الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الأصل أن البيع عقد لازم لا يحل فسخه إلا بإرادة الطرفين، وهذا أدعى إلى استقرار البيوع والمعاملات بين الناس، وعلى ذلك ليس لأحد المتبايعين النكول عن التزاماته، فإذا لم يقم المشتري بدفع باقي الثمن فإنه يُلزم به شرعًا، وليس له فسخ البيع، كما أن البائع ملزم بتسليم المبيع.
وبيع العربون له صورتان: فهو إما أن يكون قبل إنشاء العقد، أو مقترنًا بالعقد.
فإن كان قبل إجراء العقد بأن يُعطي المشتري البائعَ مبلغًا من المال فإن لم يتم البيع فالمال له، وإن تم البيع حُسب من الثمن؛ فهذا جائز لا إشكال فيه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ) رواه الحاكم.
والصورة الثانية: أن يكون مقترنًا بإنشاء العقد، بأن يدفع المشتري للبائع مبلغًا من المال، فإن أمضى البيعَ حُسب هذا المبلغ جزءًا من الثمن، وإن لم يمضه أخذه البائع.
وهذه الصورة منعها الحنفية والشافعية، مستدلين بما رواه ابن ماجه عن عمرو بن شعيب: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ". وأجازها الحنابلة مستدلين بما رواه الإمام البخاري تعليقًا، قال: "واشْتَرَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الحَارِثِ دَارًا لِلسِّجْنِ بِمَكَّةَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ عَلَى أَنَّ عُمَرَ إِنْ رَضِيَ فَالْبَيْعُ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ عُمَرُ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعمِئَةِ دِينَارٍ". وقد ضعَّف الإمام أحمد الحديث الذي احتج به الجمهور على المنع، وقال عنه الحافظ ابن حجر: "فيه راو لم يسمَّ، وسمي في رواية لابن ماجه ضعيفة عبد الله بن عامر الأسلمي، وقيل هو ابن لهيعة، وهما ضعيفان" "التلخيص الحبير" (3/ 44).
وأجاز "مجمع الفقه الإسلامي" بيع العربون إذا قُيدت فترة الانتظار بزمن محدود، ويحتسب العربون جزءًا من الثمن إذا تم الشراء، ويكون من حق البائع إذا عدل المشتري عن الشراء. (الدورة الثامنة) قرار (76/ 3/ 85)، كما أجاز القانون المدني الأردني بيع العربون في المادة (107) منه.
والمختار عندنا جواز بيع العربون، وأن العربون الذي يدفعه المشتري يكون جزءًا من الثمن إن أمضى البيع، وإلا فهو للبائع إن عدل المشتري عن الشراء، شريطة أن يُحدد بفترة زمنية يتفق عليها الطرفان، وهذا من باب خيار الشرط. والله أعلم.