الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
كرَّم الله تعالى الإنسان فقال عز وجل: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ) الإسراء/70، ومن تكريم الله له أن حرَّم الاعتداء على حياته، وعدَّ ذلك اعتداءً على الإنسانية جمعاء، والمحافظة عليها إحياء لها، قال الله تعالى: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) المائدة/32.
والجناية على النفس البشرية محرَّمة في أية مرحلة من مراحلها، سواء كان قبل الولادة أم بعدها، قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: "وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة، وتستعد لقبول الحياة، وإفساد ذلك جناية، فإن صارت مضغة وعلقة كانت الجناية أفحش، وإن نُفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشًا، ومنتهى التفاحش في الجناية بعد الانفصال حيًّا" "إحياء علوم الدين" (2/ 51).
وعليه فلا يجوز للأم الاعتداء على جنينها بشكل عام، ولكن للأم المصابة بالسرطان إجهاض الجنين الذي لم يبلغ أربعة أشهر إذا كانت تُعالج بالعلاج الكيماوي أو الإشعاعي وغلب على ظن الأطباء أن هذا العلاج سيؤدي إلى تشوه الجنين تشويهًا يجعل حياته غير مستقرة.
وهذا ما نص عليه مجلس الإفتاء في قراره رقم: (35) للعام (1413هـ) حيث جاء فيه: "إذا بلغ الجنين في بطن أمه أربعة أشهر أو جاوزها؛ فلا يجوز إسقاطه مهما كان تشوهُهُ، إذا قرر الأطباء أنه من الممكن استمرار حياته، إلا إذا كان ترتب على بقائه خطرٌ محقق على حياة الأم. وأما إذا لم يبلغ الجنين أربعةَ أشهرٍ، وثبت أنه مشوَّه تشويها يجعل حياته غير مستقرة؛ فيجوز إسقاطه بموافقة الزوجين". والله أعلم.