الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
حقوق الملكية الفكرية والتأليف وبطاقات الائتمان من المسائل المستحدثة، وقد أصبحت تمثل في العرف التجاري قيمة كبيرة في المعاملات اليومية؛ لذلك اعترفت المجامع الفقهية بكونها حقوقًا وأموالاً لأصحابها، فلا يجوز سرقتها، ولا التلاعب بها، ولا الاعتداء عليها بأي شكل من الأشكال؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) النساء/29.
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي (قرار: 43): "الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار، هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العُرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتموّل الناس لها، وهذه الحقوق يعتد بها شرعًا فلا يجوز الاعتداء عليها".
فإذا كانت حقوق التأليف محمية فالاعتداء عليها سرقة توجب العقوبة التعزيرية، ولا توجب الحد؛ لانتفاء شروط تطبيقه عليها، وأما إن كانت غير محمية، ومتاحة لمن أراد كبعض المؤلفات والاختراعات، فلا حرج في الاستفادة منها، ولا يعد ذلك اعتداءً عليها.
أما سرقة الأموال عن طريق بطاقة الائتمان عبر (الإنترنت) فقد أجمع الفقهاء على عدم وجوب حد القطع بالسرقة إلا إن كان المال محرزًا، جاء في "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (5/ 474): "من شروط المسروق كونه محرزًا بالإجماع كما حكاه ابن المنذر وغيره، فلا قطع بسرقة ما ليس محرزًا؛ لخبر أبي داود: (لا قطع في شيء من الماشية إلا فيما آواه المراح)، ولأن الجناية تعظم بمخاطرة أخذه من الحرز، فحكم بالقطع زجرًا، بخلاف ما إذا جرأه المالك ومكنه من تضييعه... والمحكم في الحرز العرف... وضبطه الغزالي بما لا يُعَدُّ صاحبه مضيعًا" انتهى.
فإن كانت هذه الأموال محمية بالحرز الإلكتروني المستعمل لأمثالها بحيث لا يستطيع غير مالكها التصرف بها، كأرصدة البنوك، فهي أموال محرزة توجب سرقتها الحد بشروطه وبتقدير القاضي الشرعي، أما إن كانت غير محمية ولا محرزة، أو فرط صاحبها في حفظها، فتنتقل عقوبة الاعتداء عليها إلى التعزير الذي يُقدِّره القانون، قال الإمام الشربيني: "ولو أغلق الباب نهارًا ووضع المفتاح في شق قريب من الباب، فبحث عنه السارق وأخذه وفتح الباب، فإنه لا قطع عليه كما أفتى به البلقيني؛ لأن وضع المفتاح هناك تفريط فيكون شبهة دارئة للحد" "مغني المحتاج" (5/ 478).
أما حد الحرابة فلا تنطبق شروطه على السرقة الإلكترونية؛ لأن الحرابة تعتمد على الشوكة والمنعة والمجاهرة، بخلاف السرقة، قال الإمام النووي: "قاطع الطريق هو مسلم مكلف له شوكة، لا مختلسون يتعرضون لآخر قافلة يعتمدون الهرب" "منهاج الطالبين" (ص/301). والله أعلم.