الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
حديث: (من وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله) رواه أبو داود والنسائي وغيرهما بهذا اللفظ عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، وصححه النووي في "المجموع" وغيره من المحدثين.
وقال ابن حجر رحمه الله: "المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله، وقد ورد الأمر بسد خلل الصف والترغيب فيه في أحاديث كثيرة، أجمعها حديث ابن عمر عند أبي داود وصححه ابن خزيمة والحاكم ولفظه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله) " فتح الباري" (3/ 77).
ومعنى الحديث: "من وصل صفا بوقوفه فيه، وصله الله برحمته، ورفع درجته، وقربه من منازل الأبرار ومواطن الأخيار، ومن قطع صفا بأن كان فيه فخرج منه لغير حاجة، أو جاء إلى صف وترك بينه وبين من بالصف فرجة بلا حاجة قطعه الله، أي أبعده من ثوابه ومزيد رحمته، إذ الجزاء من جنس العمل" "فيض القدير" للمناوي (2/ 75).
فهذه الأحاديث إنما تدل على الحث على تسوية الصفوف واستحباب ذلك، وإتمامها الأول فالأول، والذم في قوله (قطعه الله) لا يدل على التحريم، فقد فسر العلماء هذه الجملة بالقطع عن الأجر والثواب كما سبق.
قال الهيتمي رحمه الله: "يستحب تسوية الصفوف، والأمر بذلك لكل أحد، وهو من الإمام بنفسه أو مأذونه آكد للاتباع مع الوعيد على تركها، والمراد بها إتمام الأول فالأول، وسد الفرج، وتحاذي القائمين فيها، بحيث لا يتقدم صدر واحد ولا شيء منه على من هو بجنبه، ولا يشرع في الصف الثاني حتى يتم الأول، ولا يقف في صف حتى يتم ما قبله، فإن خولف في شيء من ذلك كره، أخذًا من الخبر الصحيح: (ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله)" ينظر كتاب "المنهج القويم" (ص/190). والله تعالى أعلم.