الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
مسافة القصر كما قال فقهاؤنا رحمهم الله ثمانية وأربعون ميلا؛ واستدلوا لما ذهبوا إليه بما روى البيهقي في "السنن الكبرى" (3/196) بسند صحيح، وعلقه البخاري في "صحيحه/باب في كم يقصر الصلاة" عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ (أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ كَانَا يُصَلِّيَانِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ).
والأربعة برد تساوي ثمانية وأربعين ميلا، والميل وقع فيه الخلاف، وقد اعتمد النووي في "المنهاج" وأصحاب الشروح والحواشي أنه ستة آلاف ذراع، ولكن اعتمد المتأخرون أنه ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع، كما ذكره السمهودي الشافعي (ت911هـ) في كتابه "وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى" (1/85) حيث يقول: "البريد أربع فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ذراع بذراع اليد على الأصح، كما صححه ابن عبد البر وغيره، وهو الموافق لاختيار ما ذكروه من المسافات في الحرم المكي وغيره، وذراع اليد - على ما ذكره المحب الطبراني والنووي وغيرهما- أربعة وعشرون أصبعا، كل أصبع ست شعيرات مضمومة بعضها إلى بعض، ومقدار الذراع المذكور من ذراع الحديد المستعمل في القماش بمصر الآن ذراع إلا ثمن ذراع، كما اعتبرته أنا وغيري، ومشى عليه التقي الفاسي في تاريخ مكة المشرفة، وليكن ذلك على ذكر منك إذا مررت بشيء مما ضبطناه في المسافات في كتابنا هذا، وقيل: الميل ستة آلاف ذراع، ومشى عليه النووي، وهو بعيد، ولعل قائله هو الذي يجعل الإصبع في الذراع ثلاث شعيرات فقط، وقيل: الميل ألفا ذراع، والصواب ما قدمناه، والله أعلم" انتهى.
وقد اعتمده أيضا في "بغية المسترشدين" (ص155-156) ونقله عن المشهور المتواتر عند أهل الجهة الحضرمية من عادتهم وتجربتهم، كما قرره الدكتور محمد نجم الدين الكردي بتوسع في كتابه المفيد "المقادير الشرعية" (ص252-260)، فمن أراد التبحر في المسألة فليرجع إليه، ففيه الجواب على إشكالات كثير من طلبة العلم في "المقادير الشرعية المعاصرة"، وحقق فيه أيضا أن الذراع الشرعي يساوي ثمانية وأربعين سنتمترا (48سم)، وبهذا تكون مسافة القصر تساوي بالأطوال المعاصرة (48ميل*3500 ذراع*48سم)= (80.64 كم) وهو ما اعتمده أكثر المعاصرين. والله أعلم.