأصوليون والمتكلمون أن الإقرار بما جاء في السنة النبوية يتفاوت بحسب درجة ثبوت رواية الحديث، وبحسب دلالته على المقصود، فليس الخبر المتواتر كخبر الواحد المجرد عن القرائن - من حيث القطع بمضمونه وجعله من أركان الإيمان التي يكفر منكرها -، كما أنه ليس خبر الواحد كالعدم، لا يفيد السامع شيئا، بل يجب على المسلم التصديق بمضمونه - ما دام خبرا صحيحا - ولا يجوز رده من غير إقرار ولا تصديق.
فالعقائد تطلق في اصطلاح العلماء على أمرين: الأول: ما يَكفُر جاحدُه، وهذا لا يثبت إلا بدليل قطعي الورود، قطعي الدلالة.
والثاني: ما يُصَدِّقه القلب، ويجب على المسلم أن يصدق بكل ما بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح أو حسن، فضلا عن التواتر.
وهذا يعني أنه يجب التصديق بالمتواتر والصحيح والحسن، لكن لا يكفر إلا من أنكر المتواتر الذي لا يحتمل إلا معنى واحدا.
أما في باب الأحكام فيجب العمل بالصحيح والحسن فضلا عن المتواتر، وإذا اتضحت هذه المعاني زال الإشكال.
وسبب هذا التقسيم عند أهل السنة - من الأشاعرة والماتريدية - هو تحاشي تكفير المسلمين كلما نشب خلاف في مسألة عقدية، ولذا تجدهم لا يكفرون إلا من ثبت كفره بدليل قطعي، وهو تكذيب ما ورد قطعا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينما توسع غيرهم في التكفير.
ووجهة نظر الأشاعرة ومَن وافقهم: أنَّ كلَّ مَن وُلد مِن أب أو أم مسلمة فهو مسلم قطعا، وكذا مَن نطق بالشهادتين، فلا يخرج مِن الإسلام إلا بيقين، وهو ما ذكرنا.
وبهذه الفكرة تنحل - إن شاء الله - جميع الإشكالات التي ترد على الناظر في هذه المباحث في كتب العلماء، وتنحل أكثر الخلافات التي أحدثها الجهل بين كثير من طوائف المسلمين. والله أعلم.