الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
تقوم الدولة مشكورة بدعم بعض المواد الأساسية، ومنها مادة الطحين؛ لتوفير الخبز بأسعار رخيصة نظرًا للتكلفة العالية، وتخفيفاً على أفراد المجتمع، وخاصة ذوي الدخل المحدود والفقراء.
ومن المعلوم أن هذا الدعم يجب أن يصل إلى مستحقيه من المواطنين حسب التعليمات المخصصة لذلك.
وعليه؛ فلا يجوز المتاجرة بالطحين الذي يتمتع بدعم من الدولة في الأسواق التجارية الخاصة، كما لا يجوز بيعه لأصحاب المواشي، فمن تاجر فيه أو باعه لأصحاب المواشي فقد باع أقوات الناس وأرزاقهم وعماد حياتهم بغير حق، وأكل أموال الناس وأثرى على حسابهم بالباطل.
وهو من المحرمات والكسب الخبيث، بل نوع من أنواع الغلول (السرقة). قال الله تعالى: (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) آل عمران/161.
ويلزمه ردُّه أو ردُّ قيمة ما جمع من هذا العمل المحرم وإن تقادم عليه الزمن قبل أن يقف أمام الله تعالى لا يملك درهمًا ولا دينارًا، وسوف يسأله عز وجل يوم القيامة عن هذا المال الحرام من أين اكتسبه، وفيمَ أنفقه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ) رواه الترمذي. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ رجالاً يتخوَّضون في مالِ اللهِ بغير حقٍّ؛ فلهم النارُ يومَ القيامة) رواه البخاري.
كما أن مِن العمل المحرم خلط الطحين (الموحَّد) المدعوم بطحين (الزيرو) غير المدعوم؛ ليصنع منه صاحب المخبز المعجنات والحلويات وغير ذلك، وبيعها بأسعار عالية، موهمًا بأنه من طحين (الزيرو) فقط؛ فهذا من الغش والكذب الذي حذر منه الإسلام. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة/119. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ غشَّ فليس مِنّي) رواه مسلم.
وهو كسب خبيث حرام، وقد بين فقهاء الإسلام أن من سرق أو اختلس أو نهب أو ارتشى أو حصل على مال بالباطل من الأموال العامة؛ فعليه أن يرده لتبرأ ذمته لقوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل أي الكسب أطيب؟ فقال: (عَمَلُ الرَّجلِ بيده، وكلُّ بيعٍ مبرورٍ) رواه أحمد.
والحاصل أنه يحرم التصرف بهذا الطحين لغير الأغراض المخصصة له للأسباب الآتية:
أولاً: أنه يُفَوِّت المقصد الشرعي من دعم تلك السلع؛ لأن هذه المواد مخصصة للاستهلاك الإنساني لا للمتاجرة بها، وأنها مقيدة بكميات حسب الحاجة الاستهلاكية.
ثانيًا: أنه سيُلحقُ ضرراً بمن خُصِّص لهم الدعم؛ لأنها ستتسبب في ارتفاع الأسعار.
ثالثًا: أن فيه مخالفة لتعليمات وليِّ الأمر.
رابعًا: أنه من الغش والكذب المحرَّمَين.
خامسًا: أن فيه أكلاً لأموال الناس بالباطل، وفيه إثراء بغير حق على حساب أقوات الناس وحاجاتهم الأساسية.
فالواجب على التجار وأصحاب المخابز أن يتقوا الله تعالى، ولا يتجرؤوا على التلاعب بأقوات الناس وأرزاقهم، فغدًا سيقفون بين يدي الله تعالى. قال الله عز وجل: (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) المطففين/4-6. والله أعلم.