الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
التوائم الملتصقة التي تعرف بالتوائم السياميّة: هي توائم متماثلة ارتبطت أجسادها في الرحم، وهي من الظواهر النادرة في الولادات إجمالاً، ولها صور كثيرة باعتبار تعدد الرأس والبدن، فقد يتعدد البدن والرأس واحد، وقد يتعدد الرأس والبدن واحد، وقد يتعدد البدن ويتعدد الرأس ويختلف مكان الالتصاق، والحكم على هذه التوائم يختلف من حيث استحقاق الميراث، ووجوب الدية والكفارة في حال الاعتداء عليها بالقتل، وجواز الزواج منها أو بينها -ونقتصر في الإجابة هنا عن حكم الزواج من التوائم المتحدة من البطن فأسفل والمنفصلة من الأعلى- وذلك يختلف باعتبارين هما:
الأول: أن يكون التوأمان مختلفين ملتصقين، بأن يكون لهما رأسان ودماغان منفصلان، وإرادتان مختلفتان، فيعاملان على أنهما شخصان، فلا يجوز الزواج منهما؛ لترتب الجمع بين المحارم إذا كان التوأم أنثى، ولتعدد الأزواج إذا كان التوأم ذكراً، قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله: "إذ الواحد لا يكون له بدنان، فالبدنان حقيقة يستلزمان رأسين، فلو لم يكن إلا رأس فالمجموع بدن واحد" [أسنى المطالب 4/ 90]، ومفهوم هذا أن تعدد الرأس يجعل لكل رأس شخصية مستقلة، ووجود رأس واحد ولو تعدد البدن يجعل منه شخصًا واحدًا، ومردُّ التمييز في ذلك -في وقتنا الحاضر- بالرجوع إلى أهل الاختصاص من الأطباء، والاستعانة بالتقنيات الحديثة، والتحاليل المخبرية الدقيقة للوصول لطبيعة تكوّن هذا الجسد، وإذا ما كان شخصًا واحدًا أم اثنين.
الثاني: أن يتعدد البدن لرأس واحد، أو يكون له رأسان ويكون أحدهما زائدًا؛ بحيث يكون له دماغ واحد وإرادة واحدة، فهذا يُعامل معاملة الشخص الواحد؛ فلا حرج من الزواج منه، قال الإمام الشربيني رحمه الله: "فروع: لو ألقت بدنين ولو ملتصقين فغرّتان -والغرّة دية الجنين-؛ إذ الواحد لا يكون له بدنان، فالبدنان حقيقة يلتزمان رأسين، فلو لم يكن إلا رأس فالمجموع بدن واحد حقيقة؛ فلا تجب إلا غرة واحدة.
ولو ألقت ثلاثاً أو أربعاً من الأيدي أو الأرجل، أو رأسين؛ وجب غرة فقط؛ لإمكان كونها لجنين واحد بعضها أصلي وبعضها زائد، وعن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه أخبر بامرأة لها رأسان فنكحها بمائة دينار، ونظر إليها وطلقها" [مغني المحتاج 5/ 370].
وعليه؛ فالحكم على زواج التوائم الملتصقة يتوقف على اعتبارهما شخصين، أو شخصاً واحداً، فإذا اعتبرناهما شخصين؛ لم يجز الزواج، وإذا كانا شخصاً واحداً؛ جاز الزواج منه، ومردُّ التمييز في ذلك وفق الضوابط الفقهية السابقة يكون بالرجوع إلى أهل الاختصاص من الأطباء، والاستعانة بالتقنيات الحديثة والتحاليل المخبرية الدقيقة للوصول لطبيعة تكوّن هذا الجسد، وهل هو شخص واحد أم اثنين. والله تعالى أعلم.