الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
يَحْرُمُ بيعُ المواد الفاسدة أو الضارة بالصحة؛ لأن الواجب على كل مسلم أن يحرص على سلامة المسلمين، وتجنب ما يؤذيهم ويضر بصحتهم وسلامتهم، فيحرم بيع أي شيء يضر بهم، ويحرم غشهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِني) رواه مسلم.
فإذا كان التاجر يعلم بانتهاء صلاحية مادة غذائية حَرُمَ عليه بيعها؛ لأنها تضر غالبًا، قال صلى الله عليه وسلم: (لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ) رواه ابن ماجه. واستحق الإثم الكبير؛ لأنه من الغش المحرم.
وإن تسببت هذه المواد بموت أحد، وثبت من الجهة الطبية أن الوفاة كانت بسبب المادة الفاسدة التي أكلها؛ فالظاهر من كلام الفقهاء هنا أن المتسبب متعدٍّ، والتعدي سبب للضمان، كمن وضع حجارة في الطريق العام فتأذى منها أحدهم.
كما أن في التغرير ببيع مواد فاسدة على أنها سليمة نوع من الإكراه، قال الإمام الجويني: "إذا باع رجل طعامًا مسمومًا إلى من يغلب على القلب أنه يأكل منه، فهذا محطوط عن رتبة الإكراه؛ من حيث لا إجبار، ولكنه من جهة إفضائه إلى الهلاك يضاهي الإكراه" "نهاية المطلب" (16/ 127).
وعليه فإن أدى أكل هذه المواد الفاسدة إلى موت الآكل، وكان البائعُ عالمًا بالخطر، والآكلُ غيرَ عالم به، فإنَّ على البائع الدية والكفارة؛ لأنه متسبب، وكذلك الحكم إن كان البائع لا يعلم بفساد المادة التي باعها؛ لأن وجود تاريخ الصلاحية على المادة، ووجوب الالتزام به بمثابة الإعلام له، ولولي الأمر أن يفرض على من يبيع هذه المواد الفاسدة عقوبات تعزيرية رادعة حسب ما يراه. والله أعلم.