الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
مفهوم الزواج والإنجاب المقرر في الشريعة الإسلامية يقوم على مقاصد جليلة، ومصالح عظيمة، تسعى إلى بناء الأسرة الصالحة القوية، التي هي حجر الأساس في تحقيق عمارة الأرض بشريعة الله سبحانه وتعالى، وبناء الفرد الصالح القادر على البناء والعطاء.
عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ) رواه مسلم.
وعَنْ مَعْقِلِ بن يَسارٍ أن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ) رواه أبو داود.
ومن هذا المقصد العظيم في نظام الأسرة يمكننا أن نتوصل إلى ضرورة الحرص على سلامة النسل من المرض، واتخاذ التدابير والاحتياطات التي تضمن خروجه سليمًا معافىً صحيح النفس والبدن.
لذلك لا نرى حرجًا في سن القوانين التي تنظم الزواج على الوجه الأقرب من المقاصد الشرعية، كسن القوانين التي تقيد زواج المرضى أو حاملي الأمراض الخطيرة التي تنتقل بسبب زواجهم إلى ذريتهم، أو تؤدي إلى انتقال العدوى بين الزوجين؛ وذلك كي لا يكون الزواج -في هذه الحالات- سببًا في وهن المجتمع، وإرهاق المؤسسات الصحية بجهود العلاج وتكاليفها.
وقد جعل الله عز وجل في نساء المسلمين سعة، فالمريض أو الحامل للمرض يمكنه أن يختار الزواج من النساء السليمات بحيث ينعدم احتمال إصابة ذريته بالمرض أو يضعف، وليس ذلك من تحريم الحلال، ولكنه من تقييد المباح بما يحقق المصلحة ويدفع المفسدة، وتلك من سلطات أولياء أمور المسلمين، يتم اتخاذها بعد إجراء الدراسات اللازمة، والمشاورات الضرورية.
أما حكم إجهاض المصاب بالمرض فمتفق على منعه وتحريمه إذا زاد عمر الجنين عن الأربعة أشهر، أما دون ذلك فقد ورد في قرار مجلس الإفتاء الأردني (رقم/35): "إذا لم يبلغ الجنين أربعة أشهر، وثبت أنه مشوَّه تشويهًا يجعل حياته غير مستقرة، فيجوز إسقاطه بموافقة الزوجين" انتهى.
فإذا انطبق هذا الضابط على الجنين المصاب بمرض فقر الدم المنجلي الوراثي؛ جاز إجهاضه دون الأربعة أشهر. والله أعلم.