الموضوع : حكم التوسل إلى الله تعالى بالقُرَب والطاعات بنية تفريج الهم والكرب

رقم الفتوى : 3699

التاريخ : 13-04-2022

السؤال :

ما حكم ذبح خاروف أو ناقة على نية تفريج الهم والكرب؟

الجواب :

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله 

الأعمال الصالحة من جملة القرب التي يتقرب بها لله سبحانه وتعالى، وهي كثيرة وتشمل الدعاء والصدقات وذبح الأنعام، وغيرها من الأعمال الصالحة، والغاية مما يقدمه العبد من هذه القرب طاعة الله عز وجل، وطلباً لرضاه سبحانه وتعالى، وطلباً منه عز وجل دفع البلاء وتفريج الهموم والكربات.

والتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بالأعمال الصالحة لتحقيق المصالح الحياتية، كدفع الهم والحزن وتفريج الكرب وعلاج البدن وسعة الرزق هو مما أرشد له الشارع نفسه؛ حيث قال سبحانه وتعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا} [نوح: 10،11].

وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإحسان إلى الفقراء والضعفاء وإكرامهم؛ لما في ذلك من أسباب وجود رضاه سبحانه، واستحقاق البركات التي فيها تحقيق المصالح الدنيوية من نصر على الأعداء وسعة في الرزق، والإحسان لهم بالخير متعدد يكون ببسط الوجه وحسن المعشر والتواضع وغيرها من أعمال البر، ويكون بإطعام الطعام بالذبائح وغيرها، أخرج البخاري في [صحيحه] عن مصعب بن سعد قال: "رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، أنَّ له فَضْلًا علَى مَن دُونَهُ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (هلْ تُنْصَرُونَ وتُرْزَقُونَ إلَّا بضُعَفَائِكُمْ)".

جاء في [فتح الباري شرح صحيح البخاري 6/ 89]: " قوله هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم في رواية النسائي إنما نصر الله هذه الأمة بضعفتهم بدعواتهم وصلاتهم وإخلاصهم، وله شاهد من حديث أبي الدرداء عند أحمد والنسائي بلفظ إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم، قال بن بطال: تأويل الحديث أن الضعفاء أشدُّ إخلاصاً في الدعاء وأكثر خشوعاً في العبادة لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا".

وقال الملا علي قاري رحمه الله تعالى: "رأى سعد" أي: ظن أو توهم أن له فضلاً أي زيادة فضيلة أو مثوبة من جهة الشجاعة أو السخاوة أو نحوهما على من دونه، أي من الفقراء والضعفاء، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، أي: جواباً له وإسماعاً لغيره: (هل تنصرون) أي: على أعدائكم، (وترزقون) أي: الأموال من الغنيمة وغيرها (إلا بضعفائكم)، أي: إلا ببركة وجود ضعفائكم، ووجود فقرائكم منهم بمنزلة الأقطاب والأوتاد لثبات العباد والبلاد، وحاصله أنه إنما جعل النصر على الأعداء، وقدر توسيع الرزق على الأغنياء ببركة الفقراء، فأكرموهم ولا تتكبروا عليهم، فإنهم أهل سلوك المحبة على أضيق المحجة، وملوك الجنة في أعلى مراتب المعزة" [مرقاة المفاتيح 8/ 3274].

ومن جملة الأدلة التي يستدل بها على ما نقول، قوله صلى الله عليه وسلم: (دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ) رواه أبو داوود، وقد روي مرفوعاً عن عدد من الصحابة، منهم ابن مسعود وعبادة بن الصامت وابن عمر وسمرة بن جندب كما عند الطبراني وأبو نعيم وابن الجوزي والبيهقي وغيرهم، ولا يخلو إسناد منها من مقال. وورد كذلك في [شعب الإيمان] للبيهقي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَاسْتَنْزِلُوا الرِّزْقَ بِالصَّدَقَةِ)، وفي حديث آخر له: (بَاكِرُوا بِالصَّدَقَةِ، فَإِنَّ الْبَلاءَ لا يَتَخَطَّى الصَّدَقَةَ).

وعليه؛ فلا حرج بالتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بالقُرَب والطاعات والتي من جملتها الذبح له سبحانه بنية تفريج الهموم والكروب، ولا منافاة في ذلك للإخلاص في العبادة. والله تعالى أعلم.